كلّ ثورة وانتفاضة تتشكّل من عنصرين أساسيين هما: الدم، والرسالة ويراد من عنصر الدم هو الكفاح الدامي والمسلح الذي يقتضي القتل والاستشهاد والتضحية في سبيل المبادئ والقيم المقدسة.
والمراد من العنصر الرسالي أيضاً هو إيصال وبث رسالة الثورة وتبيين مبادئها وأهدافها. ولا يقل العنصر الثاني في نجاح ثورة من الثورات أهمية عن العنصر الأوّل، لأنّه إذا لم يتم تبيين وتوضيح أهدافها ومبادئها للمجتمع فقدت الثورة دعمها الشعبي وانصهرت في بوتقة النسيان وصارت عرضة للتغيير والتحريف على يد أعدائها.
وعندما نلقي نظرة فاحصة على ثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام) المقدسة نجد انّ هذين العنصرين متوفران فيها بشكل تام، إذ كانت ثورته (عليه السَّلام) حتى عصر يوم عاشوراء رمزاً للعنصر الأوّل، أعني: عنصر الدم والشهادة والتضحية، وقد تسلم لواءه الحسين (عليه السَّلام) بنفسه; بينما بدأ يأخذ العنصر الثاني في الظهور من عصر ذلك اليوم، وقد حمل لواء هذا كلٌ من الإمام زين العابدين (عليه السَّلام) والحوراء زينب الكبرى ـ عليها السَّلام ـ ، فقد نشرا رسالة الثورة والشهادة الدامية للحسين وأصحابه بخطبهما الساخنة بين الناس والرأي العام، ونقرا ناقوس فضيحة الطغمة الأموية.
ونظراً للدعاية المضلّلة والكبيرة والواسعة التي استخدمها الحكم الأموي منذ عهد معاوية ضدّ أهل البيت خصوصاً في الشام، فلو لم يبادر بقية أهل بيت الحسين (عليه السَّلام) إلى فضح الأعداء وبث الوعي بين الرأي العام لكان أعداء الإسلام ومرتزقتهم الطغاة يحرّفون ثورة الإمام الكبيرة الخالدة في التاريخ ويشوّهونها أيّما تشويه، كما حاول بعض أُولئك أن يحرّف حقيقة قتل الإمام الحسن (عليه السَّلام) و قال مات الحسن مسلولاً، أو كان يدّعي بعض آخر بأنّ الحسين مات بالسرطان، ولكن الإعلام والدعاية الواسعة النطاق التي استخدمها كلّ من السجاد والحوراء زينب عليمها السَّلام في فترة الأسر ـ وهي الفرصة التي هيّأتها أحقاد يزيد التافهة لهما ـ أحبطت محاولة التضليل والتعتيم فيما يتعلق بحقيقة ثورة الإمام (عليه السَّلام) .