اصطلحنا عليها بالنظرية الغيبية هذه النظرية تحاول أن تفسر دوافع هذه الثورة المباركة على أساس أوامر عالم الغيب وأن الإمام الحسين (عليه السلام) بأعتباره معصوماً مرتبطاً بعالم الغيب كلف من قبل الله سبحانه ومن عالم الغيب بأن يقوم بهذه العملية كتكليف خاص به، باعتباره إنساناً خاصاً وبأعتباره إنساناً معصوماً مرتبطاً بعالم الغيب . لا يشاركه فيه غيره من الناس . ولهذا هذا التكليف الشاق العظيم كان كما أوجبه الله سبحانه عليه وكان يجب أن يقوم بذلك طبق التكليف الإلهي طبعاً هذا التفسير يقبل أنه ترتبت على هذه الحركة المباركة وهذه الثورة العظيمة ترتبت آثار ونتائج إلاّ أن تلك المسألة مربوطة بالآثار والنتائج الآن نبحث عن الدوافع والأسباب . الدافع الذي كان للإمام الحسين(عليه السلام) هو الأمتثال لأمر عالم الغيب فلم يكن هناك دافع سياسي خاص دفعه إلى هذا الشيء ولم يكن هناك دافع أجتماعي خاص وإنما الدافع الحقيقي والسبب الحقيقي الذي حمله على أن يقوم على هذه العملية وعلى هذا العمل الضخم وعلى هذه التضحية الكبيرة إنما هو أوامر عالم الغيب وإنما هو هذا التكليف الإلهي الخاص الذي كلف به وبالذات في تلك الفترة الزمنية الخاصة من التاريخ يحاولون أصحاب هذه النظرية ان يجعلون هذا التكليف الغيبي الخاص هو الدافع الحقيقي رغم أعترافهم بأن هذا التكليف ترتبت عليه آثار ونتائج كثيرة في التاريخ الإسلامي إلاّ أن تلك الآثار لم تكن هي الدوافع بل لعلّها لم تكن ملحوظة للإمام الحسين (عليه السلام) وإنما كان المنظور له الدافع الحقيقي الذي دفعه والذي كان في نفسه إنما هو أمتثال الأمر الإلهي الخاص به والأمر الغيبي الخاص به، ويستشهدون على ذلك ببعض النصوص الواردة منه (عليه السلام) والتي قد يكون ظاهرها بهذا المعنى، أفرضوا النصوص التي وردت في أن الإمام الحسين (عليه السلام) عندما حاول الحاكم الأموي في المدينة ان يجبره على أخذ البيعة ليزيد فاستمهله ليلة أو ليلتين ذهب إلى مرقد النبي (صلى الله عليه واله) فأخذته حاله النوم مثلاً في عالم الرؤيا شاهد الرسول (صلى الله عليه واله) فطلب منه أن يأخذه إليه قال لا إنه شاء الله أن يراك قتيلاً الله قدّر أن تقتل في أرض معينة وهي كربلاء مثلاً . أو المحاورة التي جرت بين الإمام الحسين (عليه السلام) وبين أخيه محمد بن الحنفية أيضاً فيها دلالة على هذا المعنى، نص المحاورة يذكرها السيد ابن الطاووس بهذا الترتيب يقول (سار محمد بن الحنفية إلى الحسين ليلة أراد الخروج إلى مكة فقال يا أخي إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك وقد خفت أن يكون حالك بحال من مضى فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من في الحرم وأمنعه فقال : ياأخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فأكون من يستباح به حرمة هذا البيت فقال له ابن الحنفية : فإن خفت ذلك فسر إلى اليمن أو بعض نواحي البر فإنك امنع الناس به بقدر عليك فقال أنظر فيما قلت فلما كان السحر أرتحل الحسين فبلغ ذلك ابن الحنفية فلحقه فأخذ زمام ناقته التي ركبها فقال: يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك قال : بلى قال : فما حداك على الخروج عاجلاً فقال : أتاني رسول الله بعد ما فارقتك فقال: يا حسين أخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلاً فقال : ابن الحنفية إنا لله وإنا إليه راجعون فما معنى حملك هؤلاء وأنت تخرج على مثل هذه الحال . فقال : له قد قال لي (النبي) إن الله قد شاء أن يراهن سبايا .
هذا أيضاً يدل على أن المسألة مشيئة إلهية غيبية لابد وأن يتحملها الإمام الحسين (عليه السلام) وهذا تكليف خاص به . أيضاً في بعض الرسائل التي ينقلها صاحب كامل الزيارات رسالة ينقلها عن الإمام الحسين (عليه السلام) إلى أخية محمد بن الحنفية .
( بسم الله الرحمن الرحيم ... من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم أمّا بعد فإن من لحق بي فقد أسشهد ومن لم يلحق لم يدرك الفتح ).
أيضاً يقال أن هذا دليل على أن الإمام الحسين(عليه السلام) هدفه أن يستشهد وان ينتهي نتيجة أن الله سبحانه ورسول الله(صلى الله عليه واله) قد بلغه بذلك، وشواهد أخرى من هنا ومن هناك يمكن أستخراج بعض الشواهد التي تدل على أن العملية كانت عملية غيبيه، كان هناك تكليف ثقيل ملقى على عاتق الإمام المعصوم وهو تكليف خاص به . بخصوصية إلهية فيه وبخصوصية في هذا التكليف الإلهي كلف هذا الإمام المعصوم المظلوم أن يتحمل هذا العبء الثقيل ويذهب إلى كربلاء لكي يقتل ويستشهد، وأيضاً قدر لأهله بأن يؤسروا بهذا الترتيب، طبعاً كل تكليف له آثار ونتائج، لكن الآثار بعد ذلك ترتبت، أما الدافع الذي حرّك الإمام الحسين (عليه السلام) والدافع الاجتماعي للقضية لم يمكن هناك واقع غير هذا المنطق الذي يواجه به الإمام الحسين (عليه السلام) محمد بن الحنفية، وهو أخوه وأقرب الناس إليه يقول له صريحاً بأن المسألة كأنها ليست مسألة تخطيط أجتماعي لعمل أجتماعي وإلاّ كيف كان يقول مثل هذا القول لمحمد بن الحنفية، ولماذا لا يقول له أنا عندي تخطي أجتماعي معين عندي هدف مستهدف هذه العملية وسوف أصل إليه بشروطه لم يقل كذلك وإنما آخر جواب منه لأخيه، أنه شاء الله أن يراني قتيلاً وشاء الله أن يرى الأهل والعيال سبايا هذا آخر جواب له .
إذن يستظهر من ذلك أن الدافع دافع أمتثال لتكليف إلهي لا دافع أجتماعي ولا هدف مشخص مخطط له من الإمام الحسين (عليه السلام) .
التحفظات حول التفسير الغيبي :
هذا التفسير بهذا الشكل قد يطرح ويطرحه بعض الخطباء وبعض الكتّاب والظاهر أنه ليس تفسيراً تاماً وصحيحاً وذلك بأعتبار عدة ملاحظات .
الملاحظة الأولى :
إن تفسير قضية الإمام الحسين (عليه السلام) بهذا الشكل يتنافى مع الطبيعة البشرية لعمل الأنبياء والأوصياء، نحن وإن كنا نعتقد بأن الأنبياء والأئمة الأطهار هم ثقل الله في الأرض وهم ثقل عالم الغيب وهم الحبل الممدود إلى عالم الشهادة وهم أحد الثقلين في الأرض وهم الواسطة بين العباد وبين الله كل هذه المعاني صحيحة إلاّ انّنا في نفس الوقت نعتقد بأن الأنبياء والأئمة الأطهار كانوا بشر وفي أعمالهم في الحياة وبالأخص الأعمال التي ترتبط بالجانب الأجتماعي من حياة الناس ،كانت منطلقاتهم وكانت طبيعة أعمالهم طبيعة بشرية نحن لا ينبغي أن نتغافل ونجعل من الأنبياء وجودات أخرى كالملائكة كموجودات عالم الغيب، لهم أحكام موجودات عالم الغيب وأمتيازاتهم ليس كذلك، فيما يرجع إلى دورهم في حياة الناس وفي الدنيا هم بشر كسائر البشر، وطبيعة عملهم وطبيعة تحركهم سيّما التحرك الاجتماعي لهم، في الجانب الاجتماعي كانوا يتحركون كبشر وكان لتحركاتهم دوافع بشرية مفهومة وعقلانية أمام الناس الناس تفهمها، ولولا بشرية أعمال وأدوار الأئمة الأطهار والأنبياء لما استطاعوا أن يغيروا البشر، في الواقع تغير البشرية لا يمكن ان يكون بشكل وأسلوب غير بشري نعم أصل التغير ومنبع التغير ومنبع الرسالة هو عالم الغيب هو الله سبحانه وتعالى، إلاّ أن مجرى التغيير، طريقة التغيير ومسار التغيير مسار بشري ومسار أرضي، ولهذا الآيات القرآنية تقول بسم الله الرحمن الرحيم : [وَقَالُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ] لماذا جعله بشراً، لأنه لا يمكن وليس هناك لدى الإنسان أن يتكون ويسمو ويتسامى من خلال التربية الربانية الإلهية إلاّ من خلال هذه الأساليب البشرية، فحتى الملك، حتى الموجود الغيبي لو أريد أنزاله إلى الأرض لا بد وأن يأطر بالأطار الأرضي لكي يتمكن من أن يؤثر في الناس ولكي يتمكن من أن يغيّر البشر والبشرية فتغير البشرية وتكميلها وجعلها في مسار الكامل لا بد وأن يكون بأساليب أيضاً منسجمة مع الطبيعة البشرية أي أساليب بشرية .
فأفتراض أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان له تكليف خاص وهذا من خصوصيات الإمام الحسين (عليه السلام) لأنه معصوماً ولم يكن الدافع مفهوماً ولا معقولاً عند الناس الذين من قبيل محمد بن الحنفية وأمثاله، وإنما مسألة غيبية بحته مائة بالمائة هي التي دفعت الإمام (عليه السلام) وهذا يتنافى بوضوح مع أصل النظرية التي نحن نؤمن بها في حق طبيعة عمل الأنبياء وعمل الأوصياء والأئمة في العالم، في حياة الدنيا، خصوصاً إذا لاحظتوا أن الإمام الحسين(عليه السلام) في تحركه هذا وفي عمله هذا لم يكن مقتصراً على نفسه هو كان يفكر أن يأخذ معه كل من كان مستعداً لهذا العمل كان يفكر ويحاول أن يسعى أن يأخذ معه من يأتي ولهذا كتب (ومن لم يلحق بنا لم يدرك الفتح) ليس بهذا يريد أن يستنهض الهمم ويحرك الناس إلى أن يأتوا معه لعملية غيبية بحتة بدافع غيبي بحت هذا يمكن أن يقوم به شخص، ذاك الشخص الغيبي فقط هو الإمام أمّا إذا أستطاع أن يحرّك الجماهير معه ولو خمسة ولو ثلة من الناس لحمل الأمر على غير محمل لقد كان الإمام يدعو ويستهدف ان يخرج الناس معه بالفعل خرج معه جماعة (72) فرد من أصحابه لم يكونوا أناس غيبيين كانوا أناس بشريين، لم يكونوا معصومين كانوا بشر وتأثروا بموقف الإمام الحسين(عليه السلام) ومنطق الإمام الحسين (عليه السلام) وحركته، والإمام الحسين (عليه السلام) كيف كان يمكن ان يحرك هؤلاء لو كانت المسألة دوافعها دوافع غيبية لا يفهمها الإنسان الاعتيادي، يفهمها الإنسان المعصوم بعلمه الغيب إذا كانت الدوافع والأسباب غيبية، فهذه لا تستطيع أن تحرك الناس ولا تكون مفهمومة أمام الناس، حتى للأصحاب الذين قتلوا مع الإمام الحسين (عليه السلام) سوف لن تكون القضية مفهومة وسوف لا يندفع هذا الإنسان لكي يبذل دمه، قلّما يوجد أحد مستعد أن يدفع دمه في هذا المجال والأندفاع الذي يحركه أندفاع مجرد غامض لا يمكن أن يفسره ويبرره، ولا يكون فيه تفسير وأيمان حقيقي وطوعي من قبل هذا الإنسان في قبال هذا التحرك، بينما نحن نجد أن هؤلاء طوعاً متجهين مع الإمام الحسين (عليه السلام) وهم كانوا متربين ومتأثرين بقضية الحسين (عليه السلام) تأثيراً غيّر من تصوراتهم وغيّر من روحيّاتهم ونفسيّاتهم، قبل الإمام الحسين (عليه السلام) يخاطبون الناس ويخاطبون أهل الكوفة ويوعظونهم ويجعلونهم أمام المسؤولية الملقاة على عاتقهم، كيف كان يمكن لهؤلاء أن يبلغوا هذا المبلغ ويصبحوا بهذا الشكل لو أفترضنا أن المسألة دوافعها وأسبابها أسباب غيبية خاصة بالإمام فقط لا يفهمها إلاّ المعصوم ولا يمكن أن يكون معقولاً ومفهوماً أمام الآخرين وفي الجو الاجتماعي الذي كان يعيشه الإمام (عليه السلام) .
إذن فمن هذه الناحية لا يمكن المساعدة على هذا المقدار من التفسير الغيبي للقضية هذه الملاحظة الأولى لهذا التفسير .
الملاحظة الثانية:
إن هذا التفسير على خلاف تصريحات الإمام(عليه السلام) نفسه هناك محاورات من الإمام (عليه السلام) هناك خطب وكلمات صريحة صدرت من الإمام (عليه السلام) في يوم عاشوراء وقبل عاشوراء، في مكة، في أماكن أخرى صريحة في أن القضية دوافعها دوافع قابلة للفهم العقلائي وقابلة للفهم الأجتماعي وقابلة لأن تطرح على الجماهير بل بالفعل طرحها الإمام على الجماهير التصريحات ما أكثرها التي تدل على أن الإمام يشرح دوافع ثورته ودوافع خروجه ويحاول أن يذكر دوافع رسالية قابلة للفهم والتصديق والأذعان من قبل المؤمنين في المجتمع الإسلامي آنذاك، في كثير من خطبه هذه المسألة موجودة كما سوف نشرح تلك النصوص وتلك الأدلة والشواهد في (النظرية الثانية) التي هي عكس النظرية الأولى .
إذن فتصريحات الإمام (عليه السلام) والرسائل التي كان يبعثها إلى أهل الكوفة كانت واضحة في أنه كان يريد العدل يقول فما الإمام العادل إلا من أقام السنة إن هذا كان حقناً وقد أخذه غيرنا، وسكتنا عنه – من اجل أن لا تصبح فرقة – ونحن أحق به من غيرنا واضح أنه يبين ان الدافع الحقيق : هو أن النظرية الإسلامية تقول أن الولاية والإمام والخلافة لا بد وأن تكون في أهلها الشرعيين وهم المعصومون لا يزيد بن معاوية ولا هؤلاء ولا من كان قبله يسمى بالخلفاء الراشدين، في كلام الإمام (عليه السلام) واضح أن دافعه وهدفه كان هدفاً على الأقل قابل للطرح على الجماهير وأفهام الناس ما هية الهدف، وقابل لدرك الناس هذا الهدف وهذا الدافع وهذا ينافي ان تكون القضية قضية غيبية خاصة .
هذه الملاحظة الثانية على هذا التفسير .
الملاحظة الثالثة:
على هذا التفسير أنه أساساً مثل هذا التفسير يجعل من قضية الإمام الحسين (عليه السلام) قضية غير مؤثرة حقاً وغير مربية للبشرية والناس، أي لو أفترضنا أنه واقعاً قضية الإمام الحسين (عليه السلام) حكم غيبي خاص مخصوص بالإمام الحسين (عليه السلام) الله لحكمة غيبية شاء أن يرى الإمام الحسين (عليه السلام) قتيلاً في كربلاء والإمام الحسين(عليه السلام) بأعتباره معصوماً أمتثل المشيئة الإلهية وذهب إلى أن قتل في كربلاء . إذا كانت المسألة دوافعها في ضمن هذه الحدود فقط فمثل هذه القضية من المستحيل أن تربي الناس والأجيال وأن تكون فاعلة في ضمير من كان في زمن الإمام الحسين (عليه السلام) فضلاً من أن تبقى هذه الفاعلية وهذا التأثير وهذا المدّ وهذه الهزّة تبقى إلى الآن، لأن الناس عندما لا يفهمون القضية فهماً عقلائياً وفهماً بشرياً وقد يفهمه كحكم خاص وعملية خاصة غيبية موضوعه أيضاً إنسان خاص وهو المعصوم فنحن لسنا معصومين، الناس ليسوا بمعصومين فهم خارجين موضوعاً وتخصصاً عن هذا الحكم .
إذن فلماذا يتفاعلون مع هذه القضية وكيف تؤثر عليهم هذه القضيه وكيف تكهربهم كما كهربتهم فاعلية قضية الإمام الحسين(عليه السلام) بحسب الحقيقة متوقفة على ان تحفظ بشرية القضية لأن الطبيعة البشرية في القضية إذا لم تحفظ وخرجت القضية عن كونها بشرية فسوف لن تؤثر ولن تكون فاعلة وتصبح قضية غيبية . الإنسان قد يتأثر ويتألم ويبكي على الإمام الحسين (عليه السلام) ولكنه لا يتخذ من هذه القضية درساً وعبرة لنفسه ولا يعتبر هذا السلوك قدوة بالنسبة إليه وأنه هو أيضاً عنده مسؤولية تجاه تطبيق سلوكه وعمله الأجتماعي مع ما فعله الإمام الحسين (عليه السلام) سوف لا يجد في ذلك أي مبرر، لأنه قضية خاصة في موضوع خاص من قبيل سائر الأحكام الخاصة بالنبي (صلى الله عليه واله) افرضوا مثلاً تعدد الزوجات أكثر من أربعة هذه أحكام خاصة بالنبي (صلى الله عليه واله) هل يمكن أحد يطبق سلوكه عليه، كلا، لأنه حكم خاص أو أي حكم خاص كان من مختصات أحد الأنبياء السابقين، الحكم الخاص لا يمكن أن يكون قدوة للناس ومربياً للآخرين بينما نحن نعلم أن قضية الإمام الحسين (عليه السلام) هي من أقوى العوامل التي ربّت المجتمعات الإسلامية والأجيال على طول التاريخ ولا تزال هي الفاعلة وهي المؤثرة والمهيجة والمبقية لمدرسة، أهل البيت "عليهم السلام" سيما الجانب السياسي من هذه المدرسة الجانب الذي يرفض كل أنواع الحكام الظلمة والذين كانوا يريدون وأرادوا بالفعل أن يذلوا المجتمعات والأمة الإسلامية أذلّوها بالفعل وميعوها، قرأت في كتاب تاريخي أن الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز هذا الشخص أحضر أربعين من الصحابة شهدوا جميعاً على أن من يكون خليفة تسقط عنه التكاليف ولا يحاسب يوم القيام أي شيء يفعل وفعله مرفوع عنه القلم، أي عمل يعمل لا يحاسب عليه هذه صيانة للخلافة المتجسدة في الخليفة عمر بن عبدالعزيز الأموي هذا مستوى الإذلال ومستوى التميع ان يجعلوا من الناس بهذا المستوى بحيث لا يحق من ناحية قانونية وتشريعية لا يحق لأحد لأنه لايحق لله فكيف لبشر، لمخلوق له أن يؤاخذ ويحاسب الخليفة ويضعه تحت السؤال لماذا فعلت هذا أو لماذا عملت كذا هذه الأفكار المظللة وهذا التميع للأمة الإسلامية والتحريف للقيم والمفاهيم، لم تؤثر، لماذا ؟ لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) فإن من أبرز نتائج الثورة المباركة إذا لم تكن هذه الثورة أو كانت هذه الثورة والعملية خاصة مخصوصة بالإمام الحسين(عليه السلام) كتكليف غيبي ودافعه أمر غيبي خاص، فالآخرون لماذا يتأثرون به فلا يتأثرون ... حكم خاص له موضوع خاص إنما تأثروا لأنهم شاهدوا أن هذا العمل الذي عمله الإمام الحسين (عليه السلام) إنما عمله بأعتباره أحد المكلفين الرساليين المسؤولين بحمل الرسالة وتطبيق أحكام الله والشريعة الإسلامية، وهذه التكاليف كما هي موجهة إليه موجهة لكل فرد من المسلمين بل الآخرون أولى بالتضحية لأن إنسان بهذه المنزلة العظيمة ضحّى بما يملك في سبيل تطبيق أحكام الله وفي سبيل رفض هذا الخطر المحدق بالأمة الإسلامية، فالناس الآخرون أولى أن يضحّوا لأن هذا ضحّى بالأنفس بالأغلى وبالأعز، فكيف لا يضحّي الآخرون بالأقل، من هنا كانت العملية قدوة للآخرين ومن هنا كانت الحركات والثورات كلها تستفيد من هذه الثورة كان وقودها بحسب الحقيقة عمل الإمام الحسين (عليه السلام)، هذه الوقودية لا يمكن أن تكون إذا كان الحكم حكماً خاصاً ومخصوصاً بالإمام الحسين (عليه السلام) .
إذن هذا التفسير يجعل القضية خاصة باهتة لا فائدة فيها ولا تأثير فيها على الآخرين،لا ينبغي للإنسان أن يستفيد منها دروسه وعبره وتكاليفه الشرعية، وإنه لا بد أن ينهض كما نهض الإمام الحسين (عليه السلام).
كل هذه المعاني الجليلة الخطيرة التي حافظت على الإسلام الحقيقي، كل هذه المعاني سوف نفقدها بناءاً على هذا التفسير وأمّا الأدلة التي يستشهدون بها، هذه الروايات التي أشرنا إلى بعضها، طبعاً هناك مناقشة فيها سندية علمية، الآن الرواية التي ينقلها السيد بن الطاووس في اللهوف مثلاً لا توجد في المصادر الأولى قبل صاحب اللهوف . طبعاً كتاب اللهوف للسيد ابن طاووس الذي كان في أواخر القرن السابع هجري، يقال إن هذا الكتاب أو أن هذه الرواية بعد هذا التتبع لا نجد لها أثراً في المصادر الأولى وفي سند هذه الرواية شخص متهم حتى عند السنة متهم بأتهامات، هناك مناقشات رجالية وعلمية فنية لا داعي إلى الدخول فيها الآن . نجد أن هذه الروايات حتى لو تمت سندها أو سند بعضها على الأقل هذه الروايات لا تؤيد النظرية الغيبية بهذا التفسير الجامد لقضية الإمام الحسين (عليه السلام) .
هذه الروايات تدل على أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان يعرف وهو مطلع على أن نهاية هذه المسيرة الشهادة ونهاية حركته الأستشهاد، هو في رواية كامل الزيارات كان يريد ان يفهم الناس بأنه سيستشهد، كان يطلب من الناس أن يصمموا على الشهادة، وان يوطنوا أنفسهم على الشهادة هذه الروايات مدلولها ومفادها ليس أكثر من هذا أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان واضحاً لديه أن هذه الحركة ستنتهي إلى الشهادة إلاّ أن هذه المسألة غير التفسير الغيبي إذ ربّما يشخص قائد أن حركته سوف تنتهي إلى الشهادة لكن مع ذلك انطلاقه ودافعه في هذا التحرك مفهوم وعام أي ليس تكليفاً غيبياً خاصاً به، بل من أجل أن الدور الذي يقوم به كمسلم ... والمسؤولية الشرعية التي هو مكلف بها كمسلم له أمكانيات ومسؤوليات خاصة ... هذا الدور يتوقف أنجازه وتحقيقه أن يستشهد في سبيل الله فتكون الشهادة مفهومة حينئذ وعقلائية، فأكثر الحركات وأصحاب الحركات الذين يقدمون على التحرك مع علمهم في الحركات المادية موجود فضلاً عن الحركات الإسلامية ... مع علمهم أن هذا التحرك سوف ينتهي بهم إلى الشهادة مع ذلك يقدمون ... لهدف أبعد من وجودهم في الحياة يجدون الهدف الذي قاموا به وأعتقدوا به بلزوم تحقيقه في الحياة هدفاً متوقفاً على أن يستشهدوا في سبيل الله ويبذلوا دمائهم رخيصاً في هذا السبيل .
هذه الروايات لا تدل على غيبية الدوافع كما يريده أصحاب النظرية الأولى، لا تدل على أن دوافع القضية دوافع غيبية خاصة بالإمام الحسين (عليه السلام) ... دوافع لكل الناس مفهومة إلاّ أنها هذه الدوافع وهي حفظ الإسلام وحفظ بيضة الإسلام من الخطر الكبير الذي كان محدقاً به هذا الدافع موقوف على عملية صعبة على مقدمة لا يتحملها إلاّ الإنسان الذي واقعاً قد أخذ الإيمان بقلبه، لأنّه موقوف على أن يدفع دمه، وكل ما يملك في هذا السبيل، ولا يكفي أن يدفع ماله أو بعض جهوده، إذن فهذه الروايات التي أستشهد بها أصحاب التفسير الغيبي لدوافع قضية الإمام الحسين (عليه السلام) هذه الشواهد حتى لو تمت سنداً لا تتم دليلاً على ما هم يريدونه أو يبغونه في هذا التفسير، بل لا تدل إلاّ على هذا المقدار وهو أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان واضحاً لديه وراجحاً . أن هذه الحركة سوف تنتهي به إلى أن يستشهد في سبيل الله ويستشهد كل من يخرج معه، وهذا شيء كان يفصح عنه ويبينه حتى لمن كان يلتحق به، ويقول له عندما يلتحق إن مصيرنا هذا المصير، هل عندك أستعداد أن تكون شهيداً في سبيل الله وفي سبيل الرسالة وإلاّ فهم يريدوني، فأتخذ من الليل جملا كما قال لأصحابه في ليلة العاشر، فقد روي أن الإمام الحسين (عليه السلام) قام في أصحابه خطياً فقال : ( اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبر ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي ولا أصحاباً هم خير من أصحابي وقد نزل بي ما قد ترون وأنتم في حل من بيعتي ليست لي في أعناقكم بيعة ولا لي عليكم ذمة وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً وتفرقوا في سواده فإن القوم إنما يطلبوني ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري، فقام إليه عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب فقال : يا ابن رسول الله ماذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وأبن سيد الأعمام وأبن نبينا لم نضرب بسيف ولم نقاتل معه برمح لا والله أو نرد موردك ونجعل أنفسنا دون نفسك ودماءنا دون دمك فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا وخرجنا مما لزمنا وقام إليه رجل يقال له زهير بن القين البجلي فقال : يابن رسول الله وددت إني قتلت ثم نثرت ثم قتلت ثم نثرت ثم قتلت ثم نثرت فيك وفي الذين معك مائة قتله وأن الله دفع بي عنكم أهل البيت فقال له ولأصحابه جزيتم خيراً ) .
وعن أبي حمزة الثمالي قال : قال علي ابن الحسين (عليه السلام) : كنت مع أبي الليلة التي قتل صبيحتها فقال لأصحابه : هذا الليل فاتخذوه جملاً فإن القوم إنما يريدونني ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم وأنتم في حل وسعة .
فقالوا : لا والله لا يكون هذا أبداً .
قال : إنكم تقتلون غداً كذلك لا يفلت منكم رجل . قالوا : الحمد لله الذي شرفنا بالقتل معك . ثم دعا وقال لهم : أرفعوا رؤوسكم وانظروا .
فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنة ...
وكما قال لمن التحق به في الطريق بعدما بلغه مقتل مسلم بن عقيل .
فقد روى أنه (عليه السلام) نظر إلى بني عقيل فقال : ما ترون ؟ فقد قتل مسلم !
فقالوا : والله ما نرجع حتى نصيب ثارنا أو نذوق ماذاق .
إذن فهذه الأدلة والشواهد دلالة لا تدل على التفسير الغيبي بل تدل على معنى دقيق جليل سوف نذكره فيما بعد . إذن فالتفسير الغيبي بهذا الحل نحن نرفضه نعم يمكن أن نقبل التفسير الغيبي بمعنى آخر بمعنى أن هذه العملية التي قام بها الإمام الحسين(عليه السلام) حيث إنها عملية عظيمة جداً عملية بشرية قابلة للفهم البشري مبرّراتها دوافعها أسبابها قابله للفهم البشري بل هذه العملية هي التي تريد الرسالات السماوية ان تربي البشرية عليها لتبلغ المستوى الذي يكونون فيه مستعدين لتحمل هذا العبء لبذل هذه التضحية التي بذلها الإمام وأصحابه فالمسألة في أصلها بشرية قابلة للفهم البشري وتابعة لنفس التكاليف الملقاة على عاتق كل فرد في الأمة الإسلامية وهي التكاليف الملقاة المرتبطة بحفظ الإسلام والكيان الإسلامي ودفع الاخطار التي تحدق به نحن نعلم أن الخطر عندما يحدق بالكيان وما يسمى في الكتب الفقهية بحفظ بيضة الإسلام أي على أساس الإسلام وعلى أصل الكيان الإسلامي ترخص الدماء والنفوس ولا يمكن حينئذ أن تطبق مبادىء [ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ] وأمثال هذه الكلمات هذه كما بينها الإمام "دام ظله" في محاضرة عندما يصل الأمر إلى أن الخطر يتوجه إلى أصل الإسلام حينئذ التكاليف الشرعية الفردية ومن جملتها حفظ النفس وعدم ألقائها في التهلكه وعدم إراقة الدماء ... وغير ذلك كل هذه المقولات تسقط في مقام المزاحمة وتضمحل أمام الواجب الأهم الذي هو حفظ أصل الإسلام وحفظ الكيان الإسلامي وهذا تكليف للبشرية جمعاء ومن جمله التكاليف المثبته في الشريعة الإسلامية ولكل البشر وليس مخصوصاً بالإمام ... كل إنسان عندما يجد أصل الكيان الإسلامي والأمة الإسلامية الرسالية مهدّدة بالأضمحلال والأنهيار وإلاذلال والانتهاءيجب عليه من الناحية الشرعية إذا كان بوسعه أن يمنع من ذلك أن يمنع ولو استدعا ان يدفع دمه في هذا السبيل وكل من يكون له قدرة أكثر وأمكانيات المنع أكثر كلما كان التكليف موجهاً بالنسبه إليه أكثر ويجب أن يدفع هذا الخطر عن الإسلام ولو أدّى أن يدفع في هذا السبيل دمه وأصحابه ومقامه الاجتماعي وأهله فالقضية بشرية والتكليف واضح ومفهوم ومعقول وهو نفس التكليف الذي كان أصحاب النبي والأئمة "صلوات الله عليهم" من أجله يندفعون في الغزوات ويندفعون في الحروب يبذلون دمائهم رخيصه في هذا السبيل تكليف واضح، قضية الإمام الحسين(عليه السلام) نظير كل تلك القضايا الأخرى واضحة ومفهومة إلاّ أن ما صدر في زمن الرسول (صلى الله عليه واله) كان في مقام تثبيت وتأسيس أصل الرسالة وإيجاد أصل الأمة الرسالية وهذه كانت في مقام دفع الأخطار وصيانة الأمة الرسالية عن الأخطار المحدقة بها، الفرق فرق فقط بهذا المقدار وإلاّ فروح القضية وجوهر المسألة واحدة ومفهومة وبشرية وواضحة . هذا التكليف حيث إنه كان ثقيلاً جداً المرض والمشكلة التي أبتلتيت الأمة الإسلامية بها وأحدق بالأمة وبكيان الإسلام كان خطراً عظيماً وكان خطيراً معقداً كان بحاجة إلى تضحية كبيرة، تضحية ليست من قبيل التضحيات الأعتيادية بل تضحية من أكبر التضحيات توجد بعض الأمراض الجسدية قد تقتضي أن الإنسان في سبيل دفع هذا المرض يقطع أعز عضو عنده أو يقوم بعملية تفقده شيء مهم جداً في سبيل دفع الخطر الأهم . هذا الخطر الذي كان محدقاً بالأمة الإسلامية لم يكن يمكن دفعه إلاّ بعملية ضخمة جداً، إلاّ بتضحية كبيرة جداً هذه التضحية الكبيرة لكبرها وعظمتها كانت مرصودة منذ البداية في عالم الغيب مرصودة ومنظور إليها في عالم الغيب، لا يتحملها إلاّ إنسان على مستوى الإمام الحسين (عليه السلام) إنسان معصوم في مستوى الإمام الحسين(عليه السلام) ومن أستطاع الإمام أن يربيه من الأصحاب، جسامة التضحية وضخامتها تجعل أن هذه التضحية تمتاز على كل التضحيات الأخرى التي ضحى بها الأنبياء والأوصياء والصالحون من عباد الله... إن هذه التضحية عندما تقارن بتلك التضحيات نجد أن المأساوية في هذه التضحية والألم في هذه التضحية ومقدار التضحية والذوبان والفناء في الله . هذه التضحية أكبر من كل التضحيات السابقة .
تضحية بهذه الأهمية وبهذه الجسامة والثقل من المعقول أن يكون نحوه توجه خاص في عالم الغيب من قبل الله يوجد توجه خاص لهذه التضحية . ومثل هذه التضحية أيضاً لا يمكن أن يقوم بها إلاّ المعصوم ولولا الإمام المعصوم فالآخرون لم يكونوا مستعدين للقيام بها كان يحتاج إلى همة معصومة وروحية معصومة متمثله بالإمام الحسين (عليه السلام)، الغيبية بهذا المعنى لا بأس بها من دون أن نخرج القضية عن كونها قضية بشرية ذات دوافع محددة وعينية وذات أسباب مفهومة وعقلائية لكن حيث أنها كبيرة جداً وصعب مستصعب ... هذا من الأمر المستصعب الذي لا يتحمله إلاّ المعصوم ومن أستطاع المعصوم أن يربية تربيه صحيحة تستطيعون أن تنظّروا المسأله بما يجري الآن من القضايا العراقية أنتم في العراق تجدون أنه كيف أن هذا الظلم الذي أنصب على الشعب ليس كل أحد ،حتى في العلماء أستعد أن يتحمل هذا العبء ويضحي بنفسه وهو يعرف أن هذا الظلم لا يمكن أن يكافح وأن يدافع إلاّ بتحمل في التضحية يؤدي إلى أن يبذل مكانته ومقامه ويتنازل عن كل شيء حتى عن حياته وعرضه وكل هذا يجب أن يتنازل عنه في سبيل دفع هذا الخطر المحدق في الأمة الإسلامية في العراق . وهذا لا يتحمله كل إنسان ولا يبادر إليه حتى في العلماء ولهذا لم يستعد كل أحد أن يتحمل هذا العبء الثقيل لأنه ثقيل جداً لا يتحمله ولم يتحمله إلاّ الشخص الذي كان واقعاً من تربية مدرسة الإمام الحسين (عليه السلام) وكان اتفاقاً نظريته في القضية الحسينية هي هذه النظرية وقد أمتزجت هذه النظرية في روحه وقلبه وفكره وله تصريحات مشابه في بعض رسائله في فترة الاحتجاز كان يقول أن قضيتي سوف تكون مشابه للقضية الحسينية، تماماً بالتفسير الذي كنّا نفسّر به القضية الحسينية ... بحيث هذه القضية تحتاج إلى تضحية شخص بهذا المستوى، لكي تهز الأمة وتهزّ المجتمع وتهزّ الضمائر وتبقى هذه الهزّة من أهم عوامل أسقاط هذا النظام والخطر الذي قد يمحي الإسلام نهائياً عن العراق .
فالمقصود أن مثل هذه الأمور التي هي بحسب طبيعتها أمور ثقيلة وصعبة جداً ولا يستطيع أن يتحملها كل إنسان وكل بشر من المعقول أن تكون مثل هذه القضايا منظورة من قبل عالم الغيب ومخطط لها من قبل عالم الغيب، أو يفاتح فيها الشخص الذي يكون مؤهلاً ومستعداً للقيام بها كالإمام الحسين (عليه السلام) ويفاتح من قبل عالم الغيب في المنام مثلاً يجد رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول له شاء الله أن يراك قتيلاً ، في قضايا أخرى تتنزل الملائكة عليه وتقول كلمة من هذا القبيل ...
وهكذا في طريقة إلى العراق تأخذه حاله فيسمع منادي يقول القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم . هذا كله أرتباطات بين عالم الغيب وعالم الإمام الحسين (عليه السلام) وعالم الشهادة لكي تثبّت من هناك هذا الإنسان الكامل والمعصوم .
فالقضية بحسب طبيعتها كبيرة ومهمة وثقيلة ... فالغيبية بهذا المعنى لا بأس بها لأنه هناك توجه خاص من قبل عالم الغيب وهذا التوجه قبل قيام الإمام الحسين(عليه السلام) بقضيته هناك نصوص دينية تؤكد أن آدم بكى على الإمام الحسين(عليه السلام) والأنبياء السابقون بكوا على الإمام الحسين(عليه السلام) والملائكة بكوا في السماء ... روايات موجودة عن كل هذه المعاني فكلها مقبولة وصحيحة لماذا ؟ لأن القضية لها هذا المقدار وأكثر من هذا من القيمة والأهمية والعمق والدور في حياة البشر بحسب الحقيقة عمق التضحية والفداء الذي قام به الإمام الحسين(عليه السلام) في سبيل عالم الغيب وفي سبيل الله . وهي أقيم تضحية قدمت في هذا المجال من قبل البشرية بحيث لا توجد أي قضية تناظر وتساوي قضية الإمام الحسين (عليه السلام) في هذه النقطة بالذات وهذا شيء أيضاً موجود في الروايات . إن قضية الإمام الحسين (عليه السلام) فوق جميع القضايا الأخرى فأن يكون لعالم الغيب توجه خاص لمثل هذه القضية وأرتباط خاص بها وإعداد خاص ... هذا شيء لا بأس به هذا شيء نعتقد به ونؤمن به إلاّ أن هذا غير ذلك التفسير المحدود الناقص الذي يجعل من القضية حكماً خاصاً مخصوصاً بشخص معين خاص ولا يتجاوز إلى غيره ... تلك النظرية نظرية غير صحيحة .
النظرية الثانية : التفسير السياسي
هذه النظرية الأولى مع الملاحظات عليها، توجد في قبالها نظرية ثانية على عكسها تماماً تفترض أن القضية كانت قضية بشرية وان دوافع القضية دوافع واضحة بشرية اجتماعية وكانت هذه الدوافع عبارة عن الاستيلاء على السلطة وأقامة الحكم الإلهي والإسلامي في الأرض، الإمام الحسين (عليه السلام) كان يستهدف وكان دافعه من حركته المباركة أن يقيم حق الله ويأخذ الحق الذي أغتصب منه ومن الأئمة "عليهم السلام" وأغتصبه المنحرفون والظالمون فيرجع الحق إلى نصابه.
كان هذا هو الدافع ويقول صاحب هذه النظرية أن الإمام الحسين (عليه السلام) خطّط من أجل الوصول إلى هذه النتيجة وبحسب منطق الأحداث المنطق البشري الاجتماعي الذي يعرفه أهل الحل والعقل كان مخططه أن يستولي على السلطة وكان تخطيطه هذا . والمقدمات التي أعدها وأمر بها كانت توصله إلى هذه النتيجة فكانت حركة الإمام الحسين (عليه السلام) ثورة على الظلم والطغيان والباطل بقصد الأستيلاء على الحكم، وكان هذا دافعه عندما تحرّك من المدينة إلى مكّة وإلى العراق كان دافعه هذا وبالعلم العادي كان يرى أن هذا الشيء سوف يتحقّق فأندفع كما أن النبي (صلى الله عليه واله) كان يرى أنه سوف يغلب الكفار في غزوة أحد فاندفع إلى الحرب مع الكفّار إلاّ أنه بحادثة ما أنكسر المسلمون وأندحروا في واقعة أحد مثلاً... كذلك الإمام الحسين(عليه السلام) عندما خرج إلى العراق خروجه كان كخروج النبي (صلى الله عليه واله) إلى أحد وكخروج الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى صفّين لمحاربة الأمويين ومعاوية وزمرته .
نفس الدوافع أيضاً كانت موجودة في ضمير الإمام الحسين(عليه السلام) دفعته إلى أن يتوجه إلى العراق لأنّ في العراق شيعة له منذ زمن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وبعده وقبل موت معاوية وبعد موته طلبوا من القدوم وكانوا موالين ومتأثرين بمدرسة الإمام علي (عليه السلام) دعوه إلى الثورة وأن يرفض هذا النظام ويطيح به وكانوا هم مستعدين أيضاً أن يكونوا جنوده فأندفعوا أندفاعاً عقلائياً واضحاً كاندفاع النبي (صلى الله عليه واله) والإمام(عليه السلام) عندما خرج إلى أحد بعد غزوات . إلاّ أنّه شاءت المشيئة الإلهية والصدف والمتغيرات في هذا الأندفاع عندما يصل إلى نهايته يمتلى ببعض المتغيرات فلا يصل إلى النتيجة المستهدفة كما لم تصل معركة صفّين إلى النتيجة المستهدفة من قبل الإمام علي(عليه السلام)، بالعكس كانت النتائج على الإمام بحيث أدّت إلى حصول مشكلة الخوارج والنهروان وبالتالي قتل الإمام (عليه السلام) نفسه هذا من قبيل ذاك .
هذه نظرية أخرى أيضاً يطرحها بعض الكتّاب الشيعة، هذه النظرية أيضاً ليست صحيحه بهذا الترتيب وبحاجة إلى تمحيص .