لقد كانت سَنة إحدى وستِّين مسرحاً لصراع عنيف بين إرادتين ، ووقف التاريخ مذهولاً بين تلك الإرادتين: إرادة الخير وإرادة الشر ، تمثَّلت الأولى في شخصية عظيمة خرجت من بيت علي وفاطمة أضفت عليها القداسة هالة من الإشعاع كأنَّه إشعاع الفجر المنبلج في كبد الظلام ، وتمثَّلت الثانية إرادة الشر في رجلٍ أقلُّ ما يقال فيه أنَّه كان ربيب الشرك والجاهلية وحفيداً لأبي سفيان وزوجته هند آكلة الأكباد.
والأول هو الإمام الحسين: سبط الرسول الأعظم وشبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ذلك الإمام العظيم والبطل الخالد .
لقد كان الحسين فرعاً لشجرة التوحيد الممتدَّة جذورها الطيِّبة الزكيَّة لهاشم سيِّد العرب في زمانه ، ويزيد شوكة من حسك نابت في تربة سبخة من أرض موات أنبتت أخبث شجرة كان بنو أميَّة من نتاجها ، ولقد عكست واقعة الطف الدامية التي شهدت مأساتها أرض كربلاء أثَر كلا الجانبين ، بل أثر تلك الإرادتين: الإرادة الخيرة الهادفة للإصلاح واستئصال الشرك والوثنية ؛ تلك الإرادة المتمثِّلة في الحسين وصحبه ، والإرادة الثانية: الإرادة الشريرة الهادفة للفساد وسفك الدماء واستعباد الصلحاء والأحرار وإعادة الجاهلية بكل أشكالها ومعالمها كما كان يمثِّلها حفيد أبي سفيان وآكلة الأكباد.
لقد وقف الحسين في سبيل العقيدة والمبدأ وحريَّة الإنسان وكرامته وقفته العظيمة التي حيَّرت العقول بما فيها من معاني البطولات والتضحيات التي لم يحدِّث التاريخ بمثلها فرداً ، أمام دولة جبَّارة تخضع لنفوذ ملك ظالم جبار يحتلُّ الصدارة في قائمة الطغاة والسفَّاحين والمجرمين في كل أرض وزمان . لقد وقف الحسين وقفته الخالدة التي كانت ولا تزال مصدراً من أوفر المصادر حظَّاً بكل معاني الخير والفضيلة والمُثُل العليا ، رافضاً الخنوع والاستكانة لحكم ذلك الذئب الكاسر المتمثِّل في هيكل إنسان يسمِّيه الناس يزيداً ، وقدَّم دمه ودماء ذويه وإخوته وأنصاره قرباناً لله وللدين ؛ ليبقى حيَّاً ما دامت الإنسانية تحتضن الأجيال على مدى العصور وبقي الحسين خالداً خلود الدهر بدفاعه عن كرامة الإنسان وحرِّيته وعقيدته وبمواقفه التي أعلن فيها أن كرامة الإنسان فوق ميول الحاكمين ولا سبيل لأحد عليها.
وذهب يزيد ومَن على شاكلته من الحاكمين في متاهات الفناء والتاريخ ، تتبَّعهم لعنات الأجيال إلى قيام يوم الدين.
عشْ في زمانك ما استطعت نبيلا واتـرك حـديثك لـلرواة iiجميلا
ولـعزِّك اسـترخص حياتَك iiإنَّه أغـلـى وإلاّ غـادرتك iiذلـيلاً
تـعطي الـحياةُ قـيادَها لـك iiكلَّما صـيَّـرتها لـلـمكرمات iiذلـولا
الـعزُّ مـقياس الـحياة وضلَّ iiمَن قـد عـدَّ مـقياس الـحياة iiالطولا
قلْ كيف عاش ولا تقل كم عاش مَن جـعل الـحياة إلـى عُـلاه iiسبيلا
لا غـرو إنْ طـوت المنيَّةُ iiماجداً كـثُرت مـحاسنه وعـاش iiقـليلا
قـتلوك لـلدنيا ولـكن لـم iiتـدم لـبني أمـيَّة بـعد قـتلك iiجـيلا