على الرغم من هذه الأجواء المفعمة بالاضطهاد والإرهاب والظروف المؤسفة، فإنّ الثورة أصبحت أمراً مستحيلاً، بل غير مجد في تلك الفترة ويمكن عدّ العاملين التاليين من أهمّ موانع ثورة الإمام الحسين في عهد معاوية:
الف: معاهدة صلح الحسن مع معاوية:
ولو كان الحسين يثور في عهد معاوية كان بإمكانه أن يستغل في سبيل تشويه ثورته هذه المعاهدة التي كانت نتيجة صلح الحسن مع معاوية، لأنّ الناس كانوا يعرفون أنّ الحسن والحسين قد عاهدا معاوية على السكوت عنه والتسليم له مادام حياً، ولو ثار الحسين على معاوية لأمكن لمعاوية أن يصوّره بصورة منتهز ناقض لعهده وميثاقه، ونحن نعلم جيداً أنّ الحسين ما كان يرى في عهده لمعاوية عهداً حقيقاً بالرعاية والوفاء، فقد كان عهداً بغير رضى واختيار، وقد كان عهداً تمّ في ظروف لا يد للمرء في تغييرها، ولقد نقض معاوية هذا العهد ولم يعرف له حرمة ولم يحمل نفسه مؤونة الوفاء به، فلو كان عهداً صحيحاً لكان الحسين في حلّ منه، لأنّ معاوية نفسه قد تحلّل منه ولم يأل جهداً في نقضه وعلى أيّ حال كانت معاهدة الصلح يمكن أن تكون ذريعة لإعلام معاوية ودعايته ضدّ ثورة الحسين الاحتمالية.
ومن جهة أُخرى يجب أن نرى كيف كان يحكم المجتمع على ثورة الحسين المحتملة؟
ومن الواضح انّ مجتمع الحسين الذي رأينا أنّه لم يكن يملك قابلية الثورة والأهلية للقيام بها ويؤثر السلامة والعافية كان يرى أنّه قد عاهد وعليه أن يفي بما عاهد، وعليه لو كان الإمام الحسين يقوم بثورته في عهد معاوية كان سيقدمها على أنّها نقض للعهد والميثاق، ويظهرها للرأي العام وكأنّها تمرّد غير مشروع .
ب: تظاهر معاوية الديني:
تركت ثورة الحسين في عهد يزيد أثراً كبيراً وأضفى عليها وهجاً ساطعاً خلدها في ضمائر الناس وقلوبهم ذلك الأثر ـ كما لاحظنا ـ الذي دفع الناس عبر القرون الطويلة إلى تمثل ابطالها واستيحائهم في أعمال البطولة والفداء، وأكبر الظن انّ الحسين لو ثار في عهد معاوية لما كان لثورته كلّ هذا الوهج الساطع والأثر الكبير، وسر ذلك يكمن في دهاء ومكر معاوية وأُسلوبه الخاص في معالجة الأُمور، ومع أنّ معاوية قد حرف الإسلام عملياً واستبدل الخلافة الإسلامية البسيطة المتواضعة بالحكم الارستقراطي الملكي الأموي، وحول المجتمع إلى مجتمع غير إسلامي، غير انّه كان يدرك جيداً انّه ليس ينبغي له وهو يحكم الناس بسلطان الدين أن يرتكب من الأعمال ما يراه العامة تحدياً للدين الذي يحكم بسلطانه، بل عليه أن يضفي على أعماله طابعاً دينياً لتنسجم هذه الأعمال مع ما يتمتع به من المنصب، وأمّا ما لا يمكن تغطيته وتمويهه من التصرفات فليرتكبه في السر.
وهناك وثائق تاريخية تدلّ على أنّه كان ملحداً لا يؤمن بشيء ممّا جعل المغيرة بن شعبة وهو في تحلّله يغتم لما سمعه منه في بعض مجالسه معه، ويقول عنه: إنّه أخبث الناس.
وعلى الرغم من ذلك فقد أظهره سلوكه المحافظ على تعاليم الدين بمظهر صعّب على الناس معرفته على حقيقته.
هذا وقد استغل معاوية ظروفه جيداً لإضفاء الطابع الديني على منصبه، تارة بدعواه انّه يطالب بدم عثمان، وأُخرى بماموّه به على الرأي العام بعد أمر التحكيم وصلحه مع الحسن وبيعة الناس له من جدارته وصلوحه للخلافة.
وعليه لو كان الإمام الحسين يثور في عهده، لكان من السهل عليه أن يقدّم ثورته إلى الرأي العام على أنّها تعبير عن نزاع سياسي على السلطة وليست ثورة للحقّ على الباطل.