قد يتبادر الى اذهان بعض قرّاء الفصول السابقة من هذا الكتاب، تساؤل و استفهام عن اسباب عدم ثورة الإمام الحسن (عليه السلام) و دواعي صلحه مع معاوية، في الوقت الذي كان معاوية هو نفس معاوية، و إنَّ الإمام الحسن (عليه السلام) لم يكن اقلّ شجاعةً و معرفةً و حزماً و بأساً من أخيه الحسين (عليه السلام)، و ما كان فداءُ و تضحية و ايثار الحسين (عليه السلام) و صبره و تحمله و طلبه للحق و احياء الدين اكبر مما هو عند الإمام الحسن (عليه السلام)، فلماذا سلك الإمام الحسن (عليه السلام) طريق الحلم و الصبر و الهدنة، و اختار الحسين (عليه السلام) طريق الجهاد و الثورة و الشهادة؟
و المحققون و العلماء و المطّلعون على احداث التاريخ الاسلامي و ان كانوا قد تناولوا هذه القضية و شرحوا اسرار و مصالح صلح الإمام الحسن (عليه السلام) لكن و رغبة منّا في عدم إهمال هذا التساؤل بلا اجابة، سنبين بعض علل و حِكَم و دسرار هذا الصلح، موضحين الفرق بين عصر الإمام الحسن (عليه السلام) و عصر امام الحسين (عليه السلام) بحسب اجتهادنا العلمي و التاريخي و محيلين القاري العزيز الى تلك المصنفات للوقوف على مزيدٍ من الإطلاع، فنقول:
1- إنَّ طول أمد المعارك الداخلية و التي لم يسبق لها مثيل في تلك الفترة، و كثرة القتلى و الجرحى و المتضررين من الحرب، كانت قد أضعفت الرغبة في الاستمرار في القتال عند الناس، إن لم نقل أنها قد أعدمتها تماماً، إلّا عند بعض الافراد الذين لا يتجاور عددهم عدد الاصابع، كانوا قد قرأوا مستقبل الإسلام في ظل حكم بني اميّة و وقفوا على الصورة القاتمة لهذا المستقبل، امثال قيس بن سعد من ذوي الايمان الكامل و البصيرة النافذة من تلامذة اهل البيت عليهم السلام، و أمّا سائر الناس، فقد كانت الحرب قد انهكت قواهم الروحية قبل الجسدية، و تلاعبت بهم الشبهات فسلبتهم روح الجهاد و القتال.
و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) في اواخر حياته، كلما حثَّهُم و رغَّبهم بالجهاد، لم يَلقَ الآذان الصاغية و القلوب المطيعة و الحضور الفاعل، بل كان يواجَه بالتهرب و الخذلان، حتى شكاهُم مراراً و تكراراً.
و بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام)، ازدادت عزلة الناس عن الاحداث و تضاءلت استجابتهم لنداءات الجهاد، خاصة تلك العوائل المفجوعة باعزائها، فلقد بلغ عدد القتلى في حرب صفين على ما نقل المسعودي مائة و عشرة آلاف قتيل من الطرفين و عدد القتلى في النهروان اربعة آلاف قتيل و طبقا لما نقله اليعقوبي فان قتلى حرب الجمل و هي اولى الحروب التي خاصتها أمير المؤمنين (عليه السلام)، كان قد بلغ اكثر من ثلاثين الف قتيل. إنَّ كثرة عدد القتلى في هذه الحروب الداخلية شوّه صورة الجهاد و دعى أهل الدّعة و هم الاكثرية الى الهروب من القتال و لذا عندما صمّم الامام الحسن على القتال و حثّ الناس على الجهاد و أرسل جيشاً الى الحدود و الثّغور و خرج بنفسه بعد أن استخلف عن الكوفة ابن عمه المغيرة ابن نوفل ابن الحارث ابن عبد المطلب تخلّف عنهم خلق كثير و لم يخرجوا معه بعد أن كانوا قد وعدوه بالقتال ضدّ عدوّه فغرّوه كما غرّوا أباه من قبل و بقي معسكراً بالنّخيلة عشرة أيام و ليس معه الا أربعة آلاف و رجع الى الكوفة يستنفر الناس و خطب فيهم يقول: قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي.
2- و عندما اتضح للامام الحسن (عليه السلام) ضعف الروح الجهادية عند الناس، و انهم أسلموه لمصيره وحيداً، اتمَّ الحجَّة عليهم و خطب فيهم خطبة بليغة تناول فيها فلسفة الحرب و الصلح و طلب منهم إبداء رأيهم، فما سمع منهم إلّا كلمات الخذلان و التهاون، فكانوا يصيحون «البُقيا البُقيا يابن رسول اللَّه»
3- و طائفة من الناس، كانوا يَرونَ في استمرار القتال، اضعافاً لقوة المسلمين العسكرية، و استنفاذاً للذخائر القتالية، عدَّةً و عَدداً، مما يؤدي الى زيادة اطماع الكفار بالهجوم على بلاد المسلمين و احتمال التمرُّد في الولايات الحديثة العهد بالاسلام، و انقلابها على الحكم المركزي.
و لا شك، أنَّ هذا الاحتمال وجيهٌ فمن الطبيعي أن الحروب الداخلية تسبب ضعف القوى الاسلامية، مما يعجز ايَّ طرف غالب فيها، عن مواجهة الاخطار المحدقة بالدولة الاسلامية، و من الواضح أنّ معاوية الذي ارتكب كل تلك الجرائم، و خرج على خليفة المسلمين المنتخب و قتل خيرة صحابة النبي (صلى الله عليه و آله) للاستيلاء على الخلافة، و لم يكن لتهمُّه مصالح المسلمين و مصير الامة كي يتراجع عن القتال . فانه خطط لسنوات عديدة و ارتكب فضائع الجرائم ليتسلط على رقاب المسلمين، فكيف يُنتظر منه الخضوع للحق؟ و لو كان معاوية يحمل ذرَّة من الغيرة على الدين و يهتم لعزّة الإسلام و المسلمين، لما خالف حكم أمير المؤمنين و اشعل نار الفتنة.
و لم يكن إلّا الإمام الحسن (عليه السلام) الذي يرى لزاماً على نفسه الحفاظ على المصالح العامة للُامَّة و أنْ يتخلّى ظاهرياً عن حقه حِقناً لدماء المسلمين و حفظاً للدين، فصالح معاوية و تحمل تلك الشدائد و الملامة في سبيل اللَّه، كما فعل ابوه عليُّ بن ابي طالب (عليه السلام) في زمن ابي بكر و عمر و عثمان.
4- و طائفةٌ من المسلمين لم يتوقعوا أنَّ مكائد معاوية و مظالم بني اميّة و الاضرار التي ستلحق بالامة الاسلامية بسببهم، ستصل الى هذا المستوى من الفداحة، فعلى الرغم من معرفتهم بأن بني اميّة ليسوا كبني هاشم في حرصهم على الإسلام و المسلمين و في معتقداتهم الروحية و النفسية و الخلقية، لكنهم لم يكونوا يظنون أن أساليبهم ستختلف كثيراً عن اساليب الحكم و نهجه زمن ابي بكر و عمر و حتى لو اختلفت و لم يكن معاوية كالخليفة الاول و الثاني في تظاهرهما بالاسلام، لكنهم لم يتوقعوا أن يبلغ التفاوت الى درجة الولوغ في دماء الصحابة و الابرياء من المسلمين، و انه سيشعل حرباً داخلية تجزي العالم الاسلامي و تضعفه الى هذا الحدّ.
و لقد أخطأ هؤلاء، اذ أنَّ بني اميّة كانوا يتحينون الفُرص لهدم اسس الإسلام و اعادة الجاهلية و سلب الحقوق و استعباد الناس.
و لم يظن هؤلاء أن حكم بني اميّة سيبتعد جداً حتى عن صورة حكم عمرٍ و أبي بكر، و انهم سيغيِّرون ظواهر المجتمع و عاداته و أن الخلافة ستتحول الى ملكية موروثة، ففي بداية الامر كان الخليفة مضطراً الى رعاية ظواهر الشرع، و كان المسلمون قريبين من عصر النبي (صلى الله عليه و آله) و يتذكرون منهج حكومته الالهية، خاصة مع وجود كبار الصحابة الذين اعتادوا على رعاية مظاهر الورع و الابتعاد عن مظاهر الملكية و البذخ و التجملات الزائدة الى درجة الاسراف، فلم تكن الارضية ممهدة لاستعجال ارجاع الجاهلية و تشكيل حكومة مستبدة، و التفرد بالسلطة و... الخ.
اما في زمن معاوية، فقد تغير مزاج المجتمع، و عاش الناس المظالم و الانحراف خاصة زمن عثمان، و تغلغل المتملّقون و الانتفاعيون و الانتهازيون الى مرافي السلطة و الحكم، و لم تَعُد الكفاءةُ و التقوى و الزهد و الايمان شرطاً في التصدي لادارة أجهزة الدولة، و لم يكن القصد من قبول المناصب، أداء التكليف و امتثاله و لا خدمة الإسلام و المسلمين.
إنَّ هذه الامور كانت خافية على عامة المسلمين تقريباً، و لذلك رفضوا الاستمرار في الحرب و قتال معاوية و اراقة الدماء، بل إنّ بعضهم كان يعتبر ذلك خطراً على مستقبل الامّة!
5- إنَّ ملامح الصورة القائمة في ذلك الوقت، كانت توحي الى غلبة معاوية في الحرب، و انّ جيش الإمام الحسن (عليه السلام) سيواجه الهزيمة- و لو ظاهراً- و حينئذٍ، سيتضرر شيعةُ اهل البيت عليهم السلام اكثر من غيرهم، و ستعلو صيحات الاعتراض على الإمام (عليه السلام) لعدم استجابته لاقتراح الصلح من قبل معاوية، خاصة و إنَّ الاكثرية كانت مؤيدة للصلح، و بعبارة اخرى: كان هؤلاء سيتهمون الإمام الحسن بالتسبب في جرأة معاوية على التجاسر على المقدسات و تنفيذ مخططاته المشئومة، و لولا ذلك لاضطر الى احترام مقررات الصلح التي ستُملى عليه و الالتزام بما تعهد به من الوفاء بالشروط و العهود.
و امّا في زمن الإمام الحسين (عليه السلام) فلم يكن احدٌ يحتمل ادنى إحتمال انَّ بني اميّة و خاصة يزيد الفسق و الفجور، سيفون بالعهد و المواثيق، و التزام شروط الصلح.
فالكلُّ على ثقةٍ تامة من غدر يزيد و خيانته و نكثه للعهد و المواثيق و قتله الابرياء و إغتياله الصلحاء بلا تحرّج و حياء، و الكلُّ على ثقةٍ من وجوب الثورة ضدّهم و اسقاط حكمهم.
اذن، كما كانت ثورة الحسين (عليه السلام) منبثقة من الحرص على الإسلام و كانت نافعة و مثمرة في تحقيق هذا الهدف، فكذلك ما قام به الإمام الحسن (عليه السلام) صار باعثاً لبقاء الدين و حفظ مصالح المسلمين و كشف الاقنعة المزيفة لمعاوية و بني أميَّة، و لو أنَّ الإمام الحسن (عليه السلام) كان قد استمر بانصاره القلائل، في محاربة معاوية و في تلك الظروف المعروفة، لقُتلَ و لم تُثمر ثورته و حربهُ ايَّ ثمرة و لم تغد ايَّ فائدة، و لذهب دمُه هدراً، و فُسح المجال لبني اميّة اكثر فاكثر في محو الإسلام و اعادة الجاهلية.
6- إنَّ قادة الدين و أولياء اللَّه كعليّ و الحسن و الحسين عليهم السلام يسلكون طريق الحقيقة و الامانة في حروبهم و صلحهم، و حبِّهم و عداوتهم، و لا يتوسلون بالخدع و الالاعيب السياسية، و المكر و الحيلة و اغواء الناس، لنيل مقاصدهم و تحقيق أهدافهم، و أما ابطال السياسة الباطلة و طلّاب السلطة فانهم يلتمسون كل الوسائل لكسب الأنصار و تعبئة الناس، حتى الاحتيال و الخداع و التضليل و الخيانة، فيبذلون الاموال و الرُشا و يَعِدُون بالمناصب و الوزارات، و يشترون الذمم الرخيصة و يبتاعون دين و ضمائر عبدة الهوى و عشاق الدنيا و لذائذها لنيل مآربهم و تحقيق نواياهم.
و قادة الاديان، يجتذبون الناس عن طريق الدعوة الى الحق و الحقيقة و الفضيلة و الايمان، و اما السياسيون المخادعون فانهم يدوسون باقدامهم على الحقيقة و يزيِّفون الحقائق و يسخّرون بيت مال المسلمين لاغراضهم الشخصية، و يشترون الاصوات المساندة و يهبون الحقائب الادارية لمن يعينهم على باطلهم، اذ ليس في قاموسهم معنى لمفهوم العدالة و الكفاءة و مراعاة مصالح المسلمين و الاصلاح و التقوى و اجتناب الظلم و الشرور.
و اذا رجعنا الى تاريخ الإسلام، و طالعنا الوضع الروحي للمجتمع زمن خلافة الإمام الحسن (عليه السلام) و ايام تمرّد معاوية عليه لوجدنا قلَّة انصار الإمام الحسن (عليه السلام) إن لم نقل بانعدامهم، و كان اكثر المحيطين به من قادة جيشه و جُنده، مهزوزين لا يمكن الثقة بهم، و كان المجتمع يغوص في انحطاطة الخلقي بسبب القيادات الضعيفة و التربية الخاطئة.
فلم يكن أدعياء خلافة النبي (صلى الله عليه و آله) سائرين على نهج النبي (صلى الله عليه و آله) في تربية النفوس و صقل الارواح و تهذيب الناس و حثّهم على الزهد في الدنيا. مضافاً الى انهم و منذ البداية سلكوا طريق هتك النفوس و الاعراض، و السعي الى محو الروح الرسالية، فعزلوا الصلحاء عن الادارة، و ولَّوا الاشرار التابعين لهم، و مسخوا شخصية المسلم الذي كان في زمن النبي (صلى الله عليه و آله) يعتزُّ بهمَّته العالية و زهده في الدنيا، و تضحيته رغبة في الثواب و القرب الالهي و اعلاء كلمة الإسلام الى شخصية سطحية هامشية منكبَّة على زخارف الدنيا و لهوها، مستكينةٍ للراحة و الدعةِ، متلهِّفة على جمع الثروة و المال.
و لقد استفاد معاوية من هذا الخلاء الروحي و الاخلاقي، و عرف أنَّ الوقت المناسب لتشكيل حكومته المحققة لأهدافه قد حان، إذْ أنَّ شراء الذمم و الضمائر و الدين بالرُشا و الوعود بالمناصب و الولايات كان قد شاع في المجتمع، فنفذ معاوية من هذه الثغرة، فاستأجر أمثال عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة لاثارة الهَرَجَ و المَرَج متأمراً على المجتبى (عليه السلام) و قد نجح في تمزيق جيش الإمام (عليه السلام) باستقطاب بعض قادة الجيش بعد أن منّاهم و رَشاهم، و وصل الأمر الى ان احد اكبر قادة جيش الإمام قد التحق بمعاوية طمعاً بحطام الدنيا.
و قد كان معاوية قد وَعَد عمرو بن حريث، الاشعث بن قيس، حجّار بن ابجر و شبث بن ربعي بمائة الف درهم و الزواج من احدى بناته، اذ ما قتلوا الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) و أن يستأمرهم في جيشه و اتهم بعض اصحاب الإمام (عليه السلام) بأخذ الرشا، و غير ذلك من حيلة و اللاعيبة الماكرة التي استغفل بها السذَّج من الناس.
و لذا، فان اكثر افراد جيش الإمام (عليه السلام) و الذين كانوا من الجيل اللاحق للجيل المعاصر لرسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) و لم يتلقوا تربية اخلاقية صحيحة، لم يتمكنوا من مقاومة الاغراءات، فباع الكثير من قادتهم نفسه و دينه لمعاوية، و من الواضح أنَّ القتال بمثل هذا الجيش الذي لا يأنف عن بيع ذمَّته و دينه بحفنة دراهم و وعود كاذبة، لن يؤدي إلّا الى الهزيمة و اراقة الدماء، و إن الاستعانة بمثل هذا الجيش امرٌ عارٍ عن الحكمة و العقل، كما إنَّ شراء الذمم بالمال و الوعود و إغراءهم بالمناصب و الحقائب الادارية، ليس من شيم آل عليلان ذلك يجرُّ الى ترويج الظلم و فسح المجال للخائنين و الظالمين لاشاعة الفساد.
و في مثل هذا الحال، لو لم يصالح الإمام الحسن (عليه السلام)، فمضافاً الى هزيمة هذا الجيش المهزور الضعيف، كان احتمال اغتيال الإمام (عليه السلام) على يد الخونة و العملاء أمثال الاشعث بن قيس الذي كان و منذ زمن خلافة علي (عليه السلام) يمدُّ جسور الارتباط مع معاوية و يتأمر معه ضد أهل البيت عليهم السلام و ضد الإسلام، احتمالًا قوياً، بل و كان من المحتمل أن يلقى القبض على الإمام (عليه السلام) و يُسلّم مكتوفاً الى معاوية، ليغتنم معاوية الفرصة للانتقاص منه و من ثمَّ اطلاق سراحه متظاهراً بالحلم و العفو، مانّا على أهل بيت النبي و بني هاشم، لتحطيم شخصية الإمام الحسن (عليه السلام) و محبوبيته في النفوس و هيبته و جلالته و مقامه في المجتمع و من ثمَّ تصفيته جسدياً.
و من الطبيعي، فان الضربة التي ستُوجه نتيجة لذلك الى اهل الحق ستكون قاصمة موجعة، و سيمنع ذلك من تمهيد الارضية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام).
7- إنَّ الإمام الحسن (عليه السلام) لو كان قد بَقي حيّاً بعد هلاك معاوية، لكان قد ثار كما ثار الإمام الحسين (عليه السلام) إذا فُرض تحقق نفس الظرف، و لأمتنع عن بيعة يزيد كما إمتنع الحسين (عليه السلام)، بل لو كان الحسن (عليه السلام) حيّا و شهد إستخلاف معاوية ليزيد، لثار ضد معاوية و ما تسنّى ذلك لمعاوية، و لذا و كما ورد في المصادر التاريخية أن معاوية عندما جاء الى المدينة و استشار العبادِلة في ولاية عهد يزيد، تيقن أنَّ هذا الأمر مستحيل مع وجود الإمام الحسن (عليه السلام) و من ثمَّ اخفى معاوية ذلك العهد و الاستخلاف الى ان قتل الإمام (عليه السلام) بدسّ السُّم اليه، و بعد ذلك أعلن للناس استخلافه ليزيد و اخذ البيعة منهم بالقوة و الاكراه.
8- روى ابن شهر آشوب إن أهل القبلة قد أجمعوا على أن النبي (صلى الله عليه و آله) قال:
«الحسن و الحسين امامان قاما أو قعدا» .
وهذا الحديث دال على سلامة و شرعية كلِّ عمل يصدر من الامامين (عليهما السلام)باعتبارهما إمامين تجب إطاعتهما، و إنَّ ما يقومان به إنما هو امتثال للتكليف الالهي الخاص بهما لاقتضاء المصلحة ذلك، و انهما في حربهما و صلحهما و ثورتهما و سكوتهما و سائر أحوالهما ماموران بالامر الالهي، و إنَّ كلًا منهما في عصره حامٍ للدين و الشريعة و امامٌ للناس و سفينة نجاتهم.
إنَّ الإمام الحسن (عليه السلام) قام بما قام به جدُّه رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) أيام وجوده في مكة، و قام به أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام) ايام حكومة ابي بكر و عمر و عثمان، و إنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) قام بما قام به جدُّه رسول اللَّه ايّام وجوده في المدينة المنورة و ما قام به أبوه (عليه السلام) في السنوات الخمس التي جاهد فيها الناكثين و القاسطين و المارقين.
و في الرواية، أن جابر بن عبد اللَّه الانصاري، اقترح على الحسين ان يهادن كما هادن أخوه الإمام الحسن (عليه السلام)، فاخبره الحسين (عليه السلام) أنَّ الحسن (عليه السلام) صالح بامر اللَّه و رسوله، و انه أيضاً يقوم بامر اللَّه و رسوله (صلى الله عليه و آله) .