[قال جعفر سبحاني : ] إنّما بحثنا بحثاً إجمالياً حول ثورة التوابين والمختار ، لأجل انّ هاتين الثورتين التاريخيتين قد حدثتا بعد فترة قليلة من استشهاد الإمام الحسين ، وإلاّ فهناك العديد من الثورات التي انبعثت مستلهمة من ثورة الإمام ولا تنحصر فيما ذكر، فقد حدثت عدة ثورات في السنوات التالية كانت أكبرها ثورة العباسيين التي نجحت عام 132هـ وقضت على الحكم الأموي ، و قد كان أحد الأسباب لانتصار العباسيين في ثورتهم هذه هو التعريف والتشهير بظلم الأمويين لبني هاشم و مظلوميتهم ، وكان للتذكير بمأساة استشهاد الإمام الحسين التأثير الأعظم في استثارة غضب الناس على الحكم الأموي.
وراح أحد الكتاب المعاصرين من مصر ، يقول : أنّني أرى ـ وهذا رأي خاص ـ انّ الحسين انتصر على المدى البعيد ، فهو وإن لم يظفر بمراده في معركة حربية ومواجهة عسكرية إلاّ أنّ نيله الشهادة في ذاته كان انتصاراً للّه ثمّ إنّه زرع بذور الحيلة والحقد والسخيمة في قلوب الناس جميعاً نحو بني أُميّة، ولا يخامرني شكّ في انّ الحسين انتصر على المدى البعيد، وكان استشهاده سبباً مباشراً في زلزلة عرش دولة الأمويين، مع انصباب جام اللعنات والسخطات عليهم من جراء هذه الجريمة البشعة.
وثمة سند تاريخي آخر في هذا الصدد يدلّ على أنّ استشهاد الإمام الحسين (عليه السَّلام) قد ألحق عاراً أبدياً بقتلة الحسين (عليه السَّلام) وأعقابهم على المدى البعيد، مازال شاخصاً في صفحات التاريخ دون أن يمحى على الرغم من مرور عقود طويلة من الزمن.
وهذا السند يشير إلى جانب من جوانب سيرة القاضي شريك بن عبد اللّه حفيد سنان بن أنس أحد القتلة الأوغاد الذين شاركوا في مأساة كربلاء.
فقد كتب الخطيب البغدادي بعد أن تناول سيرته يقول:
قدم شريك [بن عبد اللّه القاضي] البصرة، فأبى أن يحدثهم، فاتّبعوه حين خرج، وجعلوا يرجمونه بالحجارة في السفينة، ويقولون: يابن قاتل الحسين.
وعلى أية حال، فبعد الإشارة إلى هذين السندين تتضح أهمية القضية التالية:
أوّلاً: انّ البصرة بعد مقتل عثمان وحرب الجمل أضحت معقلاً للعثمانية التي كانت تحمل حقداً وضغناً لأهل البيت (عليهم السَّلام) وتكنّ ولاءً لنبي أُميّة.
ثانياً: الحقبة الطويلة التي كانت تفصل بين استشهاد الحسين (عليه السَّلام) وسفر القاضي(95ـ177) إلى البصرة.
وقد كتب المؤرّخون: ولمّا أتى أبو العباس ـ أوّل خليفة عباسي ـ برأس مروان سجد فأطال ثمّ رفع رأسه و قال ـ مخاطباً الرأس ـ : الحمد للّه الذي لم يبق ثارنا قبلك وقبل رهطك، الحمد للّه الذي أظفرنا بك وأظهرنا عليك، ما أبالي متى طرقني الموت وقد قتلت بالحسين ألفين من بني أُمية.. وحينما ألقى بجثث زعماء بني أمية بين يديه (أبو العباس السفاح)، و لم يزل بها رمق دعا بالغذاء وأمر ببساط فبسط عليهم، وجلس فوقهم يأكل وهم يضطربون تحته، فلمّا فرغ قال: ما أعلم أنّي أكلت أكلة قط كانت أطيب ولا أهنأ في نفسي من هذه ثمّ قال: جرّوهم بأرجلهم وألقوهم في الطريق ليلعنهم الناس أمواتاً كما لعنوهم أحياءً.
ولم تمض فترة طويلة حتى رأى الناس الكلاب تجرهم بأرجلهم وعليهم سراويلات الوشي.