حوزويون
علماء الطائفة من الذين درسوا في النجف الاشرف في القرن العاشر الهجري إقرأ المزيد
علماء الطائفة من الذين درسوا في النجف الاشرف في القرن التاسع الهجري إقرأ المزيد
علماء الطائفة من الذين درسوا في النجف الاشرف في القرن الثامن الهجري إقرأ المزيد
علماء الطائفة من الذين درسوا في النجف الاشرف في القرن السابع الهجري إقرأ المزيد
معرض الصور
تكريم المشاركين في المؤتمرُ الدوليّ لعلوم اللّغة العربيّة وآدابها بين الأصالة والتجديد
مشاهدة المزيد
1/1/2016
الرئيسية»بحوث وتقارير
الجامعة العلمية في النجف عبر أيامها الطويلة ..... (2)
العلامة الدكتور السيد محمد بحر العلوم (رحمه الله)2016-04-05
الفصل الأول:
تأسيس الجامعة العلمية النجفية
اشتهرت الجامعة العلمية النجفية من عهد الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي،واستمرت في عطائها الفكري طيلة قرون،وهنا تدور أسئلة لابد من الإجابة عليها،هي :
1- هل كانت النجف مركزا ًعلميا قبل عهد الشيخ الطوسي؟
ويبدو هنا اتجاهان:
احدهما- يذهب إلى وجود حركة علمية سابقة في هذه المدينة المقدسة.
وثانيهما- إن النجف كانت قاحلة علميا ً،وعند هجرة الشيخ الطوسي إليها أوجد فيها حركة علمية.
حين نستعرض أقوال الذاهبين بوجود حركة علمية قبل هجرة الشيخ الطوسي إليها،نراها تتلخص بالآتي:
1- ذكر السيد ابن طاووس - وهو من المختصين بتاريخ النجف- بان عضد الدولة البويهي ،زار المشهد العلوي الطاهر عام371هـ،وتصدق،وأعطى الناس على اختلاف طبقاتهم،وكان نصيب الفقراء،والفقهاء ثلاثة آلاف درهم .
2- صدور اجازات علمية من النجف الأشرف قبل ورود الشيخ الطوسي إليها،منها:
أ- ما نقل أن من مشايخ محمد بن علي بن الحسين بن بايويه القمي - المعروف بـ ((الشيخ الصدوق))المتوفى سنة 381هـ - محمد بن علي بن الفضل الكوفي ،سمع منه سنة 354هـ عند وروده إلى الكوفة،وهو في طريقه إلى الحج،وكان سماعه بمشهد أمير المؤمنين .
ب- ما ذكره أحمد بن علي النجاشي – في ترجمة الحسين بن أحمد بن المغيرة أبي عبد الله البوشنجي ما نصه:
[ كان عراقيا ً مضطرب المذهب،وكان ثقة فيما يرويه،له كتاب((عمل السلطان))أجازنا بروايته أبو عبد الله(الحسين بن جعفر بن محمد المخزومي الخزاز)المعروف بابن الخمري،الشيخ الصالح بمشهد أمير المؤمنين (ع) سنة أربعمائة] .
3- ورد ذكر لبعض البيوت العلمية التي لمعت في النجف في القرن الرابع والخامس،كآل شهريار ،وآل الطحال ،وغيرها،وقد جمعت هذه البيوت بين الفضيلة وخدمة الروضة الحيدرية .
4- النقابة في النجف:وهذا المركز اقرب إلى المركز الروحي من غيره،ولقد ذكرت الكتب المختصة أن عدداً من الأعلام تولوا نقابة المشهد،منهم:
أ- السيد شريف الدين محمد المعروف بابن السدرة،أقام في النجف عام 308هـ حتى توفي فيه .
ب- ناصر الدين،مطهر بن رضى الدين محمد بن علي المنتهى نسبه إلى السيد عبد العظيم الحسيني،وقد تولى نقابة المشهدين العلوي،والحسيني.
وهناك عدد من النقباء تولوا نقابة الأشراف في الكوفة والنجف لعلهم فيما يقارب هذا التاريخ .
5- علماء نسبوا إلى النجف قبل عهد الشيخ الطوسي،منهم:
أ- احمد بن عبد الله الغروي،يروى عن أبان بن عثمان من أصحاب الإمام الصادق (ع) .
ب- شرف الدين بن علي النجفي،وصفه الشيخ الطوسي بقوله: ((كان صالحا ً فاضلا)) .
ج- عبد الله بن أحمد،أبو طاهر،كان معاصرا ًللشيخ المفيد .
د- أحمد بن شهريار،أبو نصر،الخازن للحضرة الغروية،كان من رجال العلم،وحملة الحديث،معاصرا ً للشيخ الطوسي .
وغير هؤلاء كثيرون لو حاولنا تتبع تراجمهم.
6- وذهب البعض إلى أن الشاعر الحسين بن أحمد المعروف بابن الحجاج انشد قصيدته الرائعة عند زيارته لمرقد الإمام علي عليه السلام في النجف أواخر القرن الرابع الهجري والتي مطلعها:
يا صاحب القبة البيضا على النجف من زار قبرك واستشفى لديك شفي
وجاء في القصيدة البيت التالي:
وقل سلام من الله السلام على أهل السلام،وأهل العلم والشرف
وأنه أشار بهذا البيت إلى أهل العلم الساكنين في النجف الأشرف،والمجاورين لقبر الإمام علي عليه السلام .
هذه هي أهم مقومات الذاهبين إلى القول بأن الجامعة العلمية في النجف كانت قبل هجرة الشيخ الطوسي.ومن هذه المقومات انسابت الأفكار في التحديد التأريخي لتأسيس الجامعة النجفية،وتكاد تنحصر في اتجاهين:
الأول – أنها تأسست على يد الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان،المتوفى عام 413هـ .
وهذا الرأي يبقى مفتقراً إلى دعم تأريخي،فالذي نقرؤه في حدود تتبعي لم أعثر على سند يؤكد على انتقال الشيخ المفيد إلى النجف كمهاجر إليها،وأقام مدرسة علمية فيها.
الثاني– إن تأسيس الجامعة ينتهي إلى أبعد من هذا،ويربط امتدادها إلى معهد الكوفة العلمي،والذي شيد أركانه الإمام علي عليه السلام،وبلغ أوجه في عهد الإمام الصادق عليه السلام،وقد نقل عن الحسن بن علي الوشاء أنه قال:أدركت في هذا المسجد-الكوفة- تسعمائة شيخ كل يقول:حدثني جعفر بن محمد عليه السلام .
وهذا القول مستبعد لأمرين:
الأول- إن مرقد الإمام علي عليه السلام لم ينكشف أمره إلا في عهد هارون الرشيد-الخليفة العباسي- في حدود سنة 170هـ،أو بعد 180هـ،ثم جاوره الناس .
ولم تذكر لنا المصادر بأن النجف كان يسكنها أحد قبل هذا التاريخ،وحتى بعده بصورة يمكن القول بانتقال بعض العلماء وطلاب العلم إليها.
اللهم إلا على ادعاء أن النجف والكوفة كانتا واحدة،ولم نر ما يدعم هذا القول إلا ما يقوله بعض المحققين:بأن النجف كانت تعد جزءً من الكوفة في القرن الخامس الهجري .
الثاني– إن الافتراض بأن النجف ضمت بعض العلماء بعد انتقالهم من الكوفة بحيث كوّنوا معهدا ًعلمياً- يشار إليه- يبقى محتاجا إلى دليل يدعمه،ولا دليل لدينا عليه.
2-الجامعة العلمية النجفية أسسها الشيخ الطوسي.
وهناك العديد من المؤرخين يؤكدون أن الجامعة العلمية في النجف الأشرف تأسست على يد الشيخ أبي جعفر الطوسي،محمد بن الحسن،بعد انتقاله إليها من بغداد عام449هـ على اثر فتنة طائفية هوجاء،عصفت بشيعة بغداد وهددتها بالفناء،وأودت بحياة آلاف المسلمين من السنة والشيعة.
والظاهر أن هذه العاصفة القاسية هبت على العراق،حين اشتد الصراع بين الخلافتين العباسية في العراق،والفاطمية في مصر،على إسقاط الحكم العباسي ببغداد،وامتداد الحكم الفاطمي،واستمرت هذه العاصفة تمزق الأمة الإسلامية بضع سنوات بلغت ذروتها عام449هـ،حيث تغلب التيار الفاطمي،وقطع الخطبة عن الخليفة العباسي حينذاك،وهو:أبو جعفر عبد الله بن أحمد،والملقب بـ ((القائم بأمر الله)) في بغداد وغيرها من المناطق العراقية وخطب للخليفة الفاطمي،معد بن علي بن الحاكم بأمر الله،والملقب بـ ((المستنصر بالله))أبو تميم المتوفى عام487هـ ، مما اضطر أن يكاتب القائم بأمر الله العباسي السلطان محمد بن ميكائيل السلجوقي،والملقب بـ ((طغرل بك)) ،ويدعوه إلى بغداد مستنجدا ًبه،طالبا إنقاذه من الوضع الذي هو فيه،وإعادة المجد العباسي،وكان حينذاك في خراسان فلبى الطلب،ودخل بغداد عام447هـ،ودارت حرب وفتن شديدة بين أتباع الطرفين كان من جرائها أن كبست دار أبي جعفر الطوسي - متكلم الشيعة بالكرخ- وأخذ ما وجد عنده من دفاتر،وكرسي- كان القائم بأمر الله العباسي أعطاه له،يرقى عليه حين الدرس والخطب،وهو نوع من التقدير يعطى لمن بلغ مرتبة سامية في العلم يتميز بها على أقرانه-،وأضيف إليه ثلاث سناجق بيض(وهي رايات)كان الزوار من أهل الكرخ- قديما- يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة، فأحرق الجميع وهرب أبو جعفر الطوسي،ونهبت داره .. وتضيف الرواية:
في مشهد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام،ومساجد الكرخ،أقيم الأذان بـ (( الصلاة خير من النوم))على رغم أنف الشيعة،وأزيل ما كانوا يقولونه في الآذان من((حي على خير العمل))- على حد قول الراوي- .
وتتابع الرواية،فتقول في وصف الأحداث الطائفية الدائرة حينها:ودخل منشد وأهل السنة إلى الكرخ،وهو معقل الشيعة فأنشدوا الأشعار في مدح الصحابة،وتقدم رئيس الرؤساء إلى ابن النوى – مدير شرطة طغرل بك - بقتل أبي عبد الله الجلاب- شيخ البزازين بباب الطاق- لما كان يتظاهر به من الغلو في الرفض،فقتل،وصلب على باب دكانه .
إذا ً فالفتنة الطائفية بلغت ذروتها في بغداد خاصة،ولم يسلم منها الشيعة وكان نصيب الشيخ الطوسي منها كبيرا ً باعتباره الشخصية الشيعية الأولى،وعلمهم المبرز،مما اضطره أخيرا ً- رغم مكانته في بغداد- أن يهاجر إلى النجف،واختارها مقرا ً له،ومركزا ً لحركته العلمية.
فالنجف الأشرف تمتعت بميزات خاصة فُضلت على بقية المدن العراقية منها:
1-أنها تضم مرقد إمام العلم والفضيلة،أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام،وفيها تربة قابلة للنمو العلمي،وذلك لوجود بعض الأعلام الذين سبقوا شيخنا الرائد واتخذوا مجاورة الإمام علي عليه السلام مركزا ً ومقراً ًلهم.
2-إن النجف تتكيء على الكوفة،وهذه المدينة علوية في ذاتها،وهي وإن وقفت في فترة ضد أئمة أهل البيت عليهم السلام،وأتباع مدرستهم،إلا أنها عادت إلى رشدها بعد زمان،وأصبحت موئلاً للشيعة،ومركزا ً للتوابين منهم ومنطلقاً للثورات العلوية.
وإذا كان هذا الجانب متوفرا ً في مدينة الإمام علي عليه السلام فلابد أن يكون هو المفضل لدى الشيخ الطوسي،الذي اضطرته المشاكل الطائفية،وحوادثها الدامية إلى أن يصمم على ترك بغداد.
وينتهي من يذهب إلى هذا الرأي إلى أن الشيخ الطوسي حين انتقاله إلى النجف الأشرف عام449هـ، وحط رحله فيها،انصرف إلى البحث العلمي،وجمّد الكثير من أعماله الاجتماعية من أجل هذا الجانب،الأمر الذي ساعده كل المساعدة على إنجاز دوره العلمي العظيم،الذي ارتفع به إلى مستوى المؤسسين .
وبعد أن عرضنا الرأيين في تأسيس جامعة النجف العلمية،فإننا لا نستطيع أن ننفي كل هذا،كما لا نقبله كله، وإنما المرجح أن نذهب إلى حد وسط ونقول بأن النجف قبل هجرة الشيخ الطوسي في عام 449هـ كانت فيها جذور علمية،وتضم بعض رجالات الفضل والعلم،اتخذوا من النجف الاشرف بعد ظهور القبر فيه مقرا ً لهم.
ويدعم رأينا هذا المرحوم المحقق الشيخ أغابزرك الطهراني،إذ يقول:((إنني أذهب إلى القول بأن النجف كانت مأوى للعلماء،ونادياً ًللمعارف قبل هجرة الشيخ الطوسي إليها، وأن هذا الموضع المقدس أصبح ملجأ للشيعة منذ أنشئت فيه العمارة الأولى على مرقد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام،لكن حيث لم تأمن الشيعة على نفوسها من تحكمات الأمويين والعباسيين،ولم يستطيعوا بث علومهم،ورواياتهم كان الفقهاء والمحدثون لا يتجاهرون بشيء مما عندهم،وكانوا متبددين حتى عصر الشيخ الطوسي،والى أيامه،وبعد هجرته،انتظم الوضع الدراسي،وتشكلت الحلقات الدراسية- كما لا يخفى على من راجع أمالي الشيخ الطوسي،الذي كان يمليه على تلامذته)) .
وكذلك يرى الدكتور مصطفى جواد بأن النجف كانت تضم أعلاما بثوا العلم قبل الشيخ الطوسي،ثم يقول:ويصعب التصديق،بأن الشيخ أول من جعل النجف مركزا ً علميا ً .
وكيفما كان فان وجود بعض الأعلام يساعد على الادعاء بوجود أرضية صالحة لتقبل الوجود العلمي الذي تأسس في عهد الشيخ الطوسي، وليس القول بأنه كان وجودا ًعلميا حركاً ونشطاً في النجف قبل هجرة الشيخ الطوسي إليها.
3- من هو الطوسي؟؟
تعرفه المصادر:
بأنه:الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي- نسبة إلى طوس من مدن خراسان-، والمعروف بـ (( شيخ الطائفة))من رجالات العلم،وجهابذته المبرزين.
ولد بطوس في شهر رمضان عام385هـ،وهاجر إلى العراق- لطلب العلم وحط رحله في بغداد عام 408هـ،وهو في الثالثة والعشرين من عمره.
وكانت بغداد حينذاك تعج بعلماء المسلمين،كان من أبرزهم الشيخ المطلق للشيعة محمد بن محمد بن النعمان العكبري،البغدادي،المعروف بـ ((الشيخ المفيد)) .فلازمه،وت4تلمذ عليه،وبقي معه حتى سنة 413هـ حيث لبى الشيخ المفيد نداء ربه .
ولازم الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي،المتوفى عام436هـ بعد أستاذه الشيخ المفيد،واستفاد من علمه وملازمته،وكان موضع عنايته واهتمامه مما ميزه عن سائر تلامذته ،وبقي ملازما ًله طيلة ثلاث وعشرين سنة.
وفي عام436هـ استجاب السيد المعظم إلى دعوة ربه،وعند ذاك كان الشيخ الطوسي المرشح الوحيد لمركز الزعامة الدينية للشيعة في العراق، وتهافت المسلمون عليه للاستفادة منه،وأصبحت داره في الكرخ ببغداد مأوى الأمة، والتف حوله عدد كبير من أهل الفضل والعلم للتلمذة عليه،حتى قدر عدد تلاميذه- في بعض المراحل- بثلاثمائة من أهل العلم والفضل،ومجتهدي الشيعة،فضلا عن عدد كبير من سائر المسلمين .
وباتساع أفق هذه الشخصية العلمية،وما بلغ به من العظمة والمنزلة جعل له القائم بأمر الله العباسي،أبو جعفر عبد الله كرسيا للكلام والإفادة ، وهو تقدير كبير من الخليفة العباسي للذي يبلغ منزلة كبيرة من العلم تميزه عن باقي العلماء.
قالوا فيه:
((... رجل واحد يقال له(الشيخ الطوسي)،مع أن مدينة(طوس)التي ينتسب إليها لا تعتمد في شهرتها ومجدها على غيرها- على كثرة من أنجبت على طول تاريخها المديد- من مشاهير الرجال في عالم العلوم،والآداب،والسياسة،والحرب،ووفرة من ينتسب إليها قبل الشيخ وبعده من الشيوخ والعلماء،ذلك لأنه- في الحقيقة- رجل فذ بين علماء الإسلام،رفعته مؤلفاته الكثيرة العدد،وجهوده العلمية المثمرة إلى مرتبة عالية ممتازة،لا ينافسه فيها أحد، فاستحق بذلك أن يمنحه مواطنوه هذا اللقب،تشريفا له بين جميع من ينتسبون إلى مدينتهم- ذات المجد التليد- واستحق الشيخ عند الشيعة لقباً آخر يزيد عن اللقب الأول في مغزاه،ويعبر بفصاحة- لا مثيل لها-عن جميل تقديرهم إياه،ويعين منزلته بين جميع الطائفة الاثني عشرية،وذلك إذ يلقبونه بـ(شيخ الطائفة)، وإذا أطلق احد هذين اللقبين،أو كلاهما على شخص لم ينصرف ذهن العارفين إلى شخص سواه....)) .
لقد بلغت منزلة الشيخ الطوسي في بغداد أوجها بين علماء العصر من جميع الطوائف وبلغ قبول أهل السنة له إذ اعتبره بعض المؤرخين أنه من أعلامهم،وينتمي إلى المذهب الشافعي ،
وبعضهم نسبه إلى الاعتزال وهذا كله خطأ لا غبار عليه،وان الشيخ من أركان المذهب الجعفري وحاز الثقة التامة من طبقات الشيعة جمعاء في رواية الحديث وتحليله .
وأخيرا ً:
فان((الطوسي كان شيخ الطائفة في عصره غير منازع،ولقد كان من أعيان القرن الخامس الهجري،وكتبه موسوعات فقهية وعلمية،ودرس الفقه المقارن،ولم تقتصر دراساته على فقه الأمامية وعلومها)).
ثم أضاف المتحدث عن الشيخ الطوسي قوله:
وإننا قبل أن نترك الكلام في كتب الطوسي لابد أن نذكر تقديرنا العلمي لذلك العالم العظيم،ولا يحول بيننا وبين تقديره نزعته الطائفية،أو المذهبية، فإان العالم يقدر لمزاياه العلمية،لا لآرائه ونحلته،ولا نود أن يكون الاختلاف المذهبي حائلا ً بيننا وبين تقديره.
وإننا- شهد الله- ما جعلنا الاختلاف المذهبي،أو الطائفي مانعا ًيمنع من التقدير للرجال،وإن خالفناهم في الأفكار....
وان الشيخ الطوسي قد خدم المذهب الجعفري بدراساته المقارنة،وبتعبيد مسالكه،وبالكتابات المتقصية لأطراف مسائلة...
وانه ككتاب القرن الخامس الهجري قد أوتي أسلوبا ً قويما ً يكتب الفقه في لغة سهلة معبرة موضحة، لأعوص المسائل وأعمقها بحيث يجعلها قريبة دانية مألوفة معروفة.
ولذلك حقت علينا تحيته،وحق علينا تقديره،مع مخالفتنا له في المذهب .
وهكذا دبت في النجف حركة علمية نشيطة بفضل شيخنا الرائد،وتوطدت أركانها بمرور الزمن،حتى برزت مظاهر الحياة العلمية المرتبة واضحة للعيان،وأصبحت الجامعة تضم عددا ً من طلاب المعرفة لا يستهان بهم،وأخذت تتكاثر يوما ً بعد يوم.
هل الطوسي نقل حوزته معه من بغداد؟
وقبل أن نختم الحديث في هذا الفصل لابد أن نعرف:هل أن الشيخ- قدس سره- حين انتقل من بغداد إلى النجف،انتقل طلابه معه- والذي تجاوز عددهم العشرات- وشاركوه في تأسيس الحوزة العلمية،أم انه انتقل إليها بمفرده؟
رجحت بعض المصادر:أن الشيخ عند هجرته إلى النجف انفصل عن حوزته العلمية التي أسسها ببغداد،وأنشأ في مهجره النجف حوزة جديدة،واستندت في دعواها إلى عدة مبررات أهمها ما يلي:
أولاً- إن مؤرخي هجرة الشيخ الطوسي إلى النجف لم يشيروا إطلاقاً إلى أن تلامذة الشيخ في بغداد رافقوه،أو التحقوا به فور هجرته إلى النجف.
ثانيا ً- إن الدور الذي أداه ولد الشيخ الطوسي،أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن يدل على حداثة الحوزة،فقد تزعمها بعد أبيه،ومن المظنون أنه كان في دور الشباب حين هجرة والده،ذلك لانعدام تاريخ ولادته،ووفاته،ولكن الثابت تاريخيا أنه كان حيا في سنة515هـ،أي إنه عاش بعد هجرة الشيخ قرابة سبعين عاما،ويذكر عن تحصيله أنه كان شريكا في الدرس عند أبيه مع الحسن بن الحسين القمي،والذي يرجح كونه من الطبقة المتأخرة،كما يقال أن أباه أجازه سنة 455هـ،أي قبل وفاته بخمسين عاما،وهو يتفق مع حداثة تحصيله.
فإذا عرفنا أنه خلف أباه في التدريس، والزعامة العلمية للحوزة في النجف بالرغم من كونه من تلامذته المتأخرين في أغلب الظن استطعنا أن نقدر المستوى العلمي العام لهذه الحوزة،ويتضاعف الاحتمال في كونها حديثة التكون.
والصورة التي تكتمل لدينا على هذا الأساس هي:أن الشيخ الطوسي بهجرته إلى النجف انفصل عن حوزته الأساسية في بغداد،وأنشأ حوزة جديدة في النجف وتفرغ في مهجره للبحث،وتنمية العلم .
وعلى كل حال فان الحوزة العلمية التي أسسها الشيخ الطوسي في النجف كانت فتحا ً كبيرا ً،وفي الوقت نفسه كانت نواة للجامعة العلمية التي عاشت الأجيال، ومن ذلك التاريخ دخلت مرحلة علمية منتظمة،استمرت بين الشدة والضعف،وقطعت أشواطا ً بعيدة في مستواها العلمي،ومسيرتها الجامعية،وهي تسجل لمؤسسها دور القيادة والزعامة بكل تقدير وإكبار.