قال الحموي في معجم البلدان: جوشن جبل في غربي حلب و منه كان يحمل النحاس الاحمر و هو معدنه، و يقال انّه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين (عليه السلام) و نساؤه، و كانت زوجة الحسين (عليه السلام) حاملا فأسقطت هناك فطلبت من الصناع في ذلك الجبل خبزا و ماء فشتموها و منعوها فدعت عليهم، فمن الآن من عمل فيه لا يربح، و في قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط و يسمى مشهد الدكة، و السقط سمي محسن بن الحسين رضى اللّه عنه .
يقول المؤلف: قد ذهبت الى زيارة ذلك المشهد و هو يقرب من حلب و هو معروف هناك عندهم بشيخ محسّن (بفتح الحاء و تشديد السين المكسورة) و له بناية رفيعة بنيت بالصخر لكنه خرب بسبب الحرب التي قامت في حلب.
و نقل صاحب نسمة السحر عن ابي طي في تاريخ حلب انّه قال: في هذه السنة ظهر مشهد الدكة، و كان سبب ظهوره انّ سيف الدولة عليّ بن حمدان كان في أحد مناظره بداره التي بظاهر المدينة، فرأى نورا ينزل على المكان الذي فيه المشهد عدة مرار، فلمّا، أصبح ركب بنفسه الى ذلك المكان و حفره فوجد حجرا مكتوب عليه كتابة «هذا المحسن بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه تعالى عليهم اجمعين» فبنى عليه هذا المشهد. قال: و قال بعضهم انّ سبي نساء الحسين لما وردوا هذا المكان طرح بعض نسائه هذا الولد .
يقول المؤلف: انّ هناك موضع قبور الشيعة و مقبرة ابن شهرآشوب و ابن منير و السيد العالم الفاضل الثقة الجليل أبي المكارم بن زهرة أيضا.
و منها حادثة دير الراهب التي رواها المؤرخون و المحدّثون من الشيعة و السنة في كتبهم باختلاف يسير في الالفاظ و ملخصها انّه لما نزل اصحاب ابن زياد لعنه اللّه جنب دير الراهب وضعوا الرأس الشريف في الصندوق (و على رواية الراوندي انّه كان مركوزا على الرمح و معه الحرس) فوضعوا الطعام و جلسوا للأكل و هم سكارى من كثرة شرب الخمر، فاذا بكفّ في حائط الدير تكتب:
أ ترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب
فجزعوا جزعا شديدا و أهوى بعضهم الى الكف ليأخذها فغابت، ثم عادوا الى الطعام فاذا الكف قد عادت تكتب:
فلا و اللّه ليس لهم شفيع و هم يوم القيامة في العذاب
فقاموا إليها ليأخذوها فغابت ثم عادوا الى الطعام، فعادت تكتب:
و قد قتلوا الحسين بحكم جور و خالف حكمهم حكم الكتاب
فامتنعوا من الاكل و ما هنأ لهم تلك الليلة فباتوا على تلك الهيئة.
و كان في الدير راهب فسمع صوت التسبيح و التقديس، فقام و أخرج رأسه من الدير فرأى نورا ساطعا من الصندوق الذي فيه الرأس و الملائكة تنزل أفواجا عليه و تقول:
«السلام عليك يا ابن رسول اللّه السلام عليك يا أبا عبد اللّه صلوات اللّه و سلامه عليك».
فدهش الراهب و جزع جزعا شديدا و بقي حتى طلع الفجر، فخرج من الدير و جاء الى العسكر و سأل عن قائدهم؟ قالوا: هو خولي الأصبح، فسأل عما في الصندوق؟ فقالوا: رأس خارجي خرج في العراق و قتله عبيد اللّه بن زياد، قال: ما اسمه؟ قالوا: حسين بن عليّ بن أبي طالب.
قال: ما اسم أمّه؟ قالوا: فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى، فقال: تبا لكم على ما فعلتم، فقد صدق أحبارنا و علماؤنا حيث اخبروا بنزول الدم من السماء عند قتل هذا الرجل و ذلك لا يكون الّا عند قتل نبي أو وصي نبي، ثم قال: أرجوا منكم أن تعطوني الرأس ساعة فأرده إليكم بعدها، قالوا: لا نخرج الرأس من الصندوق الّا عند يزيد بن معاوية كي يعطينا الجوائز.
قال الراهب لقائدهم: كم هي جائزتك، قال: بدرة فيها عشرة آلاف درهم، فقال: عليّ ذلك فأحضر عشرة آلاف درهم و أعطاها لخولي، فأخذها و وضعها في هميانين و مهرهما و اعطاهما الى خازنه ثم سلّم الرأس الشريف الى الراهب.
فأخذ الراهب الرأس الى الدير فغسله و نظفه و حشاه بمسك و كافور كان عنده ثم جعله على السجاد و بدأ بالبكاء و النحيب قائلا: يا أبا عبد اللّه يعزّ و اللّه عليّ ان لم أنصرك و لم أكن في كربلاء لنصرتك، يا أبا عبد اللّه اشهد لي عند جدّك غدا انّي أسلمت عندك ثم قال:
اشهد أن لا إله الّا اللّه وحده لا شريك له و اشهد أنّ محمدا رسول اللّه و عليا وليّ اللّه .
ثمّ ردّ الراهب الرأس و ترك الدير و ظلّ يجول في الصحارى و البجال مشغولا بالزهد و العبادة حتى مات.
فلما قارب العسكر دمشق، أرادوا قسمة الدراهم خوفا من أن يأخذها يزيد، فأمر خولي باحضار الجرابين، فأحضرت بين يديه فنظر الى خاتمه ثم أمر أن تفتح فاذا الدراهم تحولت خزفا و قد كتب على جانبها: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42] و على جانبها الآخر: { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227].
فقال خولي: استروا هذا الامر، ثم قال: انّا للّه و انّا إليه راجعون خسرت الدنيا و الآخرة، ثم أمر أن تطرح الدراهم في النهر فطرحت و رحل الى دمشق .