وردت عدة تسميات للبقعة المباركة التي شهدت فصول مأساة آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، مثلما ورد لفظ (كربلاء) بإخبار الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) بمقتل ولده الحسين في هذه البقعة، أما التسميات الأخرى لهذه الأرض فمنها: الطف، شاطئ الفرات، نينوى، النواويس، أرض العراق، أرض بابل، وغيرها.
وسنتطرق لهذه التسميات بنوع من التفصيل :
١ - كربلاء:
اسم قديم في التاريخ يرجع إلى عهد البابليين، وقد استطاع المؤرخون والباحثون التوصل إلى معرفة لفظة " كربلاء " من نعت الكلمة وتحليلها اللغوي، فقيل إنها منحوتة من كلمة (كور بابل) العربية.
وهي تعني مجموعة قرى بابلية، فالأطلال الكائنة في شمال غربي كربلاء الحالية استخرج منها بعض الجرار الخزفية، وكان البابليون يدفنون موتاهم فيها.
لذلك يرى الباحثون أن كربلاء: هي أم لقرى عديدة تقع بين بادية الشام وشاطئ الفرات، ويحدثنا التاريخ أنها كانت من أمهات مدن ما بين النهرين الواقعة على ضفاف نهر (بالاكوباس) - الفرات القديم - وعلى أرضها كان معبد للعبادة والصلاة، وقد كثرت حولها المقابر، كما عثر على جثث الموتى داخل أواني خزفية يعود تاريخها إلى ما قبل العهد المسيحي.
أما الأقوام الذين سكنوها فكانوا يعولون على الزراعة لخصوبة تربتها، وقد أخذت كربلاء تزدهر شيئا فشيئا لا سيما على عهد الكلدانيين والتنوخيين واللخميين والمناذرة يوم كانت الحيرة عاصمة لهم .
ويرى فريق آخر من المؤرخين: إن لفظة كربلاء، مركبة من كلمتين آشوريتين هما: (كرب) و (إبلا) ومعناهما (حرم الله)، وذهب آخرون إلى أن الكلمة
فارسية المصدر، فهم يرون أنها مركبة من كلمتين هما: (كار) و (بالا) ومعناهما العمل الأعلى أي العمل السماوي، أو بعبارة أخرى محل للعبادة والصلاة.
وأما صاحب دبستان المذاهب فيرى: إن كربلاء كانت في الزمن السالف تحوي بيوت نيران ومعابد المجوس ويطلق عليها بلغتهم " مه يار سور علم " أي المكان المقدس.
لكن أصحاب اللغة ومنهم ياقوت الحموي يرون رد كربلاء إلى أصول عربية وذلك من نحت الكلمة وتحليلها اللغوي.
فكربلاء: بالمد، الكربلة: وهي رخاوة في القدمين، يقال: جاء يمشي مكربلا، فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع " رخوة " فسميت بذلك.
ويقال: كربلت الحنطة إذ هديتها ونقيتها، وينشد في صفة الحنطة:
يحملن صحراء رسوبا للثقل * قد غربلت وكربلت من الفصل
فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقاة من الحصى والدغل فسميت بذلك.
والكربل: اسم نبت الحماض، وقال أبو وجزة يصف عهون الهودج:
وثامر كربل وعميم دفلي * عليها والندى سبط يمور
فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبته هناك فسمي به .
وذهب ابن منظور مذهب ياقوت الحموي في التحليل اللغوي للفظة كربلاء إلا أنه زاد فيها بقوله: والكربل: نبت له نور أحمر مشرق، حكاه أبو حنيفة: وأنشد :
كأن جنى الدفلى يغشي خدرها * ونوار ضاح من خزامى وكربل
فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبته في هذا الموضع، فسمي به.
وقال أيضا: وكربلاء اسم موضع وبها قبر الحسين بن علي (عليهما السلام)، قال كثير:
فسبط سبط إيمان وبر * وسبط غيبته كربلاء
وقال صفي الدين البغدادي: هو الموضع الذي قتل فيه الحسين بن علي (عليهما السلام) في طريق البرية عند الكوفة، على جانب الفرات ، وعلى هذا الأساس أطلق عليها اسم (النوائح) وربما اشتقت من كلمة النياح لكثرة البكاء والعويل منذ نزول الحسين (عليه السلام) فيها وذكر ياقوت الحموي أبياتا أنشدها الشاعر معن بن أوس المزني من قصيدة طويلة:
إذا هي حلت بكربلاء معلعا * فجوز العذيب دونها والنوائحا
فباتت نواها من نواك فطاولت * مع الشانئين الكواشحا
توهمت ربعا بالمعبر واضحا * أبت قرتاه اليوم لا تراوحا
وقال صاحب مجمع البحرين في كربلاء: إن كربلاء موضع معروف بها قبر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام). روي أنه (عليه السلام) اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضرية بستين ألف درهم، وتصدق بها عليهم، وشرط عليهم أن يرشدوا إلى قبره ويضيفوا من زاره ثلاثا .
ومما يدل على كربلاء ووجودها قبل الفتح الإسلامي، ما ذكره الخطيب البغدادي بسند إلى أبي سعيد التميمي قال: " أقبلنا مع علي (عليه السلام) من صفين فنزلنا كربلاء ".
وذكر أيضا قال: " أقبلت من الأنبار مع علي نريد الكوفة وعلي في الناس، فبينا نحن نسير على (شاطئ الفرات) إذ لجج في الصحراء فتبعه ناس من أصحابه، وأخذ ناس على شاطئ الماء، فكنت من أخذ مع علي حتى توسط الصحراء، فقال الناس: يا أمير المؤمنين إنا نخاف العطش، قال: إن الله سيسقيكم، وراهب قريبا منا، فجاء علي إلى مكانه فقال: احفروا هاهنا، فحفرنا، وكنت فيمن حفر، حتى نزلنا - يعني عرض لنا حجر - فقال علي: ارفعوا هذا الحجر فأعانونا
عليه حتى رفعناه، فإذا عين باردة طيبة، فشربنا ثم سرنا ليلا أو نحو ذلك، فعطشنا، فقال بعض القوم: لو رجعنا فشربنا. فرجع الناس وكنت فيمن رجع، فالتمسناها فلم نقدر عليها، فأتينا الراهب فقلنا: أين العين التي هاهنا؟ قال: أية عين؟ قلنا: التي شربنا منها واستسقينا والتمسناها فلم نقدر عليها. فقال الراهب: لا يستخرجها إلا نبي أو وصي .
أما المرحوم الدكتور مصطفى جواد فإنه يرى محاولة ياقوت الحموي برد (كربلاء) إلى الأصول العربية غير مجدية حيث يقول: وأنا أرى محاولة ياقوت الحموي رد (كربلاء) إلى الأصول العربية غير مجدية، ولا يصح الاعتماد عليها، لأنها من باب الظن والتخمين، والرغبة الجامحة العارمة في إرادة جعل العربية مصدرا لسائر الأمكنة والبقاع، مع أن موقع كربلاء خارج عن جزيرة العرب، وأن في العراق كثيرا من البلدان ليست أسماؤها عربية، كبغداد وصرورا وجوخا وبابل وكوش وبعقوبا.
وإن التاريخ لم ينص على عروبة اسم (كربلاء) فقد كانت قبل الفتح الإسلامي للعراق، وقبل سكنى العرب هناك، وقد ذكرها بعض العرب الذين رافقوا خالد بن الوليد القائد العربي المشهور في غزوته لغرب العراق سنة ١٢ ه - ٦٣٤ م. قال ياقوت الحموي: ونزل خالد عند فتحه الحيرة كربلاء فشكا إليه عبد الله بن وشيمه النصري الذبان فقال رجل من أشجع في ذلك:
لقد حبست في كربلاء مطيتي * وفي العين حتى عاد غثا سمينها
إذا رحلت من منزل رجعت له * لعمري وأيها إنني لأهينها
ويمنعها من ماء كل شريعة * رفاق من الذبان زرق عيونها
واستطرد المرحوم جواد قائلا: ولقائل أن يقول: إن العرب أوطنوا تلك البقاع قبل الفتح العربي، فدولة المناذرة في الحيرة ونواحيها وكانت معاصرة للدولة الساسانية الفارسية وفي حمايتها وخدمتها. والجواب: إن المؤرخين لم يذكروا لهم إنشاء قرية سميت بهذا الاسم - أعني كربلاء - غير أن وزن كربلاء ألحق بالأوزان العربية ونقل " فعللا " إلى " فعللاء " في الشعر حسب. فالأول موازن قرقرى وقهقرى، والثاني موازن لعقرباء وحرملاء، زيد همزة كما زيد برنساء.
أما الأستاذ انطوان بار فإنه يعزو كلمة كربلاء بقوله: وقيل عنها قديما " كور بابل " ثم اختصرت إلى اسم كربلاء تسهيلا للفظها، وبابل كما جاءت في نبوة أشعيا هي " صحراء البحر " كانت في سهل متسع يقطعه الفرات، وفيها غدران كثيرة حتى ليظن الناظر إليها بأنها صحراء طافية فوق بحر، فأطلق عليها هذا الاسم وفي هذا التفسير شئ من المعقول: إذ كربلاء منطقة صحراوية حارة، وفيها الفرات وبعض الغدران، وتسمية " صحراء البحر " فيها شبه كبير بتسمية " كور بابل "، فالكور معناه في العربية هو ذلك الجهاز الذي ينفخ الهواء فوق جمر الحداد لإحماء الحديد، وبابل هي " الصحراء الحارة "، فصار اللفظ " كور بابل " يعني - لهب صحراء بابل - كلهب كور الحداد.
وكربلاء تقع على بعد عدة كيلومترات من مشرعة الفرات شمال غرب الكوفة، وكانت في عهد البابليين معبدا، والأسم محرف من كلمتي " كرب " بمعنى معبد أو مصلى أو محرم، " وابلا " بمعنى إله باللغة الآرامية، فيكون معناها " حرم الإله " .
وهذا يؤيده وجود الأطلال في شمال غربي كربلاء الحالية وتستخرج في كربلاء القديمة الكائنة في منها أحيانا الجرار الخزفية، وكان البابليون يدفنون موتاهم فيها .
وفي تعوذ الحسين من الكرب والبلاء، مرادف لفظي آخر جاء متطابقا إلى حد كبير مع لفظة " كربلاء " موصوفة. فالكرب، هو الشدة المصحوبة بالألم , والبلاء هو النهاية وبلية الموت.
ولو نسبنا اللفظة إلى مرادف آخر، لوجدناها تصح بلفظة " كر وبلاء " ومعنى الكر هنا، هو أحد وجهي الهجوم والتراجع في المعارك، وهو ما يعني الهجوم - الكر - لأن التراجع يعني - الفر - وهكذا يقال في وصف معركة: " قتال بين كر وفر " أي بين إقدام وهروب.
أما لفظة " كربلاء " فمعناها متمم لمعنى لفظة " كر " وبلاء هنا بعد لفظة كر، غير تلك البلاء بعد لفظة كرب، فاللفظان إذا عطفا على ما قبلهما، فسرا معنى ما سبقهما، فالبلاء بعد الكرب، تعني الشدة والموت، وبعد الكر، تعني المضاء والنجاح في القتل والهجوم، وهكذا يقال في وصف أحد الشجعان: " أبلى بلاء حسنا " أي قاتل بشكل جيد وماض.
وعلى هذا القياس تفسر لفظة " كر، بلاء " بمعنى: " إقدام، وبسالة " .
ومهما كان من آراء المؤرخين تبقى كربلاء الأرض المباركة التي كرمها الله تعالى حيث ضمت بين جنباتها الجسد الطاهر لريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وامتزجت تربتها مع دماء العترة الطاهرة من آل الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)، فتسمية كربلاء كما أخبر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن طريق الوحي هي ربما أبعد مما ذكره المحللون لهذه اللفظة، فقد أعطى (صلى الله عليه وآله) تفسيرا واقعيا للفظة كربلاء، إذ ذكر فرات الكوفي في تفسيره: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة (عليهما السلام): " يا بنتاه، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجم السماء يتهاون إلى القتل، وكأني أنظر إلى معسكرهم، وإلى موضع رحالهم وتربتهم.
قالت: يا أبة، وأين هذا الموضع الذي تصف؟
قال: موضع يقال له: كربلاء، وهي دار كرب وبلاء.. " .
نعم: لقد ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرض كربلاء وقد نعتها بأرض كرب وبلاء قبل أن يدخل العراق إلى حضيرة الإسلام، وقبل أن تطأ أقدام المسلمين أرض العراق التي قال عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يا بني - أي الإمام الحسين - إنك ستساق إلى العراق وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين " .
إذن كربلاء هي الأرض التي التقى عليها النبيون وأوصياؤهم، وشهدت أعظم معركة في التاريخ قتل فيها ذرية نبي الأمة (صلى الله عليه وآله) وهم حديثو العهد به، لا بد أن تكون أرضا مباركة كرمها الله تعالى وشرفها على بقاع الأرض الأخرى حتى جاءت هذه التسمية مطابقة للفظ والمعنى.
وكانت تحيط بكربلاء عند ورود الحسين (عليه السلام) لها، مجموعة من القرى كالغاضرية ونينوى وعمورا وشاطئ الفرات وغيرها.
٢ - الطف:
بالفتح، والفاء مشددة، وهو في اللغة ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق، قال الأصمعي: وإنما سمي طفا لأنه دان من الريف، ومن قولهم: خذ ما طف لك واستعطف (أي ما دنا وأمكن ".
وقال أبو سعيد: سمي الطف لأنه مشرف على العراق، من أطف على الشئ، بمعنى أطل، والطف: طف الفرات أي الشاطئ . سمي بذلك لدنوه.
قال شبرمه بن الطفيل:
كأن أباريق المدام عليهم * أوز، بأعلى الطف، عوج الحناجر
والطف هي أرض بادية قريبة من الريف فيها عدة عيون ماء جارية، منها: الصيد والقطقطانة والرهيمة وعين جمل وذواتها، وهي عيون كانت للموكلين بالمسالح التي كانت وراء خندق سابور الذي حفره بينه وبين العرب، وذلك إن سابور أقطعهم أرضها يعتلونها من غير أن يلزمهم خراجا، فلما كان يوم ذي قار ونصر الله العرب بنبيه (صلى الله عليه وآله)، غلبت العرب على طائفة من تلك العيون وبقي بعضها في أيدي الأعاجم، ثم لما قدم المسلمون الحيرة وهربت الأعاجم بعدما طمت عامة ما كان في أيديها وبقي ما في أيدي العرب فأسلموا عليها وصار ما عمروه من الأرض عشرا، ولما انقضى أمر القادسية والمدائن وقع ما جلا عنه الأعاجم من أرض تلك العيون إلى المسلمين وأقطعوه فصارت عشرية أيضا، وقال الافيشر
الأسدي من قصيدة:
اني يذكرني هندا وجارتها * بالطف صوت حمامات على نبق
بنات ماء معا بيض جآجئها * حمر مناقرها صفر الحماليق
أيدي السحاة بهن الدهر معملة * كأنما لونها رجع المخاريق
أفني قلادي وما جمعت من نشب * قرع القواقيز أفواه الأباريق
وقال الزبيدي " صاحب تاج العروس " : والطف قرب الكوفة، وبه قتل الإمام الحسين (رضي الله عنه) سمي به لأنه طرف البر مما يلي الفرات، وكانت يومئذ تجري قريبا منه، قال أبو دهبل الجمحي:
تبيت سكارى من أمية نوما * وبالطف قتلى ما ينام حميمها
وما أفسد الإسلام إلا عصابة * تأمر نوكاها فدام نعيمها
فصارت قناة الدين في كف ظالم * إذا اعوج منها جانب لا يقيمها
٣ - الحاير:
بعد الألف ياء مكسورة، وراء، وهو في الأصل حوض يصب إليه سيل الماء من الأمطار، سمي بذلك لأن الماء يتحير فيه، ويرجع من أقصاه إلى أدناه، وقال الأصمعي: يقال للموضع المطمئن الوسط المرتفع الحروف حائر وجمعه حوران، وأكثر الناس يسمونه الحائر الحير كما يقولون كعائشة عيشه.
والحائر: قبر الحسين بن علي (رضي الله عنه)، وقال أبو القاسم علي بن حمزة البصري ردا على ثعلب في الفصيح: قيل الحائر لهذا الذي يسميه العامة حيير وجمعه حيران وحوران، قال أبو القاسم: هو الحائر إلا أنه لا جمع له لأنه اسم لموضع قبر الحسين بن علي (رضي الله عنه)، فأما الحيران فجمع حائر، وهو مستنقع ماء يتحير فيه فيجئ ويذهب.
والحائر: وهي الأرض المنخفضة التي تضم موضع قبر الحسين (عليه السلام) إلى رواق بقعته الشريفة، وقد حار الماء حولها على عهد المتوكل العباسي عام ٢٣٦ ه وكانت للحائر وهدة فسيحة محدودة بسلسلة تلال ممدودة وربوات متصلة في الجهات الشمالية الغربية والجنوبية منه تشكل للناظرين نصف دائرة مدخلها الجهة الشرقية، حيث يتوجه منها الزائر إلى مثوى العباس بن علي (عليهما السلام) .
وقال المرحوم الدكتور مصطفى جواد: " فالحائر اسم عربي وكانت أرض كربلاء من مساكن العرب منذ الجاهلية، ولذلك سميت أكبر مدينة في هذا الموضع (عين التمر)، وهذا الاسم المركب الإضافي يحتوي على اسمين عربيين خالصي العروبة.
فهل كانت تسمية الحائر قبل الإسلام؟ وقد ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان أيضا: (يوم حائر ملهم أيضا على حنيفة ويشكر) فهذا الحائر كان في جزيرة العرب فيجوز فيه الأمران أعني أنه سمي في الجاهلية بالحائر، وأنه سمي في الإسلام بهذا الاسم " .
وتابع المرحوم مصطفى جواد قائلا: " وقد ذكرنا أن الحائر اسم عربي وأن العرب سكنوا هذه البلاد منذ عصور الجاهلية، فلا بد من أن يكون معروفا قبل استشهاد الحسين (عليه السلام)، لأن هذه التسمية هي والحيرة والحيرة من أصل واحد، وقد قال ياقوت في كلامه على (الحيرة). وأكثره مذكور في الطبري: " وفي بعض أخبار أهل السير، سار أردشير إلى الاردوان ملك النبط، وقد اختلفوا عليه وشاغبه ملك من ملوك النبط يقال له: باب، فاستعان كل واحد منهما بمن يليه من العرب ليقاتل
بهم آلاف، فبنى الاردوان حيرا، فأنزله من أعانه من العرب، فسمي ذلك الحير الحيرة، كما تسمى القيعة من القاع، وأنزل بابا من أعانه من الأعراب الأنبار وخندق عليهم..
وقال أبو المنذر هشام بن محمد: كان بدء نزول العرب أرض العراق وثبوتهم بها واتخاذهم الحيرة والأنبار إن الله أوحى إلى يوحنا.. أن أئت بختنصر فمره أن يغزو العرب الذين لا أغلاق لبيوتهم ولا أبواب، وأن يطأ بلادهم بالجنود فيقتل مقاتلهم ويستبيح أموالهم، وأعلمهم كفرهم بي، واتخاذهم آلهة دوني وتكذيبهم أنبيائي ورسلي، فأقبل يوحنا من نجران حتى قدم على بختنصر وهو ببابل فأخبره بما أوحي إليه، وذلك في زمن معد بن عدنان، فوثب بختنصر على من كان في بلاده من تجار العرب، فجمع من ظفر به منهم وبنى لهم حيرا على النجف وحصنه، ثم جعلهم فيه ووكل بهم حرسا وحفظة، ثم نادى في الناس بالغزو، فتأهبوا لذلك، وانتشر الخبر فيمن يليهم من العرب، فخرجت إليه الطوائف منهم مسالمين ومستأمنين، فاستشار بختنصر فيهم يوحنا فقال: خروجهم إليك من بلدهم قبل نهوضهم إليك رجوع منهم عما كانوا عليه، فأقبل منهم وأحسن إليهم، فأنزلهم بختنصر السواد على شاطئ الفرات وابتنوا موضع عسكرهم فسموا الأنبار، وخلى عن أهل الحيرة فابتنوا في موضعه وسموها الحيرة لأنه كان حيرا مبنيا، وما زالوا كذلك مدة حياة بختنصر، فلما مات انضموا إلى أهل الأنبار، وبقي الحير خرابا زمنا طويلا لا تطلع عليه طالعة من بلاد العرب، وأهل الأنبار ومن انظم إليهم من أهل الحيرة من قبائل العرب بمكانهم، وكان بنو معد نزولا فيها قدموا إليها من البلاد ففرقتهم حروب وقعت بينهم فخرجوا يطلبون المتسع والريف فيما يليهم من بلاد اليمن ومشارق الشام، وأقبلت منهم قبائل حتى نزلوا البحرين، وبها قبائل من الأزد كانوا نزلوها من زمان عمرو بن عامر ماء السماء..
وكان من اجتماع القبائل بالبحرين وتحالفهم وتعاقدهم زمان ملوك الطوائف الذين ملكهم الإسكندر وفرق البلدان عند قتله دارا، إلى أن ظهر أردشير على ملوك الطوائف وهزمهم ودان له الناس وضبط الملك، فتطلعت أنفس من كان في البحرين من العرب إلى ريف العراق، وطمعوا في غلبة الأعاجم مما يلي بلاد العرب ومشاركتهم فيه، واغتنموا ما وقع بين ملوك الطوائف من الاختلاف، فأجمع رؤساؤهم على المسير إلى العراق، ووطن جماعة ممن كان معهم أنفسهم على ذلك.. ثم قدمت قبائل تنوخ على الاردوانيين (وهم ملوك الطوائف) فأنزلوهم الحيرة التي كان بناها بختنصر والأنبار، وأقاموا يدينون للعجم إلى أن قدمها تبع أبو كرب فخلف بها من لم تكن له نهضة فانضموا إلى الحيرة واختلطوا بهم.. فصار في الحيرة من جميع القبائل من مذحج وحمير وطئ وكلب وتميم، ونزل كثير من تنوخ الأنبار والحيرة إلى طف الفرات وغربيه، إلا أنهم كانوا بادية يسكنون المضال وخيم الشعر ولا ينزلون بيوت المدر، وكانت منازلهم بين الأنبار والحيرة فكانوا يسمون عرب الضاحية، فكان أول من ملك منهم في زمن ملوك الطوائف مالك بن فهم أبو جذعة الأبرش، وكان منزله مما يلي الأنبار، ثم مات فملك ابنه جذيمة الأبرش بن مالك بن فهم، وكان جذيمة من أفضل ملوك العرب رأيا وأبعدهم مغارا وأشدهم نكاية وأظهرهم حزما وهو أول من أجتمع له الملك بأرض العرب وغزا بالجيوش، وكان به برص وكانت العرب لا تنسبه إليه إعظاما له وإجلالا، فكانوا يقولون: جذيمة الوضاح وجذيمة الأبرش، وكانت دار مملكته الحيرة والأنبار وبقعة وهيت وعين التمر وأطراف البر إلى الغمير إلى القطقطانة وما وراء ذلك، يجبى إليه من هذه الأعمال الأموال وتفد عليه الوفود.
ونستدل بهذا الخبر على إمكان كون (الحائر) من وضع العرب في أيام الجاهلية، لأنه لا صلة لاشتقاقه بالقتل والفتك ولا بالاستشهاد ولا بالدفن حتى يكون ظهوره مشروطا بأحد هذه المعاني " .
٤ - الغاضرية:
بعد الألف ضاد معجمة، منسوبة إلى غاضره من بني أسد، وهي قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء .
ويظهر أن الغاضرية ليست قديمة التاريخ فهي أنشئت بعد انتقال قبيلة بني أسد إلى العراق في صدر الإسلام . وهي أرض منبسطة وتقع اليوم في الشمال الشرقي من مقام أو شريعة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) على العلقمي بأمتار وتعرف بأراضي الحسينية .
وعن أبي جعفر (عليه السلام) إنه قال: الغاضرية هي البقعة التي كلم الله فيها موسى بن عمران، وناجى نوحا فيها، وهي أكرم أرض الله، ولولا ذلك ما استودع أولياءه وأنبياءه، فزوروا قبورنا بالغاضرية .
5 - نينوى:
بكسر أوله، وسكون ثانيه، وفتح النون والواو، بوزن طيطوى، بسواد الكوفة ناحية يقال لها نينوى، منها كربلاء التي قتل بها الحسين (رضي الله عنه) (٦) وكانت على نهر العلقمي، وكانت قرية عامرة في العصور الغابرة، تقع شمال شرقي كربلاء، وهي الآن سلسلة تلول أثرية ممتدة من جنوب سدة الهندية حتى مصب نهر العلقمي في الأهوار وتعرف بتلول نينوى .
٦ - شفيه:
وهي بئر حفرتها بنو أسد بالقرب من كربلاء، وأنشأت بجانبها قرية، وكان الحسين (عليه السلام) عندما حبسه الحر بن يزيد الرياحي عن الطريق، وأم كربلاء، أراد أن ينزله في مكان لا ماء فيه، قال أصحابه: دعنا ننزل في هذه القرية يعنون نينوى، أو هذه القرية يعنون الغاضرية، أو هذه القرية يعنون شفيه، وإن الضحاك بن عبد الله القرشي المشرفي عندما اشتد الأمر على الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء وبقي وحيدا استأذن الحسين (عليه السلام) بالانصراف لوعد كان بينهما (أن ينصره متى كان كثير الأنصار) فاستوى على ظهر فرسه فوجهها نحو العسكر، فأفرجوا له وافترق صفوفهم، ثم تبعه خمسة عشر فارسا حتى جاء شفيه فألتجأ بها وسلم من القتل.
٧ - العقر:
قال ياقوت الحموي: " العقر بفتح أوله وسكون ثانيه.. منها عقر بابل قرب كربلاء من الكوفة. وهي قرية في الشمال الغربي من الغاضرية وبأطلالها أثريات مهمة .
وقد روي أن الحسين (عليه السلام) لما انتهى إلى كربلاء وأحاطت به خيل عبيد الله بن زياد قال: ما اسم هذه القرية؟ وأشار العقر، فقيل له: اسمها العقر. فقال: نعوذ بالله من العقر، فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها؟ قالوا: كربلاء، فقال: أرض كرب وبلاء. وأراد الخروج فمنع حتى كان ما كان.
وقتل في العقر أيضا يزيد بن الملهب بن أبي صفرة في سنة ١٠٢ ه، وكان خلع طاعة بني مروان، دعا إلى نفسه وأطاعه أهل البصرة والأهواز وفارس وواسط، وخرج في مائة وعشرون ألفا، فندب له يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة، فواقعه في العقر من أرض بابل، فأجلت الحرب عن قتل يزيد بن الملهب .
وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: كان يقال: ضحى بنو حرب بالدين يوم كربلاء، وضحى بنو مروان بالمروءة يوم العقر، فيوم كربلاء يوم الحسين بن علي وأصحابه، ويوم العقر يوم قتل يزيد بن المهلب وأصحابه.
قال الكلبي: " نشأت والناس يقولون: ضحى بنو أمية بالدين يوم كربلاء، وبالكرم يوم العقر " .
٨ - النواويس:
كانت مقبرة عامة للنصارى قبل الفتح الإسلامي، وتقع في أراضي ناحية الحسينية قرب نينوى .
٩ - عين التمر:
قال ياقوت الحموي: بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة بقربها موضع يقال له: شفاثا، منها يجلب القسب والتمر إلى سائر البلاد، وهو بها كثير جدا، وهي على طرف البرية، وهي قديمة افتتحها المسلمون في أيام أبي بكر على يد خالد بن الوليد في سنة ١٢ ه.
وكان فتحها فسبى نساءها وقتل رجالها، فمن ذلك السبي والدة محمد بن سيرين، وسيرين اسم أمه، وحمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، وفيها يقول عبيد الله بن الحر الجعفي في وقعة كانت بينه وبين أصحاب مصعب :
ألا هل أتى الفتيان بالمصر إنني * أسرت بعين التمر أورع ما جدا
وفرقت بين الخيل لما تواقفت * بطعن امرئ قد قام من كان قاعدا
وفي الفتح الإسلامي للعراق قالوا: ولما فرغ خالد من الأنبار، واستحكمت له، استخلف على الأنبار الزبرقان بن بدر، وقصد لعين التمر، وبها يومئذ مهران بن بهرام في جمع عظيم من العجم، وعقة بن أبي عقة في جمع عظيم من العرب من النمر وتغلب وأياد ومن فهم .
وذكر أبو الفرج الأصفهاني: " إن سابور الثاني الملقب بذي الأكتاف حاصر مدينة الحضر بين دجلة والفرات على الأنهار وأفتتحها وسبي النضيرة ابنة ملكها وخرب المدينة، وحمل النضيرة فأعرس بها بعين التمر " .
ويظهر من هذه الروايتين بأن مدينة عين التمر كانت عامرة قبل الفتح الإسلامي للعراق. قال الدكتور جواد: " واختياره لعين التمر دليل على أن فيها بنيانا ملوكيا يصلح لأن يكون موضعا للعرس، وما أحرى حصن الأخيضر بذلك فإنه حصن ملوكي حقا " .