... لم يحدثنا التاريخ بشيء عنه خلال خلافة ابي بكر القصيرة، و لعل مرد ذلك إلى صغر سنه يوم ذاك لأنه بقي في الخلافة نحوا من سنتين و الحسين (عليه السلام) يوم وفاة أبي بكر كان في التاسعة من عمره، أما في خلافة ابن الخطاب فيجد الباحث بعد التتبع نتفا من سيرته هنا و هناك.
فقد جاء عنه في مطلع خلافة عمر بن الخطاب انه قال: أتيته و هو يخطب على المنبر و المسلمون حوله فتخطيت الناس و صعدت إليه و قلت له:
انزل عن منبر أبي و اذهب الى منبر أبيك، فابتسم لي و قال: ليس لأبي منبر و إنه لمنبر أبيك أي و اللّه ثم أخذني بيده و أجلسني الى جانبه، فلما نزل عن المنبر انطلق بي إلى منزله و قال لي: من علمك ذلك؟ فقلت: و اللّه ما علمني أحد، فقال: بأبي أنت و أمي لو جعلت تغشانا، فأتيته يوما و هو مجتمع مع معاوية في خلوة و ولده عبد اللّه واقف على الباب فرجع و رجعت معه، فلقيني بعد ذلك و قال لي: لم أرك منذ فارقتني، فقلت له: إني جئتك و أنت في خلوة مع معاوية و وجدت ولدك عبد اللّه على الباب فرجعت معه، فقال: أنت أحق من ولدي فإنما أنبت ما ترى في رؤوسنا اللّه ثم أنتم.
و جاء في تذكرة الخواص و غيرها عن ابن عباس: ان عمر بن الخطاب كان يحب الحسن و الحسين و يقدمهما على ولده و لقد وزع الأموال يوما فأعطى لكل من الحسن و الحسين عشرة آلاف درهم و أعطى ولده عبد اللّه ألفا، فعاتبه ولده و قال: لقد علمت سبقي الى الإسلام و هجرتي الى رسول اللّه و أنت تفضل علي هذين الغلامين، فقال له: ويحك يا عبد اللّه، آتني بجد كجدهما و أب كأبيهما و أم كأمهما و خال كخالهما و عم كعمهما و عمة كعمتهما و جدهما رسول اللّه و أبوهما علي بن أبي طالب و امهما فاطمة الزهراء و جدتهما خديجة بنت خويلد و خالهما ابراهيم ابن رسول اللّه و عمهما جعفر الطيار و عمتهما أم هانئ بنت أبي طالب.
و روى ابن عساكر في تاريخه أن عمر بن الخطاب فرض للحسن و الحسين مثلما فرض لأبيهما و ألحقهما بأهل بدر في العطاء، و أرسل إليه عامله على اليمن حللا فوزعها و لم يعط الحسن و الحسين منها فلبسها الناس و راحوا يخطرون بها و خرج الحسن و الحسين من بيت امهما فاطمة و كان في جوف المسجد فقطب عمر بن الخطاب و قال لمن حوله: و اللّه ما انصفت اذ كسوتكم من حلل اليمن و تركت هذين الغلامين، ثم كتب لعامله على اليمن أن:
ابعث لي بحلتين لحسن و حسين و عجل بهما فبعث إليه بحلتين فكساهما و قال: الآن طابت نفسي.
و في رواية ثانية ان الحلل التي جاءته اولا لم يكن فيها ما يصلح لهما فأرسل إلى عامله في اليمن أن يرسل له حلتين على حسابهما.
و لم يرد في المصادر التاريخية ما يشير الى اشتراكه في حروب المسلمين مع الدولتين الرومانية و الفارسية، و لعل ذلك يعود إلى أنه خلال خلافة ابن الخطاب لم يتجاوز مطلع الشباب، و في خلافة عثمان بن عفان كان قد تكامل شبابه فاشترك هو و أخوه الحسن (عليه السلام) في الحياة العامة و في بعض الغزوات إلى افريقيا و بلاد الفرس.
فقد جاء في رواية ابن خلدون من تاريخه كتاب العبر المجلد الثاني ص 128 و 129 ان عثمان بن عفان عزل عمرو بن العاص عن ولاية مصر و استعمل عليها أخاه من الرضاعة عبد اللّه بن سرح، و كان قد أمر عبد اللّه بغزو افريقية، و أمر على الجند عقبة بن نافع بن عبد القيس و عبد اللّه بن نافع بن الحرث فخرجوا الى افريقية فصالحهم أهلها على مبلغ من المال يؤدونه إليهم و لم يستطيعوا التوغل فيها لكثرة اهلها، ثم استأذن ابن سرح عثمان في التوغل فيها و طلب منه ان يمده بالجيش فاستشار عثمان بن عفان الصحابة فأشاروا عليه بإرسال الجيش إليها، فأمده بالعساكر و فيهم جماعة من الصحابة منهم عبد اللّه بن عباس و ابن عمر و عبد اللّه بن عمرو بن العاص و ابن جعفر و الحسن و الحسين (عليه السلام)، و ممن أكد اشتراكهما في تلك الغزوة احمد بن خالد الناصري السلاوي في كتابه الاستقصاء لأخبار المغرب الأقصى في المجلد الأول ص 39.
و روى الطبري في ص 57 و 58 من المجلد الخامس و ابن خلدون في ص 134 و 135 من المجلد الثاني من كتابه العبر، ان الحسين (عليه السلام) قد اشترك في حروب المسلمين مع الفرس في طبرستان و جهاتها، و جاء فيهما: أنه في سنة ثلاثين من الهجرة غزا سعيد بن العاص طبرستان، و كان ملكها (الأصبهبذ) قد صالح سويد بن مقرن في عهد عمر بن الخطاب على مال يؤديه للمسلمين في كل عام، و لما غزاها سعيد بن العاص عند ما ولاه عثمان الكوفة ضم إليه جماعة من الصحابة و فيهم الحسنان (عليه السلام) و عبد اللّه بن عباس و جماعة من أولاد المهاجرين و الانصار، و امتد الغزاة إلى جرجان و نهاوند و غيرهما فخضعت جميع تلك المناطق للقوات الغازية. و قد أهمل هذه الناحية جماعة من المؤرخين و لم يتعرضوا لاشتراك الحسن و الحسين في الغزوات و الحروب الإسلامية التي كانت مكللة بالنجاح يوم ذاك، و حتى في غزو إفريقيا و طبرستان و جهاتها كما أهملوا غيرها من الحقائق التاريخية، لذلك فإن اهمالهم لها لا يكفي وحده لأن يكون سببا للتشكيك بها، لا سيما عند المتتبع لتاريخ أهل البيت الحافل بالتضحيات في سبيل الإسلام.
و يدعي اكثر المؤرخين بأن الحسين (عليه السلام) قد اشترك هو و أخوه الحسن (عليه السلام) في الدفاع عن عثمان، و قد أمرهما أمير المؤمنين (عليه السلام) ان يقفا على باب داره ليصدا هجمات الثوار عليه.
و أضاف إلى ذلك بعض المؤرخين: أن الثوار قد تهيبوا الدخول عليه من الباب الذي رابط عليه الحسنان، فتسلقوا الجدران و دخلوا عليه و كانت بذلك نهايته، و كنت قد تعرضت لهذه الناحية من مواقفهما في القسم الأول من هذا الكتاب، خلال حديثي عن الثورة التي اطاحت بعثمان و سلطانه، و أبديت بعض الملاحظات على هذا النوع من المرويات فلم يعد ما يوجب الحديث عنها. و قد اشترك مع ابيه خلال خلافته في جميع الشؤون السياسية و العسكرية و الادارية و كان يرعاه و يتمنى عليه و على اخيه الحسن ان لا يغامرا في المعارك، في حين انه كان يحرض ولده محمد بن الحنفية على اقتحامها.
و قد قيل له لم يغرر بك ابوك و لا يغرر بالحسن و الحسين، فقال: انهما عيناه و أنا يمينه فهو يدفع عن عينيه بيمينه، و مرة اخرى قيل لأمير المؤمنين: لما ذا تسمح لمحمد بن الحنفية في خوض المعارك و تمنع الحسن و الحسين؟ فقال: لأنهما عيناي و محمد يداي و أنا أدفع عن عيني بيدي.
و لما عاد الى الكوفة بعد رفع المصاحف و التحكيم و سمع قول من قال: لو كان مضى بمن اطاعه فقاتل حتى يظفر او يهلك، قال: و اللّه ما غاب عن رأيي ذلك و ان كنت سجينا بنفسي عن الدنيا طيب النفس بالموت، و لقد هممت بالإقدام على القوم فنظرت الى هذين قد ابتدراني يعني الحسن و الحسين، و نظرت الى هذين و قد استقدماني، يعني عبد اللّه بن جعفر و محمد بن علي، فعلمت ان هذين ان هلكا انقطع نسل رسول اللّه من هذه الأمة، و أشفقت على هذين ان يهلكا و ايم اللّه لئن لقيتهم بعد يومي هذا لألقيتهم و ليسوا معي في عسكر أبدا.
و جاء في المجلد الثاني من أسد الغابة ص 193 و 194 عن شقيق بن سلمة ان الحسين (عليه السلام) برز في معارك أبيه مع القاسطين او المارقين و الناكثين، و نادى: هل من مبارز؟ فأقبل رجل من آل ذي لعوة اسمه الزبرقان بن احلم و كان بطلا شديد البأس فقال للحسين: من أنت؟ قال أنا الحسين بن علي، فقال له الزبرقان: انصرف يا بني،؛ فاني و اللّه لقد نظرت إلى رسول اللّه مقبلا من ناحية قباء على ناقة حمراء و انك يومئذ قدامه فما كنت لألقى رسول اللّه بدمك و انصرف عنه .
وصية أمير المؤمنين الى الحسين (عليه السلام) :
لقد روى الرواة أنه لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين بالسيف و أدخل بيته كان يغمى عليه ساعة بعد ساعة، و في الليلة التي توفي فيها جمع ولده و نص على إمامة الحسن و الحسين و أوصى أولاده بإطاعتهما، و قال لهما: أوصيكما بتقوى اللّه و أن لا تبغيا الدنيا و إن بغتكما و لا تأسفا على شيء زوى منها عنكما، و كونا للمظلوم عونا و للظالم خصما، و التفت الى من كان عنده من بنيه و بني هاشم، و قال: يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين، لا تقتلن بي إلا قاتلي، و انظروا إذا أتاحت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة و لا تمثلوا بالرجل فإني سمعت رسول اللّه يقول: اياكم و المثلة و لو بالكلب العقور.
و كان مما أوصى به الحسين كما في الاعجاز و الايجاز لأبي منصور الثعالبي: يا بني ما شر بعده الجنة بشر و لا خير بعده النار بخير، و كل نعيم دون الجنة محضور، و كل بلاء دون النار عافية، اعلم يا بني: ان من أبصر عيب نفسه شغل عن غيره، و من رضي بقسم اللّه لم يحزن على ما فاته و من سل سيف البغي قتل به، و من حفر لأخيه حفرة وقع فيها و من هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته على الناس، و من نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره، و من كابد الأمور عطب، و من اقتحم البحر غرق، و من أعجب برأيه ضل، و من استغنى بعقله ذل، و من تكبر على الناس ذل، و من سفه عليهم شتم، و من دخل مداخل السوءاتهم، و من خالط الأنذال حقر، و من جالس العلماء وقر.
يا بني اعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله، كفى أدبا لنفسك ما كرهته من غيرك، و ان لأخيك عليك مثل الذي لك عليه، الى غير ذلك من النصائح و الارشادات التي أوصاه بها كما جاء في إعجاز الثعالبي و غيره من مجاميع الحديث و التاريخ.