مَنْ هو الحسين (عليه السّلام) نسباً وحسباً ومقاماً في المجتمع ؟
نسبُهُ :
من المؤسف المؤلم حقاً أنْ يوجد بين شباب المسلمين اليوم مَنْ يعرفون الكثير عن أقطاب الشرق والغرب والكثير مِنْ أحوال الشخصيات الأجنبية وسيرتهم وحياتهم ولكن لا يعرفون إلاّ القليل وقد لا يعرفون شيئاً أصلاً عن أحوال نبيهم ورجال دينهم وقادة الإسلام . وهذا أوضح دليل على أنّ هؤلاء الشباب قد ابتعدوا عن الإسلام كثيراً مِنْ حيث يشعرون أو لا يشعرون .
فنقول لهؤلاء : وما الذي تعرفونه عن الحسين (عليه السّلام) صاحب تلك النهضة العظيمة والثورة المدهشة التي ستقرؤون بعض فصولها وتعرفون بعض تفاصيلها في مواضيع هذا الكتاب ؟ إذ من المعلوم أنّ الأعمال لا تقدّر إلاّ بمقدار أصحابها ولا تكتسب الأهمية والعظمة إلاّ مِنْ عظمة أهلها .
فالحسين (عليه السّلام) هو أشرف إنسان في الدنيا مِنْ حيث النسب ؛ فهو الإمام ابن الإمام أخو الإمام أبو الأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) ؛ أبوه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) وأخوه الإمام الحسن الزكي سيد شباب أهل الجنة (عليه السّلام) وابنه الإمام علي السجاد زين العابدين (عليه السّلام) ومن ذرّيّته ثمانية أئمة معصومين .
أمّا أُمّه فهي فاطمة الزهراء (عليها السّلام) بنت محمد المصطفى (صلّى الله عليه وآله) سيدة نساء العالمين وجدّه لأبيه هو شيخ البطحاء وكافل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وناصر الإسلام أبو طاب (عليه السّلام) . وأمّا جدّه لاُمّه فهو خاتم الأنبياء والمرسلين وحبيب إله العالمين محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) .
هذا نسب الحسين (عليه السّلام) فأيّ إنسان في العالم جمع نسباً شريفاً كهذا النسب الشريف؟ أضف إلى هذا النسب الشريف مقامه الراقي عند الله تعالى ومنزلته العليا في الإسلام فهو (عليه السّلام) :
أولاً : ثالث أئمّة أهل البيت الاثني عشر الذين عناهم الله تعالى بقوله : {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73]. وثالث اُولي الأمر الذين أمرنا الله تعالى بإطاعتهم فقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].
وفي إمامته وإمامة أخيه الحسن (عليهما السّلام) نص نبوي متواتر وهو قوله (صلّى الله عليه وآله) : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا .
ثانياً : فهو (عليه السّلام) أحد أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراًَ كما هو صريح آية التطهير أي إنّه (عليه السّلام) خامس المعصومين الأربعة عشر (عليهم السّلام) ؛ محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة التسعة مِنْ ذرية الحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) .
ثالثاً : هو (عليه السّلام) أحد العترة الذين قرنهم رسول الله بكتاب الله العزيز وأحد الثقلين اللذين خلّفهما في هذه الاُمّة حيث قال : إنّي مخلّف فيكم الثقلين ؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي ... .
رابعاً : أنّه (عليه السّلام) أحد الأربعة الذين باهل بهم النبي (صلّى الله عليه وآله) نصارى نجران وهو أحد المعنين بقوله تعالى : ( وأبنائنا وأبنائكم ) .
وهكذا إلى غير ذلك ممّا لا يسع المقام إحصاءه مِنْ فضائله ومناقبه (عليه السّلام) .
ولادته :
لقد ولد الحسين (عليه السّلام) في الثالث مِنْ شهر شعبان المبارك السنة الرابعة للهجرة في المدينة المنورة وسمّاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حسيناً كما سمّى أخاه مِنْ قبل حسناً ولمْ يسمَ بهذين الاسمين أحد من العرب قبلهما وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يحبّهما حبّاً شديداً ويقول : هما ريحانتاي من الدنيا . اللّهم إنّي اُحبّهما واُحبّ مَنْ يحبّهما .
وقد قام بنفسه بتربيتهما حتّى تركهما نموذجين مثاليين ومثلين كاملين للمسلم القرآني الذي يريده الإسلام فكانا بذلك القدوة العليا لكلّ إنسان في الدنيا وفي كلّ صفات الإنسانية وشرائطها ؛ ومِنْ ثمّ منحهما النبي (صلّى الله عليه وآله) مقام السيادة على كافة شباب الجنّة كما هو نص الحديث الشريف المتواتر : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .
ومعلوم أنّ السيادة في عرف الإسلام تعني : الأفضليّة والأكمليّة والتفوّق في العلم والعمل الصالح . ولا شك أنّ المراد بشباب الجنّة هو كلّ أهل الجنة قاطبة ما عدا جدّهما المصطفى وأبيهما علي المرتضى اللذين خرجا مِنْ تحت هذا العموم بأدلّة خاصة اُخرى فهما سيدا أهل الجنّة جميعاً ؛ لأنّ كلّ مَنْ في الجنة شباب ليس فيهم شيخ ولا كهل ولا عجوز حسب ما ورد في النصوص .
وبناء على ما سبق يكون الحسين (عليه السّلام) قد عاش مع جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ست سنوات وعاش بعده أحدى وخمسين سنة فكان عمره الشريف يوم شهادته نحواً مِنْ سبع وخمسين سنة وقيل : ثمانية وخمسين سنة ؛ بناء على أنّ ولادته كانت سنة ثلاث من الهجرة قضاها في عبادة الله وطاعة رسوله وخدمة الناس وختمها بأعظم تضحية عرفها التاريخ حتّى الآن مِنْ حيث القدسيّة والشرف .
كان (عليه السّلام) أكثر الناس علماً وأفضلهم عملاً وأسخاهم كفّاً وأحسنهم خلقاً وأوسعهم حلماً وأكرمهم نفساً وأرقهم قلباً وأشدّهم بأساً وشجاعة . هذه كلّها حقائق ثابتة بالإجماع ومتواترة بين المؤرّخين وأهل السير ويعترف له بها حتّى الأعداء .
قالوا : تلقّى معاوية بن أبي سفيان كتاباً من الحسين (عليه السّلام) يعدّد له فيه جرائمه ومنكراته ورذائل صفاته ومفاسد أخلاقه وكان يزيد حاضراً عند أبيه واطّلع على كتاب الحسين وما يذم فيه أباه فغضب وقال : يا أبت لا تسكت عن الحسين وأجبه بمثل ما كتب إليك لتصغّر إليه نفسه.
فقال له معاوية : ولكن يا بُني لا أجد في الحسين عيباً أذكره به ولا نقصا أعيّره به .
ويكفي أنّ قاتل الحسين (عليه السّلام) وحامل رأسه وهو خولّى بن يزيد الأصبحي (لعنه الله) أو الشمر بن ذي الجوشن (عليه اللعنة) دخل بالرأس الشريف على ابن زياد مفتخراً بقوله : يا أمير :
أوقر ركابي فضةً أو ذهبا إنّـي قتلتُ السيدَ المحجّبا
قـتلتُ خيرَ الناسِ أُمّاً وأبا وخيرَهم إنْ يذكرون حسبا
فقال له ابن زياد (لعنه الله) : إذا علمت أنّه كذلك فلِمَ قتلته ؟! والله لا نلت منّي شيئاً .
يقول الاُستاذ عباس العقاد في كتابه (أبو الشهداء) ما نصّه : وقد عاش الحسين سبعاً وخمسين سنة وله من الأعداء مَنْ يصدقون ويكذبون فلمْ يعبه أحد منهم بمعابة ولمْ يملك أحد منهم أنْ ينكر ما ذاع مِنْ فضله .
ويقول أيضاً في مقام آخر : فكان الحسين (عليه السّلام) ملء العين والقلب في خَلْق وخُلُق وفي أدب وسيرة وكانت فيه مشابهة مِنْ جدّه وأبيه .
أولاده :
فالذكور منهم أربعة وهم : علي الأكبر (عليه السّلام) الشهيد وعلي السجاد الإمام زين العابدين (عليه السّلام) وعلي الأصغر وهو طفل رضيع وعبد الله وهو طفل رضيع أيضاً .
وهؤلاء الأربعة لاُمّهات شتّى لا لأم واحدة ؛ فعلي الأكبر (عليه السّلام) أُمّه ليلى بنت مرّة بن مسعود الثقفي وعلي السجاد الإمام (عليه السّلام) أُمّه شاه زنان بنت الملك يزدجرد بن أردشين بن كسرى ملك الفرس وعبد الله أُمّه الرباب بنت امرئ القيس الكلبي وقد قتلوا جميعاً يوم عاشوراء ما عدا الإمام زين العابدين (عليه السّلام) الذي نجا بسبب مرضه ودفاع عمته زينب كما ستعرفه إنْ شاء الله .
وأمّا الإناث منهم فأربعة وهي : سكينة وفاطمة الكبرى وفاطمة الصغرى ورقيّة وكلّهن مع الحسين (عليه السّلام) في كربلاء ما عدا فاطمة الكبرى ؛ فإنّ الحسين (عليه السّلام) تركها في المدينة لمرضها .
إخوته :
إنّ إخوة الحسين (عليه السّلام) كثيرون , غير أنّ اللذين كانوا معه في كربلاء هم ستة فقط وهم : العباس بن علي (عليه السّلام) وأشقّاؤه الثلاثة ؛ جعفر وعبد الله وعثمان أُمّهم فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابيّة المكنّاة بأمّ البنين (عليها السّلام) ثمّ محمد بن علي قيل : اسمه عبد الله (عليه السّلام) وكان يُكنى بأبي بكر وأُمّه ليلى بنت مسعود بن خالد التميمي ثمّ عمر بن علي (عليه السّلام) وأُمّه غير مشخّصة في التاريخ وقيل : إنّه كان أيضاً مع الحسين أخ له يُسمّى محمد الأصغر وأُمّه أمّ ولد .
فهؤلاء ستة أو سبعة مِنْ إخوة الحسين (عليه السّلام) استشهدوا بين يديه يوم عاشوراء وكان أفضلهم وأجلهم أبو الفضل العباس (عليه السّلام) وهو أكبر الهاشميِّين سناً يوم كربلاء ما عدا الحسين (عليه السّلام) حيث كان عمره أربعاً وثلاثين سنة ؛ لذا اختاره الحسين (عليه السّلام) حاملاً لرايته العظمى وعبّر عنه بكبش الكتيبة .
وكان (عليه السّلام) وسيماً جسيماً طويل القامة وجهه كفلقة قمر ؛ ومِنْ هنا كان يلقّب بقمر الهاشميِّين وهو آخر مَنْ قُتِلَ قبل الحسين (عليه السّلام) يوم عاشوراء . وكان لقتله صدمة عنيفة في نفس الحسين (عليه السّلام) عبّر عنها بقوله حين وقف على مصرعه : الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوّي . وبان الانكسار في وجهه وبكى عليه .
وقد نوّه بفضله (عليه السّلام) عدد من الأئمّة المعصومين (صلوات الله عليهم) ومنهم أبوه أمير المؤمنين (عليه السّلام) حيث قال فيه : إنّ ابني العباس زقّ العلم زقّاً .
ثمّ الإمام زين العابدين (عليه السّلام) الذي قال عنه : رحم الله عمّي العباس لقد جاهد يوم كربلاء وأبلى بلاء حسناً حتّى قُطعت يداه ومضى شهيداً وقد أبدله الله عن يديه بجناحين يطير بهما في الجنّة مع الملائكة كما أعطى جعفر بن أبي طالب بموته .
ثمّ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) القائل في جملة تصريح له : ألا وإنّ لعمّي العباس عند الله لدرجة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة .
وما دفنه الإمام زين العابدين (عليه السّلام) وحده بمكان مصرعه إلاّ تنويهاً بفضله وعلوّ مقامه بين بني هاشم . كما أنّ دفنه لحبيب بن مظاهر الأسدي (رحمه الله) في قبر منفرد كان لهذا الغرض أي التنويه بفضل وعلوّ مقام حبيب بين باقي الأصحاب (رضوان الله عليهم) .
وبصورة عامّة فشهداء كربلاء جميعاً هم أفضل الشهداء في الدنيا مِنْ أوّلها إلى آخرها بعد الأنبياء والأئمة (عليهم السّلام) . هم أفضل الشهداء والقتلى الأولى . . . مدحوا بوحي في الكتاب المبين .