[قال السبحاني:] لما توفّي أخوه الحسن (عليه السلام) في العام الخمسين من الهجرة أوصى اليه بالإمامة فاجتمعت الشيعة حوله، يرجعون اليه في حلّهم وترحالهم، وكان لمعاوية عيون في المدينة يكتبون اليه ما يكون من الاحداث المهمّة التي لا توافق هوى السلطة الاموية المنحرفة، والتي قد تشكل خطراً جدياً على وجودها غير المشروع، ولقد كان هم هذه السلطة هو الإمام الحسين (عليه السلام) لما يعرفونه عنه من موقف لا يلين ولا يهادن في الحق، ومن هنا فقد كتب مروان بن الحكم وكان عامل معاوية على المدينة: إنّ رجالاً من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون الى الحسين بن علي وأنّه لا يأمن وثوبه، ولقد بحثت عن ذلك فبلغني انّه لا يريد الخلاف يومه هذا، ولست آمن ان يكون هذا ايضاً لما بعده.
ولما بلغ الكتاب الى معاوية كتب رسالة الى الحسين وهذا نصّها: أمّا بعد: فقد انتهت اليّ أمور عنك ان كانت حقاً فإنّي أرغب بك عنها، ولعمر الله انّ من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء، وأنّ حقّ الناس بالوفاء من كان في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله لها.. .
ولما وصل الكتاب الى الحسين بن علي، كتب اليه رسالة مفصّلة ذكر فيها جرائمه ونقضه ميثاقه وعهده، نقتبس منها ما يلي:
ألست قاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلّين العابدين، الذين ينكرون الظلم، ويستفظعون البدع، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولا يخافون في الله لومة لائم، ثمّ قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكّدة، ولا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم، جرأة على الله واستخفافاً بعهده.
أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله، العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفرّ لونه، فقتلته بعد ما أمنته وأعطيته العهود ما لو فهمته العصم لنزلت من شعف الجبال.
أولست المدعي زياد بن سميّة المولود على فراش عبيد بن ثقيف فزعمت أنّه ابن أبيك، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله) الولد للفراش وللعاهر الحجر، فتركت سنّة رسول الله (صلى الله عليه واله) تعمّداً وتبعت هواك بغير هدى من الله، ثمّ سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم، ويقطع أيديهم وأرجلهم، ويُسمل أعينهم، ويصلبهم على جذوع النخل، كأنّك لست من هذه الأمّة وليسوا منك.
أولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنّهم على دين علي (صلوات الله عليه) فكتبت اليه: أن اقتل كل من كان على دين عليّ، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك، ودين علي هو دين ابن عمه (صلى الله عليه واله) الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك، وبه جلست مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشّم الرحلتين رحلة الشتاء والصيف.
هذا هو الحسين، وهذا هو إباؤه للضيم ودفاعه عن الحق ونصرته للمظلومين في عصر معاوية. وذكرنا هذه المقتطفات كنموذج من سائر خطبه ورسائله التي ضبطها التاريخ.