دافع الحسين مذ كان شاباً وهو يشاهد انحراف الحكم الإسلامي عن خطه الأصيل عن مواقف أبيه السياسية، وأيّدها كما حدث ذلك يوماً في عهد خلافة عمر بن الخطاب وقد دخل المسجد وشاهد عمر على المنبر، فصعد إليه وقال : «انزل من منبر أبي واجلس على منبر أبيك» فقال ـ وقد دهش من ذلك ـ: ما كان لأبي منبر. ثمّ أجلسه إلى جانبه وأخذه بعد ذلك إلى بيته، وسأله من علمك هذا الكلام فقال الحسين: «لا أحد».
وقف الحسين إلى جانب أبيه أمير المؤمنين إبّان خلافته في جميع الأحداث السياسية والعسكرية وشارك أباه الكريم في المعارك الثلاث التي حدثت في عهده مشاركة كبيرة.
وقد أُنيطت به قيادة ميسرة جيش أمير المؤمنين في حرب الجمل ولعب دوراً هاماً في صفين، سواء بخطبه الحماسية الساخنة وتشجيعه لأنصار علي للمساهمة في المعركة أو بقتاله للقاسطين.
وكان أحد الشهود من ناحية أبيه في أحداث التحكيم وعاضد أخاه إمام زمانه الحسن بن علي بعد استشهاد أبيهما ورافقه عندما انطلق بقواته نحو الشام، ووقف إلى جانبه في ساحة القتال، واستدعاه الحسن هو وعبد اللّه بن جعفر لما اقترح معاوية الصلح عليه وتشاور معهما في ذلك وأخيراً عاد مع أخيه بعد الصلح إلى المدينة ليقيم هناك.
وقد بلغ الانحراف عن مبادئ الإسلام الذي بدأ من السقيفة وازداد في عهد الخليفة عثمان إلى ذروته في عصر الإمام الحسين (عليه السَّلام) .
وقد شكّل معاوية في تلك الفترة التي كان والياً فيها من ناحية الخليفة الثاني والثالث حيث ثبّت موقعه تماماً، واستولى باسم خليفة المسلمين على مقدّرات الأُمّة الإسلامية وعبث بمصيرها، وسلّط العصابة الأموية اللاإسلامية على المسلمين وبالاستعانة بعمال ظلمة غاصبين، أمثال: زياد بن أبيه، وعمرو بن العاص، وسمرة بن جندب، وشكّل حكومة ملكية مستبدة، وشوّه وجه الإسلام. فمن ناحية طبق معاوية سياسة الحظر السياسي والاقتصادي على المسلمين الأحرار المخلصين، ورفض ـ بإقامته للمجازر وعمليات التعذيب والتنكيل وفرضه الفقر والتجويع عليهم ـ أيَّ مبادرة نقد واعتراض وأية حركة مناوئة له ومن ناحية ثانية وبإشعاله نار النزعات القومية والقبلية وتأجيجها حاول أن يضرب بعضها ببعض ليستنفد قواهم من خلال ذلك حتى لا يشكّلون خطراً على سلطانه هذا.
وقد خدّر الرأي العام وبمساعدة جلاوزته ومرتزقته بوضع الأحاديث وتفسير وتأويل آيات القرآن بما يخدم مصالحه، وأسبغ صفة الشرعية على حكمه من ناحية ثالثة.
وقد تركت هذه السياسة الغير إسلامية وما قام به من إشاعة وتأسيس الفرق الباطلة كالجبرية والمرجئة ـ و هما مذهبان يتماشيان مع سياسته من ناحية العقيدة ـ آثاراً سيئة مدمرة في المجتمع وفرضت عليه سكوتاً مريراً مفعماً بالإذلال، ولقد كانت هذه السياسة خليقة بأن تحول الإنسان المسلم من إنسان يفهم انّ الدين لا يجعل من المؤمنين عبيداً لطاغية يحكمهم باسم الدين إلى إنسان يؤيد الطغاة الحاكمين وجعلته يتحول إلى إنسان جبان خانع مراء خلافاً لمنطق القرآن والتعاليم النبوية.
وتاريخ هذه الفترة من حياة المسلمين حافل بالشواهد على أنّ هذا التحوّل كان قد بدأ يظهر للعيان ويطبع المجتمع الإسلامي بطابعه، ويمكننا أن نخرج بفكرة واضحة عن أثر هذه السياسة في المجتمع الإسلامي حين نقارن بين ردّ الفعل الذي واجه به المسلمون سياسة عثمان وعماله و بين موقفهم من سياسة معاوية، فقد كان رد الفعل لسياسة عثمان وعماله ثورة عارمة من معظم أقطار الأُمّة الإسلامية من المدينة ومكة والكوفة والبصرة ومصر وغيرها من حواضر المسلمين وبواديهم، فهل نجد ردّ فعل جماعياً كهذا لتحديات معاوية في سياسته اللاإنسانية للجماهير المسلمة مع ملاحظة انّ الظلم على عهد معاوية أفدح، والاضطهاد والقتل والإرهاب أعمّ وأشمل، وحرمان الأُمّة من حقوقها وثرواتها وانتاجها أظهر؟! غير انّنا لم نر شيئاً من ذلك أبداً ، فقد كانت الجماهير خاضعة خضوعاً أعمى.
نعم كانت ثمّة احتجاجات تنبعث من هنا تارة و من هناك أُخرى تدلّ على أنّ المجتمع يتململ تحت وطأة الاضطهاد والظلم، كتلك التي عبر عنها موقف حجر بن عدي وعمر بن الحَمِق الخُزاعي وأضرابهما، ولكنّها لم تأخذ مداها ولم تعبر عن نفسها في حركة فعلية عامة، بل كانت سرعان ما تهمد وتموت في مهدها حين كانت السلطة تأخذ طلائع هذه الحركات فيقتلون دون أن يحرك المجتمع ساكناً، وإذا حدث وتحرك فهو إنسان اشتري سكوته بالمال.