[قال السبحاني:] كتب مروان بن الحكم ـ عامل معاوية على المدينة ـ إليه: أمّا بعد فإنّ عمر بن عثمان ذكر انّ رجالاً من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي، وانّه لا يؤمن وثوبه.
وأضاف مروان في رسالته : وقد بحثت عن هذا فبلغني انّه لا يريد الخلاف من يومه هذا، فاكتب إليّ برأيك.
فكتب معاوية بعد استلام هذا الخبر مضافاً إلى جواب رسالة مروان رسالة إلى الحسين (عليه السَّلام) ، وهي: أمّا بعد فقد انتهت إليّ أُمور عنك إن كانت حقّاً فانّي أرغب بك عنها، ولعمر اللّه إنّ من أعطى عهد اللّه وميثاقه لجدير بالوفاء، وانّ أحقّ الناس بالوفاء من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك اللّه بها، ونفسك فاذكر، وبعهد اللّه أوف، فانّك متى تنكرني أنكرك، ومتى تكدني أكدك، فاتق شق عصا هذه الأُمّة وردّاً عليه كتب الإمام الحسين : «أمّا بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه انّه انتهت إليك عني أُمور أنت لي عنها راغب وأنا بغيرها عندك جدير فانّ الحسنات لا يهدي إليها ولا يسدّد إليها إلاّ اللّه تعالى، وأمّا ما ذكرت انّه رقي إليك عني، فإنّما رقاه إليك الملاّقون المشّاؤون بالنميم المفرّقون بين الجمع وكذب الغاوون، ما أردت لك حرباً ولا عليك خلافاً، وانّي لأخشى اللّه في ترك ذلك منك و من الاعذار فيه إليك وإلى أوليائك القاسطين الملحدين حزب الظلمة وأولياء الشياطين ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستفظعون البدع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخافون في اللّه لومة لائم؟! ثمّ قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكّدة ألاّ تأخذهم بحدث كان بينك و بينهم جرأة على اللّه واستخفافاً بعهده أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللّه (صلى الله عليه واله) العبد الصالح فقتلته بعد ما آمنته؟!
أو لست المدّعي زياد بن سميّة المولود على فراش عبيد من ثقيف؟.
فزعمت انّه ابن أبيك، وقد قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله):«الولد للفراش وللعاهر الحجر» فتركت سنّة رسول اللّه (صلى الله عليه واله) وتبعت هواك بغير هدى من اللّه، ثمّ سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل عيونهم ويصلبهم على جذوع النخل، كأنّك لست من هذه الأُمّة وليسوا منك.
أولست صاحب الحضرمي الذي كتب فيه ابن سميّة انّه على دين علي صلوات اللّه عليه، فكتبت إليه أن أقتل كلّ من كان على دين عليّ، فقتله، ومثّل به بأمرك.
دين عليّ هو دين ابن عمه (صلى الله عليه واله) الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك، وبه جلست مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشّم الرحلتين: رحلة الشتاء والصيف، التي بنا منّ اللّه عليكم فوضعها عنكم وقلت فيما قلت: لا ترد هذه الأمّة واتّق شق عصاها، إنّي لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأُمّة من ولايتك عليها، ولا أعظم نظراً لنفسي ولديني.
وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولأُمّة محمد، وإنّي واللّه ما أعرف أفضل من جهادك، فإن أفعل فإنّه قربة إلى ربي، وإن لم أفعله فاستغفر اللّه لديني وأسأله التوفيق لما يحب ويرضى.
وقلت فيما قلت: متى تكدني أكدك، فكدني يا معاوية فيما بدا لك، فلعمري لقديماً يكاد الصالحون وانّي لأرجو أن لا تضر إلاّ نفسك، ولا تمحق إلاّ عملك، فكدني ما بدا لك، واتق اللّه يا معاوية واعلم أنّ للّه كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، واعلم أنّ اللّه ليس بناس لك قتلك بالظنّة وأخذك بالتهمة وأمارتك صبياً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب ما أراك إلاّ قد أوبقت نفسك وأهلكت دينك وأضعت الرعية، والسلام».