و قال السبط ابن الجوزي: و قد ذكر جدي في كتاب التبصرة و قال: إنما سار الحسين (عليه السلام) إلى القوم لأنه رأى الشريعة قد دثرت فجد في رفع قواعد أصلها فلما حصروه فقالوا له: أنزل على حكم ابن زياد. فقال: لا أفعل. و اختار القتل على الذل و هكذا النفوس الأبية. ثم أنشد جدي (رحمه الله) فقال:
و لما رأوا بعض الحياة مذلة عليهم و عز الموت غير محرم
أبوا أن يذوقوا العيش و الذل واقع عليه و ماتوا ميتة لم تذمم
و لا عجب للأسد أن ظفرت بها كلاب الأعادي من فصيح و اعجم
فحربة وحشي سقت حمزة الردى و حتف علي في حسام ابن ملجم
قلت: و أنا أنشد في هذا المقام هذه الأبيات لمادح أهل البيت السيد حيدر المرحوم من رثائه للحسين المظلوم (عليه السلام) قال و للّه دره و على اللّه بره:
طمعت أن تسومه الضيم قوم و أبى اللّه و الحسام الصنيع
كيف يلوي على الدنية جيدا لسوى اللّه ما لواه الخضوع
فأبى أن يعيش الا عزيزا أو تجلى الكفاح و هو صريع
فتلقى الجموع فردا و لكن كل عضو في الروع منه جموع
زوج السيف بالنفوس و لكن مهرها الموت و الخضاب النجيع
رجعنا إلى بقية الخطبة: ثم أوصل (عليه السلام) كلامه بأبيات فروة بن مسيك المرادي:
فإن نهزم فهزامون قدما و إن نغلب فغير مغلبينا
و ما إن طبنا جبن و لكن منايانا و دولة آخرينا
إذا ما الموت رفع عن أناس كلاكله أناخ بآخرينا
بأبي أبي الضيم لا يعطى العدى حذر المنية منه فضل قياد
بأبي فريدا أسلمته يد الردى في دار غربته لجمع أعادي
و لكن ضرب عليه الخط و لعله إصلاح من المؤلف.
فأفنى ذلكم سروات قومي كما أفنى القرون الأولينا
فلو خلد الملوك إذا خلدنا و لو بقي الكرام إذا بقينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا
ثم أيم اللّه لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى و تقلق بكم قلق المحور عهد عهده إلي أبي عن جدي {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 71، 72] اللهم احبس عنهم قطر السماء و ابعث عليهم سنين كسني يوسف و سلط عليهم غلام ثقيف فيسومهم كأسا مصبرة فإنهم كذبونا و خذلونا و أنت ربنا عليك توكلنا و إليك أنبنا و إليك المصير.
ثم نزل (عليه السلام) و دعا بفرس رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) المرتجز فركبه و عبأ أصحابه .
قال الراوي: فتقدم عمر بن سعد فرمى نحو عسكر الحسين (عليه السلام) بسهم و قال: اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى و أقبلت السهام من القوم كأنها القطر .
فقال (عليه السلام) لأصحابه: قوموا رحمكم اللّه إلى الموت الذي لا بد منه فإن هذه السهام رسل القوم إليكم. فاقتلوا ساعة من النهار حملة و حملة حتى قتل من أصحاب الحسين (عليه السلام) جماعة.
قال: فعندها ضرب الحسين (عليه السلام) بيده على لحيته و جعل يقول: اشتد غضب اللّه تعالى على اليهود إذ جعلوا له ولدا و اشتد غضب اللّه تعالى على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة و اشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس و القمر دونه و اشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم أما و اللّه لا أجيبهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى اللّه و أنا مخضب بدمي .
فروي عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنه قال: سمعت أبي يقول: لما التقى الحسين (عليه السلام) و عمر بن سعد و قامت الحرب أنزل اللّه تعالى النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه السلام ثم خير بين النصر على أعدائه و بين لقاء اللّه فاختار لقاء اللّه تعالى .
و عن كتاب الجلاء للسيد الأجل صاحب التصانيف الكثيرة عبد اللّه الشبر الحسيني الكاظمي (رحمه الله): أن في ذلك الوقت حضرت طائفة من الجن لنصرته (عليه السلام) فاستأذنوه للقتال فلم يأذن لهم فاختار الشهادة الكريمة على الحياة الذميمة صلوات اللّه عليه .
روى أبو الحسن سعيد بن هبة اللّه المعروف بالقطب الراوندي بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال الحسين (عليه السلام) لأصحابه قبل أن يقتل: إن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) قال: يا بني إنك ستساق إلى العراق و هي أرض قد التقى بها النبيون و أوصياء النبيين و هي أرض تدعى عمورا و أنك تستشهد بها و يستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد و تلا قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ يكون الحرب بردا و سلاما عليك و عليهم فابشروا فو اللّه لئن قتلونا فانا نرد على نبينا- الحديث .
و روي أيضا عن الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: كنت مع أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها فقال لأصحابه: هذا الليل فاتخذوه جنة فإن القوم إنما يريدونني و لو قتلوني لم يلتفتوا إليكم و أنتم في حل وسعة. فقالوا: و اللّه لا يكون هذا أبدا. فقال: إنكم تقتلون غدا كلكم و لا يفلت منكم رجل. قالوا:
الحمد للّه الذي شرفنا بالقتل معك. ثم دعا فقال لهم: ارفعوا رءوسكم و انظروا.
فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم و منازلهم في الجنة و هو يقول لهم: هذا منزلك يا فلان فكان الرجل يستقبل الرماح و السيوف بصدره و وجهه ليصل إلى منزله من الجنة .
و روى الشيخ الصدوق قدس سره عن سالم بن أبي جعدة قال: سمعت كعب الأحبار يقول: إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) يقتل و لا يجف عرق دواب أصحابه حتى يدخلوا الجنة فيعانقوا الحور العين فمر بنا الحسن (عليه السلام) فقلنا: هو هذا؟ قال: لا فمر بنا الحسين (عليه السلام) فقلنا:هو هذا؟ قال: نعم .
و روى أيضا أنه قيل لأبي عبد اللّه عليه السلام: أخبرني عن أصحاب الحسين (عليه السلام) و اقدامهم على الموت. فقال: إنهم كشف لهم الغطاء حتى رأوا منازلهم من الجنة فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء ليعانقها و إلى مكانه من الجنة .
قلت: و أشير إلى ذلك في الزيارة الخارجة عن الناحية الشريفة المشتملة على أسامي الشهداء: أشهد لقد كشف اللّه لكم الغطاء و مهد لكم الوطاء و أجزل لكم العطاء .
و عن معاني الأخبار مسندا عن أبي جعفر الثاني عن آبائه (عليهم السلام ) قال:
قال علي بن الحسين عليهما السلام: لما اشتد الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم لأنهم كلما اشتد الأمر تغيرت ألوانهم و ارتعدت فرائصهم و وجلت قلوبهم و كان الحسين (عليه السلام) و بعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم و تهدأ جوارحهم و تسكن نفوسهم فقال بعضهم لبعض: انظروا لا يبالي بالموت. فقال لهم الحسين عليه السلام: صبرا بني الكرام فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس و الضراء إلى الجنان الواسعة و النعيم الدائمة فأيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر و ما هو لأعدائكم إلا كمن ينتقل من قصر إلى سجن و عذاب إن أبي حدثني عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أن الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر و الموت جسر هؤلاء إلى جنانهم و جسر هؤلاء إلى جحيمهم ما كذبت و لا كذبت .
أقول: قال اللّه تعالى في وصف كفار قريش و عتوهم في غيهم و ضلالتهم {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر: 4، 5].
و كذلك كان عسكر عمر بن سعد لعنهم اللّه فقد تكرر من مولانا الحسين (عليه السلام) و أصحابه الخطب و المواعظ لإقامة الحجة عليهم و دفع الشبهة عنهم فلم ينفعهم ذلك.
و لنعم ما قال العلامة الطباطبائي بحر العلوم (رحمه الله):
كم قام فيهم خطيبا منذرا و تلا آيا فما أغنت الآيات و النذر
بل كانوا يجلبون و يصيحون لئلا يسمعوا كلامه عليه السلام فكان كما أخبر عنه الكميت بن زيد الأسدي رحمه اللّه بقوله:
و قتيل بالطف غودر فيهم بين غوغاء أمة و طغام
فلما رأى الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا على قتال الحسين (عليه السلام) و سمع صيحة الحسين يقول: أ ما مغيث يغيثنا لوجه اللّه أ ما من ذاب يذب عن حرم رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله). قال لعمر بن سعد: أي عمر أ مقاتل أنت هذا الرجل؟ قال: أي و اللّه قتالا أيسره أن تسقط الرءوس و تطيح الأيدي. قال: أ فما لكم فيما عرضه عليكم رضى؟ قال عمر: أما لو كان الأمر إلي لفعلت و لكن أميرك قد أبى.
فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا و معه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس فقال: يا قرة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا. قال: فما تريد أن تسقيه.
قال قرة: فظننت و اللّه أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال فكره أن أراه حين يصنع ذلك فقلت له: لم اسقه و أنا منطلق فأسقيه. فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه فو اللّه لو أنه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين (عليه السلام) فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا فقال له المهاجر بن أوس: ما تريد أن تصنع يا بن يزيد؟ أ تريد أن تحمل؟ فلم يجبه و أخذه مثل الأفكل و هي الرعدة. فقال له المهاجر: إن أمرك لمريب و اللّه ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا و لو قيل لي:
من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك؟ فقال له الحر: إني و اللّه أخير نفسي بين الجنة و النار فو اللّه لا أختار على الجنة شيئا و لو قطعت و حرقت.
ثم ضرب فرسه قاصدا إلى الحسين (عليه السلام) و يده على رأسه و هو يقول: اللهم إليك أنبت فتب علي فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد بنت نبيك .
و قال الطبري: فلما دنا من الحسين (عليه السلام) و أصحابه قلب ترسه و سلم عليهم. انتهى .
فلحق بالحسين (عليه السلام) فقال له: جعلت فداك يا بن رسول اللّه أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع و سايرتك في الطريق و جعجعت بك في هذا المكان و ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم و لا يبلغون منك هذه المنزلة و اللّه لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت منك الذي ركبت و إني (و أنا خ ل) تائب إلى اللّه مما صنعت فترى لي ذلك توبة. فقال له الحسين عليه السلام: نعم يتوب اللّه عليك فانزل. قال: فأنا لك فارس خير من راجل أقاتلهم على فرسي ساعة و إلى النزول ما يصير آخر أمري «5».
قال: فقال له الحسين عليه السلام: فاصنع رحمك اللّه ما بدا لك.
فاستقدم أمام الحسين (عليه السلام) فقال: يا أهل الكوفة لأمكم الهبل و الغير (العبر خ ل) دعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا أتاكم أسلمتموه و زعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه أمسكتم بنفسه و أخذتم بكظمه و أحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد اللّه العريضة (الطويلة خ ل) فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا و لا يدفع عنها ضرا و حلأتموه و نساءه و صبيته و أهله عن ماء الفرات الجاري يشربه اليهود و النصارى و المجوس و تمرغ فيه خنازير السواد و كلابه و ها هم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا (صلى اللّه عليه و آله) في ذريته لا اسقاكم اللّه يوم الظماء. فحمل عليه رجال يرمون بالنبل فأقبل حتى وقف أمام الحسين (عليه السلام) .
و ذكر السبط في التذكرة بعد نداء الحسين (عليه السلام) شبث بن ربعي و حجارا و قيس بن الأشعث و زيد بن الحرث: أ لم تكتبوا إلي؟ و قولهم: ما ندري ما تقول. قال: و كان الحر بن يزيد اليربوعي من ساداتهم فقال له: بلى و اللّه لقد كاتبناك و نحن الذين أقدمناك فأبعد اللّه الباطل و أهله و اللّه لا أختار الدنيا على الآخرة. ثم ضرب رأس فرسه و دخل في عسكر الحسين عليه السلام فقال له الحسين: أهلا و سهلا أنت و اللّه الحر في الدنيا و الآخرة- انتهى .
و روي أنه قال للحسين عليه السلام: لما وجهني عبيد اللّه إليك خرجت من القصر فنوديت من خلفي أبشر يا حر بخير فالتفت فلم أر أحدا فقلت: و اللّه ما هذه بشارة و أنا أسير إلى الحسين و ما أحدث نفسي باتباعك. فقال عليه السلام: لقد أصبت خيرا .
و نادى عمر بن سعد: يا دريد (ذويد خ ل) ادن رايتك. فأدناها ثم وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى فقال: اشهدوا أني أول من رمى ثم ارتمى الناس و تبارزوا .
و قال محمد بن أبي طالب: فرمى أصحابه كلهم فما بقي من أصحاب الحسين (عليه السلام) إلا أصابه من سهامهم. قيل: فلما رموهم هذه الرمية قل أصحاب الحسين (عليه السلام) و قتل في هذه الحملة خمسون رجلا .
قال الأزدي: حدثني أبو جناب [و كان كلبيا] قال: كان منا رجل يدعى عبد اللّه بن عمير من بني عليم كان قد نزل الكوفة و اتخذ عند بئر الجعد من همدان دارا و كانت معه امرأة له من النمر بن قاسط يقال لها أم وهب بنت عبد فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين عليه السلام. قال: فسأل عنهم فقيل له:
يسرحون إلى الحسين بن فاطمة بنت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فقال: و اللّه لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا و إني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند اللّه من ثوابه إياي في جهاد المشركين. فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع و أعلمها بما يريد. فقالت: أصبت أصاب اللّه بك أرشد أمورك افعل و أخرجني معك. قال: فخرج بها ليلا حتى أتى حسينا فأقام معه فلما دنا منه (عليه السلام) عمر بن سعد و رمى بسهم ارتمى الناس فلما ارتموا خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان و سالم مولى عبيد اللّه بن زياد فقالا: من يبارز ليخرج إلينا بعضكم.
فقال: فوثب حبيب بن مظاهر و برير بن خضير فقال لهما الحسين عليه السلام: اجلسا فقام عبد اللّه بن عمير الكلبي فقال: يا أبا عبد اللّه رحمك اللّه ائذن لي لأخرج إليهما. فرأى الحسين (عليه السلام) رجلا آدم طويلا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين فقال الحسين عليه السلام: إني أحسبه للأقران قتالا أخرج إن شئت.
قال: فخرج إليهما فقالا: من أنت؟ فانتسب لهما فقالا: لا نعرفك ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو برير بن خضير- و يسار مستنتل أمام سالم- فقال له الكلبي: يا بن الزانية و بك رغبة عن مبارزة أحد من الناس و لا يخرج إليك أحد من الناس إلا و هو خير منك. ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد [أي مات] فإنه لمشتغل به يضربه بسيفه إذ شد عليه سالم فصاح به (فصيح به ظ) قد رهقك العبد. قال: فلم يأبه له حتى غشيه فبدره الضربة فاتقاه الكلبي بيده اليسرى فأطار أصابع كفه اليسرى ثم مال عليه الكلبي فضربه حتى قتله. و أقبل الكلبي مرتجزا و هو يقول و قد قتلهما جميعا:
ان تنكروني فأنا ابن كلب حسبي ببيتي في عليم حسبي
اني امرؤ ذو مرة و عصب و لست بالخوار عند النكب
اني زعيم لك أم وهب بالطعن فيهم مقدما و الضرب
ضرب غلام مؤمن بالرب
فأخذت أم وهب امرأته عمودا ثم أقبلت نحو زوجها تقول له: فداك أبي و أمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد (صلى اللّه عليه و آله). فأقبل إليها يردها نحو النساء فأخذت تجاذب ثوبه ثم قالت: اني لن أدعك دون أن أموت معك فناداها الحسين (عليه السلام) فقال: جزيت من أهل بيت خيرا ارجعي رحمك اللّه إلى النساء فاجلسي معهن فإنه ليس على النساء قتال. فانصرفت إليهن .
قال: و حمل عمرو بن الحجاج على ميمنة أصحاب الحسين عليه السلام فيمن كان معه من أهل الكوفة فلما دنا من الحسين (عليه السلام) جثوا له على الركب و أشرعوا الرماح نحوهم فلم تقدم خيلهم على الرماح فذهبت الخيل لترجع فرشقوهم بالنبل فصرعوا منهم رجالا و جرحوا منهم آخرين .
قال: ثم ان رجلا من بني تميم يقال له عبد اللّه بن حوزة جاء حتى وقف أمام الحسين (عليه السلام) فقال: يا حسين يا حسين. فقال عليه السلام: ما تشاء؟ قال: أبشر بالنار. قال عليه السلام: كلا (كذبت بل خ ل) اني أقدم على رب رحيم و شفيع و مطاع من هذا؟ قال له أصحابه: هذا ابن حوزة. قال: رب حزه إلى النار. قال: فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه و تعلقت رجله اليسرى بالركاب و ارتفعت اليمنى فشد عليه مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمنى فطارت وعدا به فرسه يضرب رأسه كل حجر و كل شجر حتى مات و عجل اللّه بروحه إلى النار.
روى الأزدي عن عطاء بن السائب عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي عن أخيه مسروق بن وائل قال: كنت في أوائل الخيل ممن سار إلى الحسين (عليه السلام) فقلت: أكون في أوائلها لعلي أصيب رأس الحسين (عليه السلام) فأصيب به منزلة عند ابن زياد. قال: فلما انتهينا إلى الحسين (عليه السلام) تقدم رجل من القوم يقال له ابن حوزة فقال: فيكم الحسين؟ قال: فسكت الحسين (عليه السلام).
فقالها ثانية فسكت حتى إذا كانت الثالثة قال: قولوا له: نعم هذا حسين فما حاجتك؟
قال: يا حسين أبشر بالنار. قال: كذبت بل أقدم على رب غفور و شفيع مطاع فمن أنت؟ قال: ابن حوزة. قال: فرفع الحسين (عليه السلام) يديه حتى رأينا بياض إبطيه من فوق الثياب ثم قال: اللهم حزه إلى النار. قال: فغضب ابن حوزة فذهب ليقحم إليه الفرس و بينه و بينه نهر. قال: فعلقت قدمه بالركاب و جالت به الفرس فسقط عنها. قال: فانقطعت قدمه و ساقه و فخذه و بقي جانبه الآخر متعلقا بالركاب.
قال: فرجع مسروق و ترك الخيل من ورائه. قال: فسألته فقال: لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا لا أقاتلهم أبدا . قال: و نشب القتال.