[عن الشيخ كمال الدين بن طلحة] قال ثم إن القوم استاقوا الحرم كما تساق الأسارى حتى أتوا الكوفة فخرج الناس فجعلوا ينظرون و يبكون و ينوحون و كان علي بن الحسين زين العابدين قد نهكه المرض فجعل يقول ألا إن هؤلاء يبكون و ينوحون من أجلنا فمن قتلنا و كان اليوم الذي قتل فيه (عليه السلام) قيل الجمعة و هو يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة و دفن بالطف من كربلاء من العراق و مشهده (عليه السلام) معروف يزار من الجهات و الآفاق.
وهذه الوقائع أوردها صاحب كتاب الفتوح فهي مضافة إليه و عهدتها لمن أراد تتبعها عند مطالعتها عليه فهذا تلخيص ما نقلته الأذهان و العقول مما أهداه إليها المروي و المنقول و قد ألبس القلوب ثوب جداد ما لصبغته نصول و على الجملة فأقول ألا أيها العادون إن أمامكم مقام سؤال و الرسول سئول و موقف حكم و الخصوم محمد و فاطمة الزهراء و هي ثكول و إن عليا في الخصام مؤيد له الحق فيما يدعي و يقول فما ذا تردون الجواب عليهم و ليس إلى ترك الجواب سبيل و قد سؤتموهم في بنيهم بقتلهم و وزر الذي أحدثتموه ثقيل و لا يرتجى في ذلك اليوم شافع سوى خصمكم و الشرح فيه يطول و من كان في الحشر الرسول خصيمه فإن له نار الجحيم مقيل و كان عليكم واجبا في اعتمادكم رعايتهم أن تحسنوا و تنيل فإنهم آل النبي و أهله ونهج هداهم بالنجاة كفيل مناقبهم بين الورى مستنيرة لها غرر مجلوة و حجول مناقب جلت أن يحاط بحصرها نمتها فروع قد زكت و أصول مناقب وحي الله أثبتها لهم بما قام منهم شاهد و دليل مناقب من خلق النبي و خلقه ظهرن فما يغتالهن أقول و لما وصل القلم في ميدان البيان إلى هذا المقام أبدت الأيام من إلمام الآلام ما منع من إتمام المرام على أتم الأقسام و لم ير حزم نظام الكلام دون موقف الاختتام فاختصر مضمون الأبواب و اقتصر منه على اللباب و قصر من إطناب الأطناب و قصر أسباب الإسهاب فجاء محصول فصوله ملخصا في معانيه و مدلول أصوله مخلصا من تطويل مبانيه اقتصارا يستغنى بمحصله عن النهاية فيه و إرشادا يكتفى بمختصره عن بسيطه و حاويه انتهى كلامه رحمه الله و قد كنى في هذا الفصل الأخير عن أسماء كتب و حيل بها.
قلت فأما تفاصيل ما جرى للحسين (عليه السلام) و صورة ما جرى بينه و بين أعداء الله و رسوله و محاربتهم إياه و قتلهم من قتلوه من أولاده و إخوته و بني أخيه و بني عمه و أصحابه و صورة موقفه (عليه السلام) و ما ظهر من نجدته و شجاعته و بأسه و بسالته و انقياده إلى أمر الله و شدته على أعداء الله و صبره على ما دفع إليه من فقد الأهل و الولد و قلة الناصر و العدد و إزهاق نفسه الشريفة فلها موضع غير هذا الكتاب فإنه موضوع لذكر مآثرهم و عد مفاخرهم و إن كان قتله (عليه السلام) مما اكتسب به فخرا مضافا إلى فخره و حوى به قدرا زائدا على شريف قدره فإنه نال بذلك مرتبة الشهادة و اختص بما بلغ به غاية الطلب و منتهى الإرادة و حصل له بذلك ما لا يحصل بدوام الذكر و طول العبادة و كان في الحياة سعيدا و كملت له في الممات السعادة و أوجب الله له بسابق وعده الحسنى و زيادة و اذكر الآن شيئا مما يتعلق بأخباره و أنت أيدك الله لا تسأم من إعادة الشيء و تكراره فأني أكرر مرة لاختلاف الناقل و مرة لاختلاف الرواة و في كثرة طرق الأخبار ما يؤنس بتصديقها و يقطع بتحقيقها لا سيما و قد التزمت بالنقل من كتب الجمهور و مرة لأنه يعرض لي سهو و اكتب الشيء و أنا أظن أني لم أكتبه و ربما عرفت فذكرت أنه مكرر و ربما لم أعرف و لأن هذه هي نسخة الأصل و ما عاودتها و لا راجعتها و وقتي يضيق عن مناقشتها لأني منيت في زمان جمع هذا الكتاب بأمور تشيب الوليد و تذيب الحديد و تعجز الجليد و نهبت لي كتب كنت قد أعددتها لأنقل منها في هذا الكتاب و الوقت يضيق عن الشكوى و الرجوع إلى عالم السر و النجوى و الحمد لله على ما ساء و سر و الشكر له سبحانه على ما نفع و ضر فأنعمه تعالى لا تعد و عوارفه لا تحصى و لا تحد.
له أياد علي سابقة أعد منها و لا أعددها
قال الحافظ عبد العزيز الجنابذي في كتاب معالم العترة الطاهرة الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) ولد في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة و قتل بالطف يوم عاشوراء سنة إحدى و ستين و هو ابن خمس و خمسين سنة و ستة أشهر و حمل رأسه إلى يزيد بن معاوية و كان قبره بكربلاء من سواد الكوفة و قتله سنان بن أنس قال الشاعر
وأي رزية عدلت حسينا غداة تبيره كفا سنان
ويقال قتله شمر بن ذي الجوشن الضبابي و الذي اجتز رأسه ابن جوان اليمامي و كان أمير الجيش الذين ساروا إلى الحسين عمر بن سعد أمره عليهم عبيد الله بن زياد.