حياة الامام الحسين قبل مقتله
مقتل الامام عليه السلام

جمع الحسين أصحابه قرب المساء قبل مقتله بليلة «1» فقال : أثني على اللّه أحسن الثناء Ùˆ احمده على السراء Ùˆ الضراء اللهم إني أحمدك على أن اكرمتنا بالنبوة Ùˆ علمتنا القرآن Ùˆ فقهتنا في الدين Ùˆ جعلت لنا اسماعا Ùˆ أبصارا Ùˆ افئدة Ùˆ لم تجعلنا من المشركين، أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أولى Ùˆ لا خيرا من أصحابي Ùˆ لا أهل بيت أبر Ùˆ لا اوصل من أهل بيتي فجزاكم اللّه عني جميعا «2».
Ùˆ قد أخبرني جدي رسول اللّه صلى اللّه عليه Ùˆ آله Ùˆ سلم بأني سأساق إلى العراق فأنزل أرضا يقال لها عمورا Ùˆ كربلا Ùˆ فيها أستشهد Ùˆ قد قرب الموعد «3».
ألا و إني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا و إني قد اذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام و هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، و ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم اللّه جميعا خيرا! و تفرقوا في سوادكم و مدائنكم فإن القوم إنما يطلبونني و لو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري.
فقال له اخوته و أبناؤه و بنو أخيه و أبناء عبد اللّه بن جعفر: لم نفعل ذلك؟
لنبقى بعدك، لا أرانا اللّه ذلك أبدا، بدأهم بهذا القول العباس بن علي و تابعه الهاشميون.
و التفت الحسين إلى بني عقيل و قال: حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا قد أذنت لكم.
فقالوا: إذا ما يقول الناس Ùˆ ما نقول لهم؟ إنّا تركنا شيخنا Ùˆ سيدنا Ùˆ بني عمومتنا خير الأعمام Ùˆ لم نرم معهم بسهم Ùˆ لم نطعن برمح Ùˆ لم نضرب بسيف Ùˆ لا ندري ما صنعوا لا Ùˆ اللّه لا نفعل Ùˆ لكن نفديك بأنفسنا Ùˆ أموالنا Ùˆ أهلينا نقاتل معك‏ حتى نرد موردك فقبح اللّه العيش بعدك‏ «4».
نفوس أبت إلا ترات أبيهم‏ فهم بين موتور لذاك Ùˆ واتر
لقد ألفت أرواحهم حومة الوغى‏ كما انست أقدامهم بالمنابر «5»

و قال مسلم بن عوسجة: أنحن نخلي عنك و بماذا نعتذر إلى اللّه في أداء حقك، أما و اللّه لا أفارقك حتى أطعن في صدورهم برمحي و أضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي و لو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك.
و قال سعيد بن عبد اللّه الحنفي: و اللّه لا نخليك حتى يعلم اللّه أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك، أما و اللّه لو علمت أني اقتل ثم أحيا ثم أحرق حيا ثم أذرّى، يفعل بي ذلك سبعين مرة لما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك و كيف لا افعل ذلك و إنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا.
و قال زهير بن القين: و اللّه وددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف مرة و أن اللّه عز و جل يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.
Ùˆ تكلم باقي الأصحاب بما يشبه بعضه بعضا فجزاهم الحسين خيرا «6».
و في هذا الحال قيل لمحمد بن بشير الحضرمي قد أسر ابنك بثغر الري فقال:
ما أحب أن يؤسر Ùˆ أنا أبقى بعده حيا فقال له الحسين: أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ولدك قال: لا Ùˆ اللّه لا أفعل ذلك اكلتني السابع حيا إن فارقتك! فقال عليه السّلام: إذا أعط ابنك هذه الأثواب الخمسة ليعمل في فكاك أخيه Ùˆ كان قيمتها ألف دينار «7».
و تنادبت للذب عنه عصبة ورثوا المعالي اشيبا و شبابا


من ينتدبهم للكريهة ينتدب‏ منهم ضراغمة الأسود غضابا
خفوا لداعي الحرب حين دعاهم‏ ورسوا بعرصة كربلاء هضابا
أسد قد اتخذوا الصوارم حلية و تسربلوا حلق الدروع ثيابا
تخذت عيونهم القساطل كحلها و أكفهم فيض النجيع خضابا
يتمايلون كأنما غنى لهم‏ وقع الظبى Ùˆ سقاهم اكوابا
برقت سيوفهم فأمطرت الطلى‏ بدمائها Ùˆ النقع ثار سحابا
و كأنهم مستقبلون كواعبا مستقبلين أسنة و كعابا
وجدوا الردى من دون آل محمد عذبا Ùˆ بعدهم الحياة عذابا «8»

Ùˆ لما عرف الحسين منهم صدق النية Ùˆ الاخلاص في المفاداة دونه أوقفهم على غامض القضاء فقال: إني غدا أقتل Ùˆ كلكم تقتلون معي Ùˆ لا يبقى منكم أحد «9» حتى القاسم Ùˆ عبد اللّه الرضيع إلا ولدي عليا زين العابدين لأن اللّه لم يقطع نسلي منه Ùˆ هو أبو أئمة ثمانية «10».
فقالوا بأجمعهم الحمد للّه الذي اكرمنا بنصرك Ùˆ شرفنا بالقتل معك أو لا نرضى أن نكون معك في درجتك يا ابن رسول اللّه فدعا لهم بالخير «11» Ùˆ كشف عن أبصارهم فرأوا ما حباهم اللّه من نعيم الجنان Ùˆ عرفهم منازلهم فيها «12» Ùˆ ليس ذلك في القدرة الإلهية بعزيز Ùˆ لا في تصرفات الإمام بغريب، فإن سحرة فرعون لما آمنوا بموسى عليه السّلام Ùˆ أراد فرعون قتلهم أراهم النبي موسى منازلهم في الجنة «13».
و في حديث أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال لأصحابه: أبشروا بالجنة فو اللّه إنا نمكث ما شاء اللّه بعد ما يجري علينا ثم يخرجنا اللّه و اياكم حتى يظهر قائمنا فينتقم من الظالمين و أنا و أنتم نشاهدهم في السلاسل و الاغلال و أنواع العذاب! فقيل له : من قائمكم يا ابن رسول اللّه؟ قال: السابع من ولد ابني محمد بن علي الباقر و هو الحجة ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابني و هو الذي يغيب مدة طويلة ثم يظهر و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.
________________
(1) اثبات الرجعة للفضل بن شاذان هكذا عرفه و هو بالغيبة أنسب فإنه لم يوجد فيه من أخبار الرجعة إلا حديث واحد.
(2) طبري ج 6 ص 238 و 239 و كامل ابن الأثير ج 4 ص 34.
(3) اثبات الرجعة.
(4) تاريخ الطبري ج 6 ص 238 و الكامل ج 4 ص 24 و الارشاد للمفيد و اعلام الورى ص 141 و سير أعلام النبلاء للذهبي ج 3 ص 202.
(5) مثير الأحزان لابن نما ص 17.
(6) ارشاد المفيد و تاريخ الطبري ج 6 ص 239.
(7) اللهوف ص 53.
(8) للعلامة السيد رضا الهندي رحمه اللّه.
(9) نفس المهموم ص 122.
(10) أسرار الشهادة.
(11) نفس المهموم ص 122.
(12) الخرائج للراوندي.
(13) أخبار الزمان للمسعودي ص 247.