بعث الحر إلى ابن زياد يخبره بنزول الحسين في كربلاء فكتب ابن زياد إلى الحسين: أما بعد يا حسين فقد بلغني نزولك كربلاء و قد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسد الوثير و لا أشبع من الخمر أو ألحقك باللطيف الخبير أو تنزل على حكمي و حكم يزيد و السلام.
و لما قرأ الحسين الكتاب رماه من يده و قال: لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق! و طالبه الرسول بالجواب فقال: ما له عندي جواب لأنه حقت عليه كلمة العذاب!
و سامته يركب إحدى اثنتين و قد صرّت الحرب أسنانها
فإما يرى مذعنا أو تموت نفس أبى العز إذعانها
فقال لها اعتصمي بالابا فنفس الأبيّ و ما زانها
إذا لم تجد غير لبس الهوان فبالموت تنزع جثمانها
يرى القتل صبرا شعار الكرام و فخرا يزين لها شانها
فشمر للحرب عن معرك به عرك الموت فرسانها
و أضرمها لعنان السماء حمراء تلفح نيرانها
ركين و للأرض تحت الكماة رجيف يزلزل ثهلانها «1»
و أخبر الرسول ابن زياد بما قاله أبو عبد اللّه عليه السّلام فاشتد غضبه «2» و أمر عمر بن سعد بالخروج إلى كربلاء و كان معسكرا (بحمام أعين) في أربعة آلاف ليسير بهم إلى «دستبى» لأن الديلم قد غلبوا عليها «3» و كتب له ابن زياد عهدا بولاية الري و ثغر دستبى و الديلم «4» فاستعفاه ابن سعد و لما استرد منه العهد استمهله ليلته و جمع عمر بن سعد نصحاءه فنهوه عن المسير لحرب الحسين و قال له ابن أخته حمزة بن المغيرة بن شعبة: أنشدك اللّه أن لا تسير لحرب الحسين فتقطع رحمك و تأثم بربك فو اللّه لأن تخرج من دنياك و مالك و سلطان الأرض كله لو كان لك لكان خيرا لك من أن تلقى اللّه بدم الحسين «5».
فقال ابن سعد: أفعل إن شاء اللّه و بات ليلته مفكرا في أمره و سمعه يقول:
أأترك ملك الري و الري رغبتي أم ارجع مذموما بقتل حسين
و في قتله النار التي ليس دونها حجاب و ملك الري قرة عيني «6»
و عند الصباح أتى ابن زياد و قال: إنك وليتني هذا العمل و سمع به الناس فأنفذني له و ابعث إلى الحسين من لست أغنى في الحرب منه، و سمى له أناسا من أشراف الكوفة.
فقال ابن زياد: لست أستأمرك فيمن أريد أن أبعث، فإن سرت بجندنا و إلا فابعث إلينا عهدنا، فلما رآه ملحا قال: إني سائر «7» فأقبل في أربعة آلاف و انضم إليه الحر فيمن معه و دعا عمر بن سعد عزرة بن قيس الأحمسي و أمره أن يلقى الحسين و يسأله عما جاء به فاستحيا عزرة لأنه ممن كاتبه فسأل من معه من الرؤساء أن يلقوه فأبوا لأنهم كاتبوه.
فقام كثير بن عبد اللّه الشعبي و كان جريئا فاتكأ و قال: أنا له و إن شئت أن أفتك به لفعلت قال: لا و لكن سله ما الذي جاء به، فأقبل كثير و عرفه أبو ثمامة الصائدي فقام في وجهه و قال: ضع سيفك و ادخل على الحسين، فأبى و استأبى ثم انصرف.
فدعا عمر بن سعد قرة بن قيس الحنظلي ليسأل الحسين، و لما أبلغه رسالة ابن سعد قال أبو عبد اللّه إن أهل مصركم كتبوا إلي أن أقدم علينا فأما إذا كرهتموني انصرفت عنكم.
فرجع بذلك إلى ابن سعد و كتب إلى ابن زياد بما بقول الحسين فأتاه جوابه :
أما بعد فاعرض على الحسين و أصحابه البيعة ليزيد، فإن فعل رأينا رأينا
_________________
(1) للسيد حيدر الحلي رحمه اللّه.
(2) البحار ج 10 ص 189، و مقتل العوالم ص 76.
(3) في تجريد الأغاني ج 1 قسم أول ص 277 لابن واصل الحموي المتوفى سنة 697 ه في أول أخبار حنين قال: عرف هذا الحمام بأعين حاجب بشر بن مروان بن الحكم. و في معجم البلدان ج 3 ص 334 مادة حمام أعين بالكوفة منسوب إلى أعين مولى سعد بن أبي وقاص.
(4) الطبري ج 6 ص 232.
(5) الأخبار الطوال ص 251، و في معجم البلدان ج 4 ص 58 دستبى بفتح أوله و سكون ثانيه و فتح التاء المثناة من فوق و الباء الموحدة المقصورة كورة كبيرة بين همدان و الري فقسم يقال له دستبى الرازي و قسم دستبى همدان و بسعي أبي مالك حنظلة بن خالد التميمي أضيفت إلى قزوين.
(6) في أحسن التقاسيم للمقدسي ص 385 قال: و هذه المدينة أهلكت عمر بن سعد الشقي حتى قتل الحسين بن علي ثم اختارها مع النار حيث يقول أخزاه اللّه و ذكر البيتين كما هنا إلا قوله: «والدي رغبتي».
(7) ابن الأثير ج 4 ص 22- أقول جاء في المثل من عافاك اغناك يتحدث ابن الجوزي في صفوة الصفوة ج 3 ص 161 أن رجلا بالبصرة من قواد ابن زياد سقط من السطح فتكسرت رجلاه فعاده أبو قلابة و قال: أرجو أن يكون هذا خيرا لك فتحقق قوله حين حمله ابن زياد على الخروج إلى حرب الحسين عليه السّلام فقال للرسول: انظر ما أنا فيه و بعد سبعة أيام أتاه الخبر بقتل الحسين عليه السّلام فحمد اللّه على العافية.