قال كمال الدين فلما تيقن الحسين (عليه السلام) أن القوم مقاتلوه أمر أصحابه فاحتفروا حفيرة شبيهه بالخندق و جعلوا لها جهة واحدة يكون القتال منها و ركب عسكر ابن سعد و أحدقوا بالحسين (عليه السلام) و زحفوا و قتلوا و لم يزل يقتل من أهل الحسين و أصحابه واحدا بعد واحد إلى أن قتل من أهله و أصحابه ما ينيف على خمسين رجلا.
فعند ذلك ضرب الحسين بيده على لحيته و صاح أ ما مغيث يغيثنا لوجه الله أ ما ذاب يذب عن حرم رسول الله و إذا بالحر بن يزيد الرياحي الذي تقدم ذكره قد أقبل بفرسه إليه و قال يا ابن رسول الله إني كنت أول من خرج عليك و أنا الآن في حزبك فمرني أن أكون أول مقتول في نصرتك لعلي أنال شفاعة جدك غدا ثم كر على عسكر عمر بن سعد فلم يزل يقاتلهم حتى قتل و التحم القتال حتى قتل أصحاب الحسين (عليه السلام) بأسرهم و ولده و إخوته و بنو عمه و بقي وحده و بارز بنفسه إلى أن أثخنته الجراحات و السهام تأخذه من كل جانب و الشمر لعنه الله في قبيلة عظيمة يقاتله ثم حال بينه (عليه السلام) و بين رحله و حرمه فصاح الحسين (عليه السلام) ويحكم يا شيعة الشيطان إن لم يكن لكم دين و لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا و ارجعوا إلى أنسابكم إن كنتم أعرابا كما تزعمون أنا الذي أقاتلكم فكفوا سفهائكم و جهالكم عن التعرض لحرمي فإن النساء لم يقاتلنكم.
فقال الشمر لأصحابه كفوا عن النساء و حرم الرجل و اقصدوه في نفسه ثم صاح الشمر لعنه الله بأصحابه و قال ويلكم ما تنتظرون بالرجل و قد أثخنته الجراح و توالت عليه السهام و الرماح فسقط على الأرض فوقف عليه عمر بن سعد وقال لأصحابه انزلوا فجزوا رأسه فنزل إليه نضر بن خرشنة الصبابي ثم جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين (عليه السلام) فغضب عمر بن سعد و قال لرجل عن يمينه ويلك انزل إلى الحسين فأرحه فنزل إليه خولي بن يزيد لعنه الله فاجتز رأسه و سلبوه ودخلوا على حرمه و استلبوا بزتهن.
ثم إن عمر بن سعد أرسل بالرأس إلى ابن زياد مع بشر بن مالك فلما وضع الرأس بين يدي عبيد الله بن زياد قال
املأ ركابي فضة و ذهبا أنا قتلت الملك المحجبا
ومن يصلي القبلتين في الصبا وخيرهم إذ يذكرون النسبا
قتلت خير الناس أما و أبا
فغضب عبيد الله من قوله ثم قال له إذا علمت أنه كذلك فلم قتلته و الله لا نلت مني خيرا و لألحقنك به ثم قدمه و ضرب عنقه.
قلت صدق الله { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [الأنعام: 129] و على هذا مضى من شايع على الحسين (عليه السلام) إما بيد أعداء الله أو بيد أوليائه فما منهم من فاز بحمد الله بمراد و لا أمل و لا انتفع بقول و لا عمل بل مزقوا كل ممزق و فرقوا كل مفرق و استولى عليهم الحمام و عوجلوا بالعقاب و الانتقام و أبيدوا بالاستئصال و الاصطلام و باءوا بعاجل عذاب الدنيا و على الله التمام.