حياة الامام الحسين قبل مقتله
مقتل الامام عليه السلام

أصبح الحسين (عليه السلام) فصلّى بأصحابه الفجر ثم عبّأ أصحابه، و على رواية قال: ستستشهدون كلكم سوى عليّ بن الحسين، و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا، و في رواية اثنان و مائة راجل، و نقل سبط ابن الجوزي في تذكرته: اثنين و عشرين و كان جيش عمر بن سعد ستة آلاف نفر و في بعض المقاتل ألف نفرا و على رواية ثلاثين ألف نفر.
و قد اضطربت آراء ارباب السير و المقاتل في عدد جنود الحسين (عليه السلام) و عمر بن سعد.
و جعل (عليه السلام) زهير بن القين في الميمنة و حبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه و أعطى رايته أخاه، و في رواية انّه ارسل مع زهير عشرين نفرا الى الميمنة و مع حبيب عشرين نفرا الى الميسرة و وقف هو و باقي الاصحاب في القلب و جعلوا البيوت في ظهورهم و أمر بحطب و قصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كان قد حفر هناك و أن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.
Ùˆ عبأ عمر بن سعد أصحابه أيضا فجعل عمرو بن الحجاج على الميمنة Ùˆ شمر بن ذي الجوشن على الميسرة Ùˆ جعل عروة بن قيس على الخيالة، Ùˆ جعل شبث بن ربعي على الرجالة Ùˆ أعطى الراية دريدا مولاه‏ .
Ùˆ روي انّ الحسين (عليه السلام) رفع يديه للدعاء فقال: «Ø§Ù„لهم أنت ثقتي في كل كرب Ùˆ أنت رجائي في كل شدة، Ùˆ أنت لي في كل أمر نزل بي ثقة Ùˆ عدة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد Ùˆ ثقّل فيه الحلية، Ùˆ يخذل فيه الصديق، Ùˆ يشمت فيه العدو، أنزلته بك Ùˆ شكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك، ففرجته عنّي Ùˆ كشفته فأنت وليّ كل نعمة، Ùˆ صاحب كل حسنة، Ùˆ منتهى كل رغبة» .
و أقبل القوم يجولون حول بيوت الحسين (عليه السلام) فيرون الخندق في ظهورهم و النار تضطرم في الحطب و القصب الذي كان القي فيه، فنادى شمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته: يا حسين أ تعجلت النار قبل يوم القيامة؟
فقال الحسين (عليه السلام): من هذا؟ كأنّه شمر بن ذي الجوشن فقالوا له: نعم، فقال له: يا ابن راعية المعزى أنت أول بها صليّا، و رام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين (عليه السلام) من ذلك فقال له: دعني حتى ارميه فانّه الفاسق من اعداء اللّه و عظماء الجبارين و قد امكن اللّه منه، فقال له الحسين (عليه السلام): لا ترمه فانّي أكره أن أبدأهم.
ثم دعا الحسين (عليه السلام) براحلته فركبها Ùˆ نادى بأعلى صوته يا أهل العراق، فقال: أيها الناس اسمعوا قولي Ùˆ لا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم عليّ Ùˆ حتى اعذر إليكم فان أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد Ùˆ ان لم تعطوني النصف من انفسكم فاجمعوا رأيكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إليّ Ùˆ لا تنظرون‏ {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } [الأعراف: 196].
قال الراوي: فلما سمع اخواته كلامه هذا صحن Ùˆ بكين Ùˆ بكى بناته فارتفعت أصواتهن فأرسل إليهنّ أخاه العباس بن عليّ عليهما السّلام Ùˆ عليا ابنه Ùˆ قال لهما: اسكتاهنّ فلعمري ليكثرنّ بكاؤهنّ‏ .
فلما سكتن حمد اللّه و أثنى عليه و ذكر اللّه بما هو أهله و صلى على نبيه (صلى الله عليه واله)و على ملائكة اللّه و انبيائه فلم يسمع متكلم قط قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه، ثم قال:
اما بعد فانسبوني و انظروا من أنا ثم ارجعوا الى أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟ أ لست ابن بنت نبيكم و ابن وصيه و ابن عمه و أول المؤمنين المصدّق لرسول اللّه بما جاء به من عند ربه؟ أ و ليس حمزة سيد الشهداء عمّي؟
أ و ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمّي؟ أ و لم يبلغكم ما قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله)لي و لأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة، فان صدّقتموني بما أقول و هو الحق، و اللّه و ما تعمدت كذبا منذ علمت أنّ اللّه يمقت عليه أهله، و ان كذبتموني فانّ فيكم من ان سألتموه عن ذلك أخبركم.
سلوا جابر بن عبد اللّه الانصاري، و أبا سعيد الخدري و سهل بن سعد الساعدي، و زيد بن أرقم، و أنس بن مالك، يخبروكم انهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه لي و لأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟
فقال له شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد اللّه على حرف ان كان يدري ما تقول، فقال له حبيب بن مظاهر: و اللّه انّي لأراك تعبد اللّه على سبعين حرفا و أنا أشهد انّك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع اللّه على قلبك.
ثم قال لهم الحسين (عليه السلام): فان كنتم في شك من هذا أ فتشكون انّي ابن بنت نبيكم، فو اللّه ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم، و يحكم أ تطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال استهلكته، أو بقصاص جراحة؟
فأخذوا لا يكلمونه فنادى: يا شبث بن ربعي، و يا حجّار بن أبجر، و يا قيس بن الاشعث و يا زيد بن الحارث، أ لم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار و اخضر الجناب و انما تقدم على جند لك مجند فأقبل، فقال له قيس بن الاشعث: ما ندري ما تقول و لكن انزل على حكم بني عمك (يزيد و عبيد اللّه) فانّهم لن يروك الّا ما تحب.
فقال له الحسين (عليه السلام): لا و اللّه لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل و لا أفر فرار العبيد، ثم نادى: يا عباد اللّه انّي عذت بربي و ربكم أن ترجمون، انّي أعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب، ثم انّه أناخ راحلته و أمر عقبة بن سمعان فعقلها .