1- رأي عمر الأطرف
قال له عمر الأطرف ابن أمير المؤمنين «1» حدثني أبو محمد الحسن عن أبيه أمير المؤمنين : أنك مقتول فلو بايعت لكان خيرا لك.
قال الحسين : حدثني أبي أن رسول اللّه أخبره بقتله و قتلي و أن تربته تكون بالقرب من تربتي أتظن أنك علمت ما لم أعلمه؟ و إنّي لا أعطي الدنية من نفسي أبدا و لتلقين فاطمة أباها شاكية مما لقيت ذريتها من أمته و لا يدخل الجنة من آذاها في ذريتها «2» و جاء عمر بن علي بن أبي طالب إلى المختار حينما نهض بالكوفة فقال له المختار : هل معك محمد بن الحنفية؟ فقال : لا. فطرده عنه فسار إلى مصعب حتى حضر الوقعة و قتل فيمن قتل من الناس «3».
لا بد أن ترد القيامة فاطم و قميصها بدم الحسين ملطخ
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه و الصور في يوم القيامة ينفخ «4»
2- رأي ابن الحنفية
و قال محمد بن الحنفية «5» : يا أخي أنت أحب الناس إليّ و أعزهم علي و لست أدخر النصيحة لأحد من الخلق إلا لك و أنت أحق بها تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية و عن الأمصار ما استطعت ثم ابعث برسلك إلى الناس فإن بايعوك حمدت اللّه على ذلك و إن اجتمعوا على غيرك لم ينقص اللّه بذلك دينك و لا عقلك و لم تذهب مروءتك و لا فضلك و إني أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فطائفة معك و أخرى عليك فيقتتلون فتكون لأول الأسنة غرضا فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا و أبا و أما أضيعها دما و أذلها أهلا.
فقال الحسين عليه السّلام فأين اذهب؟ قال: تنزل مكة فإن اطمأنت بك الدار و إلا لحقت بالرمال و شعب الجبال و خرجت من بلد إلى آخر حتى تنظر ما يصير إليه أمر الناس فإنك أصوب ما تكون رأيا و احزمه عملا حتى تستقبل الأمور استقبالا و لا تكون الأمور أبدا اشكل عليك منها حين تستدبرها استدبارا «6».
فقال الحسين عليه السّلام: يا أخي لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية.
فقطع محمد كلامه بالبكاء.
فقال الحسين عليه السّلام: يا أخي جزاك اللّه خيرا لقد نصحت و اشرت بالصواب و أنا عازم على الخروج إلى مكة و قد تهيأت لذلك أنا و إخوتي و بنو أخي و شيعتي أمرهم أمري و رأيهم رأيي. و أما أنت فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم لا تخفي عني شيئا من أمورهم «7».
و قام من عند ابن الحنفية و دخل المسجد و هو ينشد:
لا ذعرت السوام في فلق الصبح مغيرا و لا دعيت يزيدا «8»
يوم أعطي مخافة الموت ضيما و المنايا يرصدنني أن أحيدا «9»
و سمعه أبو سعيد المقبري فعرف أنه يريد أمرا عظيما «10».
3- رأي أم سلمة
و قالت أم سلمة: لا تحزنّي بخروجك إلى العراق فإنّي سمعت جدك رسول اللّه يقول: يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلا و عندي تربتك في قارورة دفعها إلي النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم.
فقال الحسين عليه السّلام يا أماه و أنا اعلم أني مقتول مذبوح ظلما و عدوانا و قد شاء عز و جل أن يرى حرمي و رهطي مشردين و أطفالي مذبوحين مأسورين مقيدين و هم يستغيثون فلا يجدون ناصرا.
قالت أم سلمة: وا عجبا فأنّى تذهب و أنت مقتول؟
قال عليه السّلام يا أماه إن لم اذهب اليوم ذهبت غدا و إن لم أذهب في غد ذهبت بعد غد و ما من الموت و اللّه بد و إني لأعرف اليوم الذي اقتل فيه و الساعة التي اقتل فيها و الحفرة التي ادفن فيها كما اعرفك و انظر إليها كما انظر إليك و إن أحببت يا أماه أن أريك مضجعي و مكان أصحابي، فطلبت منه ذلك فأراها تربة أصحابه «11» ثم اعطاها من تلك التربة و أمرها أن تحتفظ بها في قارورة فإذا رأتها تفور دما تيقنت قتله! و في اليوم العاشر بعد الظهر نظرت إلى القارورتين فإذا هما يفوران دما «12».
الهاشميات
و كبر خروجه على نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة فمشى إليهن الحسين و سكتهن و قال أنشدكن اللّه أن تبدين هذا الأمر معصية للّه و لرسوله فقلن :
و لمن نستبقي النياحة و البكاء فهو عندنا كيوم مات فيه رسول اللّه و علي و فاطمة و الحسن و زينب و أم كلثوم فننشدك اللّه «جعلنا اللّه فداك» من الموت يا حبيب الأبرار من أهل القبور، و اخبرته بعض عماته أنها سمعت هاتفا يقول «13» :
فصبرها الحسين و عرفها أنه أمر جار و قضاء محتوم.
4- رأي عبد اللّه بن عمر
و طلب منه عبد اللّه بن عمر بن الخطاب البقاء في المدينة فأبى الحسين و قال: يا عبد اللّه إن من هوان الدنيا على اللّه أن رأس يحيى بن زكريا يهدى إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل و إن رأسي يهدى إلى بغي من بغايا بني أمية أما علمت أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يبيعون و يشترون كأن لم يصنعوا شيئا فلم يعجل اللّه عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر ذي انتقام.
و لما عرف ابن عمر من الحسين العزم على مغادرة المدينة و النهضة في وجه أتباع الضلال و قمع المنكرات و كسح أشواك الباطل عن صراط الشريعة المقدسة، قال له: يا أبا عبد اللّه اكشف لي عن الموضوع الذي لم يزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقبّله منك فكشف له عن سرته فقبلها ثلاثا و بكى.
فقال له: اتق اللّه يا أبا عبد الرحمن و لا تدعن نصرتي.
_________
(1) ذكرنا ترجمته في هامش كتابنا زيد الشهيد ص 100 الطبعة الثانية.
(2) اللهوف ص 15 ط. صيدا.
(3) الأخبار الطوال للدينوري ص 29.
(4) في مناقب ابن شهراشوب ج 2 ص 91 أنها لمسعود بن عبد اللّه القايني.
(5) ذكرنا في كتابنا «قمر بني هاشم» ص 104 أن له يوم البصرة عشرين سنة فهو أكبر من العباس بعشر سنين و كانت راية أمير المؤمنين معه في الجمل و النهروان و ذكرنا في كتابنا «زين العابدين» ص 316 بعض أحواله. و في مقتل الخوارزمي ج 2 ص 79 كتاب يزيد إلى ابن الحنفية بعد قتل الحسين و حضوره عنده! و هذا مما يحط من مقامه، و إني اقطع بالافتعال عليه لأنه لا يعقل صدوره من غيور موتور.
(6) الطبري ج 6 ص 191 و كامل ابن الأثير ج 4 ص 7.
(7) مقتل محمد بن أبي طالب و لم يذكر أرباب المقاتل هذا العذر و اعتذر العلامة الحلي في أجوبة مسائل ابن مهنا بالمرض في (أخذ الثأر) لابن نما الحلي ص 81 أصابته قروح من عين نظرت إليه فلم يتمكن من الخروج مع الحسين عليه السّلام، و جلالة ابن الحنفية و مواقفه المشهودة و اعترافه بإمامة السجاد عليه السّلام لا يدع لنا إلا الاذعان بمشروعية تأخره عن هذا المشهد على الاجمال.
(8) هو يزيد بن مفرغ.
(9) في انساب الاشراف ج 4 ص 66 تمثل بهما في مكة.
(10) الطبري ج 6 ص 191 و الأغاني ج 17 ص 68 و المقتل للخوارزمي ج 1 ص 186 فصل 9 و تهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 339.
(11) مدينة المعاجز ص 244 عن ثاقب المناقب لمؤلفه الجليل أبي جعفر محمد بن علي بن محمد المشهدي الطوسي، كما في دار السلام للنوري ج 1 ص 102 و حكى في روضات الجنات ص 593 نسبة الكتاب إليه عن كامل البهائي و على ما في دار السلام من ذكر روايته عن جعفر بن محمد الدرويستي الراوي عن المفيد في سنة 401 يكون من اعلام القرن الخامس.
(12) الخرائج في باب معجزاته و مقتل العوالم ص 47.
(13) في كامل الزيارة ص 96 ذكر بيتين ثم هذا البيت و ورد في أربعة أبيات في حماسة أبي تمام كما في شرحها للتبريزي ج 3 ص 14، و مروج الذهب ج 2 ص 92 نقلا عن انساب الزبير بن بكار و مناقب ابن شهراشوب ج 2 ص 228 و مثير الأحزان عن المرزباني و تذكرة الخواص ص 124 و ورد في خمسة أبيات في معجم البلدان ج 6 ص 52 و مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري ج 1 ص 142 و في ست أبيات في كامل ابن الأثير ج 4 ص 37 و سير أعلام النبلاء للذهبي ج 3 ص 215 و في سبع أبيات في مقاتل الطالبيين ص 19 ط إيران و نسب قريش لمصعب الزبيري ص 41 و في ثمانية أبيات في البداية لابن كثير ج 8 ص 211 و مقتل الخوارزمي ج 2 ص 149 و مثير الأحزان لابن نما. و تهذيب تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 343.
«و اختلفوا في قائلها» ففي كامل ابن الأثير ج 4 ص 37 أنها للتيمي تيم مرة و كان منقطعا لبني هاشم، و في الاصابة ج 4 ص 74 و مقالات الإسلاميين أنها لأبي رمح الخزاعي و هي رواية ابن نما عن المرزباني، و في شرح التبريزي على الحماسة ج 3 ص 13 أنها لأبي- رمج الخزاعي بالجيم المعجمة و في الاستيعاب أنها لأبي زميج الخزاعي و سماه البكري في المعجم مما استعجم ج 3 ص 891 ابن رمح الخزاعي و لم يذكر إلا هذا البيت الذي في روايته «اذل رقاب المسلمين فذلت».
و يذهب الزبير بن بكار في أنساب قريش كما ذكره المسعودي في مروج الذهب أنها لسليمان بن قبة بالباء الموحدة و عند ابن عساكر في تاريخه ج 4 ص 342 و الذهبي في سير اعلام النبلاء ج 3 ص 215 و أبي عمرو في الاستيعاب «قنة» بالنون بعد القاف و يضيف ابن شهراشوب إلى ذلك «الهاشمي».
و في تهذيب كامل المبرد ج 2 ص 235 و اعيان الشيعة ج 35 ص 136 و نسب قريش لمصعب الزبيري ص 41 سليمان بن قته و يضيف إليه أبو تمام في الحماسة (العدوي) و في شرح التبريزي منسوب إلى عدي و في الحماسة البصرية لصدر الدين بن أبي الفرج بن الحسين البصري المتوفى سنة 659 ه ج 1 ص 200 رقم 10 قال سليمان بن قته العدوي مولى عمر بن عبد اللّه التيمي:
مررت على أبيات آل محمد فلم أرها أمثالها يوم حلت
و كتب المعلق عليه أنها خمسة و لم يذكرها و قال مثلها في الاستيعاب. و في تذكرة الخواص ص 154 ط. إيران مر سليمان بن قته فنظر إلى مصارع القوم فبكى ثم قال:
و إن قتيل الطف ... إلى أربعة أبيات.
و في مقاتل أبي الفرج ص 49 و البداية لابن كثير ج 8 ص 211 سليمان بن «قتيبة» بالتاء المثناة من فوق بعد القاف ثم الياء المثناة من تحت بعدها باء موحدة ملحقة بهاء، و في مثير الأحزان لابن نما أن سليمان بن قتيبة العدوي مولى بني تميم مر بكربلا بعد قتل الحسين بثلاث فنظر إلى مصارعهم فاتكأ على قوس له عربية و أنشأ الأبيات و في اللهوف لابن طاووس ص 119 ط صيدا و لقد أحسن ابن قتيبة رحمه اللّه، و في معجم البلدان ج 1 ص 52 أنها لأبي دهبل الجمحي، و وافقه في تاج العروس بمادة الطف مع الاقتصار على نفس البيت «و أبو دهبل» كما في الأغاني ج 6 ص 149 وهب بن زمعة بن أسد مادح معاوية و عبد اللّه بن الزبير و الوالي على اليمن من قبله و هذا يضعف كون الشعر له، و في الأغاني ج 17 ص 165 دخل مصعب بن الزبير الكوفة و أخذ يسأل عن الحسين و قتله و عروة بن المغيرة يحدثه فقال متمثلا بقول سليمان بن قته:
فإن الألى بالطف من آل هاشم تآسوا فسنوا للكرام التآسيا
و في طبقات القراء لابن الجزري ج 1 ص 314 سليمان بن قتة بفتح القاف و المثناة من فوق المشددة، وقتة أمه، التيمي مولاهم البصري ثقة عرض على ابن عباس ثلاث عرضات و عرض عليه عاصم الجحدري.
و إنّ قتيل الطف من آل هاشم أذل رقابا من قريش فذلت.