لما بلغ الحسين أن يزيد انفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر و أمّره على الحاج و ولاه أمر الموسم و أوصاه بالفتك بالحسين أينما وجد عزم على الخروج من مكة قبل اتمام الحج و اقتصر على العمرة كراهية أن تستباح به حرمة البيت.
خطبته (عليه السّلام) في مكة
و قبل أن يخرج قام خطيبا فقال: الحمد للّه و ما شاء اللّه و لا قوة إلا باللّه و صلى اللّه على رسوله، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف و خير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلاة بين النواويس و كربلا فيملأن مني اكراشا جوفا و اجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضا اللّه رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه و يوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول اللّه لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه و ينجز بهم وعده. ألا من كان فينا باذلا مهجته موطنا على لقاء اللّه نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء اللّه تعالى.
و كان خروجه عليه السّلام من مكة لثمان مضين من ذي الحجة و معه أهل بيته و مواليه و شيعته من أهل الحجاز و البصرة و الكوفة الذين انضموا إليه أيام اقامته بمكة و أعطى كل واحد منهم عشرة دنانير و جملا يحمل عليه زاده.
محاولات لصرفه عن السفر
و سأله جماعة من أهل بيته و غيرهم التريث عن هذا السفر حتى يستبين له حال الناس خوفا من غدر الكوفيين و انقلاب الأمر عليه و لكن «أبيّ الضيم» لم تسعه المصارحة بما عنده من العلم بمصير أمره لكل من قابله، لأن الحقائق كما هي لا تفاض لأي متطلب بعد تفاوت المراتب و اختلاف الأوعية سعة و ضيقا فكان عليه السّلام يجيب كل واحد بما يسعه ظرفه و تتحمله معرفته.
فيقول لابن الزبير: إن أبي حدثني أن بمكة كبشا به تستحل حرمتها فما أحب أن أكون ذلك الكبش و لأن أقتل خارجا منها بشبر أحب إلي من أن أقتل فيها و أيم اللّه لو كنت في ثقب هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم و اللّه ليعتدن علي كما اعتدت اليهود في السبت!
و لما خرج من عنده ابن الزبير قال الحسين لمن حضر عنده: إن هذا ليس شيء من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز و قد علم أن الناس لا يعدلونه بي، فود أني خرجت حتى يخلو له.
و اتاه محمد بن الحنفية في الليلة التي سار الحسين في صبيحتها إلى العراق و قال: عرفت غدر أهل الكوفة بأبيك و أخيك و إني أخاف أن يكون حالك حال من مضى فأقم هنا فإنك أعز من في الحرم و أمنعه فقال الحسين: أخاف أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فأكون الذي تستباح به حرمة هذا البيت، فأشار عليه ابن الحنفية بالذهاب إلى اليمن أو بعض نواحي البر فوعده أبو عبد اللّه في النظر في هذا الرأي.
و في سحر تلك الليلة ارتحل الحسين عليه السّلام فأتاه ابن الحنفية و أخذ بزمام ناقته و قد ركبها و قال: ألم تعدني النظر فيما سألتك؟ قال: بلى، و لكن بعد ما فارقتك أتاني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و قال: يا حسين أخرج فإن اللّه تعالى شاء أن يراك قتيلا فاسترجع «محمد» و حينما لم يعرف الوجه في حمل العيال معه و هو على مثل هذا الحال قال له الحسين عليه السّلام قد شاء اللّه تعالى أن يراهن سبايا.
و كتب اللّه عبد اللّه بن جعفر الطيار مع ابنيه عون و محمد: أما بعد، فإني أسألك اللّه لما انصرفت حين تقرأ كتابي هذا فإني مشفق عليك من هذا الوجه أن يكون فيه هلاكك و استئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم اطفىء نور الأرض فإنك علم المهتدين و رجاء المؤمنين فلا تعجل بالسير فإني في أثر كتابي و السلام.
ثم أخذ عبد اللّه كتابا من عامل يزيد على مكة عمرو بن سعيد بن العاص فيه أمان للحسين و جاء به إلى الحسين و معه يحيى بن سعيد بن العاص و جهد أن يصرف الحسين عن الوجه الذي أراده فلم يقبل أبو عبد اللّه عليه السّلام و عرّفه أنه رأى رسول اللّه في المنام و أمره بأمر لا بد من إنفاذه فسأله عن الرؤيا فقال: ما حدثت بها أحدا و ما أنا محدث بها حتى ألقى ربي عز و جل.
و قال له ابن عباس: يا ابن العم إني اتصبر و ما أصبر، و اتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك و الاستئصال. إن أهل العراق قوم غدر فلا تقربنّهم! أقم في هذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز، و أهل العراق إن كانوا يريدونك كما زعموا فلينفوا عاملهم و عدوهم ثم أقدم عليهم فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن فإن بها حصونا و شعابا و هي أرض عريضة طويلة، و لأبيك فيها شيعة و أنت عن الناس في عزلة فتكتب إلى الناس و ترسل و تبث دعاتك فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية.
فقال الحسين عليه السّلام: يا ابن العم إني و اللّه لأعلم أنك ناصح مشفق و قد ازمعت على المسير!
فقال ابن عباس: إن كنت سائرا فلا تسر بنسائك و صبيتك فإني لخائف أن تقتل و هم ينظرون إليك، فقال الحسين: و اللّه لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا ذلك سلط اللّه عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من «فرام المرأة».
توجيه لدواعي السفر
هذه غاية ما وصل إليه ادراك من رغب في تريث الحسين عليه السّلام عن السفر إلى العراق و أبو عبد اللّه لم تخف عليه نفسيات الكوفيين و ما شيبت به من الغدر و النفاق و لكن ماذا يصنع بعد اظهارهم الولاء و الانقياد له و الطاعة لأمره و هل يعذر إمام الأمة في ترك ما يطلبونه من الارشاد و الانقاذ من مخالب الضلال و توجيههم إلى الأصلح المرضي لرب العالمين مع أنه لم يظهر منهم الشقاق و الخلاف و اعتذاره عليه السّلام عن المصير إليهم بما جبلوا عليه من الخيانة كما فعلوا مع أبيه و أخيه يسبب اثارة اللوم من كل من يبصر ظواهر الأشياء و الإمام المقيض لهداية البشر أجلّ من أن يعمل عملا يكون للأمة الحجة عليه، و البلاد التي أشار بها ابن عباس «1» و غيره لا منعة فيها و ما جرى من بسر بن ارطاة مع أهل اليمن تؤكد وهنهم في المقاومة و الضعف عن رد الباغي.
و بهذا يصرح الشيخ الشوشتري أعلى اللّه مقامه فإنه قال: كان للحسين تكليفان واقعي و ظاهري:
أ- أما الواقعي الذي دعاه للاقدام على الموت و تعريض عياله للأسر و أطفاله للذبح مع علمه بذلك، فالوجه فيه أن عتاة بني أمية قد اعتقدوا أنهم على الحق و أن عليا و أولاده و شيعتهم على الباطل حتى جعلوا سبّه من أجزاء صلاة الجمعة، و بلغ الحال ببعضهم أنه نسي اللعن في خطبة الجمعة فذكره و هو في السفر فقضاه! و بنوا مسجدا سموه «مسجد الذكر» فلو بايع الحسين يزيد و سلم الأمر إليه لم يبق من الحق أثر فإن كثيرا من الناس يعتقد بأن المحالفة لبني أمية دليل استصواب رأيهم و حسن سيرتهم، و أما بعد محاربة الحسين لهم و تعريض نفسه المقدسة و عياله و أطفاله للفوادح التي جرت عليهم فقد تبين لأهل زمانه و الأجيال المتعاقبة احقيته بالأمر و ضلال من بغى عليه.
ب- و أما التكليف الظاهري فلأنه عليه السّلام سعى في حفظ نفسه و عياله بكل وجه، فلم يتيسر له و قد ضيقوا عليه الاقطار حتى كتب يزيد إلى عامله على المدينة أن يقتله فيها فخرج منها خائفا يترقب فلاذ بحرم اللّه الذي هو أمن الخائف و كهف المستجير، فجدوا في إلقاء القبض عليه أو قتله غيلة و لو وجد متعلقا بأستار الكعبة، فالتزم بأن يجعل احرامه عمرة مفردة و ترك التمتع بالحج، فتوجه إلى الكوفة لأنهم كاتبوه و بايعوه و اكدوا المصير إليهم لانقاذهم من شرور الأمويين فألزمه التكليف بحسب ظاهر الحال إلى موافقتهم اتماما للحجة عليهم لئلا يعتذروا يوم الحساب بأنهم لجأوا إليه و استغاثوا به من ظلم الجائرين فاتهمهم بالشقاق و لم يغثهم مع أنه لو لم يرجع إليهم فإلى أين يتوجه و قد ضاقت عليه الأرض بما رحبت و هو معنى قوله لابن الحنفية: لو دخلت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقتلوني!
و قال لأبي هرة الأسدي: إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت و شتموا عرضي فصبرت و طلبوا دمي فهربت.
و لم يبق بمكة أحد إلا حزن لمسيره، و لما أكثروا القول عليه أنشد أبيات أخي الأوس لما حذره ابن عمه من الجهاد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم:
سأمضي فما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا و جاهد مسلما
و واسى الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا و خالف مجرما
ثم قرأ: و كان أمر اللّه قدرا مقدورا.
و سامته أن ينقاد للسلم ضارعا لديها و يأبى العز أن يضرع الحر
فقال ردي يا نفس من سورة الردى فعند ورود الضيم يستعذب المر
و حفت به من آله خير فتية لها ينتمي المجد المؤثل و الفخر
إذا هي سارت في دجى الليل ازهرت و باهت سواري النجم أوجهها الزهر
بكل كمي فوق اجرد سابح يتيه به في مشيه الدل و الكبر
إذا خف في الهيجاء وقر بمتنه بنجدة بأس فاطمأن له ظهر
و يلطم خد الأرض لكنّ وجهها بنضح دم الأعداء لا اللطم يحمر
هم القوم من عليا لؤي و غالب بهم تكشف الجلى و يستدفع الضر
يحيون هندي السيوف بأوجه تهلل من لئلاء طلعتها البشر
يلفون آحاد الالوف بمثلها إذا حل من معقود راياتها نشر
بيوم به وجه المنون مقطب وحد المواضي باسم الثغر يفتر
إذا اسود يوم النقع أشرقن بالبها لهم أوجه و الشوس ألوانها صفر
و ما وقفوا في الحرب إلا ليعبروا إلى الموت و الخطي من دونه جسر
يكرون و الأبطال نكصا تقاعست من الخوف و الآساد شيمتها الكر
إلى أن ثووا تحت العجاج بمعرك هو الحشر لا بل دون موقفه الحشر
و ماتوا كراما تشهد الحرب أنهم أباة إذا ألوى بهم حادث نكر
عليهم من الهندي بيض عصائب تروق و من وشي الدما حلل حمر
و عاد أبيّ الضيم بين عداته و ناصره البتار و الأرن المهر
فغبر في يوم الكفاح بأوجه الكتائب و الآفاق شاحبة غبر
إذا نظمت حب القلوب قناته فللسيف في أعناق أعدائه نثر
فلا الوتر وتر حين تقترع الظبى و لا الشفع شفع حين تشتبك السمر
و لو شاء أن يفني الأعادي لزلزل الوجود بهم لكنما قضي الأمر
و آثر أن يسعى إلى الموت صابرا و نفس أبيّ الضيم شيمتها الصبر
فأضحى على الرمضاء شلوا تناهبت حشاه العوالي و المهدة البتر
قضى بين أطراف الأسنة ظاميا بحر حشى من دون غلتها الجمر
فلهفي عليه فوق صالية الثرى على جسمه تجري المسومة الضمر
أبا حسن شكوى إليك و إنها لواعج أشجان يجيش بها الصدر
أتدري بما لاقت من الكرب و البلا و ما واجهت بالطف أبناؤك الغر
أعزيك فيهم أنهم وردوا الردى بأفئدة ما بل غلتها قطر
و ثاوين في حر الهجيرة بالعرا عليهم سوافي الريح بالترب تنجر
متى أيها الموتور تبعث عارة تعيد العدى و البر من دمهم بحر
أتغضي و أنت المدرك الثار عن دم برغم الهدى أضحى و ليس له وتر
و تلك بجنب الطف فتيان هاشم ثوت تحت أطراف القنا دمها هدر
فلا صبر حتى ترفعوها ذوابلا من الخط لا يلوي بخرصانها كسر
و تقتدحوها بالصوارم جذوة من الحرب يصلى جمرها الجحفل المجر
و تبتعثوها في المغار صواهلا من الخيل مقرونا بأعرافها النصر
فكم نكأت منكم أمية قرحة إلى الحشر لا يأتي على جرها السبر
فمن صبية قد ارضعتها أمية ضروع المنايا و الدماء لها در
فها هي صرعى و السهام عواطف حنوا عليها و الرمال لها حجر
و من حرة بعد المقاصير أصبحت بمقفرة كالجمر يوقدها الحر
و زاكية لم تلف في النوح مسعدا سوى أنها بالسوط يزجرها زجر
و مذعورة أضحت و خفاق قلبها تكاد شظاياه يطير بها الذعر
و مذهولة من دهشة الخيل ابرزت عشية لا كهف لديها و لا خدر
تجاذبها أيدي العدو خمارها فتستر بالأيدي إذا أعوز الستر
سرت تتراماها العداة سوافرا يروح بها مصر و يغدو بها مصر
ربيبات خدر أين منهن خطة الموامي و لا يدرين ما السهل و الوعر
تطوف بها الأعداء من كل مهمه فيجذبها قفر و يقذفها قفر
التنعيم
و سار الحسين من مكة و مر «بالتنعيم» فلقي عيرا عليها ورس و حلل أرسلها إلى «يزيد بن معاوية» واليه على اليمن بحير بن يسار الحميري فأخذها الحسين عليه السّلام و قال لأصحاب الإبل: من أحب منكم أن ينصرف معنا إلى العراق أوفينا كراءه و أحسنا صحبته، و من أحب المفارقة أعطيناه من الكراء على ما قطع من الأرض ففارقه بعضهم و مضى من أحب صحبته.
و كان الحسين عليه السّلام يرى أن هذا ماله الذي جعله اللّه تعالى له يتصرف فيه كيف شاء، لأنه إمام على الأمة منصوب من «المهيمن» سبحانه و قد اغتصب يزيد و أبوه حقه و حق المسلمين فكان من الواجب عليه أن يحتوي على فيء المسلمين لينعش المحاويج منهم و قد أفاض على الأعراب الذين صحبوه في الطريق و رفعوا إليه ما مسهم من مضض الفقر، غير أن محتوم القضاء لم يمكن سيد شباب أهل الجنة من استرداد ما اغتصبه الجائرون من أموال أمة النبي الأعظم صلى اللّه عليه و آله و سلم و إن ارتفعت بتضحيته المقدسة عن البصائر حجب التمويه و عرفوا ضلال المستعدين على الخلافة الالهية.
الصفاح
و في الصفاح لقي الحسين عليه السّلام الفرزدق بن غالب الشاعر فسأله عن خبر الناس خلفه فقال الفرزدق: قلوبهم معك و السيوف مع بني أمية و القضاء ينزل من السماء! فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: صدقت للّه الأمر، و اللّه يفعل ما يشاء و كل يوم ربنا في شأن إن نزل القضاء بما نحب فنحمد اللّه على نعمائه و هو المستعان على أداء الشكر و إن حال القضاء دون الرجاء فلم يعتد من كان الحق نيته و التقوى سريرته ثم سأله الفرزدق عن نذور و مناسك و افترقا.
و يروى عن الفرزدق أنه قال خرجت من البصرة أريد العمرة فرأيت عسكرا في البرية، فقلت عسكر من؟ قالوا: عسكر حسين بن علي فقلت لأقضين حق رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فأتيته و سلمت عليه فقال: من الرجل؟ قلت الفرزدق بن غالب ، فقال هذا نسب قصير، قلت أنت أقصر مني نسبا أنت ابن بنت رسول اللّه.
ذات عرق
و سار أبو عبد اللّه عليه السّلام لا يلوي على أحد فلقي في «ذات عرق» بشر بن غالب و سأله عن أهل الكوفة قال: السيوف مع بني أمية و القلوب معك قال : صدقت.
و حدث الرياشي عمن اجتمع مع الحسين عليه السّلام في أثناء الطريق إلى الكوفة يقول الراوي بعد أن حججت انطلقت أتعسف الطريق وحدي فبينا أسير إذ رفعت طرفي إلى أخبية و فساطيط فانطلقت نحوها فقلت: لمن هذه الأخبية ؟ قالوا :
للحسين بن علي و ابن فاطمة عليهم السّلام و انطلقت نحوه فإذا هو متكي على باب الفسطاط يقرأ كتابا بين يديه فقلت: يا ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بأبي أنت و أمي ما أنزلك في هذه الأرض القفراء التي ليس فيها ريف و لا منعة؟ قال عليه السّلام: إن هؤلاء أخافوني و هذه كتب أهل الكوفة و هم قاتليّ، فإذا فعلوا ذلك و لم يدعوا للّه محرما إلا انتهكوه بعث اللّه إليهم من يقتلهم حتى يكونوا أذل من فرام الأمة.
الحاجر
و لما بلغ الحاجر من بطن الرمة كتب إلى أهل الكوفة جواب كتاب مسلم بن عقيل و بعثه مع قيس بن مسهر الصيداوي و فيه : أما بعد فقد ورد علي كتاب مسلم بن عقيل يخبرني باجتماعكم على نصرنا و الطلب بحقنا فسألت اللّه أن يحسن لنا الصنع و يثيبكم على ذلك أعظم الأجر و قد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم فإني قادم في أيامي هذه.
بعض العيون
و سار من الحاجر و كان لا يمر بماء من مياه العرب إلا اتبعوه فانتهى إلى ماء من مياه العرب عليه عبد اللّه بن مطيع العدوي، و لما عرف أن الحسين قاصد للعراق قال له: اذكرك اللّه يا ابن رسول اللّه و حرمة الإسلام أن تنتهك أنشدك اللّه في حرمة العرب فو اللّه لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلوك و لئن قتلوك لا يهابوا أحدا بعدك فأبى الحسين إلا أن يمضي.
الخزيمية
و اقام عليه السّلام في الخزيمية يوما و ليلة فلما أصبح أقبلت إليه أخته زينب عليها السّلام و قالت: إني سمعت هاتفا يقول:
ألا يا عين فاحتفلي بجهد فمن يبكي على الشهداء بعدي
على قوم تسوقهم المنايا بمقدار إلى انجاز وعد
فقال يا اختاه كل الذي قضي فهو كائن.
زرود
و لما نزل الحسين في زرود نزل بالقرب منه زهير بن القين البجلي و كان غير مشايع له و يكره النزول معه لكن الماء جمعهم في المكان و بينا زهير و جماعته على طعام صنع لهم إذ اقبل رسول الحسين يدعو زهيرا إلى سيده أبي عبد اللّه عليه السّلام فتوقف زهير عن الإجابة غير أن امرأته «دلهم بنت عمرو» حثته على المسير إليه و سماع كلامه.
فمشى زهير إلى الحسين و ما أسرع أن عاد إلى أصحابه فرحا قد أسفر وجهه و أمر بفسطاطه و ثقله فحول إلى جهة سيد شباب أهل الجنة و قال لامرأته: إلحقي بأهلك فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير ثم قال لمن معه: من أحب منكم نصرة ابن الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم و إلا فهو آخر العهد.
ثم حدثهم بما أوعز به سلمان الفارسي من هذه الواقعة فقال: غزونا بلنجر ففتحنا و أصبنا الغنائم و فرحنا بذلك و لما رأى سلمان الفارسي ما نحن فيه من السرور قال إذا أدركتم سيد شباب آل محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه بما أصبتم من الغنائم فأما أنا فأستودعكم اللّه.
فقالت زوجته: خار اللّه لك و أسألك أن تذكرني يوم القيامة عند جد الحسين عليه السّلام.
و في زرود أخبر بقتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة فاسترجع كثيرا و ترحم عليهما مرارا و بكى، و بكى معه الهاشميون و كثر صراخ النساء حتى ارتجّ الموضع لقتل مسلم بن عقيل و سالت الدموع كل مسيل.
فقال له عبد اللّه بن سليم و المنذر بن المشمعل الاسديان ننشدك اللّه يا ابن رسول اللّه إلا انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر.
فقام آل عقيل و قالوا لا نبرح حتى ندرك ثارنا أو نذوق ما ذاق أخونا فنظر إليهم الحسين و قال لا خير في العيش بعد هؤلاء.
فيا ابن عقيل فدتك النفو س لعظم رزيتك الفادحة
لنبك لها بمذاب القلو ب فما قدر ادمعنا المالحة
و كم طفلة لك قد اعولت و جمرتها في الحشا قادحة
يعززها السبط في حجره لتغدو في قربه فارحة
تقول مضى عم مني أبي فمن ليتيمته النائحة
ثكول تبيت بليل اللسيع تعج و عن دارها نازحة
و كم من كمي بأحشائه تركت زناد الأسى قادحة
دريت ابن عمك يوم الطفو ف نعاك بأسرته الناصحة
تحف به منهم فتية صباح و احسابهم واضحة
بكاك بماضي الشبا و الوغى وجوه المنايا بها كالحة
اقام بضرب الطلى مأتما عليك و بيض الظبى نائحة
و نادى عشيرتك الأقربين خذي الثأر يا أسرة الفاتحة
و خاض بهم في غمار الحتو ف و لكنها بالظبى طائحة
و قال لها يا نزار النزال فحربك في جدها مازحة
الثعلبية
و في الثعلبية أتاه رجل و سأله عن قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء : 71] فقال عليه السّلام إمام دعا إلى هدى فأجابوا إليه و إمام دعا إلى ضلالة فأجابوا إليها، هؤلاء في الجنة و هؤلاء في النار و هو قوله تعالى : {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى : 7].
و في هذا المكان اجتمع به رجل من أهل الكوفة فقال له الحسين (عليه السّلام) :
أما و اللّه لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل في دارنا و نزوله بالوحي على جدي
يا أخا أهل الكوفة من عندنا مستقى العلم أفعلموا و جهلنا؟ هذا مما لا يكون و حديث بجير من أهل الثعلبية، قال مر الحسين بنا و أنا غلام فقال له أخي: يا ابن بنت رسول اللّه أراك في قلة من الناس فأشار بالسوط إلى حقيبة الرحل و قال هذه مملوءة كتبا.
الشقوق
و في الشقوق رأى الحسين رجلا مقبلا من الكوفة فسأله عن أهل العراق فأخبره أنهم مجتمعون عليه قال عليه السّلام إن الأمر للّه يفعل ما يشاء و ربنا تبارك هو كل يوم في شأن ثم أنشد :
فإن تكن الدنيا تعد نفيسة فدار ثواب اللّه أعلى و انبل
و إن تكن الأموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء يبخل
و إن تكن الأرزاق قسما مقدرا فقلة حرص المرء في الكسب أجمل
و إن تكن الأبدان للموت أنشئت فقتل امرىء بالسيف في اللّه أفضل
عليكم سلام اللّه يا آل أحمد فإني أراني عنكم سوف أرحل
زبالة
و في زبالة أخبر بقتل عبد اللّه بن يقطر الذي أرسله الحسين من الطريق إلى مسلم بن عقيل فقبض عليه الحصين بن نمير في القادسية و سرحه إلى عبيد اللّه بن زياد فأمره أن يصعد المنبر و يلعن الكذاب ابن الكذاب و لما أشرف على الناس قال : أيها الناس أنا رسول الحسين ابن فاطمة لتنصروه و تؤازروه على ابن مرجانة فأمر به عبيد اللّه فألقي من فوق القصر فتكسرت عظامه و بقي به رمق فأتاه رجل يقال له عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه فلما عيب عليه قال إنما أردت أن أريحه.
و قيل الذي ذبحه رجل طوال يشبه عبد الملك بن عمير .. فأعلم بذلك الناس و أذن لهم بالانصراف فتفرقوا عنه يمينا و شمالا و بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من مكة و إنما تبعه خلق كثير من الأعراب لظنهم أنه يأتي بلدا اطاعه أهله فكره عليه السّلام أن يسيروا معه إلا على علم بما يقدمون عليه و قد علم أنه إذا أذن لهم بالانصراف لم يصحبه إلا من يريد مواساته على الموت.
بطن العقبة
و سار من زبالة حتى نزل بطن العقبة و فيها قال لأصحابه: ما أراني إلا مقتولا فإني رأيت في المنام كلابا تنهشني و أشدها علي كلب أبقع.
و أشار عليه عمرو بن لوذان من بني عكرمة بالرجوع إلى المدينة لما عليه أهل الكوفة من الغدر و الخيانة فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام ليس يخفى عليّ الرأي و إنّ اللّه لا يغلب على أمره.
ثم قال عليه السّلام : إنهم لن يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا ذلك سلط اللّه عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم.
شراف
و سار من بطن العقبة حتى نزل شراف و عند السحر أمر فتيانه أن يستقوا من الماء و يكثروا و في نصف النهار سمع رجلا من أصحابه يكبر فقال الحسين: لم كبرت؟ قال: رأيت النخل فأنكر من معه أن يكون بهذا الموضع نخل و إنما هو أسنة الرماح و آذان الخيل فقال الحسين: و أنا أراه ذلك ثم سألهم عن ملجأ يلجأون إليه فقالوا: هذا «ذو حسم» عن يسارك فهو كما تريد فسبق إليه الحسين و ضرب أبنيته.
و طلع عليهم الحر الرياحي مع ألف فارس بعثه ابن زياد ليحبس الحسين عن الرجوع إلى المدينة أينما يجده أو يقدم به الكوفة فوقف الحر و أصحابه مقابل الحسين في حر الظهيرة .
فلما رأى سيد الشهداء ما بالقوم من العطش أمر أصحابه أن يسقوهم و يرشفوا الخيل فسقوهم و خيولهم عن آخرهم. ثم أخذوا يملأون القصاع و الطساس و يدنونها من الفرس فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت و سقي آخر حتى سقوا الخيل كلها.
و كان علي بن الطعان المحاربي مع الحر فجاء آخرهم و قد أضرّ به العطش فقال الحسين: أنخ الراوية و هي الجمل بلغة الحجاز فلم يفهم مراده فقال له: أنخ الجمل و لما أراد أن يشرب جعل الماء يسيل من السقاء فقال له: «ريحانة الرسول» أخنث السقاء فلم يدر ما يصنع لشدة العطش فقام عليه السّلام بنفسه و عطف السقاء حتى ارتوى و سقى فرسه.
و هذا لطف و حنان من أبيّ الضيم على هؤلاء الجمع في تلك البيداء المقفرة التي تعز فيها الجرعة الواحدة و هو عالم بحراجة الموقف و نفاد الماء و أن غدا دونه تسيل النفوس و لكن العنصر النبوي و الكرم العلوي لم يتركا صاحبهما إلا أن يحوز الفضل.
أحشاشة الزهراء بل يا مهجة الكرار يا روح النبي الهادي
عجبا لهذا الخلق هلا اقبلوا كل إليك بروحه لك فادي
لكنهم ما وازنوك نفاسة أنى يقاس الذر بالأطواد
عجبا لحلم اللّه جل جلاله هتكوا حجابك و هو بالمرصاد
عجبا لآل اللّه صاروا مغنما لبني يزيد هدية و زياد
ثم إن الحسين استقبلهم فحمد اللّه و اثنى عليه و قال :
إنها معذرة إلى اللّه عز و جل و إليكم و إني لم آتكم حتى اتتني كتبكم و قدمت بها عليّ رسلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام و لعل اللّه أن يجمعنا بك على الهدى فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئن به من عهودكم و مواثيقكم و إن كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم.
فسكتوا جميعا.
و اذن الحجاج بن مسروق الجعفي لصلاة الظهر فقال الحسين للحر: أتصلي بأصحابك قال: لا بل نصلي جميعا بصلاتك فصلى بهم الحسين.
و بعد أن فرغ من الصلاة أقبل عليهم فحمد اللّه و اثنى عليه و صلى على النبي محمد و قال:
أيها الناس إنكم إن تتقوا اللّه و تعرفوا الحق لأهله يكن أرضى للّه و نحن أهل بيت محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين بالجور و العدوان و إن أبيتم إلا الكراهية لنا و الجهل بحقنا و كان رأيكم الآن على غير ما اتتني به كتبكم انصرفت عنكم.
فقال الحر: ما أدري ما هذه الكتب التي تذكرها فأمر الحسين عقبة بن سمعان فأخرج خرجين مملوءين كتبا.
قال الحر: إني لست من هؤلاء و أني أمرت أن لا أفارقك إذا لقيتك حتى أقدمك الكوفة على ابن زياد.
فقال الحسين: الموت أدنى إليك من ذلك و أمر أصحابه بالركوب و ركبت النساء فحال بينهم و بين الانصراف إلى المدينة فقال الحسين للحر ثكلتك أمك ما تريد منا؟
قال الحر: أما لو غيرك من العرب يقولها لي و هو على مثل هذا الحال ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان! و اللّه ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه.
و لكن خذ طريقا نصفا بيننا لا يدخلك الكوفة و لا يردك إلى المدينة حتى أكتب إلى ابن زياد فلعل اللّه أن يرزقني العافية و لا يبتليني بشيء من أمرك.
ثم قال للحسين: إني اذكرك اللّه في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن فقال الحسين: أفبالموت تخوفني و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني، و سأقول ما قال أخو الأوس لابن عمه و هو يريد نصرة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم :
سأمضي و ما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا و جاهد مسلما
و واسى الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا و خالف مجرما
فإن عشت لم اندم و إن مت لم ألم كفى بك ذلا أن تعيش و ترغما
فلما سمع الحر هذا منه تنحى عنه فكان الحسين يسير بأصحابه في ناحية و الحر و من معه في ناحية .
البيضة
و في البيضة خطب أصحاب الحر فقال بعد الحمد للّه و الثناء عليه: أيها الناس إن رسول اللّه قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرام اللّه ناكثا عهده مخالفا لسنة رسول اللّه يعمل في عباد اللّه بالاثم و العدوان فلم يغير عليه بفعل و لا قول كان حقا على اللّه أن يدخله مدخله ألا و إن هؤلاء قد لزموا الشيطان و تركوا طاعة الرحمن و اظهروا الفساد و عطلوا الحدود و استأثروا بالفيء و احلوا حرام اللّه و حرموا حلاله و أنا أحق ممن غير، و قد اتتني كتبكم و قدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني و لا تخذلوني فإن أتممتم علي بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي و ابن فاطمة بنت رسول اللّه نفسي مع أنفسكم و أهلي مع أهليكم و لكم فيّ أسوة، و إن لم تفعلوا و نقضتم عهدكم و خلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي و أخي و ابن عمي مسلم، فالمغرور من اغتر بكم فحظكم اخطأتم و نصيبكم ضيعتم و من نكث فإنما ينكث على نفسه و سيغني اللّه عنكم و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.
الرهيمة
و في الرهيمة لقيه رجل من أهالي الكوفة يقال له أبو هرم فقال: يا ابن رسول اللّه ما الذي أخرجك عن حرم جدك. فقال: يا أبا هرم إن بني أمية شتموا عرضي فصبرت و أخذوا مالي فصبرت و طلبوا دمي فهربت و أيم اللّه ليقتلوني فيلبسهم اللّه ذلا شاملا و سيفا قاطعا و يسلط عليهم من يذلهم حتى يكونوا اذل من قوم سبا إذ ملكتهم امرأة فحكمت في أموالهم و دمائهم.
القادسية
و في القادسية قبض الحصين بن نمير التميمي على قيس بن مسهر الصيداوي رسول الحسين إلى أهل الكوفة و كان ابن زياد أمره أن ينظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان و منها إلى القطقطانة و لما أراد أن يفتشه أخرج قيس الكتاب و خرقه وجيء به إلى ابن زياد فقال له: لماذا خرقت الكتاب؟ قال: لئلا تطلع عليه فأصر ابن زياد على أن يخبره بما فيه فأبى قيس فقال إذا اصعد المنبر و سب الحسين و أباه و أخاه و إلا قطعتك إربا فصعد قيس المنبر فحمد اللّه و اثنى عليه و صلى على النبي و آله و أكثر من الترحم على أمير المؤمنين و الحسن و الحسين و لعن عبيد اللّه بن زياد و أباه و بني أمية ثم قال: أيها الناس أنا رسول الحسين إليكم و قد خلفته في موضع كذا فأجيبوه فأمر ابن زياد أن يرمى من أعلى القصر فرمي و تكسرت عظامه و مات و يقال كان به رمق فذبحه عبد الملك بن عمير اللخمي فعيب عليه فقال أردت أن أريحه.
العذيب
و في عذيب الهجانات وافاه أربعة نفر خارجين من الكوفة على رواحلهم و يجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال له «الكامل» و هم: عمرو بن خالد الصيداوي و سعد مولاه و مجمع بن عبد اللّه المذحجي و نافع بن هلال و دليلهم الطرماح بن عدي الطائي يقول:
يا ناقتي لا تذعري من زجري و شمّري قبل طلوع الفجر
بخير ركبان و خير سفر حتى تحلي بكريم النجر
الماجد الحر رحيب الصدر أتى به اللّه لخير أمر
ثمت أبقاه بقاء الدهر
فلما انتهوا إلى الحسين عليه السّلام أنشدوه الأبيات فقال عليه السّلام أما و اللّه إني لأرجو أن يكون خيرا ما أراد اللّه بنا قتلنا أم ظفرنا.
و سألهم الحسين عن رأي الناس فأخبروه بأن الأشراف عظمت رشوتهم و قلوب سائر الناس معك و السيوف عليك ثم اخبروه عن قتل قيس بن مسهر الصيداوي فقال عليه السّلام: فهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا.
اللهم اجعل لنا و لهم الجنة و اجمع بيننا و بينهم في مستقر من رحمتك و رغائب مذخور ثوابك.
و قال له الطرماح: رأيت الناس قبل خروجي من الكوفة مجتمعين في ظهر الكوفة فسألت عنهم قيل إنهم يعرضون ثم يسرحون إلى الحسين فأنشدك اللّه أن لا تقدم عليهم فإني لا أرى معك أحدا و لو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكفى.
و لكن سر معنا لتنزل جبلنا الذي يدعى «أجا» فقد امتنعنا به من ملوك غسان و حمير و من النعمان بن المنذر و من الأسود و الأحمر فو اللّه لا يأتي عليك عشرة أيام حتى تأتيك طيء رجالا و ركبانا و أنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم إلى أن يستبين لك ما أنت صانع.
فجزاه الحسين و قومه خيرا و قال: إنّ بيننا و بين القوم عهدا و ميثاقا و لسنا نقدر على الانصراف حتى تتصرف بنا و بهم الأمور في عاقبة.
فاستأذنه الطرماح وحده بأن يوصل الميرة إلى أهله و يعجل المجيء لنصرته فأذن له و صحبه الباقون.
فأوصل الطرماح الميرة إلى أهله و رجع مسرعا فلما بلغ عذيب الهجانات بلغه خبر قتل الحسين عليه السّلام فرجع إلى أهله.
قصر بني مقاتل
و سار من عذيب الهجانات حتى نزل قصر بني مقاتل فرأى فسطاطا مضروبا و رمحا مركوزا و فرسا واقفا فسأل عنه فقيل هو لعبيد اللّه بن الحر الجعفي فبعث إليه الحجاج بن مسروق الجعفي فسأله ابن الحمر عما وراءه قال : هدية إليك و كرامة إن قبلتها هذا الحسين يدعوك إلى نصرته فإن قاتلت بين يديه أجرت و إن قتلت استشهدت فقال ابن الحر: و اللّه ما خرجت من الكوفة إلا لكثرة ما رأيته خارجا لمحاربته و خذلان شيعته فعلمت أنه مقتول و لا أقدر على نصره و لست أحب أن يراني و أراه .
فأعاد الحجاج كلامه على الحسين فقام صلوات اللّه عليه و مشى إليه في جماعة من أهل بيته و صحبه فدخل عليه الفسطاط فوسع له عن صدر المجلس يقول ابن الحر: ما رأيت أحدا قط أحسن من الحسين و لا أملأ للعين منه و لا رققت على أحد قط رقتي عليه حين رأيته يمشي و الصبيان حوله و نظرت إلى لحيته فرأيتها كأنها جناح غراب فقلت له أسواد أم خضاب؟ قال: يا ابن الحر عجل عليّ الشيب فعرفت أنه خضاب.
لما استقر المجلس بأبي عبد اللّه حمد اللّه و اثنى عليه قال: يا ابن الحر إن أهل مصركم كتبوا إلى أنهم مجتمعون على نصرتي و سألوني القدوم عليهم و ليس الأمر على ما زعموا و إن عليك ذنوبا كثيرة، فهل لك من توبة تمحو بها ذنوبك؟
قال: و ما هي يا ابن رسول اللّه؟ فقال: تنصر ابن بنت نبيك و تقاتل معه.
فقال ابن الحر: و اللّه إني لأعلم أن من شايعك كان السعيد في الآخرة و لكن ما عسى أن اغني عنك و لم أخلف لك بالكوفة ناصرا فأنشدك اللّه أن تحملني على هذه الخطة فإن نفسي لا تسمح بالموت! و لكن فرسي هذه «الملحقة» و اللّه ما طلبت عليها شيئا قط إلا لحقته و لا طلبني أحد و أنا عليها إلا سبقته فخذها فهي لك.
قال الحسين: أما إذا رغبت بنفسك عنا فلا حاجة لنا في فرسك و لا فيك و ما كنت متخذ المضلين عضدا و إني أنصحك كما نصحتني إن استطعت أن لا تسمع صراخنا و لا تشهد وقعتنا فافعل فو اللّه لا يسمع و اعيتنا أحد و لا ينصرنا إلا اكبه اللّه في نار جهنم.
و ندم ابن الحر على ما فاته من نصرة الحسين عليه السّلام فأنشأ :
أيا لك حسرة ما دمت حيا تردد بين صدري و التراقي
غداة يقول لي بالقصر قولا أتتركنا و تعزم بالفراق
حسين حين يطلب بذل نصري على أهل العداوة و الشقاق
فلو فلق التلهف قلب حر لهمّ اليوم قلبي بانفلاق
و لو واسيته يوما بنفسي لنلت كرامة يوم التلاق
مع ابن محمد تفديه نفسي فودع ثم أسرع بانطلاق
لقد فاز الألى نصروا حسينا و خاب الآخرون ذوو النفاق
و في هذا الموضع اجتمع به عمرو بن قيس المشرفي و ابن عمه فقال لهما الحسين: جئتما لنصرتي قالا له: إنّا كثيرو العيال و في أيدينا بضائع للناس و لم ندر ماذا يكون و نكره أن نضيع الأمانة.
فقال لهما عليه السّلام: انطلقا فلا تسمعا لي واعية و لا تريا لي سوادا فإنه من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا فلم يجبنا أو يغثنا كان حقا على اللّه عز و جل أن يكبه على منخريه في النار.
قرى الطف
و لما كان آخر الليل أمر فتيانه بالاستقاء و الرحيل من قصر بني مقاتل و بينا يسيرون إذ سمع الحسين يقول: إنا للّه و إنا إليه راجعون و الحمد للّه رب العالمين و كرره فسأله علي الأكبر عن استرجاعه فقال: إني خفقت برأسي فعنّ لي فارس و هو يقول: القوم يسيرون و المنايا تسري إليهم فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا فقال علي الأكبر: لا أراك اللّه سوءا ألسنا على الحق؟ قال: بلى و الذي إليه مرجع العباد فقال: يا أبت اذن لا نبالي أن نموت محقين! فقال عليه السّلام: جزاك اللّه من ولد خير ما جزى ولدا عن والده.
و لم يزل الحسين يتياسر إلى أن انتهى إلى نينوى و إذا راكب على نجيب و عليه السلاح فانتظروه و إذا هو رسول ابن زياد إلى الحر معه كتاب يقول فيه:
جعجع بالحسين حين تقرأ كتابي و لا تنزله إلا بالعراء على غير ماء و غير حصن.
فقرأ الحر الكتاب على الحسين فقال له: دعنا ننزل نينوى أو الغاضريات أو شفية فقال الحر : لا استطيع فإن الرجل عين علي.
قال زهير بن القين: يا ابن رسول اللّه إن قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم فلعمري ليأتينا ما لا قبل لنا به فقال الحسين ما كنت أبدأهم بقتال، ثم قال زهير: ههنا قرية بالقرب منا على شط الفرات و هي في عاقول حصينة و الفرات يحدق بها إلا من وجه واحد قال الحسين: ما اسمها؟ فقال: تسمى «العقر» فقال عليه السّلام : نعوذ باللّه من العقر.
و التفت الحسين إلى الحر و قال: سر بنا قليلا فساروا جميعا حتى إذا وصلوا أرض كربلاء وقف الحر و أصحابه أمام الحسين عليه السّلام و منعوه عن المسير و قالوا :
إن هذا المكان قريب من الفرات، و يقال بينا هم يسيرون إذ وقف جواد الحسين و لم يتحرك كما أوقف اللّه ناقة النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم عند الحديبية فعندها سأل الحسين عن الأرض قال له زهير: سر راشدا و لا تسأل عن شيء حتى يأذن اللّه بالفرج إن هذه الأرض تسمى الطف فقال عليه السّلام: فهل لها اسم غيره؟ قال: تعرف كربلاء فدمعت عيناه و قال : اللهم أعوذ بك من الكرب و البلاء ههنا محط ركابنا و سفك دمائنا و محل قبورنا بهذا حدثني جدي رسول اللّه.
تاللّه لا أنسى و إن نسي الورى بالطف وقفة مهره المتسرع
أجواده هل قيدتك يد الردى حتى وقفت به وقوف تمنع
قد كنت أسرع من و ميض سحابة نزل البلا أسرعت أم لم تسرع
هلا تنكبت الطريق وحدت عن ذاك المضيق إلى الفضاء الأوسع
كيف اقتحمت به المهالك لا أبا لك كيف ذلك كيف لم تتمنع
أعظم بها من وقفة قامت بعر صتها قيامة أهل ذاك المجمع
أعظم بها من وقفة قد ضعضعت أركان عرش اللّه أي تضعضع
هي وقفة ليزيد منها وقفة يوما يقال لأحمد قم و اشفع
هي وقفة قد أعقبتها وقعة قد جرعتنا غصة لم تجرع
هي وقفة قعدت بآل محمد احزانها حتى يقوم المدعي
كربلاء
و كان نزوله في كربلاء في الثاني من المحرم سنة إحدى و ستين فجمع عليه السّلام ولده و اخوته و أهل بيته و نظر إليهم و بكى و قال: اللهم إنّا عترة نبيك محمد قد أخرجنا و طردنا و ازعجنا عن حرم جدنا و تعدت بنو أمية علينا ، اللهم فخذ لنا بحقنا و انصرنا على القوم الظالمين.
و اقبل على أصحابه فقال :
الناس عبيد الدنيا، و الدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء فل الديانون.
ثم حمد اللّه و اثنى عليه و صلى على محمد و آله و قال : أما بعد فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون و إن الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء و خسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون إلى الحق لا يعمل به و إلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء اللّه! فإني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما.
فقام زهير و قال: سمعنا يا ابن رسول اللّه مقالتك و لو كانت الدنيا لنا باقية و كنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الاقامة فيها.
و قال برير: يا ابن رسول اللّه لقد منّ اللّه بك علينا أن نقاتل بين يديك تقطّع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة.
و قال نافع بن هلال: أنت تعلم أن جدك رسول اللّه لم يقدر أن يشرب الناس محبته و لا أن يرجعوا إلى أمره ما أحب و قد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر و يضمرون له الغدر يلقونه بأحلى من العسل و يخلفونه بأمر من الحنظل حتى قبضه اللّه إليه و إن أباك عليا كان في مثل ذلك فقوم قد أجمعوا على نصره و قاتلوا معه الناكثين و القاسطين و المارقين حتى أتاه أجله فمضى إلى رحمة اللّه و رضوانه. و أنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة، فمن نكث عهده و خلع بيعته فلن يضر إلا نفسه و اللّه مغن عنه، فسر بنا راشدا معافى مشرّقا إن شئت أو مغرّبا فو اللّه ما أشفقنا من قدر اللّه و لا كرهنا لقاء ربنا و إنا على نياتنا و بصائرنا نوالي من والاك و نعادي من عاداك.
بأبي من شروا لقاء الحسين بفراق النفوس و الأرواح
وقفوا يدرأون سمر العوالي عنه و النبل وقفة الأشباح
فوقوه بيض الظبى بالنحور ال بيض و النبل بالوجوه الصباح
فئة إن تعاور النقع ليلا أطلعوا في سماه شهب الرماح
و إذا غنّت السيوف و طافت أكؤس الموت و انتشى كل صاح
باعدوا بين قربهم و المواضي و جسوم الأعداء و الأرواح
أدركوا بالحسين أكبر عيد فغدوا في منى الطفوف أضاحي
لست أنسى من بعدهم طود عز و أعاديه مثل سيل البطاح
و هو يحمي دين النبي بعضب بسناه لظلمة الشرك ماحي
فتطير القلوب منه ارتياعا كلما شد راكبا ذا الجناح
ثم لما نال الظما منه و الشمس و نزف الدما و ثقل السلاح
أوقف الطرف يستريح قليلا فرماه القضا بسهم متاح
فهوى العرش للثرى و ادلهمت برماد المصاب منها النواحي
حر قلبي لزينب إذ رأته ترب الجسم مثخنا بالجراح
أخرس الخطب نطقها فدعته بدموع بما تجن فصاح
يا منار الضلال و الليل داج و ظلال الرميض و اليوم ضاحي
كنت لي يوم كنت كهفا منيعا سجسج الظل خافق الأرواح
أترى القوم إذ عليك مررنا منعونا من البكا و النياح
إن يكن هينا عليك هواني و اغترابي مع العدى و انتزاحي
و مسيري أسيرة للأعادي و ركوبي على النياق الطلاح
فبرغمي أني أراك مقيما بين سمر القنا و بيض الصفاح
لك جسم على الرمال و رأس رفعوه على رؤوس الرماح
بأبي الواردون حوض المنايا يوم ذيدوا عن الفرات المباح
بأبي اللابسون حمر ثياب طرزتهن سافيات الرياح
ثم إنه عليه السّلام اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى و الغاضرية بستين ألف درهم و تصدق بها عليهم و اشترط عليهم أن يرشدوا إلى قبره و يضيفوا من زاره ثلاثة أيام ، و كان حرم الحسين عليه السّلام الذي اشتراه أربعة أميال في أربعة أميال، فهو حلال لولده و لمواليه و حرام على غيرهم ممن خالفهم و فيه البركة، و في الحديث عن الصادق عليه السّلام أنهم لم يفوا بالشرط.
و لما نزل الحسين عليه السّلام كربلاء كتب إلى ابن الحنفية و جماعة من بني هاشم: أما بعد فكأن الدنيا لم تكن و كأن الآخرة لم تزل و السلام.
__________________
(1) هذا شيء يجب أن ننبه له و هو أن ابن عباس لم يكن بالمنزلة العالية ليكون محلا لتلقي العلوم الغريبة كحبيب بن مظاهر و رشيد الهجري و عمرو بن الحمق و حجر بن عدي و كميل بن زياد و ميثم التمار، فإنهم كانوا على جانب كبير من التبصر في الأمور و وصلوا إلى حق اليقين، فلم يعبأوا بكل ما يجري عليهم من الفوادح و التنكيل لذلك لم يعدموا من أمير المؤمنين عليه السّلام الحبوة بايقافهم على الحوادث و الملاحم و ما تملكه الجبابرة و العلوم الغريبة!! نلمس ذلك من المحاورة الدائرة بين حبيب بن مظاهر و ميثم التمار من إخبار كل منهما الآخر بما يجري عليه من القتل في نصرة أهل البيت عليهم السّلام، فكذبهما من لم يفقه الأسرار الالهية من بني أسد و لما جاء رشيد الهجري يسأل عنهما قيل له افترقا و كان من أمرهما كذا و كذا فقال: رحم اللّه ميثما لقد نسي أنه يزداد في عطاء الذي يأتي برأس حبيب مئة درهم ثم ادبر! فقال القوم هذا و اللّه أكذبهم، و لم تذهب الأيام حتى وقع كل ذلك! صلب ميثم بالقرب من دار عمرو بن حريث و قتل حبيب مع الحسين عليه السّلام و قطع ابن زياد يدي رشيد الهجري و رجليه و لسانه كما أخبره أمير المؤمنين عليه السّلام «راجع رجال الكشي ص 51 و ما بعدها طبع الهند». و على هذا فابن عباس و غيره أقل رتبة من هؤلاء الافذاذ و من شهداء الطف، مهما نعترف له بالموالاة الصادقة لأمير المؤمنين و ولده الأطهار. فإن حديثه مع ميثم التمار يرشدنا إلى عدم بلوغه تلكم المنازل العالية التي حواها ميثم و أمثاله ... ففي رجال الكشي ص 54 أن ابن عباس اجتمع مع ميثم بالمدينة، فقال ميثم سل يا ابن عباس ما شئت من تفسير القرآن فلقد قرأت تنزيله على أمير المؤمنين عليه السّلام فعلمني تأويله، فأخذ ابن عباس القرطاس ليكتب فقال له ميثم: كيف بك لو رأيتني مصلوبا على خشبة تاسع تسعة أقربهم من المطهرة فتعجب ابن عباس من هذا العبد الأسود المخبر عن الغيب، فرمى القرطاس و قال إنك تكهن عليّ، فقال ميثم: يا ابن عباس احتفظ بما سمعت مني فإن يكن حقا امسكته و إن يكن باطلا خرقته فكتب ابن عباس عن ميثم ما وعاه عن أمير المؤمنين من تفسير القرآن.
و على هذا فما يتحدث به ابن الابار في تكملة الصلة ج 2 ص 600 طبعة ثاني من أن ابن عباس كان يقول: لو فسرت «الحمد للّه رب العالمين» على كنهه ما حملت إبل الأرض كتب تفسيرها لا نصيب له من الصحة و هو من موضوعات دعاة بني العباس، أرادوا به المقابلة لقول سيد الأوصياء المروي في إحياء العلوم للغزالي ج 1 ص 260 (فصل القرآن الباب الرابع) في التفسير بالرأي، و علم القلوب لأبي طالب المكي ص 72 و الاتقان للسيوطي ج 2 ص 186 النوع 28 فيما يرجع إلى تفسير القرآن، و المحجة البيضاء للفيض الكاشاني ج 1 ص 251 في التفسير بالرأي: أن أمير المؤمنين قال: لو شئت لاوقرت-- سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب.
و في سعد السعود لابن طاووس ص 284 نقلا عن العلم اللدني للغزالي: أنه عليه السّلام قال: لو أذن اللّه لي و رسوله لشرحت ألف الفاتحة حتى يبلغ أربعين جملا! و حكاه في البحار ج 9 ص 227 و ص 463 طبع كمبني و لا غرابة ممن هو النقطة تحت باء البسملة! ففي مقدمة تفسير القرآن للشيخ محمد حسين الأصفهاني روى عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال: كل ما في القرآن في الحمد و كل ما في الحمد في البسملة و ما في البسملة في الباء و ما في الباء في النقطة، و أنا النقطة تحتها .. و في العنايات الرضوية تكلم في شرحه ص 119.