«إني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلّا برما» أبو عبد اللّه الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء
لو كان بدري يوم عاشوراء ما كان يجري فيه من بلاء
ما لاح فجره و لا استنارا و لا اضاءت شمسه نهارا
سوّد حزنا أوجه الأيام و أوجه الشهور و الأعوام
اللّه ما أعظمه من يوم أزال صبري و اطار نومي
اليوم أهل آية التطهير بين صريع فيه أو عفير
اليوم قد مات الحفاظ و الوفا اليوم كاد الدين يقضي اسفا
اليوم نامت أعين الأعداء و سهدت عيون ذي الولاء
ويلي و هل يجدي حزينا ويل لأضلع تدوسهن الخيل
و أرؤس على الرماح ترفع و جثث على الصعيد توضع
و ثاكل تبدو من الخدور تعج بالويل و بالثبور
و مرضع ترنو إلى رضيع على التراب فاحص صريع
و نسوة تسبى على النياق حسرى تعاني ألم الفراق
أهم شيء لذوي الولاء أن يجلسوا للنوح و العزاء
فيه تقام سنن المصاب و الترك للطعام و الشراب «1»
لقد مر هذا اليوم على آل محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم و كله شجا مترامي الأطراف أثرت فجائعه في القلوب فأذابتها و في المدامع فأدمتها فلا تسمع فيه إلا صرخة فاقد و زفرة ثاكل و حنة محزون و لا تبصر إلا كل أشعث قد انهكه ألم المصاب و مغبر يذري على رأسه التراب إلى لادم صدرا و صاك جبهته و قابض على فؤاده و صافق بيده الأخرى و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى لكن لوعة المصاب أليمة و كوارثه عظيمة و لو يكشف لك عن الملأ الأعلى لسمعت لعالم الملكوت صرخة وحنة و للحور في غرف الجنان نشيجا و نحيبا و لأئمة الهدى بكاء و عويلا.
و لا بدع فالفقيد فيه عبق الرسالة و ألق الخلافة و اكليل تاج الإمامة و هو سبط المصطفى و بضعة فاطمة الزهراء و فلذة كبد الوصي المرتضى و شقيق السبط المجتبى و حجة اللّه على الورى. نعم هو الآية المخزونة و الرحمة الموصولة و الأمانة المحفوظة و الباب المبتلى به الناس.
فمصابه يقل فيه البكاء و يعز عنه العزاء! فلو تطايرت شظايا القلوب و زهقت النفوس جزعا لذلك الحادث الجلل لكان دون واجبه أو ترى للحياة قيمة و المؤدى به هو ذلك العنصر الحيوي الزاكي، و ما قدر الدمع المراق و الموتور ثار اللّه في الأرض أو يهدأ الكون و الذاهب مرساه و منجاه في مسراه و هل ترقأ العين و هي ترنو بالبصيرة إلى ضحايا آل محمد مجزرين على وجه الصعيد مبضعة أجسادهم بين ضريبة للسيوف و دريئة للرماح و رمية للنبال و قد قضوا و هم «رواء الكون» ظماء على ضفة الفرات الجاري تلغ فيه الكلاب و تشرب منه وحش الفلا غير أن آل محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم محلأون عنه، و للمذاكي «عقرن فلا يلوى لهن لجام» تجوال على تلك الصدور الزواكي و لصدر الحسين حديثه الشجي:
و أعظم خطب أن شمرا له على جناجن صدر ابن النبي مقاعد
فشلت يداه حين يفري بسيفه مقلد من تلقى إليه المقالد
و أي فتى أضحت خيول أمية تعادى على جثمانه و تطارد
فلهفي له و الخيل منهن صادر خضيب الحوافي في دماه و وارد «2»
فاللازم على الموالي المتأسي بالنبي الأعظم الباكي على ولده بمجرد تذكر مصابه «3» أن يقيم المأتم على سيد الشهداء و يأمر من في داره بالبكاء عليه و ليعزّ بعضهم بعضا بالحسين فيقول كما في حديث الباقر عليه السّلام:
عظم اللّه اجورنا و اجوركم بمصابنا بالحسين و جعلنا و اياكم من الطالبين بثأره مع وليه المهدي من آل محمد عليهم السّلام «4»
دخل عبد اللّه بن سنان على أبي عبد اللّه الصادق عليهم السّلام في يوم عاشوراء فرآه كاسف اللون ظاهر الحزن و دموعه ننحدر على خديه كاللؤلؤ فقال له: مم بكاؤك يا ابن رسول اللّه قال عليه السّلام: أوفي غفلة أنت أما علمت أن الحسين أصيب في هذا اليوم ثم أمره أن يكون كهيئة أرباب المصائب يحلل أزراره و يكشف عن ذراعيه و يكون حاسرا و لا يصوم يوما كاملا و ليكن الافطار بعد العصر بساعة على شربة من ماء ففي ذلك الوقت تجلت الهيجاء عن آل محمد ثم قال عليه السّلام: «لو كان رسول اللّه حيا لكان هو المعزى به» «5».
و أما الإمام الكاظم فلم ير ضاحكا أيام العشرة و كانت الكآبة غالبة عليه و يوم العاشر يوم حزنه و مصيبته.
و يقول الرضا عليه السّلام: فعلى مثل الحسين فليبك الباكون إن يوم الحسين أقرح جفوننا و أذل عزيزنا بأرض كرب و بلاء.
و في زيارة الناحية يقول حجة آل محمد عجل اللّه فرجه.
«فلأندبنك صباحا و مساء و لأبكين عليك بدل الدموع دما».
و بعد هذا أفلا يجب علينا أن نخرق ثوب الأنس و نتجلبب بجلباب الحزن و البكاء و نعرف كيف يجب أن نعظم شعائر اللّه باقامة المأتم للشهيد العطشان في العاشر من المحرم!!؟
اليوم دين الهدى خرت دعائمه و ملة الحق جدت في تداعيها
اليوم ضل طريق العرف طالبه و سد باب الرجا في وجه راجيها
اليوم عادت بنو الآمال متربة اليوم بان العفا في وجه عافيها
اليوم شق عليه المجد حلته اليوم جزت له العليا نواصيها
اليوم عقد المعالي ارفض جوهره اليوم قد أصبحت عطل معاليها
اليوم أظلم نادي العز من مضر اليوم صرف الردى أرسى بواديها
اليوم قامت به «الزهراء» نادبة اليوم «آسية» وافت تواسيها
اليوم عادت لدين الكفر دولته اليوم نالت بنو هند أمانيها
ما عذر أرجاس هند يوم موقفه و المصطفى خصمهم و اللّه قاضيها
ما عذرها و دما أبنائه جعلت خضاب أعيادها في راح ناديها «6»
____________________
(1) المقبولة الحسينية ص 62 لحجة الإسلام آية اللّه الشيخ هادي آل كاشف الغطاء قدس اللّه سره.
(2) للشيخ جعفر الخطي كما في الدر النضيد ص 93.
(3) الخصائص للسيوطي ج 2 ص 125 و اعلام النبوة للماوردي ص 83.
(4) كامل الزيارات ص 175 و مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص 39.
(5) مزار ابن المشهدي من أعلام القرن السادس.
(6) في شعراء الحلة ج 5 ص 540 أنها للشيخ هادي النحوي المتوفى سنة 1225 ه.