ما هي أبرز مظاهر عادات الشعائر الحسينيّة ؟
هناك مجموعة ممارسات لشيعة أهل البيت (عليهم السّلام) يبدون التقيّد بها في أيام المواسم العزائيّة ونراها ظاهرة وجليّة في المواكب العزائيّة :
أوّلاً : استحباب الحداد
التفرّغ من أجل إحياء أمر أهل البيت (عليهم السّلام) هو أمر استحبابي ؛ ولأجل التعبير عن الحزن والأسى لما جرى عليهم من ضيم نعلن مواساتنا للنبي الأكرم محمّد (صلّى الله عليه وآله) ولأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ولفاطمة الزهراء (عليها السّلام) ولباقي الخيرة المعصومين إلى آخرهم القائم المهدي (عجّل الله تعالى فرجه وأرواحنا لتراب مقدمه الفداء) .
ففي تاسوعاء وعاشوراء نتقيّد بالحداد العام ونعطّل عن الأعمال من أجل المشاركة في مراسيم العزاء وإحياء هذه الشعيرة المقدّسة وهذا أقلّ ما نستطيع أن نقوم به كموالين لأهل البيت (عليهم السّلام) .
ثانياً : لبس السواد ونزع الزينة
بلا شك أنّ السواد هو شعار الحداد وهو يرمز إلى الجزع والكآبة والحزن على مصاب ذرّيّة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وكلّ جزع مكروه إلاّ الجزع والحزن على الإمام الشهيد (عليه السّلام) فهل يُعقل من المعزي أن يتظاهر بأفخر الثياب والزينة وحجّة الله مولاه الحسين (عليه السّلام) في يوم عاشوراء جرّدوه الأعداء اللئام من ثيابه وتركوه عارياً حيث بقي على رمضاء كربلاء ثلاثة أيام بلا غسل ولا دفن ؟!
ولو لم يكن لنا من مصيبته إلاّ هذه المصيبة الأليمة لكفتنا أن نملأ الأرض كلّها بالسواد ونتجلبب بالسواد لتخليد ذكراه .
ثالثاً : اللطم على الصدور والرؤوس
جميع الفقهاء سواء القائلون بالحرمة وغيرهم اتفقوا على جواز اللطم والجزع على سيد الشهداء (عليه السّلام) : ( كلّ جزع مكروه إلاّ على الحسين (عليه السّلام) .
ورد من جملة وقائع كربلاء أنّ أهل البيت (عليهم السّلام) بعد عودتهم من السبي التقوا مع جابر الأنصاري وجمع من بني هاشم . يقول ابن طاووس في تصوير المشهد : فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم .
هذا اللقاء العفوي والطبيعي رافقه ردّ فعل شعبي عام تمثّل باللطم وهذا الأمر كان متعارفاً في العصور المختلفة وقد كان على مرأى ومسمع من الأئمّة (عليهم السّلام) الذين لم يردعوا عنه كما ردعوا عن الجزع واللطم والتفجّع على الأخ والأب والقريب . فاللطم مظهر مقدّس في سبيل إحياء ذكريات المعصومين المظلومين (عليهم السّلام) وتتفرّع منه عناوين كثيرة من جملتها :
1 ـ الترويج لأهل البيت (عليهم السّلام) .
2 ـ إحياء ذكرى عاشوراء وإبقاؤها حيّة في النفوس .
3 ـ إظهار الجزع على الحسين (عليه السّلام) كما ورد في المعتبرة .
4 ـ إظهار مظلومية آل النبي (صلّى الله عليه وآله) .
وهذه العناوين معترف بها فقهياً وتوجب رجحان متعلّقاتها ومنها اللطم على الصدور وهو من أبرز مظاهر الشعائر الحسينيّة في المواكب العزائيّة .
اللطم جائز بل مستحب ؛ للحديث الشريف : على مثل الحسين فلتلطم الخدود ولتُخمش الوجوه. ولقد لطمنَ الفاطميات (عليهنَّ السّلام) .
كلّنا ندرك أنّه تعظيماً لشعائر الله نحن نلطم على صدورنا ؛ ولأنّ الصدر هو موقع ما داس الشمر اللعين على أمامنا الحسين (عليه السّلام) .
رابعاً : ضرب الظهر بالزنجيل
هذا اللون من العزاء يعبّر عن مدى تفاعل المعزّين في الموكب العزائي ويعبّر عن مدى الأشجان التي تختلج في الصدور الملتهبة وهي تحمل في داخلها ثقل المأساة الكربلائيّة ؛ فليس اللطم وحده هو الذي يعبّر عن حجم ثقل مصائب المعصومين (عليهم السّلام) وإنّما في عقيدة الموالين إشراك جميع أبدانهم بما فيها الظهر يفدون بذلك سبط النبي المذبوح .
والزنجيل يُضفي على المسيرة العزائيّة الحماس الجماهيري والتفاعل العاطفي كذلك لا يختصر على سن معين من المعزّين بل يشترك فيه مختلف الأعمار في إطار دائرة الموكب الحسيني حيث يشترك فيه الشيخ المسن والشاب اليافع والأطفال الصغار بمختلف أعمارهم .
أيضاً عزاء الزنجيل يُعطي للموكب العزائي خصوصية خاصة في تلحين القصائد الرثائيّة التي ينشدها ويردّدها الرواديد بأصوات حزينة ومؤثّرة .
وهذا اللون من العزاء قد يتعجّب منه سائر الناس من أصحاب الفرق والأديان والمذاهب المتعددة دون المذهب الإمامي أمّا نحن الإماميّة فقد تعوّدنا على هذه المشاهد منذ طفولتنا وسنحيي هذه الشعيرة بقوة وبحماس وبدون تردد وسيبقى عزاء الزنجيل شعيرة دينية يواسي بها عشاق الولاية مصاب أهل البيت (عليهم السّلام) في كلّ زمان ومكان .
خامساً : التطبير وضرب القامة بالسيف
هذا الشكل من العزاء المهيب والمثير والرهيب جعل العالم بأسره يهتزّ من أعماقه ؛ منهم مَنْ وقف موقف من الشيعة وقال فيهم : مجانين ومنهم مَنْ وقف من الشيعة وقال : هؤلاء الذين يدمون رؤوسهم أصحاب بدع وخرافات ومنهم مَنْ وقف من الشيعة موقف المحايد ولم يبتّ برأي في التطبير ؛ حفاظاً على العلاقة والصداقة .
ومن الناس مَنْ وقف موقف المعادي والحاقد على الشيعة ومذهبهم كالنواصب والوهابيِّين والآخر من جماهير الاُمّة مَنْ وقف موقف المتعاطف ويقول : شيعة أهل البيت (عليهم السّلام) لا يلامون وإمامهم الذي يقتدون به هو ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد مثّل به الاُمويّون شرّ تمثيل وأراقوا دمه الطاهر فهم يجرحون رؤوسهم ؛ وفاء للتضحية الجسيمة التي قدّمها لأمّة جدّه محمّد (صلّى الله عليه وآله) وشيعة أبيه علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ولِما قدّمه لإحياء الدين .
هذه المواقف المتعدّدة والمغايرة في عزاء التطبير المعادية منها والمتعاطفة والمؤيدة كلّها تصبّ في مشروعية هذا النوع من العزاء الدامي من حيث مشروعيته وعدم مشروعيته .
إنّي في هذا المقام ليس في صدد تناول فتاوى الفقهاء العظام ؛ مَنْ أفتى بالحرمة ومَنْ أفتى بالجواز أعتقد أنّ مسألة التطبير مسألة خلافية واضحة بين فقهائنا (رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين) ففي هذا الشأن كلّ منّا يتبع مقلّده ويلتزم بفتواه ونعزّي الحسين (عليه السّلام) بنيّة خالصة .
وفي هذا الصدد أضمّ صوتي مع صوت اُستاذي سماحة الشيخ فوزي آل سيف (حفظه الله تعالى) حيث ردّ على سؤال السائل وقال : التطبير (جرح الرأس بالسيف) والضرب بالسلاسل وإدماء الظهر ما وقع فيه الاختلاف (مشروعية أو استحباباً) ؛ سواء كان ذلك بالعنوان الأولي أو العناوين الثانوية الطارئة .
ثمّ تابع القول سماحة الشيخ وقال : إنّ شعائر الحسين (عليه السّلام) على اختلاف طرقها وأساليبها يوجد بينها قاسم مشترك والقاسم المشترك بينها كما يفترض هو أن تساهم في إحياء أمر أهل البيت (عليهم السّلام) وإن اختلف البعض في أنّ هذا يساهم أو لا يساهم في إحياء أمرهم لكن غرضها الأقصى والقاسم المشترك بينها هو الإحياء فلا يصح أن يحوّلها أتباع أهل البيت (عليهم السّلام) إلى ساحة معارك داخليّة تنتهي إلى إضعاف أمر أهل البيت (عليهم السّلام) .
نعم يا أحباب أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) إنّ هذا الطرح الوسطي المعتدل يجعلنا نحيي الشعيرة الحسينيّة المقدّسة بما فيها مسيرة الموكب العزائي ونحن بتمام الثقة والاطمئنان إنّ لطمنا وعزاءنا وكلّ شيء نقدّمه لأهل البيت (عليهم السّلام) فهو مقبول لديهم إنشاء الله تعالى .
لكن الشيء الذي يؤسفني ويؤسف كلّ محبّ لأهل البيت (عليهم السّلام) هو لماذا يقف البعض موقف المتشنّج والمتعصّب وكأنّه يريد أن يلغي عزاء التطبير من قائمة الوجود وفي مصلحة مَنْ إبداء هذه المعارضة ؟
أقول : أنت مرجعك الذي تقلّده لا يجوّز التطبير ابقى يا أخي على تقليدك واحتفظ بإخوّتك وصداقتك مع إخوانك الذين مرجعهم يجوّز التطبير وهذا هو المطلوب . ولو راجعنا أنفسنا قليلاً لوجدنا بأننا كلّنا نسير على هدف واحد وتحت راية واحدة وهي راية المراجع العظام وتحت قيادة الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) .
وفكّروا أيّها الأحبّة في أسرار هذا الكون بعد استشهاد أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) ستلاحظون أنّ الكون بما فيه من أفلاك بكى عليه (عليه السّلام) بل السماء لأجله أمطرت دماً ولم تجد في ذلك اليوم حجراً إلاّ وتحته دماً عبيطاً هذا ما ورد في النصوص التاريخيّة .
ورد في مقتل الحسين لأبي مخنف قال : لمّا قُتل الحسين (عليه السّلام) أمطرت السماء دماً فأصبحت الحباب والجرار وكلّ شيء ملآن دماً ولم يُرفع حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط . ولمّا دخل الرأس المقدّس إلى قصر الإمارة سالت الحيطان ومطرت السماء دماً .
أيّها الأحبّة ينبغي لنا أن نقف عند هذا النص ونتأمّل كيف أنّ السماوات والأرضين بكت الحسين (عليه السّلام) دماً فنحن لماذا نستكثر على أبيّ الضيم ذلك ولا نُعطي اليسير البسيط من دمائنا ونحن نعبّر عن عواطفنا تجاه مظلوميته ؟ فدعوا الذي يستاء من مشهد عزاء التطبير يستاء ولو أنفقنا ما في الأرض ذهباً لم ولن يغيّروا مواقفهم الشاذة والمتصلّبة ضدّنا وضدّ مذهبنا .
دعك عن الفتاوى المتعدّدة الأوجه التي يثيروها بين الحين والآخر في تكفيرنا وإباحة دمائنا . إذاً لماذا المحاباة وهشاشة الموقف أمام هذه الفئات الضالّة المضلّة التي ما عرفت من الدين إلاّ التكفير والبدع والشرك والتعنيف ؟!
ثمّ هل من المعقول أن نضرب بفتاوى فقهائنا ونتخلّى عن مبدئنا ومعتقدنا من أجل خاطر فلان من الناس وهو حاقد وناقم على عزائنا من أساسه ويقول : إنّ عزاء الشيعة على الحسين (عليه السّلام) كلّه بدعة من بدع الضلال ؟!
وأيّ وحدة تقوم بيننا وبينهم وكبار علمائهم يجوّزون ويباركون تفخيخ السيارات ويترصّدون لأتباع أهل البيت (عليهم السّلام) في كلّ مكان ويفجّرونها في أوساطهم ويهلكون الحرث والنسل ويذبحون العلماء والكبار والصغار والنساء ويهدمون بيوت الله ومقدّساتنا ويخربوها ؟!