ان الشيعة الأمامية الذين اظهروا حبهم وولاءهم لأهل البيت استجابة لقوله تعالى {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] أخرج الإمام أحمد والطبراني والحاكم عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال لما نزلت هذه الآية قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: علي وفاطمة وابناهما واكباراً لمقامهم لقوله تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]روى الترمذي عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وآله قال: لما نزلت هذه الآية انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت في بيت أم سلمة رضي الله عنها دعا فاطمة وحسناً وحسيناً وجللهم بكساء وعلي خلف ظهره ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
هؤلاء الشيعة يسجدون على قطع من الأرض مقولبة يحملونها معهم والتربة الحسينية وهي عبارة عن تراب اخذ من أرض كربلاء الشاسعة المترامية الأطراف للسجود عليها لا كما يظن البعض انها من تراب مزج بدم الإمام الحسين عليه السلام ولكن هذه الإضافة اكسبتها شرافة كالإضافة إلى سائر المقامات العالية وجرى العقلاء على الاهتمام بهذه الأمور الاعتبارية والشيعة الإمامية اعتادوا السجود على التربة الحسينية حيث اجتمعت فيها كل الشروط التي يجب توافرها في مسجد الجبهة من طهارة واباحة الى آخر الشروط المقررة في الموسوعات الفقهية وقد اجمع فقهاء الأمة الإسلامية على أن السجود على الأرض هو الأفضل فحملها البعض منهم معه رعاية للاحتياط وحرصاً على الأفضلية لأن البيوت اليوم والأماكن العامة كسيت أرضيتها بأبسطة قطنية أو بالسجاد الصوفي أو مسقلبة أو معبدة بما يخرجها عن كونها أرضاً فيقع المصلي بين محذورين إما فوات الأفضلية أو بطلان الصلاة كما سيأتي، ولم يكن السجود على التربة عند الشيعة من الواجبات في الصلاة ولذا نراهم في المسجد الحرام وفي مسجد الرسول (صلى الله عليه واله) يسجدون على قاع المسجد لأن أرضية المسجدين الشريفين مبلطة بالحجر الطبيعي أو مفروشة بالحصى وكل منهما يسمى أرضاً ويصح السجود عليه ولكن من المؤسف أن بعض اخواننا المسلمين يرمي الشيعة بالشرك والمروق عن الدين لسجودهم على هذه القطعة من الأرض وقد قال تعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94] .
فكيف بمن يشهد الشهادتين ويؤدي الصلوات الخمس ويحج البيت الحرام إلى آخر فروع الدين وهل أن الاختلاف في الفروع الفقهية يوجب الخروج عن الدين والكفر بسنة سيد المرسلين في حين نرى أن المذهب الواحد قد يختلف فقهاؤه في كثير من الفروع الفقهية لأن كل فقيه يفتي بما يؤدي اليه نظره وما أدى إليه نظره فهو حكم الله الظاهري في حقه وهكذا بالنسبة إلى الفقيه الآخر ولا نرى أن أحدهما يكفر صاحبه بل قالوا من أخطأ فله حسنة ومن أصاب فله عشر حسنات والشيعة الإمامية تضع جباهها على التربة الحسينية لأنها أرض طبيعية والأرض أفضل المساجد وقد صح عن الرسول الكريم (صلى الله عليه واله) انه قال جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ولو كان الشيعة يسجدون لها لكانوا يسجدون دونها لا أن يضعوا جباههم عليها وهناك فرق بين السجود لها والسجود عليها وليس كل مسجود عليه معبوداً والا لكان الساجد على البساط ساجداً له والساجد على السجاد عابداً له وهكذا … في حين لا يقول بذلك أحد وما أفاده العلامة المغفور له الشيخ عبد الحسين الأميني طاب ثراه (مؤلف موسوعة الغدير الكبرى) في محاضرة القاها في سوريا وهي التي بين يديك ـ قارئي العزيزـ يغني طالب الحقيقة ومن أراد أن يطلع على هذه المسألة الفقهية الهامة وقد خاض قدس سره في كل المسانيد والصحاح وأمهات الكتب الفقهية ثم عرض علينا في محاضرته هذه زبد هذا المخاض من الأحاديث الواردة في هذا الباب وناقشها مناقشة علمية ينجلي فيها الريب عن كل من له قلب أو القى السمع وهو شهيد وصنّف ما ورد من أحاديث في السجود إلى ثلاثة أقسام السجود على الأرض السجود على النبات كالحصير والفحل (حصير كبير مصنوع من سعف النخل) والخمرة (حصير صغير من سعف النخل يتخذ للصلاة) السجود على الثياب القطنية أو الصوفية، وسلط الأضواء على هذا القسم الثالث وكانت روايات هذا القسم يفسرها ظرفها حيث كانت جميعها الاّ ما شذ صريحاً في أن السجود على الثوب كان اما في صيف قائظ شديد الحر أو في برد قارس يتعذر أو يتعسر مباشرة المصلين فيه للأرض اللاهبة أو القارسة وقاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام لها الحكومة على سائر الأدلة كما يقول الفقهاء وما ينجم عنه الضرر يحرم فعله ومن هذا نعلم أن السجود على الصوف أو القطن اختياراً يوقع المسلم في حيرة من أمره لأن ذلك لا يجوز على اساس أن العبادات توقيفية فالتعدي عنها الى غيرها ادخال ما ليس من الدين في الدين وهو بدعة محرمة وأمر محدث وقد ورد عنه (صلى الله عليه واله) شر الأمور محدثاتها وسوف يأتي تفصيل ذلك. وهناك فيض من روايات جاءت في كراهة نفخ موضع السجود غصت بها كتب الحديث تفيدنا أن المسلمين ما كانوا يسجدون على غير الارض وغير الحصر النباتية واليك قارئي الكريم بعضاً منها … فقد أورد الإمام مالك بن أنس في الموطأ قال ( حدثني يحيى عن مالك عن أبي جعفر القاريء أنه قال رأيت عبد الله ابن عمر اذا هوى ليسجد مسح الحصباء لموضع جبهته مسحاً خفيفاً). وأورد أيضاً قال (حدثني مالك عن يحيى بن سعيد انه بلغه أن أبا ذر كان يقول مسح الحصباء مسحة واحدة وتركها خير من حمر النعم) . والملاحظ في هذين الحديثين الالتزام بالسجود على الارض وأورد أيضاً الحافظ عبد العظيم المنذري في كتابه الترغيب والترهيب من الحديث الشريف في السجود على الحصى وكراهة نفخ موضع السجود نورد بعضاً منها.
1 ـ قال (عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه واله) اذا قام احدكم في الصلاة فان الرحمة تواجهه فلا تحركوا الحصى رووه كلهم من رواية ابي الأحوص عنه).
2ـ وعن معيقب أن النبي (صلى الله عليه واله) قال ( لا تمسح الحصى وانت تصلي فان كنت لابد فاعلا فواحدة (تسوية الحصى ) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابو داود وابن ماجة ) .
3 ـ وعن جابر رضي الله عنه قال سألت النبي عن مسح الحصى في الصلاة فقال : واحدة ولئن تمسك خير لك من مئة ناقة كلها سود الحدق رواه ابن خزيمة في صحيحه) .
4 ـ وعن ابي صالح مولى طلحة رضي الله عنه قال كنت عند ام سلمة زوج النبي فأتى ذو قرابتها شاب ذو حجة فقام يصلي فلما اراد أن يسجد نفخ فقالت لا تفعل فان رسول الله (صلى الله عليه واله) .
كان يقول لغلام لنا أسود يا رباح ترب وجهك رواه ابن حيان في صحيحه .
ومن مجموعة روايات كراهة النفخ وما اكثرها جاء ذكر السجود على الأرض فيها في حين كان السجود بأماكن خاصة وأماكن عامة فمثلاً هذا الشاب قرابة أم سلمة الذي جاء ضيفاً إلى بيت رسول الله وعادة كما قيل ولكل قادم كرامة فلم لم تفرش له أم سلمة أجود بساط عندها ؟ ولا اعتقد ان أم سلمة تفتقد وجود بساط في بيتها ولو كانت صلاته بالمسجد لقلنا إن المسجد فرش بالحصى وكل المسلمين يسجدون عليه أما والشاب يصلي في بيت أم سلمة فلا يمكن أن يأتي هذا الافتراض ومع هذا تنهاه أم سلمة عن نفخ موضع سجوده وتريده أن يضع جبهته على الحصى ومع غباره والذي يقال في المقام ان الذين وفقهم الله لاستقصاء أحاديث السجود الواردة في مظانها وسبر المسانيد والموسوعات الفقهية لم يوافونا ولا بحديث واحد صريح في ان رسول الله (صلى الله عليه واله) أو أحد أصحابه المكرمين سجد على بساط من القطن أو الصوف.. إذن والحالة هذه يتبين لنا أنه لا يجوز السجود.
على الصوف ولا على القطن ولا على أي شيء سوى الأرض وما انبتت ما لم يؤكل أو يلبس وعلى القرطاس دون غيرها والعبادات (قارئي الكريم) توقيفية يقتصر على فيها مورد النص وفعل الرسول (صلى الله عليه واله) وقوله هو سنة بمثابة نص قرآني نعم قد يستفاد من بعض الاحاديث أن بعض الصحابة سجد على ثياب وقد تقدم انه يجوز ذلك عند الضرورة والضرورات تبيح المحظورات ، كما وقد أورد عمدة القارئ شرح صحيح البخاري للشيخ بدر الدين العيني تعليقاً على حديث الخمرة قال (الرابع جواز الصلاة على الحمرة من غير كراهة) وعن ابن المسيب (الصلاة على الخمرة سنة) وقد فعل ذلك جابر وأبو ذر وزيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهم … وكانت سيرة الشيعة الإمامية العمل بالأفضل لذا يسجدون على تربة تصنع من أرض طابت وطهرت والأرض تشقى وتسعد يأخذونها من أرض كربلاء لما ورد عنه (صلى الله عليه واله) (حسين مني وأنا من حسين) و(الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) وقد قضى الحسين مجاهداً عندما رأى أن الرذيلة استولت على الفضيلة والمادية على الروحية والعدالة ذبيحة والحق صريع وقد طغى على العالم الاسلامي استبداد أموي فنهض هو وأهل بيته وصحبه الغر الميامين لتصحيح المسار والعودة بالإسلام الى منابعه الأصيلة حتى تساقطوا صرعى في هذه البقعة الشريفة التي منها يأخذ الشيعة التربة فهي اذن توحي للمسلم الجهاد في سبيل الله والدفاع عن حياض العقيدة والجهاد باب من ابواب الجنة والجنة تحت ظلال الأسنة.
وورد في تفسير الآية الكريمة {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] عن الجلال السيوطي في الدر المنثور في تفسير هذه الآية قال (قال رسول الله (صلى الله عليه واله) أن بيت النبي وبيوت أهل بيته من أفاضلها واعلاها) فاكتسبت الأرض شرافة بالاجسام الطاهرة الثاوية في رحابها والمكان بالمكين كما قيل وقد ورد في الذخائر القدسية في زيارة خير البرية أن المسلمين كانوا يستشفون بتربة حمزة بن عبد المطلب وتربة صهيب الرومي قال ما نصه (من ذلك الاستشقاء بتربة حمزة وتربة صهيب اللذين استثنيا من حرمة نقل تراب الحرم المدني إلى غيره فيجوز نقلها كما سننبه على ذلك … أما الأول فهو مجرب للصداع وأما الثاني فقد جربه العلماء للشفاء من الحمى شرباً وغسلاً لكن الشرب هو الوارد في حديث ابن النجار وغيره لما أصابت بني الحرث قال لهم النبي (صلى الله عليه واله) أين انتم من تراب صهيب قالوا وما نصنع به قال تجعلونه في الماء إلى آخر الحديث) ومن المعلوم أن مقام الحسين عليه السلام أجل واسمى من مقام الحمزة وصهيب رضوان الله عليهما عند الله وعند رسوله للاحاديث الواردة فيه من الرسول العظيم والتي تشيد بذكره وعلو مكانته . ولقائل أن يقول لماذا لم يحمل معهم الصحابة والسلف الصالح تربة من أرض الحرمين الشريفين في سفرهم و حضرهم نقول في جواب ذلك بما ذكره صاحب الذخائر القدسية من حرمة نقل تراب الحرم المدني وطبعاً الحرم المكي بطريق أولى فقد أورد رضوان الله عليه (أن لا ينقل معه شيئاً من حجارة حرم المدينة وترابها فان ذلك حرام عند أئمتنا ولو الى مكة وان نوى رده اليه كما في التحفة نعم استثنوا من ذلك نقل تراب احتيج اليه للدواء كتراب مصرع حمزة رضي الله عنه للصداع وتربة صهيب رضي الله عنه كما مر التنبية عليه لاطباق السلف والخلف على نقل ذلك ومنه يعلم حرمة نقل الآجر والاكر والأواني المعمولة من تراب المدينة الا إن اضطر الى آنية لنحو ماء بأن لا يجد غيرها حساً وشرعاً والا وجب عليه ردها وان انكسرت الآنية كما استظهره في التحفة والا كان آثماً ولا ينقطع دوام عصيانه الا بردها مادام قادراً عليه) واجماع الفقهاء على المنع كما ذكره صاحب الذخائر القدسية عاق سكان الحرمين عن حمل تربة من هذه الديار المقدسة ، ولو رجعنا الى مذهب أهل البيت ورد فيهم ان الرسول (صلى الله عليه واله) قال (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض لرأينا فيضاً من نصوص حديثية وردت عنهم عليهم السلام صريحة في ان ما يسجد عليه هو الارض او نباتها او القرطاس (الورق) وغير ذلك لا يجوز السجود عليه كصحيح هشام بن الحكم انه قال للامام جعفر الصادق عليه السلام اخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال عليه السلام لا يجوز السجود إلا على الارض او على ما انبت الارض إلا ما أكل او لبس فقال له عليه السلام جعلت فداك ما العلة في ذلك؟ قال عليه السلام لان السجود خضوع لله عز وجل فلا ينبغي ان يكون على ما يؤكل ويلبس لان ابناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها . والحقيقة ان الصلاة مظهر عبودي لله، علينا لان نكون مخلصين له الدين ولا نشرك بعبادة ربنا احداً ولذا قال الفقهاء ببطلان الصلاة مع الرياء لان نية القربة بدأت تتأرجح والمردد لا يقع فكذلك السجود على الملبوس والمأكول له انعكاسات على نية التقرب يمكن ان تأتي بمردود غير مستحسن تتساقط أمامه نية التقرب الى الله.
والخلاصة يصح للمسلم ان يسجد على ما يطلق عليه ارضاً سواء أكان تراباً او صخراً او رملاً او طيناً او على الرخام (الحجر الطبيعي) لان كل ذلك يسمى ارضاً وعلى كل نبات بشرط ان لا يكون مأكولاً كسائر الفواكه والبقول التي اعتاد الناس أكلها كالتمر والتفاح والبصل والبطاطا، اما النوى والقشور وورق الاشجار واخشابها وسعف النخل فلا مانع من السجود عليها كما لا يجوز السجود على ما يلبس كالقطن والكتان والقنب والمنسوج منهما، كما ويجوز السجود على القرطاس (الورق) فقد سأل داود ابن فرقد ابا الحسن عليه السلام عن القراطيس والكواغد المكتوب عليها هل يجوز السجود عليها ام لا؟ فكتب عليه السلام يجوز .
وقد يقال لماذا لم يكن رسول الله يحمل تربة معه؟ يجاب عن ذلك:
(اولاً) بناءاً على ما تقدم من عدم جواز نقل تراب الحرمين الى غيرهما حتى من احدهما الى الآخر.
(وثانياً) ان تصرفات الرسول الشخصية كلبس ثوب خاص وعمامة خاصة بشكلية خاصة، فنحن غير ملزمين بأن نلبس مثل ذلك لوناً وحجماً وشكلاً وإلا لما جاز ان نحمل أقلاماً في جيوبنا لان رسول الله يكن يحمل قلماً في جيبه، ويقتضي ان لا يجوز لنا ان نطوق معاصمنا بساعات يدوية لان رسول الله لم يكن يطوق معصميه بساعة يدوية وعلينا ان نترك العوينات الطبية لان رسول الله لم يكن يستعملها وبطلانه واضح.
و(ثالثاً) قد تقدم ان كل الذين نقلوا لنا كيفية سجود رسول الله (صلى الله عليه واله) قالوا انه كان في سجوده يباشر الارض بجبهته الشريفة او يسجد على الحصر وقد ورد ايضاً عن ابي حميد انّ النبي (صلى الله عليه واله) كان اذا سجد امكن أنفه وجبهته من الارض، رواه ابو داود والترمذي وصححه .
وكان مسجده الشريف في حينه مفروشاً بالحصباء فلماذا يتحمل عناء حمل تربة معه والتاريخ الصحيح والسنة النبوية النقية وكبار الفقهاء يشهدون ان رسول الله (صلى الله عليه واله) ما سجد على قطن او صوف نعم في حالة ان صحت فهي اضطرارية حيث كانت في شدة حر او برد كما ورد في نفس الاحاديث، واما التي خلت من ذلك القيد وجاءت مطلقة فالذي يحب فيها ان تقيد بالتي ذكر فيها الحر والبرد على اصول الجمع بين الاحاديث كما يقرر ذلك أهل العلم من حمل المطلق على المقيد. وقد أورد القسطلاني في كتابه ارشاد الساري شرح صحيح البخاري قال روي ان عمر بن عبدالعزيز انه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليها .
وختاماً، اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم واكرمنا بنور الفهم، اللهم افتح علينا ابواب رحمتك ويسر علينا خزائن علومك برحمتك يا ارحم الراحمين.
السجدة وما يصح السجود عليه
واتخاذ الأرض مسجداً، فإن الواجب المتسالم عليه على المصلي لدى جميع الأمة المسلمة على بكرة أبيهم أن يسجد على الأرض، ومرفوعة: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً. من المتفق عليه، أصفق عليها أئمة المذاهب، ولا مندوحة لدى الاختيار والامكان من السجود عليها، أو على ما ينبت منها كما يأتي حديثه.
وأخذ الصحابة الأولين حصاة المسجد عند حرارتها في الظهائر وتبريدها بتقليبها باليد كما سيوافيك حديثه يومئ الى عدم كفاية غيرها مهما يتمكن المصلي من السجود عليها ولو بالعلاج ورفع العذر.
وكذلك حديث افتراشه (صلى الله عليه وآله) تحت يديه اللباس عند حرارة الحصاة وبرودتها والسكوت عن الافتراش على المسجد والسجود عليه يؤيد ايجاب السجدة على التراب فحسب ليس الا.
وأما حين عدم تيسر السجود عليها والتمكن منه لحرارة قارصة أو لايجاب عذر آخر فلا وازع عندئذ من السجود على غيرها. اذ الضرورات تبيح المحظورات.
والاحاديث الواردة في الصلاة على الحصير والفحل والخمرة وامثالها تسوغ جواز السجدة على ما ينبت من الأرض غير المأكول والملبوس.
والأنسب بالسجدة التي ان هي الا التصاغر والتذلل تجاه عظمة المولى سبحانه. ووجاه كبريائه. ان تتخذ الأرض لديها مسجداً يعفر المصلي بها خده ويرغم أنفه، لتذكر الساجد لله طينته الوضيعة الخسيسة التي خلق منها، واليها يعود، ومنها يعاد تارة أخرى، حتى يتعظ بها، ويكون على ذكر من وضاعة أصله، ليتأتى له خضوع روحي، وذل في الباطن. وانحطاط في النفس، واندفاع في الجوارح الى العبودية، وتقاعس عن الترفع والأنانية، ويكون على بصيرة من أن المخلوق من التراب حقيق وخليق بالذل والمسكنة ليس الا.
ولا توجد هذه الأسرار قط وقط في المنسوج من الصوف والديباح والحرير، وامثاله من وسائل الدعة والراحة، مما يري للانسان عظمة في نفسه، وحرمة وكرامة ومقاماً لديه، ويكون له ترفعاً وتجبراً واستعلاءاً وينسلخ عند ذلك من الخضوع والخشوع.
وها نحن نقدم الى القارئ جميع ما جاء في الصحاح الست، وغيرها من امهات المسانيد والسنن، من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله الواردة فيما يصح السجود عليه، ونمضي على ضوئها ونتخذها سنة متبعة، وطريقة حقه لا محيد عنها، وهي على ثلاثة أقسام.
القسم الاول: ما يدل على السجود على الأرض:
1ـ جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً.
وفي لفظ مسلم: جعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً اذا لم نجد الماء.
وفي لفظ الترمذي: جعلت لي الارض كلها مسجداً وطهوراً، عن علي، وعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وجابر، وابن عباس، وحذيفة، وأنس، وابي امامة، وأبي ذر.
وفي لفظ البيهقي: جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً.
وفي لفظ له أيضاً: جعلت لي الأرض طيبة ومسجداً وأيما أدركته الصلاة صلى حيث كان .
2 ـ الأرض لك مسجداً حيثما أدركت الصلاة فصل قاله صلى الله عليه وآله لابي ذر .
3 ـ ابن عباس: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد على الحجر. أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/473 وصححه هو والذهبي.
4 ـ ابو سعيد الخدري قال: أبصرت عيناي رسول الله (صلى الله عليه واله) وعلى أنفه أثر الماء والطين .
5 ـ رفاعة بن رافع مرفوعاً: ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته حتى تطمئن مفاصلة وتستوي.
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 2/102.
6 ـ ابن عباس، وانس، وبريدة باسناد صحيح مرفوعاً: ثلاثة من الجفاء: يمسح جبهته قبل ان يفرغ من صلاته وفي لفظ واثلة بن الأسقع: لا يمسح الرجل جبهته من التراب حتى يفرغ من الصلاة .
7 ـ جابر بن عبد الله قال: كنت أصلي مع رسول الله (صلى الله عليه واله) صلاة الظهر، فآخذ بيدي قبضة من حصى في كفي تبرد حتى أسجد عليها من شدة الحر.
وفي لفظ لأحمد: كنا نصلي مع رسول الله (صلى الله عليه واله) صلاة الظهر، وآخذ بيدي قبضة من حصى فأجعلها في يدي الاخرى حتى تبرد ثم أسجد عليها من شدة الحر.
وفي لفظ البيهقي: كنت أصلي مع رسول الله (صلى الله عليه واله) صلاة الظهر فآخذ قبضة من الحصى في كفي حتى تبرد، وأضعها بجبهتي اذ سجدت من شدة الحر.
فقال البيهقي: قال الشيخ: ولو جاز السجود على ثوب متصل به لكان ذلك اسهل من تبريد الحصى في الكف ووضعها للسجود عليها، وبالله التوفيق.
8 ـ انس بن مالك: كنا نصلي مع رسول الله (صلى الله عليه واله) في شدة الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فاذا برد وضعه وسجد عليه. السنن الكبرى: 2/106.
9 ـ خباب بن الأرت قال: شكونا الى رسول الله (صلى الله عليه واله) شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا.
السنن الكبرى: 2/105، 107، نيل الأوطار: 2/268.
10 ـ عمر بن الخطاب: مطرنا من الليل فخرجنا لصلاة الغداة فجعل الرجل يمرّ على البطحاء فيجعل في ثوبه من الحصباء فيصلي عليه، فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه واله) ذاك قال: ما أحسن للذا البساط. فكان ذلك أول بدء الحصباء. واخرج ابو داود عن ابن عمر: مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه في فيبسطه تحته. الحديث.
ابو دواد: 1/75، السنن الكبرى: 2/440.
11 ـ عياض بن عبدالله القرشي: رأى رسول الله (صلى الله عليه واله) رجلا يسجد على كور عمامته فأومأ بيده: ارفع عمامتك، وأومأ الى جبهته.
«السنن الكبرى: 2/105».
12 ـ علي أمير المؤمنين: اذا كان أحدكم يصلي فليحسر العمامة عن جبهته.
«السنن الكبرى: 2/105».
13 ـ نافع: ان عبد الله بن عمر كان اذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتى يضع جبهته بالارض.
«السنن الكبرى: 2/105».
14 ـ عبادة بن الصامت انه كان اذا قام الى الصلاة حسر العمامة عن جبهته.
«السنن الكبرى: 2/105».
15 ـ أبو عبيدة: ان ابن مسعود كان لا يصلي أو لا يسجد الا على الأرض.
أخرجه الطبراني في الكبير وعنه في المجمع: 2/57.
16ـ ابراهيم انه كان يقوم على البردي ويسجد على الأرض. قلنا: ما البردي؟ قال: الحصير.
أخرجه الطبراني في الكبير، وعنه في المجمع: 2/57.
17 ـ صالح بن حيوان السبائي: ان رسول الله (صلى الله عليه واله) رأى رجلا يسجد بجنبه وقد اعتمّ على جبهته فحسر رسول الله (صلى الله عليه واله) عن جبهته.
السنن الكبرى: 2/105، نصب الراية للزيلعي:1/386.
القسم الثاني: فيما ورد من السجود على غير الأرض من دون أي عذر:
1ـ انس بن مالك: أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى عليه وسلم لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال: قوموا فلاصلي لكم، قال أنس: فقمت الى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس. فنضحته بماء فقام رسول الله (صلى الله عليه واله)، وصففت، واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا. الحديث.
أخرجه البخاري في صحيحه:1/101، وفي صحيح النسائي: 2/57 بلفظ:
انّ أم سلمة سألت رسول الله (صلى الله عليه واله) أن يأتيها فيصلي في بيتها فتتخذه مصلى فأتاها فعمدت الى حصير فنضحته بماء فصلى عليه وصلوا معه.
وفي لفظ ابن ماجة في سننه: 1/255 قال: صنع بعض عمومتي للنبي طعاماً فقال للنبي (صلى الله عليه واله): اني احب أن تاكل في بيتي وتصلي فيه قال: فأتاه وفي البيت فحل من هذه الفحول فأمر بناحية منه فكنس ورش فصلى وصلينا معه.
فقال: قال ابو عبدالله ابن ماجة: الفحل هو الحصير الذي قد اسودّ.
وفي سنن البيهقي: 2/421: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يقيل عند ام سليم فتبسط له نطعاً فتأخذ من عرقه فتجعله في طيبها، وتبسط له الخمرة ويصلي عليها.
وفي السنن: 2/436 بلفظ:
كان رسول الله (صلى الله عليه واله) احسن الناس خلقاً فربما تحضره الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم يقوم فنقوم خلفه فيصلي بنا. قال: وكان بساطهم من جريد النخل.
وفيه أيضاً بلفظ:
انّ رسول الله (صلى الله عليه واله) دخل بيتاً فيه فحل فكسح ناحية منه ورش فصلى عليه.
قال في هامش السنن: الفحل: حصير معمول من سعف فحال النخل.
وأخرجه الترمذي في الصحيح: 2/128 ملخصاً: عن انس قال: نضح بساط لنا فصلى عليه.
2ـ ابن عباس: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يصلّي على الخمرة.
صحيح الترمذي: 2/126 قال الامام ابن العربي المالكي: الخمرة حصير الصلاة.
3 ـ أبو سعيد الخدري: انه دخل على النبي (صلى الله عليه واله)، فرأيته يصلي على حصير يسجد عليه.
صحيح مسلم: 2/62، 128 .
4 ـ ميمونة ام المؤمنين: كان رسول الله (صلى الله عليه واله)وأنا حذائه وربما أصابني ثوبه اذا سجد، وكان يصلي على خمرة.
البخاري: 1/101، مسلم: 2/128، ابن ماجة: 1/320، النسائي: 2/57، البيهقي: 2/421.
واخرج مسلم: 1/168 عن عائشة قالت: قال لي رسول الله (صلى الله عليه واله): ناوليني الخمرة من المسجد قالت: اني حائض فقال: ان حيضتك ليست في يدك.
5 ـ ابن عمر: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يصلي على الخمرة ويسجد عليها.
أخرجه الطبراني في الكبير والاوسط.
6 ـ ام سلمة ام المؤمنين: كان لرسول الله حصير وخمرة يصلي عليها. اخرجه ابو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال ابي يعلى رجال الصحيح، وعن ام حبيبة مثله صحيحاً كما في المجمع: 2/57.
القسم الثالث: فيما ورد من السجود على غير الأرض لعذر.
1ـ انس بن مالك: كنا اذا صلينا مع النبي (صلى الله عليه واله) فلم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض من شدة الحر طرح ثوبه ثم سجد عليه.
وفي لفظ البخاري: كنا نصلي مع النبي (صلى الله عليه واله) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود .
وفي لفظ مسلم: كنا نصلي مع النبي (صلى الله عليه واله) في شدة الحر فاذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه.
وفي لفظ: كنا اذا صلينا مع النبي (صلى الله عليه واله) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود
قال الشوكاني في النيل: الحديث يدل على جواز السجود على الثياب لاتقاء حر الأرض، وفيه اشارة الى أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل، لتعليق بسط ثوب بعدم الاستطاعة، وقد استدل بالحديث على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي، قال النووي: وبه قال ابو حنيفة والجمهور أهـ.
2 ـ انس بن مالك: كنا اذا صلينا خلف رسول الله (صلى الله عليه واله) بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر.
أخرجه ابن ماجة في صحيحه: 2/216 وقال الامام السندي في شرحه: الظهائر جمع ظهيرة وهي شدة الحر نصف النهار «سجدنا على ثيابنا» الظاهر انها الثياب التي هم لابسوها ضرورة ان الثياب في ذلك الوقت قليلة، فمن أين لهم ثياب فاضلة؟ فهذا يدل على جواز أن يسجد المصلي على ثوب هو لابسه كما عليه الجمهور أهـ. وعلى هذه الصورة يحمل ما جاء عن ابن عباس: رأيت رسول الله يصلي يسجد على ثوبه .
وأخرج التخاري في الصحيح: 1/101 في باب السجود على الثوب في شدة الحر: وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه. لفت نظر:
هناك حديث حمله الفقهاء على هذه الصورة أيضاً مع انه ليس فيه ذكر عن السجدة على الثوب، ألا وهو:
عن ابن عباس: رأيت رسول الله (صلى الله عليه واله) في كساء ابيض في غداة باردة يتقي بالكساء برد الأرض بيده ورجله.
وفي لفظ احمد: لقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه واله) في يوم مطير وهو يتقي الطين اذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه الى الأرض اذا سجد.
وعن ثابت بن صامت: ان رسول الله (صلى الله عليه واله) قام يصلي في مسجد بني عبدالأشهل وعليه كساء ملتفّ به يضع يده عليه يقيه برد الحصا.
وفي لفظ: رأيته واضعاً يديه في ثوبه اذا سجد.
في لفظ ابن ماجة: فرأيته واضعاً يديه على ثوبه اذا سجد .
قال الشوكاني في نيل الأوطار: الحديث يدل على جواز الاتقاء بطرف الثوب الذي على المصلي ولكن للعذر، اما عذر المطر كما في الحديث، أو الحر والبرد كما في رواية ابن ابي شيبة وهذا الحديث مصرح بأن الكساء الذي سجد عليه كان متصلا به أ هـ.
ونحن لم نر هذا الحمل في محله اذ الحديث لا يدل بظاهره الا على اتقاء رسول الله (صلى الله عليه واله) بالكساء برد الأرض بيده ورجله فحسب، وليس فيه ايعاز قط الى السجدة والجبهة، وسبيله سبيل حديث السيدة عائشة: كان رسول الله اذا صلى لا يضع تحت قدمية شيئاً الا انّا مطرنا يوماً فوضع تحت قدمية نطعاً .
وهناك مرفوعة أخرجها احمد في المسند: 4/254 عن محمد بن ربيعة عن يونس بن الحرث الطائفي عن أبي عون عن ابيه عن المغيرة بن شعبة قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يصلي أو يستحب أن يصلي على فروة مدبوغة .
والاسناد ضعيف بالمرة وبمثله يستدل في الأحكام، فيه يونس بن الحرث، قال احمد: أحاديثه مضطربة، وقال عبدالله بن احمد: سألته عنه مرة اخرى فضعفه. وعن ابن معين: لا شيء، وقال ابو حاتم: ليس بقوي، وقال النسائي: ضعيف. وقال مرة: ليس بالقوي، وقال ابن ابي شيبة: سألت ابن معين عنه فقال: كنا نضعفه ضعفاً شديداً. وقال الساجي: ضعيف الا انه لا يتهم بالكذب.
تهذيب التهذيب: 11/437.
وفيه أبو عون عبيدالله بن سعيد الثقفي الكوفي قال ابو حاتم كما في الجرح والتعديل لابنه: هو مجهول. وقال ابن حجر: حديثه عن المغيرة مرسل.
على ان متن المرفوعة ساكت عن االسجدة وحكمها، والملازمة بين الصلاة على الفروة والسجدة عليها منتفية. القول الفصل:
هذا تمام ما ورد في الصحاح، والمسانيد مرفوعاً وموقوفاً فيما يجوز السجود عليه برمته، ولم يبق هناك حديث لم ندكره، وهي تدل بنصها على أن الأصل في ذلك لدى القدرة والامكان الأرض كلها، ويتبعها المصنوع مما ينبت منها أخذاً بأحاديث الخمرة عنه والفحل والحصير والبساط، ولا مندوحة عنها عند فقدان العذر، وأما في حال العذر وعدم التمكن منها فيجوز السجود على الثوب المتصل دون المنفصل لعدم ذكره في السنة.
وأما السجدة على الفراش والسجاد والبسط المنسوجة من الصوف والوبر والحرير، وأمثالها والثوب المنفصل فلا دليل يسوغها قط، ولم يرد في السنة أي مستند لجوازها، وهذه الصحاح الست وهي تتكفل بيان احكام الدين ولا سيما الصلاة التي هي عماده، لم يوجد فيها ولا حديث واحد، ولا كلمة ايماء وايعاز الى جواز ذلك.
وكذلك بقية اصول الحديث من المسانيد والسنن المؤلفة في القرون الاولى الثلاثة ليس فيها أي أثر يمكننا الاستدلال به على جواز ذلك من مرفوع أو موقوف، من مسند أو مرسل.
فالقول بجواز السجود على الفرش والسجاد والالتزام بذلك. وافتراش المساجد بها للسجود عليها كما تداورل عند الناس بدعة محضة. وأمر محدث غير مشروع. يخالف سنة الله وسنة رسوله، ولن تجد لسنة الله تحويلا. وقد اخرج الحافظ الكبير الثقة ابو بكر ابن ابي شيبة باسناده في المصنف في المجلد الثاني عن سعيد بن المسيب وعن محمد بن سيرين: ان الصلاة على الطنفسة محدث، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله: شر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة. وأما:
السجدة على تربة كربلاء
واتخاذها مسجداً فان الغاية المتوخاة منها للشيعة انما هي تستند الى أصلين قويمين. وتتوقف على امرين قيمين، أولهما:
استحسان اتخاذ المصلي لنفسه تربة طاهرة يتيقن بطهارتها، من أي أرض أخذت، ومن أي صقع من أرجاء العالم كانت، وهي كلها في ذلك شرع سواء سواسية، لا امتياز لا حديهن على الاخرى في جواز السجود عليها، وان هو الا كرعاية المصلي طهارة جسده وملبسه ومصلاه، يتخذ المسلم لنفسه صعيداً طيباً يسجد عليه في حله وترحاله، وفي حضره وسفره، ولا سيما في السفر. اذ الثقة بطهارة كل ارض يحل بها، ويتخذها مسجداً لا تتأتى له في كل موضع من المدن والرساتيق والفنادق والخانات وباحات النزل والساحات، ومحال المسافرين، ومحطات وسائل السير والسفر، ومهابط فئات الركاب، ومنازل الغرباء، انى له بذلك وقد يحل بها كل انسان من الفئة المسلمة وغيرها، ومن اخلاط الناس الذين لا يبالون ولا يكترثون لأمر الدين في موضوع الطهارة والنجاسة.
فأي وازع من أن يستحيط المسلم في دينه، ويتخذ معه تربة طاهرة يطمئن بها وبطهارتها يسجد عليها لدى صلاته، حذراً من السجدة على الرجاسة والنجاسة والأوساخ التي لا يتقرب بها الى الله قط، ولا تجوز السنة السجود عليها، ولا يقبله العقل السليم، بعد ذلك التأكيد التام البالغ في طهارة اعضاء المصلي ولباسه، والنهي عن الصلاة في مواطن منها: المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومعاطن الابل والامر بتطهير المساجد وتطييبها .
وكأن هذه النظرة الصائبة القيمة الدينية كانت متخذة لدى رجال الورع من فقهاء السلف في القرون الاولى، وأخذاً بهذه الحيطة المتحسنة جداً كان التابعي الفقيه الكبير الثقة العظيم المتفق عليه مسروق بن الأجدع يأخذ في أسافره لبنة يسجد عليها كما أخرجه شيخ المشايخ الحافظ الثقة امام السنة ومسندها في وقته أبو بكر ابن أبي شيبة في كتابه «المصنف» في المجلد الثاني في باب: من كان يحمل في السفينة شيئاً يسجد عليه، فأخرج باسنادين: ان مسروقاً كان اذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها.
هذا هو الأصل الأول لدى الشيعة وله سابقة قدم منه يؤم الصحابة الاولين والتابعين لهم باحسان. وأما الاصل الثاني:
فان قاعدة الاعتبار المطردة تقتضي التفاضل بين الأراضي بعضها على بعض، وتستدعي اختلاف الآثار والشؤون والنظرات فيها، وهذا أمر طبيعي عقلي متسالم عليه، مطرد بين الامم طراً، لدى الحكومات والسلطات والملوك العالمية برمتهم، إذ بالاضافات والنسب تقبل الأراضي والاماكن والبقاع خاصة ومزيّة، بها تجري عليها مقررات وتنتزع منها أحكام لا يجوز التعدي والصفح عنها.
الا ترى أن المستقلات والساحات والقاعات والدور والدوائر الرسمية المضافة إلى الحكومات، وبالأخص ما ينسب منها الى البلاط الملكي، ويعرف باسم عاهل البلاد وشخصه. لها شأن خاص، وحكم ينفرد بها، يجب للشعب رعايته، والجري على ما صدر فيها من قانون.
فكذلك الأمر بالنسبة الى الأرضي والأبنية والديار المضافة المنسوبة الى الله تعالى فان لها شؤوناً خاصة، واحكاماً وطقوساً. ولوازم وروابط لا مناص ولابد لمن اسلم وجهه لله من أن يراعيها، ويراقبها، ولا مندوحة لمن عاش تحت راية التوحيد والاسلام من القيام بواجبها والتحفظ عليها، والاخذ بها.
فبهذا الاعتبار المطرد العام المتسالم عليه انتزع للكعبة حكمها الخاص، وللحرم شأن يخص به، وللمسجدين الشريفين: جامع مكة والمدينة احكامهما الخاصة بهما، وللمساجد العامة والمعابد والصوامع والبيع التي يذكر فيها اسم الله، في الحرمة والكرامة، والتطهير والتنجيس، ومنع دخول الجنب والحائض والنفساء عليها، والنهي عن بيعها نهياً باتاً نهائياً من دون تصور أي مسوغ لذلك قط خلاف بقية الأوقاف الاهلية العامة التي لها صور مسوغة لبيعها وتبديلها بالأحسن، الى احكام وحدود اخرى منتزعة من اعتبار الاضافة الى ملك الملوك،رب العالمين.
فاتخاذ مكة المكرمة حرماً آمناً، وتوجيه الخلق اليها، وحجهم اليها من كل فج عميق، وايجاب كل تلكم النسك. وجعل كل تلكم الأحكام حتى بالنسبة الى نبتها وأبّها، ان هي الا آثار الاضافة، ومقررات تحقق ذلك الاعتبار. واختيار الله اياها من بين الأراضي.
وكذلك عدّ المدينة المنورة حرماً إلهياً محترماً. وجعل كل تلكم الحرمات الواردة في السنة الشريفة لها وفي أهلها وتربتها ومن حل بها ومن دفن فيها، انما هي لاعتبار ما فيها من الاضافة والنسبة الى الله تعالى، وكونها عاصمة عرش نبيه الأعظم صاحب الرسالة الخاتمة صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذا الاعتبار وقانون الاضافة كما لا يخص بالشرع فحسب، بل هو أمر طبيعي أقّر الاسلام الجري عليه، كذلك لا ينحصر هو بمفاضلة الأراضي، وانما هو اصل مطرد في باب المفاضلة في مواضيعها العامة من الانبياء والرسل والأوصياء، والأولياء، والصديقين، والشهداء، وأفراد المؤمنين وأصنافهم، الى كل ما يتصور له فضل على غيره لدى الاسلام المقدس. بل هذا الأصل هو محور دائرة الوجود، وبه قوام كل شيء، واليه تنتهي الرغبات في الامور، ومنه تتولد الصلات والمحبات، والعلائق والروابط لعّدة عوامل البغض والعداء والشحناء والضغائن.
وهو اصل خلاف وشقاق ونفاق، كما انه أساس كل وحدة واتحاد وتسالم ووئام وسلام. وعليه تبنى سروح الكليات، وتتمهد المعاهد الاجتماعية، وفي اثره تشكل الدول، وتختلف الحكومات، وتحدث المنافسات والمشاغبات والتنازع والتلاكم والمعارك والحروب الدامية، وعلى ضوئه تتحزب الشعوب والقبائل، وتتكثر الأحزاب والجمعيات، وبالنظر اليه تؤسس المؤسسات في امور الدين والدنيا، وتتمركز المتجمعات الدينية، والعلمية والاجتماعية، والشعوبية، والقومية، والطائفية، والحزبية، والسياسية، الى كل قبض وبسط، وحركة وسكون، ووحدة وتفكك، واقتران وافتراق.
فالحكومة العالمية العامة القوية القهارة الجبارة الحاكمة على الجامعة البشرية بأسرها من أول يومها وهلم جراً الى آخر الأبد، من دون شذوذ لأي أحد وخروج فرد عن سلطتها، ومن دون اختصاص بيوم، دون يوم، انما هي حكومة «ياء النسبة» بها قوام الدين والدنيا، واليها تنتهي سلسلة النظم الانسانية، وقانون الاجتماع العام، وشؤون الافراد البشري.
والبشر مع تكثر افراده على بكرة ابيهم مسير بها، مقهور تحت نير سلطتها، مصفد بحبالها، مقيد في شراكها، لا مهرب له منها، هي التي تحكم وتفتق، وتنقض وتبرم، وترفع وتخفض، وتصل وتقطع، وتقرب وتبعد، وتأخذ وتعطي، وتعز وتذل،وتثيب وتعاقب، وتحقر وتعظم.
هي التي تجعل الجندي المجهول مكرماً، معظماً، محترماً، وتراه أهلاً لكل اكبار وتجليل وتجيل، لدى الشعب وحكومته، وتنثر الأوراد والأزهار على تربته ومقبره، وتدعه يذكر مع الأبد، خالداً ذكره في صفحة التاريخ.
هي التي تهون لديها الكوارث والنوازل، وبمقاييسها يقاسي الانسان الشدائد والقوارع والمصائب الهائلة، ويبذل النفس والنفيس دونها.
هي التي جعلت رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل الصحابي العظيم عثمان بن مظعون وهو ميت، ودموعه تسيل على خديه كما جاء عن السيدة عائشة .
هي التي دعت النبي (صلى الله عليه وآله) الى أن يبكي على ولده الحسين السبط، ويقيم كل تلكم المآتم ويأخذ تربة كربلاء ويشمها ويقبلها، الى آخر ما سمعت من حديثه.
هي التي جعلت السيدة ام سلمة ام المؤمنين تصر تربة كربلاء على ثيابها.
هي التي سوغت للصديقة فاطمة ان تأخذ تربة قبر ابيها الطاهر وتشمّها.
هي التي حكمت على بني ضبة يوم الجمل أن تجمع بعرة جمل عايشة ام المؤمنين وتفتها وتشمها كما ذكره الطبري.
هي التي جعلت علياً امير المؤمنين عليه السلام أخذ قبضة من تربة كربلاء لما حلّ بها فشمها وبكى حتى بلّ الأرض بدموعه، وهو يقول: يحشر من هذا الظهر سبعون الفاً يدخلون الجنة بغير حساب. أخرجه الطبراني وقال الهيثمي في المجمع: 9/191 رجاله ثقات.
هي التي جعلت رجل بني اسد يشم تربة الحسين ويبكي قال هشام ابن محمد: لما اجرى الماء على قبره الحسين نضب بعد اربعين يوماً وامتحى اثر القبر، فجاء اعرابي من بني اسد فجعل يأخذ قبضة قبضة من التراب ويشمه حتى وقع على الحسين فبكى وقال: بأبي وامي ما كان اطيبك حياً واطيب تربتك ميتاً، ثم بكى وأنشأ يقول:
أرادوا ليخفوا قبره عن عداوة * وطيب تراب القبر دلّ على القبر
راجع تاريخ ابن عساكر: 4/342، كفاية الحافظ الكنجي:293.
فالفرد البشري كائناً من كان، أينما كان وحيثما كان، من أي عنصر وشاكلة على تكثر شواكله، واختلاف عناصره، في جميع أدوار الحياة هو أسير تلك الحكومة، ورهين لفظة:
روحي، بدني، مالي، اهلي، ولدي، أقاربي، رحمي، اسرتي، تجارتي، نحلتي، ملتي، طائفتي، مبدئي، داري، ملكي، حكومتي، قادتي، سادتي، الى ما لا يحصى من المضاف المنسوب اليه.
وهذه هي حرفياً بصورة الجمع الاضافي مأكلة بين شدقي الحكومات والدول، والجمعيات، والهيئات، والأحياء، والشعوب، والقبائل، والأحزاب والملل، والنحل، والملوك، والطوائف، والسلطات الحاكمة الى كليات لا تتناهى.
وبمجرد تمامية النسبة وتحقق الاضافة في شيء جزئي أو كلي، أو أمر فردي أو اجتماعي. لدى اولئك المذكورين تترتب آثار، وتتسجل احكام لا منتدح لأي احد من الخضوع لها والاخبات اليها، والقيام دونها، والتقيد بها.
وهذا بحث جدّ ناجع تنحل به مشكلات المجتمع في المبادئ والآراء والمعتقدات. وعقود الضغينة والمحبة، وعويصات المذاهب. ومقررات الشرع الأقدس. وفلسفة مقربات الدين الحنيف، ومقدسات الاسلام وشعائره. والحرمات والمقامات والكرامات.
فبعد هذا البيان الضافي يتضح لدى الباحث النابه الحر سر فضيلة تربة كربلاء المقدسة، ومبلغ انتسابها الى الله سبحانه وتعالى، ومدى حرمتها وحرمة صاحبها دنواً واقراباً من العلي الأعلى، فما ظنك بحرمة تربة هي مثوى قتيل الله، وقائد جنده الاكبر المتفاني دونه، هي مثوى حبيبه وابن حبيبه، والداعي اليه، والدال عليه، والناهض له، والباذل دون سبيله اهله ونفسه ونفيسه، والواضع دم مهجته في كفه تجاه اعلاء كلمته، ونشر توحيده، وتحكيم معالمه، وتوطيد طريقه وسبيله.
فأي من ملوك الدنيا ومن عواهل البلاد من لدن آدم وهلم جرا عنده قائد ناهض طاهر كريم وفيّ صادق أبيّ شريف عزيز مثل قائد شهداء الاخلاص بالطف: الحسين المفدى؟
لماذا لا يباهي به الله، وكيف لا يتحفظ على دمه لديه، ولا يدع قطرة منه أن تنزل الى الأرض لما رفعه الحسين بيديه الى السماء .
كيف لا يديم ذكره في أرضه وسمائه، وقد اتخذت محبة الله بمجاميع قلبه؟
وكيف لا يسود وجه الدنيا في عاشورائه؟ ولا يبدي بينات سخطه وغضبه يوم قتله في صفحة الوجود؟ ولماذا لم تبك عليه الأرض والسماء؟ كما جاء عن ابن سيرين فيما اخرجه جمع من الحفاظ. ولماذا لم تمطر السماء يوم قتله دماً؟ كما جاء حديثه متواتراً.
ولماذا لم يبعث الله رسله من الملائكة المقربين الى نبيه صلى الله عليه وآله بتربة كربلائه؟ ولماذا لم يشمها رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يقبلها ولم يذكرها طيلة حياتة؟ ولماذا لم يتخذها بلسماً في بيته؟
فهلم معي أيها المسلم الصحيح، أفليست السجدة على تربة هذا شأنها لدى التقرب الى الله في أوقات الصلوات، اطراف الليل والنهار، أولى وأحرى من غيرها من كل ارض وصعيد وقاعة وقرارة طاهرة، أو من البسط والفرش والسجاد المنسوجة على نول هويات مجهولة؟ ولم يوجد في السنة أي مسوغ للسجود عليها.
أليس أجدر بالتقرب الى الله، وأقرب بالزلفى لديه، وأنسب بالخصوع والخشوع والعبودية له تعالى أمام حضرته، وضع صفح الوجه والجباه على تربة في طيها دروس الدفاع عن الله، ومظاهر قدسه، ومجلى التحامي عن ناموسه ناموس الاسلام المقدس؟
أليس أليق بأسرار السجدة على الارض السجود على تربة فيها سر المنعة والعظمة والكبرياء والجلال لله جل وعلا، ورموز العبودية والتصاغر دون الله بأجلى مظاهرها وسماتها؟
أليس أحق بالسجود تربة فيها بينات التوحيد والتفاني دونه؟ تدعو الى رقة القلب، ورحمة الضمير والشفقة والتعطف.
أليس الأمثل والأفضل اتخاد المسجد من تربة تفجرت في صفيحها عيون دماء اصطبغت بصبغة حب الله، وصيغت على سنة اللة وولائه المحض الخالص؟
فعلى هذين الاصلين نتخذ نحن من تربة كربلاء قطعاً لمعاً وأقراصاً نسجد عليها كما كان فقيه السلف مسروق بن الأجدع يحمل معه لبنة من تربة المدينة المنورة يسجد عليها والرجل تلميذ الخلافة الراشدة، فقيه المدينة ومعلم السنة بها، وحاشاه من البدعة، ففي أي من الأصلين حزازة وتسعف؟ وأي منهما يضاد نداء القرآن الكريم؟ أو يخالف سنة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله؟ وأيهما يستنكر ويعد بدعة؟ وأيهما خروج عن حكم العقل والمنطق والاعتبار؟
وليس اتخاذ تربة كربلاء مسجداً لدى الشيعة من الفرض المحتم، ولا من واجب الشرع والدين، ولا مما الزمه المذهب، ولايفرق أي أحد منهم منذ اول يومها بينها وبين غيرها من تراب جميع الأرض في جواز السجود عليها، خلاف ما يزعمه الجاهل بهم وبآرائهم. وان هو عندهم الا استحسان عقلي ليس الا، واختيار لما هو الأولى بالسجود لدى العقل والمنطق والاعتبار فحسب كما سمعت. وكثير من رجال المذهب يتخذون معهم في اسفارهم غير تربة كربلاء مما يصح السجود عليه كحصير طاهر نظيف يوثق بطهارته أو خمرة مثله ويسجدون عليه في صلواتهم.
ونحن نرى ان الأخذ بهذين الأصلين القويمين، والنظر الى رعاية أمري الحيطة والحرمة ومراقبتهما، يحتم على اهالي الحرمين الشريفين: مكة والمدينة، واللائذين بجنابهما، والقاطنين في ساحتهما أن يتخذوا من تربتهما أقراصاً وألواحاً مسجداً لهم، أخذاً بالاصلين وتخلصاً من حرارة حصاة المسجد الشريف القارصة أيام الظهائر وشدة الرمضاء، يسجدون عليها في حضرهم، ويحملونها معهم مسجداً طاهراً مباركاً في اسفارهم سيرة السلف الصالح نظراء الفقيه مسروق ابن الأجدع كما سمعت حديثه، ويجعلونها في تناول يد الزائرين والحجاج والوافدين الى تلكم الديار المقدسة من الحواضر الاسلامية، تقتنيها الامة المسلمة مسجداً لها، في الحضر والسفر، وتتخذها تذكرة وذكرى لله ولرسوله ولمهابط وحيه، تذكرها ربها ونبيها متى ما ينظر اليها، وتشمها وتستشم منها عرف التوحيد والنبوة، وتكون نبراساً في بيوت المسلمين تتنور منها القلوب، وتستضيء بنورها افئدة اولي الألباب، ويتقرب المسلمون الى الله تعالى في كل صقع وناحية في أرجاء العالم بالسجود على تربة أفضل بقعة اختارها الله لنفسه بيت أمن ودار حرمة وعظمة وكرامة، ولنبيه حرماً ومضجعاً مباركاً.
وفيها وراء هذه كلها دعاية كبيرة قوية عالمية الى الاسلام، والى كعبة عبادته وعاصمة سنته، وصاحب رسالته، ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه.