لا يخفى كثرة الاخبار الواردة في ذكر بكاء الملائكة و الأنبياء و الاوصياء عليهم السّلام و سكان السماء و الارض من الجن و الانس و الوحش و الطير، في مصيبة سيد الشهداء (عليه السلام) و كثرة ما نقل في أحوال الاشجار و الجبال و النباتات و البحار عند استشهاده (عليه السلام) و كثرة أشعار و مراثي الجنّ فيه، و انّ مصيبته أعظم المصائب.
و أيضا في فضل زيارته (عليه السلام) و انّ بقعة كربلاء أشرف البقاع و في فوائد تربته الشريفة و بيان جور الجائرين لمحو آثار قبره المنوّر و المعاجز التي ظهرت منه، و بيان ثواب لعن قاتليه و كفرهم و شدّة عذابهم و انّهم لم يسعدوا بالدنيا و نعيمها.
و لو لا البناء على الاختصار، لذكرت جملة منها تبرّكا و تيمّنا، و لا يخفى أن هذه الوقائع و الآثار المنقولة من انقلاب أحوال العالم بأسرها عند شهادته (عليه السلام) لا تكون مستبعدة و غريبة لدى أرباب الاديان و الملل القائلين بالمبدإ، و المعترفين بالمعاجز و الكرامات.
و لو رجع المتتبع الخبير الى كتب السير و التأريخ لأذعن انّ وقائع سنة (61) للهجرة- سنة استشهاد الحسين (عليه السلام)- خارجة عن العادة، و قد ذكر جملة منها أهل التاريخ الذين لم يتهموا بالتشيع و الكذب و الافتراء، كما اتهم علماؤنا.
فذكر بن الأثير الجزري صاحب كتاب كامل التواريخ (المعروف بالاتقان و الاعتبار لدى المؤرخين) بشكل قاطع في وقائع سنة احدى و ستين انّه: و مكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنّما تلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع .
و كثيرا ما توجد امثال هذه العبارة في الكتب المعتبرة.
و قال الفاضل الاديب الاريب اعتماد السلطنة في كتاب (حجة السعادة في حجّة الشهادة):
قد اضطربت الارض و ما فيها سنة (61) التي قتل الحسين (عليه السلام) فيها، و قد ظهرت حمرة في ممالك أوروبا و آسيا، و انقطع حبل الصلح و السلم و ثارت الفتن و الاحقاد.
و مستند هذا الكتاب المذكور، هو الكتب العتيقة في تاريخ ممالك الدنيا بلغات شتى فجمعها المؤلف المذكور و ترجمها الى الفارسية فليراجع.
و يكفينا في هذا المقام، تجدد مجالس العزاء و المأتم و استمرارها الى يوم القيامة، بشكل أحسن و أجود، و لم تندرس هذه المجالس و لم تنس كما ورد في الاخبار الكثيرة و كما قالت عقيلة الهاشميين رضيعة ثدي النبوة، زينب الكبرى في خطبتها عند يزيد لعنه اللّه: «فكد كيدك واسع سعيك و ناصب جهدك فو اللّه لا تمحو ذكرنا و لا تميت وحينا».
و قال البعض انّ هذا الكلام من معاجزها الباهرة، فقد نصب لواء العزاء من زمن الديالمة الى الآن، في شرق العالم و غربه، و نرى حزن الشيعة، و تجدد آلامهم عند حلول عاشوراء، و اقامتهم لمجالس العزاء في شتى أنحاء العالم و لبسهم السواد.
قال بعض المؤرخين: انّ معزّ الدولة الديلمي أمر أهل بغداد يوم عاشوراء سنة (352)هـ بإقامة مجالس العزاء لسيد الشهداء و أمر النساء ان ينشرن شعورهنّ و يشققن جيوبهنّ، و أمر بتعطيل الدكاكين و الاسواق و عدم الطبخ، فخرجت نساء الشيعة مسودات وجوههنّ، لاطمات نائحات، فكان هذا دأبهم كل سنة و قد عجز أهل السنة عن منعهم لكون السلطان مع الشيعة، و من الغريب تأثير هذه المجالس حتى في قلوب غير المسلمين أو الذين لا يبالون بأحكام الشرع.
و لقد رأيت في كتاب تحفة العالم تأليف الفاضل البارع السيد عبد اللطيف التستري (حسب ما أظن) شرحا عجيبا لمجالس العزاء لدى عبدة النار في الهند و التي يقيمونها في عاشوراء.
و قال الشيخ الجليل المحدث الفاضل الحاج ميرزا محمد القمي رحمه اللّه في كتاب الاربعين ما
مضمونه: انّي كنت في ايام عاشوراء سنة (1322) في طريق كربلاء، فكنت في اليعقوبية و اكثر سكانها من ابناء العامة بل من متعصبيهم، فسمعت في الليل صوت التعزية و النياح و صياح الاطفال فسألت طفلا من تلك القرية عن الخبر؟ فقال لي بلسان عربي: ينوحون على سيد المظلومين، فقلت: من هو سيد المظلومين؟ قال: سيدنا الحسين (عليه السلام).
و كنت بقية ايام عاشوراء في كردستان فرأيت أهل القرى و الأرياف الذين لا علم لهم بمراسم الشيعة، يقيمون مجالس العزاء في ايام عاشوراء و يصيحون: يا حسين يا حسين.
و أعجب من هذا تأثير مصيبته (عليه السلام) في الجمادات و النباتات و الحيوانات كما دلّت الاخبار الكثيرة بتألم جميع موجودات العالم عند قتل الحسين (عليه السلام) و قد بكت جميعها عليه، و انقلبت أحوال العالم، للارتباط الوثيق و العميق بينها و بين خليفة اللّه، بحيث لم يمكن انكارها و اعترف بها العدو و الصديق و الكافر و المؤمن، و لما كان استيفاء جميع هذه الاخبار، يستدعي وضع كتاب مستقل، لم نذكرها بل نشير الى جزء يسير منها: روى عن الباقر (عليه السلام) انّه قال: بكت الانس و الجن و الطير و الوحش على الحسين بن عليّ (عليه السلام) حتى ذرفت (أي سالت) دموعها .
وعن الصادق (عليه السلام) قال: انّ ابا عبد اللّه لما مضى بكت عليه السماوات السبع و ما فيهن، و الأرضون السبع و ما فيهنّ و ما بينهنّ، و ما ينقلب في الجنّة و النار من خلق ربنا، و ما يرى و ما لا يرى، بكى على ابي عبد اللّه (عليه السلام) الّا ثلاثة أشياء، لم تبك عليه البصرة و لا دمشق و لا آل عثمان عليهم لعنة اللّه .
و قد مضى اخبار الصادق (عليه السلام) زرارة ببكاء السماء و الارض على الحسين (عليه السلام) اربعين صباحا بالدم.
و روى الصدوق رحمه اللّه عن رجل من أهل بيت المقدس انّه قال: و اللّه لقد عرفنا أهل بيت
المقدس و نواحيها عشيّة قتل الحسين بن عليّ، (فقيل له:) و كيف ذلك؟ قال: ما رفعنا حجرا و لا مدرا و لا صخرا الّا و رأينا تحتها دما يغلي و احمرّت الحيطان كالعلق و مطرنا ثلاثة أيام دما عبيطا و سمعنا مناديا ينادي في جوف الليل يقول:
أ ترجو أمّة قتلت حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب
و أشار عليّ بن الحسين (عليه السلام) في خطبته حينما قدم المدينة الى بكاء جميع الموجودات و انقلاب المخلوقات، و يؤيد هذا المعنى ما ورد في بعض زياراته (عليه السلام) و أيضا ما ورد من طرق العامة في ظهور العجائب و الغرائب عند قتله (عليه السلام)، و من رواياتهم في تفسير قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ } [الدخان: 29] انّه: لما قتل الحسين بن علي (عليه السلام) بكت السماء و بكاؤها حمرتها .
و قال ابن عبد ربه الاندلسي بعد ذكره لوفود محمد بن مسلم الزهري على عبد الملك بن مروان، فسأله عبد الملك: ما أصبح ببيت المقدس الليلة التي قتل في صبيحتها الحسين بن عليّ؟ قلت: لم يرتفع تلك الليلة التي صبيحتها قتل عليّ بن أبي طالب و الحسين بن عليّ، حجر في بيت المقدس الّا وجد تحته دم عبيط .
و روى في كامل الزيارات مثله عن الامام الباقر (عليه السلام)، حيث قال الامام تلك المقالة لهشام بن عبد الملك.
و روى ابن عبد ربه أيضا انّه: كان في عسكر الحسين (عليه السلام) طيب فنهب فما استعملته امرأة الّا أصيبت بالبرص.
و حكاية كتابة الكف «أ ترجو أمة قتلت حسينا» و حكاية صيرورة الدراهم التي أعطاها
الراهب لحملة رأس الحسين (عليه السلام) خزفا التي رواها علماء العامة، مرّت عليك فيما سبق، و حكاية رثاء الجن على الحسين (عليه السلام) اكثر من أن تحصى و جاء في تذكرة السبط و غيرها، سماع أمّ سلمة ليلة قتل الحسين (عليه السلام) نوح الجن عليه: «ألا يا عين فاحتفلي بجهد» .
و سماع الزهري نوحهم أيضا بهذه الابيات:
نساء الجن يبكين نساء الهاشميات و يلطمن خدودا كالدنانير نقيات
و يلبسن ثياب السود بعد القصبيات
و أيضا ورد في مراثيهم:
مسح النبي جبينه و له بريق في الخدود أبواه من عليا قريش جدّه خير الجدود
و ذكر ابن الجوزي في التذكرة و غيره عن ابن سعد في الطبقات: انّ هذه الحمرة لم تر في السماء قبل أن يقتل الحسين.
قال جدّي أبو الفرج في كتاب التبصرة: لما كان الغضبان يحمر وجهه عند الغضب، فليستدل بذلك على غضبه، و انّه أمارة السخط، و الحق سبحانه ليس بجسم، فأظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الافق و ذلك دليل على عظم الجناية .
و في بعض كتب العامة انّه لما قتل الحسين مكث شهرين أو ثلاثة كأنّما لطخت الحيطان بالدم و مطرت السماء و بقي أثره في الثياب .
و قال ابراهيم بن محمد البيهقي في كتاب المحاسن و المساوي- و قد ألّف قبل اكثر من ألف سنة-: قال محمد بن سيرين: «ما رؤيت هذه الحمرة في السماء الّا بعد ما قتل الحسين (عليه السلام) و لم تطمث امرأة بالروم أربعة أشهر الّا أصابها وضح ، فكتب ملك الروم الى ملك العرب: قتلتم نبيا أو ابن نبي؟ .
و عن ابن سيرين أيضا انّه: وجد حجر قبل مبعث النبي (صلى الله عليه واله)بخمسمائة سنة، عليه مكتوب بالسريانية فنقلوه الى العربية فاذا هو:
أ ترجوا أمة قتلت حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب
و قال سليمان بن يسار رأيت صخرة مكتوبا عليها:
لا بد أن ترد القيامة فاطمة و قميصها بدم الحسين ملطخ
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه و الصور في يوم القيامة ينفخ
و في مجموعة الشيخ الصدوق و الكشكول و زهر الربيع انّه وجد عقيق أحمر مكتوب عليه:
انا درّ من السماء نثروني يوم تزويج والد السبطين
كنت انقى من اللجين بياضا صبغتني دماء نحر الحسين
و قال السيد الجزائري في زهر الربيع: رأيت حصاة صغيرة صفراء في شوشتر قد اخرجت من الارض و مكتوب عليها: بسم اللّه الرحمن الرحيم، لا إله الّا اللّه محمد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه لما قتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) كتب بدمه على ارض حصباء، و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
و لم تكن هذه القضايا عجيبة لوقوع نظيرها في زماننا هذا كما اخبرنا الشيخ المحدث الجليل المرحوم ثقة الاسلام النوري طاب ثراه عن شيخه عبد الحسين الطهراني رحمه اللّه انّه: لما ذهب الى الحلّة رأى شجرة قطعت مكتوب فيها: لا إله الّا اللّه محمد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه.
و ذكر هذه القضية العالم الفاضل الاديب الماهر الحاج ميرزا أبو الفضل الطهراني بواسطة
والده المحقق عن المرحوم شيخ العراقيين الشيخ عبد الحسين ثم قال بعده: و رأيت في طهران الماسا صغيرا لا يبلع حجمه نصف العدس و منقوش في باطنه بصورة يقطع الناظر بعدم صناعته بيد البشر، لفظ عليّ (عليه السلام) بالياء المعكوسة، في جنبه لفظ كأنه الياء فيصير المجموع يا علي و كثرت هذه القضايا في كتب السير و التأريخ.
و في بعض كتب العامة انّه سمع هاتف في الليلة التي قتل فيها الحسين (عليه السلام) يقول: أيّها القاتلون جهلا حسينا الى آخر الابيات، و في بعض الأحاديث انّ السماء بكت دما عند قتل الحسين (عليه السلام) و انّ السماء اسودت بكسوف الشمس بحيث ظهرت الكواكب و لم ترفع صخرة الّا و تحتها دم يغلي.
و في رواية ابن حجر انّ السماء بكت سبعة أيام و احمرّت، و نقل ابن الجوزي عن ابن سيرين انّه قال: لما قتل الحسين اظلمت الدنيا ثلاثة ايام ثم ظهرت هذه الحمرة .
و روي في ينابيع المودة عن جواهر العقدين للسمهودي انّه: خرج جمع لغزو الروم فوجدوا خطا على كنيسة و هو: «أ ترجو أمة قتلت حسينا ...» فسألوا عن كاتبه، فقيل: لم يعلم ، و روي في ذلك الكتاب أيضا قضايا عديدة عن مقتل ابي مخنف من نوح الجن و رثائها و سير أهل البيت عليهم السّلام الى الشام ثم قال:
لما وصلوا الى دير الراهب، وضع حامل الرأس، الرأس على الرمح، فسمعوا صوت هاتف يقول:
و اللّه ما جئتكم حتى بصرت به بالطف منعفر الخدّين منحورا
و حوله فتية تدمى نحورهم مثل المصابيح يغشون الدجى نورا
كان الحسين سراجا يستضاء به اللّه يعلم انّي لم أقل زورا
و نقل عن شرح الهمزية لابن حجر ما مضمونه: و من الآيات الظاهرة يوم قتل الحسين (عليه السلام) انّ السماء بكت دما بحيث امتلأت الاواني بالدم و اظلمت الدنيا حتى رؤيت النجوم و زعم الناس قيام الساعة، و تصادمت النجوم و اختلطت، و لم يرفع حجر الّا و قد وجد تحته دم عبيط، و بقيت الدنيا مظلمة ثلاثة أيام ثم ظهرت هذه الحمرة، و قيل انّها مكثت ستة أشهر و ذكر السيوطي نحوه في تاريخ الخلفاء ثم قال: و صار الورس الذي في عسكرهم رمادا، و نحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها مثل النيران و طبخوها فصارت مثل العلقم . (و قد ذكر هذا المطلب البيهقي في المحاسن و المساوئ) و قد كثرت هذه الحكايات و الغرائب في كتب أهل السنة بحيث لا يمكن احصاؤها