- ذكر الحائري في دائرة المعارف قال: إن آدم (عليه السلام) لما هبط إلى الأرض لم ير حواء فصار يطوف الأرض في طلبها، فمر بأرض كربلاء فاعتل واعتاق وضاق صدره من غير سبب، وعثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام) حتى سأل الدم من رجليه فرفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي هل حدث في شئ من ذنب آخر فعاقبتني به! فإني طفت جميع الأرض ما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض، فأوحى الله تعالى إليه: يا آدم ما حدث منك ذنب، ولكن يقتل في هذه الأرض من ولدك الحسين (عليه السلام) ظلما فسأل دمك موافقة لدمه، فقال آدم (عليه السلام): ومن قاتله؟ قال: قاتله يزيد لعين أهل السماوات والأرض، فقال آدم: فأي شئ أصنع يا جبرئيل؟ فقال: العنه أربع مرات، ومشى خطوات حتى وصل إلى جبل عرفات فوجد حواء هناك .
- وإن نوحا لما ركب في السفينة طافت جميع الدنيا، فلما مرت بأرض كربلاء أخذته الأرض وخاف نوح الغرق، فدعا ربه وقال: إلهي طفت جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض؟ فنزل جبرئيل فقال: يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين (عليه السلام)، فقال: من القاتل؟ قال: لعين أهل السماوات والأرض يزيد، فلعنه نوح أربع مرات فسارت السفينة حتى بلغت الجودي واستقرت عليه .
- وإن إبراهيم مر في أرض كربلاء وهو راكب فرسا، فعثرت به وسقط إبراهيم (عليه السلام) وشج رأسه وسال دمه، فأخذ في الاستغفار، وقال: إلهي أي شيء حدث مني؟ فنزل إليه جبرئيل وقال: يا إبراهيم ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء، فسأل دمك موافقة لدمه، قال: يا جبرئيل ومن يكون قاتله؟ قال: اللعين يزيد، والقلم جرى على اللوح بلعنه بغير إذن ربه، فأوحى الله إلى القلم أنك استحقيت الثناء بهذا اللعن، فرفع إبراهيم (عليه السلام) يديه ولعن يزيد لعنا كثيرا وأمن فرسه بلسان فصيح، فقال إبراهيم لفرسه: أي شئ
عرفت حتى تؤمن على دعائي؟ فقال: يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك علي، فلما عثرت وسقطت عن ظهري أخجلني، وكان سبب ذلك من يزيد .
- وإن إسماعيل (عليه السلام) كانت أغنامه ترعى بشط الفرات فأخبره الراعي أنها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوما، فسأل ربه عن سبب ذلك؟ فنزل جبرئيل (عليه السلام) وقال: يا إسماعيل: سل غنمك فإنها تجيبك عن سبب ذلك، فقال: لم لا تشربن من هذا الماء؟ فقالت بلسان فصيح: قد بلغنا أن ولدك الحسين (عليه السلام) سبط محمد يقتل عطشان، فنحن لا نشرب من هذا المشرعة حزنا عليه.
فسألها عن قاتله فقالت: يقتله لعين أهل السماوات والأرضين والخلائق أجمعين يزيد، فقال إسماعيل: اللهم العن قاتل الحسين .
- وإن موسى كان ذات يوما سائرا ومعه يوشع بن نون، فلما جاء إلى أرض كربلاء أنخرق نعله، وأنقطع شركه، ودخل الحسك في رجليه، وسأل دمه.
فقال: إلهي أي شئ حدث مني؟ فأوحى الله إليه، أن هنا يقتل الحسين، وهنا يسفك دمه فسال دمك موافقة لدمه، فقال: رب ومن يكون الحسين؟ فقيل له: هو سبط محمد المصطفى وابن علي المرتضى، فقال: ومن يكون قاتله؟ فقيل: هو يزيد لعين السمك في البحار، والوحوش في القفار، والطير في الهواء، فرفع موسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه، وأمن بن نون على دعائه ومضى لشأنه .
- وإن سليمان (عليه السلام) كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء فمر ذات يوم وهو سائر في أرض كربلاء، فأدارت الريح بساطه ثلاث دورات حتى خافوا السقوط، فسكنت الريح ونزل البساط في أرض كربلاء فقال سليمان للريح: لم سكنت؟ فقالت: إن هنا يقتل الحسين (عليه السلام)، فقال: ومن قاتله؟ قالت: اللعين يزيد، فرفع سليمان يديه ولعنه ودعا عليه، وأمن دعاءه الإنس والجن، فهبت الريح وسار البساط .
- وإن عيسى (عليه السلام) كان سائحا في البراري ومعه الحواريون، فمروا بكربلاء فرأوا أسدا كاشرا قد أخذ الطريق، فتقدم عيسى إلى الأسد وقال له: لم جلست في هذا الطريق ولا تدعنا نمر فيه؟ فقال الأسد بلسان فصيح: إني لن أدع لكم الطريق حتى تلعنوا يزيد قاتل الحسين (عليه السلام)، فقال عيسى: ومن يكون الحسين؟ قال: سبط محمد النبي الأمي وابن علي الولي، قال: ومن قاتله؟ قال: قاتله لعين الوحوش والذئاب والسباع أجمع وخصوصا أيام عاشوراء. فرفع يديه ولعن يزيد ودعا عليه، وأمن الحواريون على دعائه، فتنحى الأسد عن طريقهم ومضوا إلى شأنهم .
إخبار الإمام علي (عليه السلام) بقتل الحسين بأرض كربلاء :
- عن علي بن محمد، عن يحيى بن زكريا، عن رجل، عن عامر الشعبي، قال: قال علي وهو على شاطئ الفرات: صبرا أبا عبد الله، ثم قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعيناه تفيضان، فقلت: أحدث حدث؟ فقال: أخبرني جبريل أن حسينا يقتل بشاطئ الفرات، ثم قال: أتحب أن أريك من تربته؟ قلت: نعم، فقبض قبضة من تربتها فوضعها في كفي، فما ملكت عيني أن فاضتا.
- قال ابن سعد: أخبرنا عبد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ، عن علي قال: ليقتلن الحسين بن علي قتلا، وإني لأعرف تربة الأرض التي يقتل بها، يقتل بقرية قريب من النهرين.
- في رواية يحيى بن حماد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن عطاء بن السائب، عن ميمون، عن شيبان بن محزم، قال: وكان عثمانيا يبغض عليا! قال: رجع علي من صفين، قال: فانتهينا إلى موضع، قال: فقال: ما يسمى هذا الموضع؟ قال: قلنا: كربلاء، قال: ثم قعد على رابية، وقال: يقتل ها هنا قوم أفضل شهداء على وجه الأرض لا يكون شهداء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: قلت: بعض كذباته ورب الكعبة! قال: فقلت لغلامي - وقسمة حمار ميت - جئتني برجل هذا الحمار فأوقدته في المقعد الذي كان فيه قاعدا: فلما قتل الحسين قلت لأصحابي: إنطلقوا ننظر، فانتهينا إلى المكان، وإذا جسد الحسين على رجل الحمار، وإذا أصحابه ربضة حوله .
- أخرج محب الدين الطبري، قال: أخرج أحمد وابن الضحاك عن علي (رضي الله عنه) قال:
دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعيناه تفيضان قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما
شأن عينيك تفيضان؟ قال: قام من عندي جبريل (عليه السلام) قبل، وحدثني: أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فقال: هل لك إلى أن أشمك من تربته؟ قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من
تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا .
- أخرج أحمد في المسند قال: نا محمد بن عبيد، نا شرحبيل بن مدرك، عن عبد الله بن نجى، عن أبيه، أنه سار مع علي (عليه السلام)، فلما جاءوا نينوى وهو منطلق إلى صفين، فنادى علي: أصبر أبا عبد الله، أصبر أبا عبد الله بشط الفرات، قلت: وماذا؟ قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وعيناه تفيضان: قلت: يا نبي الله! أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بلى، قام من عندي جبريل قبل، فحدثني: أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فقال: هل لك أن أشهدك من تربته؟
قال: قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا .
- أخرج نصر بن مزاحم في كتابه (صفين) عن سعيد بن حكيم العبسي، عن الحسين بن كثير، عن أبيه: أن عليا أتى كربلاء فوقف بها فقيل: يا أمير المؤمنين هذه كربلاء، قال: ذات كرب وبلاء، ثم أومأ بيده إلى مكان فقال: هاهنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم، وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال: ها هنا مهراق دمائهم .
- وأخرج الحافظ أبو نعيم في دلائل النبوة، بالإسناد عن أصبغ بن نباتة قال: أتينا مع علي موضع قبر الحسين فقال: هاهنا مناخ ركابهم، وموضع رحالهم، ومهراق دمائهم، فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض .
- وروى الحسين بن كثير وعبد خير قالا: لما وصل علي (عليه السلام) إلى كربلاء وقف وبكى وقال: بأبي أغيلمة تقتل هاهنا، هذا مناخ ركابهم، هذا موضع رحالهم، هذا مصرع الرجال، ثم زاد بكاؤه .
- وقال الحافظ ابن كثير في تاريخه: قد روى محمد بن سعد وغيره من غير وجه عن علي بن أبي طالب: أنه مر بكربلاء عند أشجار الحنظل وهو ذاهب إلى صفين.
فسأل عن اسمها فقيل: كربلاء، فقال: كرب وبلاء، فنزل وصلى عند شجرة هناك ثم قال: يقتل هاهنا شهداء هم خير الشهداء غير الصحابة، يدخلون الجنة بغير حساب، وأشار إلى مكان هناك، فعلموه بشئ، فقتل فيه الحسين .
- ذكر الخوارزمي حديثا أخرجه الحافظ الطبراني عن شيبان وكان عثمانيا قال: إني لمع علي إذ أتى كربلاء، فقال: في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلا شهداء بدر .
فقال: وفي رواية أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما سار إلى صفين نزل كربلاء وقال لابن عباس: أتدري ما هذه البقعة؟ قال: لا، قال: لو عرفتها لبكيت بكائي، ثم بكى بكاء شديدا، ثم قال: ما لي ولآل أبي سفيان؟ ثم التفت إلى الحسين وقال: صبرا يا بني فقد لقي منهم أبوك مثل الذي تلقى بعده .
- عن مصعب بن سلام، قال أبو حيان التميمي، عن أبي عبيدة، عن هرثمة بن سليم قال: غزونا مع علي بن أبي طالب صفين، فلما نزلنا بكربلاء صلى بنا صلاة، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال: واها لك أيتها التربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب، فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته، وهي جرداء بنت سمير، وكانت شيعة لعلي، فقال لها زوجها هرثمة: ألا أعجبك من صديقك أبي الحسن؟ لما نزلنا كربلاء رفع إليه من تربتها فشمها وقال:
واها لك يا تربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب وما علمه بالغيب؟
فقالت: دعنا منك أيها الرجل، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا.
فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن علي وأصحابه، عرفت المنزل الذي نزل بنا علي فيه والبقعة التي رفع إليه من ترابها، والقول الذي قال، فكرهت مسيري فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين، فسلمت عليه، وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل، فقال الحسين: معنا أنت أو علينا؟ فقلت: يا ابن رسول الله، لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي أخاف
عليهم من ابن زياد. فقال الحسين: فول هربا حتى لا ترى لنا مقتلا، فوالذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار.
قال: فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله .
ورواه ابن سعد بلفظ آخر، قال: أخبرنا يحيى بن حماد، قال: حدثنا أبو عوانه، عن سليمان، قال: حدثنا أبو عبيده الضبي، دخلنا على أبي حين أقبل من صفين وهو مع علي، وهو جالس على دكان وله امرأة يقال لها: حرداء، هي أشد حبا لعلي، وأشد لقوله تصديقا.
فجاءت شاة فبعرت، فقال: لقد ذكرني بعض بعر هذه الشاة حديثا لعلي، قالوا: وما علم علي بهذا؟
قال: أقبلنا فرجعنا من صفين فنزلنا كربلاء، فصلى بنا علي صلاة الفجر بين شجرات ودوحات حرمل، ثم أخذ كفا من بعر الغزلان فشمه، ثم قال: أوه، أوه يقتل بهذا الغائط قوم يدخلون الجنة بغير حساب. قالت حرداء: وما تنكر من هذا؟ هو أعلم بما قال منك، نادت بذلك وهي في جوف البيت .
- عن مصعب بن سلام قال: حدثنا الأجلح بن عبد الله الندي، عن أبي جحيفة قال: جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب. فسأله وأنا أسمع فقال: حديث حدثنيه عن علي بن أبي طالب. قال: نعم، بعثني مخنف بن سليم إلى علي. فأتيته بكربلاء، فوجدته يشير بيده ويقول: هاهنا هاهنا. فقال له رجل: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: ثقل لآل محمد ينزل هاهنا، فويل لهم منكم، وويل لكم منهم.
فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال: ويل لهم منكم، تقتلونهم، وويل لكم منهم، يدخلكم الله بقتلهم إلى النار .
- عن علي بن الحسين، عن سعد، عن ابن عيسى، عن محمد البرقي، عن عبد العظيم الحسني، عن الحسن بن الحكم النخعي، عن كثير بن شهاب الحارثي، قال: بينا نحن جلوس عند أمير المؤمنين (عليه السلام) في الرحبة إذ طلع الحسين (عليه السلام) عليه فضحك علي حتى بدت نواجذه، ثم قال: إن الله ذكر قوما فقال: فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظري * والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليقتلن هذا، ولتبكين عليه السماء والأرض.
- عن جعفر بن محمد الفزاري معنعنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان الحسين (عليه السلام) مع أمة تحمله فأخذه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: لعن الله قاتلك، ولعن الله سالبك، وأهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك.
قالت فاطمة الزهراء (عليها السلام): يا أبة أي شيء تقول؟ قال: يا بنتاه ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل، وكأني أنظر إلى معسكرهم، وإلى موضع رجالهم وتربتهم.
قالت: يا أبة وأين هذا الموضع الذي تصف؟ قال: موضع يقال له: كربلاء هي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأئمة، يخرج عليهم شرار أمتي " لو أن أحدهم شفع " له من في السماوات والأرضين فاشفعوا فيه، وهم مخلدون في النار.
قالت: يا أبة فيقتل؟ قال: نعم يا بنتاه، وما قتل قتلته أحد كان قبله وتبكيه أهل السماوات والأرضين، والملائكة، والوحش، والحيتان، والنباتات، والبحار والجبال، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفس، ويأتيه قوم من محبينا ليس إليه غيرهم أولئك مصابيح في ظلمات الجور، وهم الشفعاء وهم واردون حوضي غدا أعرفهم إذا وردوا علي بسيماهم وكل أهل دين يطلبون أئمتهم، وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا، وهم قوام الأرض: وبهم ينزل الغيث.
فقالت: فاطمة الزهراء (عليها السلام): يا أبة إنا لله وبكت، فقال لها: يا بنتاه إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا، بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا، فما عند الله خير من الدنيا وما فيها قتلة أهون من ميتة، ومن كتب عليه القتل، خرج إلى مضجعه، ومن لم يقتل فسوف يموت، يا فاطمة بنت محمد: أما تحبين أن تأمري غدا بأمر فتطاعي في هذا الخلق عند الحساب؟ أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة؟ أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار، يأمر النار فتطيعه يخرج منها من يشاء؟
أما ترضين أن تنظري إلى الملائكة على أرجاء السماء وينظروا إليك وإلى ما تأمرين به، وينظروا إلى بعلك إذا أفلجت حجته على الخلائق، وأمرت النار أن تطيعه؟
أما ترضين أن تكون الملائكة تبكي لابنك ويأسف عليه كل شئ؟ أما ترضين أن يكون من آتاه زائرا في ضمان الله، ويكون من آتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله الحرام واعتمر، ولم يخل من الرحمة طرفة عين، وإذا مات مات شهيدا، وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي، ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا. قالت: يا أبة سلمت ورضيت وتوكلت على الله، فمسح على
قلبها ومسح عينها، وقال: إني وبعلك وأنت وابنيك في مكان تقر عيناك ويفرح قلبك .
- عن محمد الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده (عليه السلام) أن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) دخل يوما إلى الحسن (عليه السلام) فلما نظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي لما يصنع بك، فقال له الحسن (عليه السلام): إن الذي يؤتى إلي يدس إلي فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف ثلاثون ألف رجل يدعون أنهم من أمة جدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحل ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء رمادا ودما، ويبكي عليك كل شئ حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار .
العامة تعلم بمقتله (عليه السلام) في كربلاء :
- لقد صار واضحا لدى العامة بأن الإمام الحسين سوف يقتل وأن مقتله سيكون بأرض كربلاء، فقال ابن سعد: أخبرنا علي بن محمد، عن عامر بن أبي محمد، عن الهيثم بن موسى، قال: قال العريان بن الهيثم: كان أبي يتبدى فينزل قريبا من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين، فكنا لا نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك، فقال له أبي: أراك ملازما هذا المكان؟! قال: بلغني أن حسينا يقتل هاهنا، فأنا أخرج لعلي أصادفه فأقتل معه، فلما قتل الحسين، قال أبي: انطلقوا انظروا هل الأسدي فيمن قتل؟
فأتينا المعركة فطفنا فإذا الأسدي مقتول .
- عن ابن سعد قال: حدثنا سليمان، حدثنا محمد بن محمد التمار البصري، حدثنا ابن كثير العبدي، حدثنا سليمان بن كثير عن حصين بن عبد الرحمن، عن علاء بن أبي عائشة، عن أبيه، عن رأس الجالوت، قال: كنا نسمع أنه يقتل بكربلاء ابن نبي فكنت إذا دخلتها، ركضت فرسي حتى أجوز عنها، فلما قتل الحسين، جعلت أسير بعد ذلك على هنيتي .
- روي عبد الله بن شريك العامري قال: كنت أسمع أصحاب علي (عليه السلام) إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون: هذا قاتل الحسين بن علي (عليهما السلام) وذلك قبل قتله بزمان .
- سمع عون بن أبي جحيفة قال: إنا لجلوس عند دار أبي عبد الله الجدلي، فأتانا مالك بن صحار الهمداني فقال: دلوني على منزل فلان ، قال: قلنا ألا ترسل إليه فيجئ قال: وكنا في الكلام إذ جاء، فقال له ابن صحار: أتذكر يوم بعثك مخنف إلى أمير المؤمنين وهو بشاطئ الفرات، فقال:
ليحلن هاهنا ركب من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمد بهذا المكان فتقتلونهم، فويل
لكم منهم وويل لهم منكم .
الحسين (عليه السلام) ينعى نفسه
نتيجة للأخبار الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار بأن الحسين (عليه السلام) سيقتل بأرض في العراق أو شاطئ الفرات، أكد الإمام الحسين (عليه السلام) بأنه سيقتل برحلته هذه إلى العراق، لذلك نعى نفسه لكل من أراد أن يثنيه عن رحلته إلى العراق، فقد صرح أمام الملأ بقوله: (كأن أوصالي تقطعها غسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء). وسنذكر هنا طائفة من الأخبار الواردة بهذا الخصوص.
- قال ابن سعد: أخبرنا علي بن محمد، عن الحسن بن دينار، عن معاوية بن قرة قال: قال الحسين: والله ليعتدن علي كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت .
- قال ابن سعد: أخبرنا علي بن محمد، عن جعفر بن سليمان الضبعي، قال: قال الحسين بن علي: والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي! فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة.
فقدم العراق فقتل بنينوى سنة إحدى وستين .
- قال ابن سعد: دخل عبد الله بن عباس على الحسين فكلمه طويلا، وقال: أنشدك الله أن تهلك بحال مضيعة، لا تأتي العراق، وإن كنت لا بد فاعلا فأقم حتى ينقضي الموسم، وتلقى الناس وتعلم على ما يصدرون، ثم ترى رأيك (وذلك في عشرة ذي الحجة سنة ٦٠).
فأبى الحسين إلا أن يمضي إلى العراق، فقال له ابن عباس: والله إني لأظنك ستقتل غدا بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان بين نسائه وبناته، والله إني لأخاف أن تكون الذي يقاد به عثمان، فأنا لله وإنا إليه راجعون.
فقال الحسين: أبا العباس إنك شيخ قد كبرت، فقال ابن عباس: لولا أن يزري بي أو بك لنشبت يدي في رأسك، لو أعلم أنا إذا تناحينا أقمت لفعلت، ولكن لا أخال ذلك نافعي. فقال له الحسين: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي أن تستحل بي - يعني مكة - قال: فبكى ابن عباس، وقال: أقررت عين ابن الزبير فذلك سلى بنفسي عنه، ثم خرج عبد الله بن عباس من عنده وهو مغضب وابن الزبير على الباب، فلما رآه قال: يا بن الزبير قد أتى ما أحببت، قرت عينك، هذا
أبو عبد الله يخرج ويتركك الحجاز، تم تمثل:
يا لك من قبرة بمعمر * خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري
وأخرجه الحافظ يعقوب بن سفيان النسوي قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا إبراهيم بن ميسرة، قال: سمعت طاووسا يقول: سمعت ابن عباس يقول:
استشارني الحسين بن علي في الخروج فقلت: لولا أن يزري ذلك بي أو بك لنشبت يدي في رأسك، فكان الذي رد علي أن قال: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن تنجدني - يعني مكة - قال ابن عباس: فذلك الذي سلى نفسي عنه .
- وعندما وصل الإمام الحسين وأصحابه إلى أرض كربلاء قال: ما يقال لهذه الأرض؟ فقالوا: كربلاء، ويقال لها: نينوى قرية بها، فبكى وقال: كرب وبلاء، أخبرتني أم سلمة قالت: كان جبرئيل. الحديث .
- قال ابن سعد: أخبرنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن زيد الرشك، قال: حدثني من شاهد الحسين، قال: رأيت أبنية مضروبة بفلات من الأرض فقلت: لمن هذه؟ قالوا: هذه للحسين، قال: فأتيته فإذا شيخ يقرأ القرآن قال: والدموع تسيل على خديه ولحيته، قال: قلت: بأبي وأمي يا بن رسول الله ما أنزلك هذه البلاد والفلاة ليس بها أحد؟ فقال هذه كتب أهل الكوفة إلي ولا أراهم إلا قاتلي، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلا انتهكوها، فيسلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة - يعني مقتنعها .
- ذكر ابن سعد في الطبقات قال: كتب عبد الله بن جعفر كتابا يحذره أهل الكوفة ويناشده الله أن يشخص إليهم، فكتب إليه الحسين: إني رأيت رؤيا، ورأيت فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمرني بأمر وأنا ماض له، ولست بمخبر به أحدا حتى ألاقي عملي .
- عن يحيى بن إسماعيل، عن الشعبي: أن سالما قال: قيل لأبي عبد الله بن عمر: إن الحسين توجه إلى العراق، فلحقه على ثلاث مراحل من المدينة، وكان غائبا عند خروجه، فقال: أين تريد؟ قال: أريد العراق، وأخرج إليه كتب القوم، هذه بيعتهم وكتبهم، فناشده الله أن يرجع، فأبى، فقال: أحدثك بحديث ما حدثت به أحدا قبلك: إن جبريل أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنكم بضعة منه، فوالله لا يليها أحد من أهل بيته أبدا، وما صرفه الله عنكما إلا ما هو خير لكم، فأنت تعرف غدر أهل العراق وما كان يلقي أبوك منهم، فأبى فاعتنقه، وقال: استودعك الله من قتيل .
- وروى سالم بن أبي حفصة قال: قال عمر بن سعد للحسين بن علي (عليهما السلام): يا أبا عبد الله إن قبلنا ناسا سفهاء، يزعمون أني أقتلك، فقال له الحسين (عليه السلام): " إنهم ليسوا بسفهاء، ولكنهم حلماء، أما إنه يقر عيني إلا تأكل بر العراق بعدي إلا قليلا ".
وروى عبد الله بن شريك العامري قال: كنت أسمع أصحاب علي (عليه السلام) إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون هذا قاتل الحسين بن علي، وذلك قبل أن يقتل بزمان .
- وذكر أبو علي السلمي البيهقي في تاريخه: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال للحسين بن علي (عليه السلام): إن لك في الجنة درجة لا تنالها إلا بالشهادة. قال السلمي: فكان يعلم وقت اجتماع العسكر عليه أنه مقتول، فصبر ولم يجزع حتى نال الشهادة. عليه السلام .
- روى عن ابن عباس: لما أراد أن يثني الحسين (عليه السلام) عن الخروج إلى العراق وأبى الحسين ذلك خرج منه وهو يقول: وا حسيناه، أنعى حسينا لمن سمع .
خاتمة البحث
بعد أن قمنا بعون الله بجمع الروايات المعتبرة والمتواترة، الواردة أغلبها من طريق العامة، بأخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن ولده وثمرة فؤاده الحسين بن علي (عليه السلام)، يقتل بأرض في العراق تسمى كربلاء، وأن المنحرفين من أمته سوف يجتمعون تحت راية الضلال والانحراف في هذه الأرض، ويساهمون في قتل عترته الطاهرة.
وكان إخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحادثة مقتل ولده الحسين (عليه السلام) من ضمن إخباره بحوادث كثيرة، وقعت منها في حياته، وأخرى بعد مماته، وقد تطرق المرجع الكبير المرحوم محمد الحسين آل كاشف الغطاء لهذا الموضوع بقوله: " والمناسبة نقول: إن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) كما أخبر بقتل ولده الحسين (عليه السلام) في كربلاء قبل وقوعه، ودفع لزوجته أم سلمة من تربتها وأراها الجملة من أصحابه، كذلك أخبر بحوادث كثيرة
ووقائع قبل وقوعها، فوقع بعضها في حياته، وبعضها بعد رحلته من الدنيا.
(فمن الأول) أخباره بفتح مكة ودخولهم المسجد الحرام آمنين مطمئنين، كما في القرآن الكريم، وإخباره بغلبة الروم على الفرس في بضع سنين، كما في القرآن أيضا، وأخباره بأن كسرى قد مات أو قتل، وأخباره بالكتاب الذي مع حاطب بن بلتعة وكثير من أمثالها.
(ومن الثاني) إخباره بأن أصحابه يفتحون ممالك كسرى وقيصر، وأن أصحابه يختلفون في الخلافة من بعده، وإخباره بمقتل عثمان، وشهادة أمير المؤمنين بسيف ابن ملجم، وبسم ولده الحسن، وغلبة بني أمية على الأمة، وبشهادة قيس بن ثابت الشماس، وبفتح الحيرة البيضاء، وقضية المرأة التي وهبها لبعض أصحابه، ولما فتح الحيرة خالد بن الوليد طلبها منه، واستشهد بشاهدين من الصحابة فدفعها له وهي الشيماء أخت عبد المسيح بن بقيلة كبير النصارى وقسهم
الأعظم، إلى كثير من أمثال هذه الوقائع التي لو جمعت لكانت كتابا مستقلا " .
لكن هذه الأمة التي أراد لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تكون خير الأمم، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر قد طعنت رسول الله في خاصرته، وخذلته في أحب الخلق إليه وهم أهل بيته.
لقد تجمع أعوان الضلال والانحراف على قتل ذريته الطاهرة شر قتلة، ومزقتهم شر ممزق، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول أيام صفين: " والله ما سمعت إن أمة آمنت بنبيها قاتلت أهل بيته غيركم " . ورسول الله يؤكد على لزوم الأمة بمودة أهل بيته، ورعايتهم إكمالا للدين، وإتماما للنعمة .
وروى عن الحسن أنه قال: إنا من أهل بيت فرض الله مودتهم في كتابه فقال تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا} [الشورى: 23] فالحسنة مودتنا أهل البيت .
لكن هذه الأمة التي لم تلتزم بوصايا الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) بمودة أهل بيته، ولم تكتف بهذا بل ذهبت أبعد من ذلك، من قتلهم وتشريدهم، والتاريخ شاهد على ما ارتكبوه من إجرام واضطهاد بحقهم، وأصبحت أعمالهم الشائنة هذه محل سخرية واستهجان حتى من غير المسلمين، كما في رواية ابن أبي لهيعة عن ابن الأسود، قال: لقيت رأس الجالوت، فقال: إن بيني وبين داود سبعين أبا، وإن اليهود إذا رأوني عظموني وعرفوا حقي وأوجبوا حفظي، وإنه ليس بينكم وبين نبيكم إلا أب واحد قتلتم ابنه .
فإذا كان حال آل الرسول هذه، فكيف الحال وبقية أحكام الدين التي جاهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الميامين من أجل تطبيقها لانتشال الأمة من براثن الجاهلية إلى مواقع السمو والرفعة. وما كان على الحسين (عليه السلام) وهو حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يفعل وهو يرى أحكام الدين قد تعطلت، والانحراف والعودة إلى الجاهلية التي أخذت تدب في أوصال أمة جده محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال (عليه السلام) في إحدى خطبه: " إن هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، فأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود واستأثروا بالفئ " .
وما كان على الإمام الحسين (عليه السلام) وهو سيد قريش أن يفعل، وقد رقى منبر جده شخصية متهتكة مثل يزيد، الذي يجاهر بأفعاله المنكرة على مسمع ومرأى من الأمة، علاوة على رسل أهل العراق التي كانت تصل إلى الإمام الحسين تحثه على الخروج إليهم، والالتفاف حول قيادته الرشيدة، لانتشال الأمة من هاوية السقوط والعودة بها الإسلام المحمدي الأصيل، ومن جملة ما كتب له أهل الكوفة
خمسين صحيفة، الصحيفة من الرجل والاثنين والثلاثة والأربعة، وكتبوا معهما: " أما بعد فحي هلا، فإن الناس منتظرون لا إمام لهم غيرك، فالعجل، ثم العجل، ثم العجل، والسلام " .
وكتب إليه أشراف الكوفة أيضا منهم شبث بن ربعي، وحجار بن أبجر، وعمرو بن الحجاج الزبيدي وغيرهم: " أما بعد، فقد اخضر الجناب، وأينعت الثمار، وطمت الجمام، فإذا شئت فأقدم علينا، فإنما تقدم على جند لك مجندة، والسلام " .
بعد هذا، هل يعذر الحسين بعدم خروجه إلى العراق، والأمة هناك، وعدته في انتظاره ليبدأ بهم عملية التغيير الفعلي بعدما أصيب دين جده (صلى الله عليه وآله وسلم)، والعودة للنهج الصحيح الذي شذ عنه بنو أمية منذ الوهلة الأولى لاستحواذهم على زمام السلطة وقيادة الأمة.
لذلك لم يجد الإمام الحسين (عليه السلام) بدا من الموافقة على طلب أهل العراق بالخروج إليهم، على الرغم من المخاطر الجسيمة التي كانت تحف به، وهو على يقين بأن هؤلاء القوم لا يفون له، لكنه (عليه السلام) أراد أن يلقي الحجة على قوم عابوا على أخيه الحسن من قبل بعد أن صالح معاوية عندما وجد فيهم التخاذل والتقاعس.
قرر الإمام الحسين (عليه السلام) الخروج إلى العراق على الرغم من تحذيرات بعض الناس له، ومنعه من الخروج، لكنه (عليه السلام) أصر على الخروج، لأنه كان يرى في أفق لا ترى الناس مثله، فعندما منعته أم سلمة من الخروج، قال لها: " إني والله مقتول وإن لم أخرج للعراق".
ثم سار الركب متوجها إلى العراق، إلى الأرض ذات التربة الحمراء التي أبكت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلى أرض كربلاء التي كانت على موعد مع الملحمة التاريخية التي أخبر عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الأمين جبرئيل (عليه السلام).
لقد شهدت كربلاء دم آل الرسول يسيل على بطائحها وهم مجندلون على رمضائها، لقد شهدت كربلاء أراذل عبيد الله بن زياد وهم يجولون على صدر الحسين، وآخرين يتسابقون لإحراق خيم آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).. ومن بين صخب القوم وضجيجهم يخرج صوت يشق عباب صحراء كربلاء: " يا محمداه، صلى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعراء، مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، وبناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليها الرياح " .
نعم لقد كان صوت العقيلة زينب (عليه السلام) يصك السمع، ويخترق الحجب، ولا زالت صحراء كربلاء تردد صداه على مر الزمن والتاريخ " واثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة، ماتت فاطمة أمي وعلي أبي، والحسن أخي، يا خليفة الماضي وثمالة الباقي " .
وهكذا انتهت ملحمة كربلاء، وصار الانتصار المزعوم خزيا وعارا، وعاد القتلة تلاحقهم اللعنات أينما حلوا، وقد خسروا خسرانا مبينا .
وذكر ابن الأثير: قال الناس لسنان بن أنس النخعي: قتلت الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قتلت أعظم العرب خطرا، أراد أن يزيل ملك هؤلاء، فأت أمراءك فأطلب ثوابك منهم فأنهم لو أعطوك بيوت أموالهم في قتله كان قليلا.
فأقبل على فرسه، حتى وقف على باب فسطاط عمر بن سعد ثم نادى بأعلى صوته:
أوقر ركابي فضة أو ذهبا * إني قتلت السيد المحجبا
قتلت خير الناس أما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا