ما الهدف من تجمهر الجماهير الحسينيّة المعزّية من مختلف المناطق في منطقة واحدة ؟
هناك أهداف متعدّدة ومغزى كبير لهذا الحشد الجماهيري الغفير الذي يكاد يُعدّ بالملايين وهم يتجمهرون في بقعة واحدة وفي رحاب واحد ويحملون الرايات ويهتفون بصوت واحد ( لبيك ياحسين ) ( أبد والله لا ننسى حسيناه ) .
أذكر باختصار أهم هذه الأهداف وهي أربعة :
أوّلاً : المحافظة على هيبة وقوّة العزاء .
ثانياً : الزيادة في مضاعفة الأجر والثواب .
ثالثاً : كشف ما هو جديد لدى الرواديد .
رابعاً : وحدة الصف تحت راية الحسين (عليه السّلام) .
هذه أهم أبرز الغايات التي تدفع تدفّق الجماهير إلى أن يقيموا العزاء في مدينة من مدن مناطقهم ويجتمعوا تحت مظلّة شعار واحد وراية واحدة وصف واحد . وهذا التجمهر يكون له طابع خاص وقد اعتاد عليه المعزّون من عصور سابقة إلى عصرنا الحالي .
ما هي الفائدة التي تجنيها جماهير الشيعة من خلق هذه المسيرات المليونيّة في المواسم العزائيّة ؟
إنّ أكبر فائدة تُجنى من وراء تلك المسيرات المليونيّة هو تخليد ذكرى شهادة أبي الأحرار الحسين (عليه السّلام) وإظهار مظلوميته للعالم وشدّ أنظار الأمم في جميع أنحاء العالم لقدسية وعظمة هذا القائد العظيم هذا من ناحية .
ومن ناحية اُخرى ـ بحسب اعتقادي ـ هو الرفض للظلم والظالمين في كلّ عصر وفي كلّ زمان ومكان ؛ حيث إنّ شيعة أهل البيت (عليهم السّلام) ليس لهم الاستفادة من شيء في جعل هذه المسيرات العزائيّة إلاّ السير على نهج الإمام الحسين وباقي الأئمّة الطاهرين (عليهم السّلام أجمعين) ذلك النهج الثائر .
ونختصر هذه الفائدة في ثلاثة مواضع :
الأوّل : الركوب في سفينة النجاة
يا أهل الرثاء ويا أرباب العزاء أقول : أكبر سفينة منجية يركبها الإنسان في حياته هي سفينة الحسين (عليه السّلام) وأكبر فائدة يجنيها المعزّي ؛ حيث يرى نفسه مع المعزّين وقد شملته ألطاف رحمة الحسين (عليه السّلام) وهذه الرحمة النورانية هي التي تضيء وجوده وحياته . قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله : الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة وقال الإمام الصادق (عليه السّلام) : كلّنا سفن نجاة وسفينة جدّي الحسين أوسع وفي لجج البحار أسرع .
الثاني : استجابة الدعاء تحت قبة الحسين (عليه السّلام)
أيّها المؤمنون اعلموا بيقين أنّ كلّ منبر عزاء يُعقد على سيد الشهداء (عليه السّلام) في أيّ بقعة على وجه الأرض فهو يعتبر قبة للإمام (عليه السّلام) وتكون الدعوة بقربه مستجابة . وما من أحد منّا إلاّ ولديه هموم وحاجات فنحن نحتاج إلى الحسين (عليه السّلام) ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ جعل الشفاء في تربته واستجابة الدعاء تحت قبته ؛ فلذلك تجد ملايين الشيعة الزائرين يتوافدون في المواسم العزائيّة على كربلاء وتراهم بقلوب خاشعة في المسيرات العزائيّة بقرب الضريح الحسيني الطاهر يرفعون الأكف ؛ يتضرّعون إلى المولى سبحانه وتعالى بحقّ حبيبه الحسين (عليه السّلام) أن يفرّج عنهم ويجلي همومهم ويقضي حوائجهم ويدفع عنهم شرور الابتلاءات .
فكم من زائر توفّق لنيل مناه ومبتغاه من خلال مشاركته في المواكب العزائيّة المقدّسة التي تنطلق من تحت تلك القبة الشامخة النوراء .وعن الكرامات الحسينيّة حدّث ما شئت وكلّها شوهدت بالعين المجرّدة في ذلك الرحاب الشريف الطاهر . وللتفاصيل عن قصص كرامات سيد الشهداء (عليه السّلام) راجع كتابنا الجديد (أنوار الأبصار في قصص وكرامات الأئمّة الأطهار).
ثالثاً : قبول العزاء والزيارة ونيل الشفاعة
رابعاً : تلبية لنداء الأئمّة المعصومين والحثّ على إقامة الشعائر الحسينيّة ؛ كإقامة العزاء والبكاء في يوم عاشوراء .
ثلاثة مناهل يستفيد منها الإنسان المؤمن من دنياه لآخرته وهي عبارة عن محطّات يتزوّد منها وقود الفوز والنجاة ألا وهي : العزاء والبكاء والزيارة . إذا نجح المعزّي والزائر والباكي في حسن أدائها وزار وهو عارف بحقّ الإمام الحسين (عليه السّلام) فسوف ينال منه القبول ونيل الشفاعة . فدعوتي من القلب إلى كلّ معزّ أن يدخل في مواكب العزاء وهو ينوي النيّة الخالصة الحسنة التي تؤهله أن ينال القبول .
فكما إنّنا إذا قصدنا إلى أداء مناسك الحج نبتعد عن المظاهر المادية والتصرّفات اللاسلوكية كذلك عندما نتوجه لكي نعزّي على الإمام الحسين (عليه السّلام) لا بدّ أن نكون على هذا المستوى الراقي من التأدّب ؛ لكي تُكتب أعمالنا في ديوان خالص الأعمال وإلاّ ما فائدة هذه المسيرات المليونيّة إذا لم تتوّج بتاج المودّة والإخاء واحترام بعضنا البعض ؟
القوي منّا يعطف على الضعيف والغني على الفقير ونتآلف على بساط الرحمة وفي رحاب سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الإمام الغريب المظلوم (عليه السّلام) وتحت رايته العظيمة .