في كتاب علل الشرائع بإسناده إلى عبد اللّه بن الفضل قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السّلام): كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة و غمّ و جزع و بكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول اللّه و يوم فاطمة و يوم قتل أمير المؤمنين و الحسن (عليهم السّلام)؟
قال: إنّ يوم قتل الحسين أعظم مصيبة من سائر الأيّام، و ذلك أنّ أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على اللّه عزّ و جلّ كانوا خمسة، فلمّا مضى منهم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) بقوا أربعة و كان فيهم للناس عزاء و سلوة، فلمّا مضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان للناس في الحسن و الحسين عزاء و سلوة، فلمّا مضى الحسن (عليه السّلام) كان للناس في الحسين عزاء و سلوة، فلمّا قتل الحسين (عليه السّلام) لم يكن بقي من أصحاب الكساء من فيه عزاء و سلوة فكان كذهاب جميعهم كما كان بقاءه كبقاء جميعهم فلذلك صار يومه أعظم الأيّام مصيبة.
قلت: فلم يكن للناس في عليّ بن الحسين ما كان لهم في أولا؟
قال: بلى إنّ عليّ بن الحسين كان إماما و حجّة على الخلق بعد آبائه ولكنّه لم يلق رسول اللّه و لم يسمع منه، و كان علمه وراثة عن أبيه عن جدّه عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) و كان أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين قد شاهدهم الناس مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) في أحوال تتوالى فكانوا متى نظروا إلى واحد منهم تذكّروا حاله مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) و قول رسول اللّه فيه، فلمّا مضوا فقد الناس مشاهدة الأكرمين على اللّه عزّ و جلّ و لم يكن في أحد منهم فقد جميعهم إلّا في فقد الحسين (عليه السّلام) لأنّه مضى في آخرهم، و لذلك صار يومه أعظم الأيّام مصيبة.
فقلت: يابن رسول اللّه كيف سمّت العامّة يوم عاشوراء يوم بركة؟ فبكى (عليه السّلام) و قال: لمّا قتل الحسين (عليه السّلام) تقرّب الناس بالشام إلى يزيد فوضعوا له الأخبار و أخذوا عليها الجوائز من الأموال، فكان ممّا وضعوا له أمر هذا اليوم و أنّه يوم بركة ليعدل الناس فيه من الجزع و البكاء و المصيبة و الحزن إلى الفرح و السرور و التبرّك، حكم اللّه بيننا و بينهم، ثمّ قال: و إنّ ذلك لأقلّ ضررا على الإسلام و أهله ممّا وضعه قوم انتحلوا مودّتنا و زعموا أنّهم يدينون بموالاتنا و يقولون بإمامتنا من أنّ الحسين (عليه السّلام) لم يقتل و كذّبوا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) و الأئمّة (عليهم السّلام) في اخبارهم بقتله و من كذّبهم فهو كافر باللّه العليّ العظيم و دمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه .
و في عيون الأخبار عن الرضا (عليه السّلام): أنّ في سواد الكوفة قوما يزعمون أنّ الحسين (عليه السّلام) لم يقتل و أنّه ألقى شبهه على حنظلة بن سعد الشامي و أنّه رفع إلى السماء كما رفع عيسى ابن مريم و يحتجّون بهذه الآية: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا فقال: كذبوا و كفروا عليهم لعنة اللّه. لقد قتل الحسين و قتل من كان خيرا من الحسين أمير المؤمنين (عليه السّلام) و ما منا إلا مقتول و إني و الله لمقتول و أما قول الله عزّ و جل وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا فإنّه يقول: و لن يجعل اللّه لكافر على مؤمن حجّة، و لقد أخبر اللّه عزّ و جلّ عن كفّار قتلوا الأنبياء بغير حقّ و مع قتلهم إيّاهم لم يجعل لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجّة .
عليه تسلّط الأعداء على الأولياء
و في كتاب العلل و غيره عن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدّس اللّه روحه: إنّ رجلا سأله كيف سلّط اللّه عدوّه و هو قاتل الحسين (عليه السّلام) على وليّه أعني الحسين (عليه السّلام)؟
فقال الشيخ: إنّ اللّه لا يخاطب الناس بمشاهدة العيون و لا يشافههم بالكلام، ولكنّه بعث إليهم رسلا من أجناسهم فطلبوا منهم المعجزات التي لا يقدر الناس عليها، فاختصّ اللّه سبحانه كلّ نبيّ بالمعجزة المناسبة لزمانه. فلمّا أتوا بتلك المعجزات كان من تقدير اللّه تعالى أن جعل أنبيائه في حال غالبين و في حال مغلوبين و في حال قاهرين و في حال مقهورين و لو جعلهم في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين و لم يبتلهم، و لم يمتحنهم لاتّخذهم الناس آلهة من دون اللّه و لما عرفت فضل صبرهم على البلاء و المحن ولكنّه عزّ و جلّ جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة و البلوى صابرين، و في حال العافية أو الظهور على الأعداء شاكرين و ليكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير متكبّرين، و ليعلم العباد أنّ لهم (عليهم السّلام) إلها هو خالقهم و مدبّرهم فيعبدونه و يطيعوا رسله و تكون حجّة اللّه تعالى ثابتة على من تجاوز الحدّ فيهم و ادّعى لهم الربوبيّة أو عاند بما أتت به الأنبياء و الرّسل و ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من حيّ عن بيّنة .
و ذكر الحسين بن روح أنّه سمع هذا من الحجّة (عليه السّلام) لأنّه كان من الوكلاء و الأبواب.
و عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) قال: إنّ أيّوب (عليه السّلام) ابتلي من غير ذنب و أنّ الأنبياء معصومون لا يذنبون و أنّ أيّوب (عليه السّلام) مع ما أبتلي به لم تنتن له رائحة و لا قبحت له صورة و لا خرجت منه مدة و لا قيح و لا دم و لا استوحش منه أحد شاهده و لا تدود شيء من جسده، و كذا يصنع اللّه بجميع من يبتليه من أنبيائه و أوليائه المكرمين عليه و إنّما اجتنبه الناس لفقره و ضعفه في ظاهر أمره لجهلهم بما عند ربّه من التأييد و الفرج.
و قد قال النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله): أعظم الناس بلاء الأنبياء ثمّ الأمثل فالأمثل، و إنّما ابتلاه اللّه بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلّا يدّعو له الربوبيّة إذا شاهدوا ما أراد اللّه أن يوصله إليه من عظائم نعمه تعالى ليستدلّوا بذلك على أنّ الثواب من اللّه تعالى على ضربين: استحقاق و اختصاص، و لئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه و لا فقيرا لفقره و لا مريضا لمرضه و ليعلموا أنّه يسقم من يشاء و يشفي من يشاء متى شاء و يجعل ذلك عبرة لمن شاء و هو عزّ و جلّ عدل في جميع قضائه لا يفعل بعباده إلّا الأصلح لهم .
و في كتاب معاني الأخبار عن ابن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ما أصاب عليّا و أهل بيته هو بما كسبت أيديهم و هم أهل بيت طهارة معصومون؟
فقال: إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) كان يتوب إلى اللّه عزّ و جلّ و يستغفره في كلّ يوم و ليلة مائة مرّة من غير ذنب.
أقول: معناه أنّ الاستغفار كما يكون عن ذنب أيضا بل يكون لرفع الدرجات و كذلك المصائب .
ثواب البكاء على الحسين عليه السلام
و في الأمالي مسندا إلى الرضا (عليه السّلام) قال: من تذكّر مصابنا، فبكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، و من ذكر بمصابنا، فبكى و أبكى لم تبك عينه يوم القيامة، و من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
و روى العيّاشي طاب ثراه عن الصادق (عليه السّلام) قال: من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة، غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر .
و عنه (عليه السّلام) قال: نفس المهموم لظلمنا تسبيح و همّه لنا عبادة و كتمان سرّنا جهاد في سبيل اللّه، ثمّ قال (عليه السّلام): يجب أن يكتب هذا الحديث.
و قال الحسين (عليه السّلام): أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلّا بكى .
و في الأمالي مسندا إلى الصادق (عليه السّلام) أنّه قال: ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلّا بوأه اللّه بها في الجنّة دهرا طويلا .
قال أحمد الأودي: فرأيت الحسين (عليه السّلام) في المنام فقلت: حدّثوني عنك هذا الحديث، قال: نعم، قلت: سقط الإسناد بيني و بينك .
و عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: نظر أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلى الحسين (عليه السّلام) فقال: يا عبرة كلّ مؤمن، قال: أنا يا أبتاه؟
قال: نعم يا بني.
و عن أبي عمارة المنشد قال: ما ذكر الحسين بن عليّ (عليه السّلام) عند أبي عبد اللّه (عليه السّلام) في يوم فرأى مبتسما في ذلك اليوم إلى الليل .
و عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) يقول: إنّ الحسين (عليه السّلام) عند ربّه عزّ و جلّ ينظر إلى معسكره و من حوله من الشهداء معه و ينظر إلى زوّاره و هو أعرف بهم و بأسمائهم و أسماء آبائهم و بدرجاتهم و منزلتهم عند اللّه عزّ و جلّ من أحدكم بولده و أنّه ليرى من يبكيه فيستغفر له و يسأل آباؤه (عليهم السّلام) أن يستغفروا له و يقول: لو يعلم زائري ما أعدّ اللّه له لكان فرحه أكثر من جزعه، و أنّ زائره لينقلب و ما عليه من ذنب .
أبواب إنشاد الشعر في الحسين عليه السلام
و في الأمالي عن أبي عمارة المنشد عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال لي: يا أبا عمارة انشدني في الحسين بن علي (عليه السّلام)، فأنشدته، فبكى فما زلت أنشده و يبكي حتّى سمعت البكاء من الدار فقال: يا أبا عمارة من أنشد في الحسين فأبكى خمسين فله الجنّة إلى أن قال: و من أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنّة، و من أنشد فبكى أو تباكى فله الجنّة .
و عن زيد الشحّام قال: كنّا عند أبي عبد اللّه (عليه السّلام) و نحن جماعة فدخل جعفر بن عفّان فأدناه إليه ثمّ قال: يا جعفر بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين و تجيد؟
فقال: نعم جعلني اللّه فداك.
قال: قل، فأنشدته، فبكى و من حوله ثمّ قال: و اللّه شهدت ملائكة اللّه المقرّبون هاهنا يسمعون قولك في الحسين و لقد بكوا كما بكينا و أكثر، و لقد أوجب اللّه لك الجنّة .
و عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قال الرضا (عليه السّلام) إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا و هتكت فيه حرمتنا و سبي فيه ذرارينا و نساؤنا و أضرمت النيران في مضاربنا و انتهب ما فيه من ثقلنا و لم ترع لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) حرمة في أمرنا، إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا و أسبل دموعنا و أذلّ عزيزنا، يا أرض كربلاء أورثتينا الكرب و البلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام، ثمّ كان أبي (عليه السّلام) إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكا و كان الحزن يغلب عليه حتّى تمضي منه عشرة أيّام فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه و بكائه و يقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السّلام) .
و فيه أيضا عن الرّيان بن شبيب قال: دخلت على الرضا (عليه السّلام) في أوّل يوم من المحرّم فقال لي: أصائم أنت؟ فقلت: لا، فقال إنّ هذا هو اليوم الذي دعى فيه زكريا فقال: ربّ هب لي من لدنك ذريّة طيّبة فاستجاب اللّه له و نادته الملائكة أنّ اللّه يبشّرك بيحيى فمن صام هذا اليوم ثمّ دعى استجاب اللّه له كما استجاب لزكريا، يابن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين [بن علي بن أبي طالب] فإنّه ذبح كما يذبح الكبش و قتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا و لقد بكت السماوات السبع و الأرضون لقتله و لقد نزل إلى الأرض الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم فيكونوا من أنصاره و شعارهم يالثارات الحسين، يابن شبيب، لمّا قتل جدّي الحسين أمطرت السماء دما و ترابا أحمر، يابن شبيب إن بكيت على الحسين حتّى تصير دموعك على خدّيك غفر اللّه لك كلّ ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا و إن أسرّك أن تلقى اللّه عزّ و جلّ و لا ذنب عليك فزر الحسين (عليه السّلام) و إن سرّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبيّ و آله صلوات اللّه عليهم فالعن قتلة الحسين، و إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متى ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما، و إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات من الجنان فاحزن لحزننا و افرح لفرحنا و عليك بولايتنا فلو أنّ رجلا تولّى حجرا لحشره اللّه معه يوم القيامة .
و عن أبي هارون المكفوف قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السّلام) فقال: انشدني فأنشدته فقال: لا كما تنشدون و كما ترثيه عند قبره فأنشدته، فلمّا بكى أمسكت فقال: مر فمررت، فبكى و بكت السماء، فلمّا سكتن قال: يا أبا هارون من أنشد في الحسين فأبكى عشرة إلى أن بلغ الواحد فله الجنّة .
و عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام): لكلّ شيء ثواب إلّا الدمعة فينا، يعني ليس له ثواب مقرّر بل ثوابه لا يحصى.
و عن ابن عبّاس قال: قال عليّ (عليه السّلام) لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله): إنّك لتحبّ عقيلا؟
قال: إي، و اللّه إنّي لأحبّه حبّين حبّا له و حبّا لحبّ أبي طالب له و أنّ ولده المقتول في محبّة ولدك فتدمع عليه عيون المؤمنين و تصلّي عليه الملائكة المقرّبون .
و عن أبي هارون المكفوف قال: قال لي أبو عبد اللّه (عليه السّلام): انشدني في الحسين فأنشدته فقال: انشدني كما تنشدون- يعني بالرّقة- فأنشدته، فبكى و سمعت البكاء من خلف الستر .
أقول: الرّقة بالكسر و يراد به الخون و هو عبارة عن الإنشاد بالصوت كما هو المتعارف في هذه الأعصار و ما قبلها، و من ثمّ استثنى فقهاءنا رضوان اللّه عليهم من الغنا مراثي الحسين (عليه السّلام).
و عن مسمع كردين قال: قال لي أبو عبد اللّه (عليه السّلام): أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين؟ قلت: لا أنا رجل مشهور من أهل البصرة و عندنا من يتّبع هوى هذا الخليفة و أعداءنا كثيرة قال لي: أفما تذكر ما صنع به؟ قلت: بلى.
قال: فتجزع؟
قلت: إي و اللّه حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ.
قال: أمّا أنّك من الذين يعدون في أهل الجزع لنا إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك و وصيّتهم ملك الموت بك و ما يلقونك به من البشارة ما تقرّ به عينك، فملك الموت أرقّ عليك من الأمّ الشفيقة على ولدها ثمّ قال: يا مسمع إنّ الأرض و السماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا و ما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا و ما بكى أحد رحمة لنا إلّا رحمه اللّه قبل أن يخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دموعه على خدّه. فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها و أنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض، و أنّ الشارب منه ليعطى من اللّذة و الطّعم و الشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا، و أنّ على الكوثر أمير المؤمنين و في يده عصاء من عوسج يحطّم بها أعداءنا فيقول الرجل منهم إنّي أشهد الشهادتين، فيقول: انطلق إلى إمامك فلان فسأله أن يشفع لك فيقول: يتبرّأ منّي إمامي الذي تذكره فيقول ارجع إليه و اسأله الشفاعة، فيقول: إنّي أهلك عطشا فيقول: زادك اللّه عطشا، قلت: و كيف يقدر على الدنوّ من الحوض و لم يقدر عليه غيره؟
قال: ورع عن أشياء قبيحة و كفّ عن شتمنا إذا ذكرنا و ليس ذلك لحبّنا ولكن لشدّة اجتهاده في عبادته و تديّنه، فأمّا قلبه فمنافق و دينه النصب و ولاية الماضين و تقدّمه لهما على كلّ أحد، انتهى ملخّصا.
و عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام): إنّ البكاء و الجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء على الحسين، فإنّه فيه مأجور.
و عن عبد اللّه بن بكر قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السّلام): لو نبش قبر الحسين بن علي هل كان يصاب في قبره شيء؟
فقال: ما أعظم مسائلك، إنّ الحسين بن عليّ و امّه و أخيه في منزل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) و معه يرزقون و يحبرون و انّه لعن يمين العرش متعلّق به يقول: يا ربّ انجز لي ما وعدتني، و إنّه لينظر إلى زوّاره و من يبكي له فيستغفر له .
و في بحار الأنوار: روى أنّه لمّا أخبر النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) ابنته فاطمة بقتل ولدها بكت بكاء شديدا و قالت؛ يا أبت فمن يبكي عليه و من يلتزم بإقامة العزاء له؟
فقال (صلّى اللّه عليه و اله): يا فاطمة إنّ نساء امّتي يبكون على نساء أهل بيتي و رجالهم يبكون على رجال أهل بيتي و يجدّدون العزاء جيلا بعد جيل في كلّ سنة، فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء و أنا أشفع للرّجال و كلّ من بكى على مصاب الحسين أخذنا بيده و أدخلناه الجنّة، يا فاطمة كلّ عين باكية يوم القيامة إلّا عين بكت على مصاب الحسين (عليه السّلام) فإنّها ضاحكة مستبشرة .
و في ذلك الكتاب أيضا: أنّه حكي عن السيّد الحسيني قال: كنت مجاورا في المشهد الرضوي، فلمّا كان يوم عاشوراء قرأ رجل من أصحابنا مقتل الحسين فوردت رواية عن الباقر (عليه السّلام) إنّه قال: من ذرقت عيناه على مصاب الحسين (عليه السّلام) و لو مثل جناح البعوضة غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر، و كان في المجلس معنا جاهل مركّب يدّعي العلم و لا يعرفه فقال: هذا ليس بصحيح و العقل لا يعتقده فنام تلك الليلة و رأى في المنام كأنّ القيامة قامت و حشر الناس و أسعرت النيران فإذا هو يطلب الماء عطشا و إذا بحوض طويل عريض فقال:
هذا هو الكوثر و إذا عند الحوض رجلان و امرأة أنوارهم تشرق على الخلائق و هم مع ذلك لابسون السواد محزونون، فسألت عنهم فقيل لي: هذا رسول اللّه و هذا أمير المؤمنين و هذه فاطمة الزهراء و هم محزونون لأنّه يوم عاشوراء فدنوت إلى فاطمة (عليها السّلام) و قلت: إنّي عطشان فنظرت إليّ شزرا و قالت لي: أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب الحسين؟
قال: فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا و استغفرت اللّه كثيرا و ندمت على ما كان منّي، و أتيت أصحابي و أخبرتهم برؤياي .
علّة حبّ الشهداء للقتل
و في كتاب علل الشرائع مسندا إلى الصادق (عليه السّلام) إنّه قيل له: اخبرنا عن أصحاب الحسين (عليه السّلام) و إقدامهم على الموت، فقال: إنّهم كشف لهم الغطاء حتّى رأوا منازلهم من الجنّة، فكان الرجل منهم يقدم إلى القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها و إلى مكانه من الجنّة .
و في معاني الأخبار مسندا إلى عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) قال: لمّا اشتدّ الأمر بالحسين (عليه السّلام) نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم، لأنّه كلّما اشتدّ الأمر تغيّرت ألوانهم و وجلت قلوبهم، و كان الحسين (عليه السّلام) و بعض خصائصه تشرق ألوانهم و تسكن نفوسهم فقال بعضهم لبعض: انظروا لا يبالي بالموت فقال: يا كرام صبرا فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس و الضرّ إلى الجنّات الواسعة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟
أصحاب الحسين (عليه السّلام) نظروا إلى منازلهم في الجنّة
و في كتاب الخرائج بإسناده إلى عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) قال: كنت مع أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها فقال لأصحابه: هذا الليل فاتّخذوه جنّة فإنّ القوم إنّما يريدونني و لو قتلوني لم يلتفتوا إليكم و أنتم في حلّ وسعة فقالوا: و اللّه لا يكون هذا أبدا، فقال: إنّكم تقتلون غدا كلّكم و لا يفلت منكم رجل، قالوا: الحمد للّه الذي شرّفنا بالقتل معك ثمّ دعا لهم فقال لهم:
ارفعوا رؤوسكم و انظروا، فجعلوا ينظرون إلى منازلهم من الجنّة و هو معهم يقول لهم: هذا منزلك يا فلان فكان الرجل يستقبل الرّماح و السيوف بصدره و وجهه ليصل إلى منزله من الجنّة .
و في الأمالي عن الثمالي قال: نظر عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) إلى عبيد اللّه بن عبّاس بن علي بن أبي طالب فاستعبر ثمّ قال: ما من يوم أشدّ على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) من يوم أحد قتل فيه عمّه حمزة أسد اللّه و أسد رسوله و بعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمّه جعفر بن أبي طالب ثمّ قال (عليه السّلام): و لا يوم كيوم الحسين (عليه السّلام) ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنّهم من هذه الامّة كلّ يتقرّب بدمه إلى اللّه عزّ و جلّ حتّى قتلوه ظلما و عدوانا ثمّ قال: رحم اللّه العبّاس فلقد فدى أخاه بنفسه حتّى قطعت يداه فأبدله اللّه عزّ و جلّ بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، و أنّ للعبّاس عند اللّه عزّ و جلّ منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة .
و عن الفضل عن الرّضا (عليه السّلام) قال: من نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليذكر الحسين (عليه السّلام) و ليلعن يزيد و آل زياد، يمحو اللّه عزّ و جلّ بذلك ذنوبه و لو كانت كعدد النجوم .
أقول: الوجه فيه كما سيأتي: أنّ الملعون يزيد لمّا وضع عنده رأس الحسين (عليه السّلام) لعب بالشطرنج و شرب خمر الفقاع، و كان كلّما غلب صاحبه صبّ على رأس الحسين (عليه السّلام) بقيّة القدح من الفقاع.
و عنه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله): إنّ قاتل الحسين بن عليّ (عليهما السّلام) في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدّنيا، و قد شدّ يداه و رجلاه بسلاسل من نار منكس في النار حتّى يقع في قعر جهنّم و له ريح يتعوّذ أهل النار إلى ربّهم من شدّة نتنه و هو فيها خالد ذائق العذاب الأليم مع جميع من شايع على قتله كلّما نضجت جلودهم بدّلهم عزّ و جلّ جلودا غيرها حتّى يذوقوا العذاب الأليم لا يفتر عنهم ساعة و يسقون من حميم جهنّم فالويل لهم من عذاب النار .
القول عند ذكر الحسين عليه السلام
و عن ابن فاختة قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السّلام): إنّي أذكر الحسين (عليه السّلام) فأيّ شيء أقول إذا ذكرته؟
فقال: قل صلّى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه تكرّرها ثلاثا .
و في ثواب الأعمال عن عيص بن القاسم قال: ذكر عند أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قاتل الحسين (عليه السّلام).
فقال بعض أصحابه: كنت أشتهي أن ينتقم اللّه منه في الدّنيا.
فقال: كأنّك تستقلّ له عذاب اللّه و ما عند اللّه أشدّ عذابا و أشدّ نكالا منه .
و عن أبي جعفر (عليه السّلام): إنّ في النار منزلة لم يكن يستحقّها أحد من الناس إلّا بقتل الحسين بن علي و يحيى بن زكريا .
ثواب لعن قاتل الحسين (عليه السّلام)
و عن داود الرّقي قال: كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السّلام) إذ استسقى الماء، فلمّا شربه رأيته قد استعبر و اغرورقت عيناه بدموعه ثمّ قال لي: يا داود لعن اللّه قاتل الحسين، فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين و لعن قاتله إلّا كتب اللّه له مائة ألف حسنة و حطّ عنه مائة ألف سيّئة و رفع له مائة ألف درجة و كأنّما أعتق مائة ألف نسمة و حشره اللّه يوم القيامة ثلج الفؤاد .
و عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) إنّه قال: لعن اللّه قتلة الحسين و محبيهم و ناصريهم و الساكتين عن لعنهم من غير تقيّة الا و صلّى اللّه على الباكين على الحسين رحمة و شفقة و ممتلئين عليهم غيظا و حنقا .
الحمام الرّاغبية يلعن قتلة الحسين عليه السلام
و في الكافي عن داود بن فرقد قال: كنت جالسا في بيت أبي عبد اللّه فنظرت إلى حمام راعبي يقرقر [طويلا فنظر إلى أبو عبد اللّه (عليه السّلام) فقال: يا داود أتدري ما يقول هذا الطير؟ قلت:
لا و اللّه جعلت فداك] فقال: يا داود هذا الطير يدعو على قتلة الحسين (عليه السّلام) فاتّخذوه في منازلكم. و في حديث آخر: إنّها تلعن قتلة الحسين .
و في كتاب بحار الأنوار: وجدت في بعض مؤلّفات المعاصرين أنّه لمّا جمع ابن زياد لعنه اللّه قومه لحرب الحسين (عليه السّلام) كانوا سبعين ألف فارس فقال: أيّها الناس من منكم يتولّى قتل الحسين و له ولاية أيّ بلد شاء؟ فلم يجبه أحد، فاستدعى بعمر بن سعد لعنه اللّه و قال له:
اريد أن تتولّى حرب الحسين بنفسك، فقال: اعفني من ذلك، فقال: قد أعفيتك فاردد علينا عهدنا الذي كتبنا إليك بولاية الرّي فقال: امهلني الليلة فانصرف إلى منزله و جعل يستشير من يثق به، فلم يشر عليه أحد و كان عنده رجل من أهل الخير يقال له كامل و كان صديقا لأبيه من قبله فقال له: يا عمر ما الذي أنت عازم عليه؟
قال: إنّي ولّيت أمر هذا الجيش في حرب الحسين و إنّما قتله عندي و أهل بيته كشربة ماء و إذا قتلته خرجت إلى ملك الري.
فقال له كامل: أف لك يابن سعد تريد قتل الحسين ابن بنت رسول اللّه؟! إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و ما الذي تقول غدا لرسول اللّه إذا وردت عليه و انّه في زماننا هذا كجدّه في زمانه و طاعته فرض علينا، و اشهد اللّه أنّك إن أعنت على قتله لا تلبث بعده في الدّنيا إلّا قليلا، فقال عمر: بالموت تخوّفني، و إنّي إذا فرغت من قتله أكون أميرا على سبعين ألف فارس و أتولّى ملك الري؟
فقال له كامل: إنّي احدّثك بحديث صحيح أرجو لك فيه النجاة إن وفّقت لقبوله؛ اعلم انّي سافرت مع أبيك إلى الشام فانقطعت بي مطيّتي عن أصحابي و عطشت فلاح لي دير
راهب فأتيت إلى باب الدّير و قلت للراهب إنّي عطشان فقال لي: أنت من امّة هذا النبيّ الذين يقتل بعضهم بعضا على حبّ الدّنيا؟ فقلت له: أنا من امّة محمّد (صلّى اللّه عليه و اله)، فقال: إنّكم شرّ امّة و قد غدوتم إلى عترة نبيّكم تسبون نساءه و تنهبون أمواله، فقلت: يا راهب نحن نفعل ذلك؟
قال: نعم، و إنّكم إذا فعلتم ذلك عجّت السماوات و الأرضون و البحار و الجبال و الوحوش و الأطيار باللعنة على قاتله و لا يلبث قاتله في الدّنيا إلّا قليلا ثمّ يظهر رجل يطلب بثأره، فلا يدع أحدا اشترك في قتله إلّا قتله و عجّل اللّه بروحه إلى النار، ثمّ قال الراهب: إنّي لأرى لك قرابة من قاتل هذا الابن الطيّب و اللّه أنّي لو أدركت أيّامه لوقيته بنفسي من حرّ السيوف، فقلت: إنّي اعيذ نفسي من أن اقاتل ابن بنت رسول اللّه، فقال: إن لم تكن أنت فرجل قريب منك و أنّ عذاب قاتله أشدّ من عذاب فرعون و هامان ثمّ ردم الباب في وجهي و أبى أن يسقيني ماء.
فركبت فرسي و لحقت أصحابي فحدّثت أباك سعد بقصّة الراهب فقال لي: صدقت ثمّ إنّ سعدا أخبرني أنّه نزل بدير هذا الراهب مرّة من قبلي، فأخبره أنّه هو الرجل الذي يقتل ابن بنت رسول اللّه فخاف أبوك من ذلك و خشي أن تكون أنت قاتله فأبعدك عنه و أقصاك، فاحذر يا عمر [أن تخرج عليه يكون عليك نصف عذاب أهل النار، قال:] فبلغ الخبر ابن زياد فطلب كامل و قطع لسانه فعاش يوما أو بعض يوم .
و فيه أيضا: إنّ اللّه عزّ و جلّ أخبر موسى (عليه السّلام) إنّ الحسين (عليه السّلام) تقتله امّة جدّه الطاغية في أرض كربلاء و تنفر فرسه و تحمحم، و تقول في صهيلها: الظليمة الظليمة من امّة قتلت ابن بنت نبيّها، فيبقى ملقى على الرّمل من غير غسل و لا كفن و ينهب رحله و تسبى نساؤه في البلدان و يقتل ناصروه و تشهر رؤوسهم على أطراف الرماح، يا موسى صغيرهم يميته العطش و كبيرهم جلده منكمش يستغيثون و لا ناصر، فبكى موسى (عليه السّلام) ثمّ قال: يا موسى اعلم أنّه من بكى عليه أو أبكى أو تباكى حرمت جسده على النار .
نسب يزيد و ابن زياد و عمر بن سعد لعنهم اللّه
و في كتاب البحار: قال مؤلّف الكتاب: إلزام النواصب و غيره أن ميسون بنت بجدل الكلبي أمكنت عبد أبيها من نفسها فحملت يزيد لعنه اللّه و إلى هذا إشارة النسّابة البكري بقوله شعر:
فإن يكن الزمان أتى علينا بقتل الترك و الموت الوحي
فقد قتل الدّعي و عبد كلب بأرض الطّف أولاد النبيّي
أراد بالدّعي عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه، فإنّ أباه زياد بن سمية كانت امّه سميّة مشهورة بالزنا و ولد على فراش أبي عبيد بني علاج من ثقيف فادّعى معاوية أنّ أبا سفيان زنى بأمّ زياد فأولدها زيادا و انّه أخوه فصار اسمه الدعيّ، و كانت عائشة تسمّيه زياد بن أبيه لأنّه ليس له أب معروف و مراده بعبد كلب يزيد بن معاوية لأنّه من عبد بجدل الكلبي.
و أمّا عمر بن سعد، فقد نسبوا أباه سعد إلى غير أبيه و انّه رجل من بني عذرة كان خدنا لأمّه يعني صاحبها و يشهد بذلك قول معاوية حين قال سعد لمعاوية: أنا أحقّ بهذا الأمر منك، فقال له معاوية: يأبى عليك ذلك بنو عذرة و ضرط له. روى ذلك النوفلي ابن سليمان من علماء السنّة، و يدلّ على ذلك قول السيّد الحميري شعر:
قدما تداعوا زنيما ثمّ سادهم لولا خمول بني سعد لما سادوا
و في كتاب الأمالي عن عبد اللّه بن منصور قال: قلت للصادق (عليه السّلام): حدّثني عن مقتل الحسين (عليه السّلام)، قال: لمّا حضرت معاوية الوفاة قال لابنه يزيد لعنه اللّه: قد ذلّلت لك الرّقاب و إنّي أخشى عليك من ثلاث نفر مخالفون عليك و هم عبد اللّه بن عمر و عبد اللّه بن الزبير و الحسين بن عليّ، فأمّا ابن عمر فهو معك فالزمه و لا تدعه، و أمّا ابن الزبير فاقتله إن ظفرت به فإنّه ثعلب، و أمّا الحسين فقد عرفت حظّه من رسول اللّه و هو من لحم رسول اللّه و دمه، و قد علمت أنّ أهل العراق يخرجونه إليهم ثمّ يخذلونه، فإن ظفرت به فلا تؤاخذه بفعله و لا تناله بمكروه.
فلمّا هلك معاوية و تولّى الأمر يزيد بعث عامله على المدينة عمّه عتبة بن أبي سفيان، فقدم المدينة و بعث إلى الحسين (عليه السّلام) و قال: إنّ أمير المؤمنين يزيد آمرك أن تبايع له فقال: يا عتبة قد علمت إنّا معدن الرّسالة و أعلام الحقّ و لقد سمعت جدّي يقول: إنّ الخلافة محرّمة على ولد أبي سفيان، فكيف ابايع أهل بيت قال فيهم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) هذا؟
فكتب عتبة إلى يزيد: أنّ الحسين بن علي لا يرى لك خلافة و لا بيعة فرأيك في أمره، فكتب إليه: إذا أتاك كتابي هذا فعجّل إليّ بإرسال رأس الحسين، فبلغ ذلك الحسين (عليه السّلام) فهمّ بالخروج من الحجاز إلى العراق، فلمّا أقبل الليل مضى يودّع قبر جدّه (صلّى اللّه عليه و اله) فسطع له نور من القبر فعاد إلى موضعه، فلمّا كانت الليلة الثانية مضى إلى القبر يودّعه فصلّى ثمّ سجد و نام فجاءه النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) و هو في منامه فضمّه إلى صدره و قبّل ما بين عينيه و قال له: بأبي أنت كأنّي أراك مرمّلا بدمك بين عصابة من هذه الامّة، يا بنيّ إنّك قادم على أبيك و امّك و أخيك و هم مشتاقون إليك و أنّ لك في الجنّة درجات لا تنالها إلّا بالشهادة، فانتبه الحسين (عليه السّلام) باكيا فأتى أهله و أخبرهم بالرؤيا و ودّعهم و حمل أخواته على المحامل و ابن أخيه و صار في أحد و عشرين من أهل بيته و أصحابه. و سمع عبد اللّه بن عمر بخروجه فركب خلفه و أدركه فقال له:
ارجع إلى حرم جدّك و لا تخرج إلى العراق، فأبى، فقال: اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) يقبّله منك، فكشف الحسين (عليه السّلام) عن سرّته فقبّلها ابن عمر ثلاثا و بكى و قال: أستودعك اللّه يا أبا عبد اللّه فإنّك مقتول في وجهك هذا.
فسار الحسين و أصحابه حتّى نزل العذيب، فقال فيها قايلة الظهر ثمّ انتبه من نومه باكيا فقال له ابنه: ما يبكيك يا أبه؟
قال: يا بني إنّها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها إنّه عرض لي في منامي عارض فقال:
تسرعون السير و المطايا تسير بكم إلى الجنّة ثمّ سار حتّى نزل الرهيميّة فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنّى أبا هرم فقال: يابن النبيّ ما الذي أخرجك من المدينة؟
فقال: و يحك يا أبا هرم شتموا عرضي فصبرت و طلبوا مالي فصبرت و طلبوا دمي فهربت و ايم اللّه ليقتلني ثمّ ليلبسنّهم اللّه ذلّا شاملا و سيفا قاطعا، و بلغ عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه الخبر، و أنّ الحسين نزل الرهيمية فأرسل إليه الحرّ بن يزيد في ألف فارس.
قال الحرّ: فلمّا خرجت من منزلي متوجّها نحو الحسين نوديت ثلاثا: يا حرّ أبشر بالجنّة، فالتفت فلم أر أحدا فقلت: ثكلت الحرّامه يخرج إلى قتال ابن رسول اللّه و يبشّر بالجنّة فبلغه عند صلاة الظهر، فأمر الحسين (عليه السّلام) ابنه فأذّن و أقام و صلّى الحسين (عليه السّلام) بالفريقين جميعا، فلمّا سلّم و ثب الحرّ بن يزيد و سلّم على الحسين فقال له الحسين (عليه السّلام): من أنت؟
فقال: أنا الحرّ ابن يزيد، فقال: يا حرّ علينا أم لنا؟
فقال: يابن رسول اللّه لقد بعثت لقتالك و أعوذ باللّه أن أحشر من قبري و ناصيتي مشدودة إلى رجلي، يابن رسول اللّه أين تذهب ارجع إلى حرم جدّك فإنّك مقتول، فقال الحسين (عليه السّلام) شعر:
سأمضي فما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقّا و جاهد مسلما
ثمّ سار حتّى نزل القطقطانية، فنظر إلى فسطاط مضروب لعبد اللّه بن الحرّ فأرسل إليه الحسين (عليه السّلام) فقال له: إنّك مذنب خاطئ و إنّ اللّه عزّ و جلّ آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى اللّه فتنصرني، فقال: يابن رسول اللّه لو نصرتك لكنت أوّل مقتول بين يديك ولكن هذا فرسي خذه إليك فأعرض عنه الحسين (عليه السّلام) بوجهه و قال: لا حاجة لنا فيك و لا في فرسك و ما كنت متّخذ المضلّين عضدا، ولكن فرّ فلا لنا و لا علينا، فإنّه من سمع واعيتنا أهل البيت ثمّ لم يجبنا كبّه اللّه على وجهه في نار جهنّم. ثمّ سار حتّى نزل كربلاء فقال: أيّ موضع هذا؟ فقيل: هذا كربلاء يابن رسول اللّه فقال: هذا و اللّه يوم كرب و بلاء و هذا الموضع الذي يهراق فيه دماؤنا و يباح فيه حريمنا، فأقبل عبيد اللّه بن زياد بعسكره حتّى نزل النخيلة و بعث إلى الحسين عمر بن سعد في أربعة آلاف فارس و عبد اللّه بن الحصين و شبث بن ربعي و محمّد بن الأشعث كلّ واحد في ألف فارس و كتب إلى عمر بن سعد: إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي و حل بينه و بين الماء كما حيل بين عثمان و بين الماء يوم الدار، فلمّا وصله الكتاب نادى: إنّا قد أجّلنا حسينا و أصحابه يومهم و ليلتهم فشقّ ذلك على الحسين و أصحابه، فقام الحسين في أصحابه خطيبا فقال: اللّهم إنّي لا أعرف أهل بيت أبرّ و لا أزكى من أهل بيتي، و لا أصحاباهم خير من أصحابي و قد نزل بي ما ترون و أنتم في حلّ من بيعتي و هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا و تفرّقوا في سواده، فإنّ القوم إنّما يطلبوني و لو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري فقام إليه عبد اللّه بن مسلم بن عقيل فقال: يابن رسول اللّه ماذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا سيّدنا و ابن سيّد الأعمام و ابن نبيّنا لم نضرب معه بسيف و لم نقاتل معه برمح لا و اللّه أو نرد موردك و نجعل دماءنا دون دمك، فإذا فعلنا ذلك قضينا ما علينا، و قام إليه زهير بن القين فقال: وددت أنّي قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت ثمّ نشرت فيك و في الذين معك مائة قتلة و أنّ اللّه دفع بي عنكم أهل البيت، فقال له و لأصحابه: جزيتم خيرا.
ثمّ إنّ الحسين (عليه السّلام) أمر بحفيرة حول عسكره شبه الخندق فحشيت حطبا و أرسل عليّا ابنه في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا ليستقوا الماء و هم على و جل شديد و أتشأ الحسين (عليه السّلام) يقول شعر:
يا دهر اف لك من خليل كم لك في الإشراق و الأصيل
من طالب و صاحب قتيل و الدهر لا يقنع بالبديل
و إنّما الأمر إلى الجليل و كلّ حيّ سالك سبيلي
ثمّ قال لأصحابه: قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم و توضّئوا و اغتسلوا و اغسلوا ثيابم لتكون أكفانكم، ثمّ صلّى بهم الفجر و عبأهم تعبئة الحرب و أمر بالحفيرة فأضرمت بالنار ليقاتل القوم من وجه واحد و أقبل رجل من عسكر ابن سعد يقال له ابن أبي جويرية فقال: يا حسين ابشروا بالنار التي تعجلتموها في الدّنيا، فقال الحسين (عليه السّلام): اللّهم أذقه عذاب النار في الدّنيا، فنفر به فرسه و ألقاه في تلك النار فاحترق.
ثمّ برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له تميم بن حصين، فنادى: يا حسين و يا أصحاب حسين ألا ترون إلى ماء الفرات يموج كأنّه بطون الحيّات و اللّه لا ذقتم منه قطرة حتّى تذوقوا الموت جرعا. فقال الحسين (عليه السّلام): اللّهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم، فخنقه العطش حتّى سقط عن فرسه فوطأته الخيل بسنابكها فمات.
ثمّ أقبل محمّد بن أشعث بن قيس الكندي [فقال: يا حسين بن فاطمة] أيّة حرمة لك من رسول اللّه ليست لغيرك؟
فقال: إنّ اللّه اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين، و اللّه إنّ محمّدا لمن آل إبراهيم، و إنّ العترة الهادية لمن آل محمّد فقال: اللّهم أر محمّد بن الأشعث ذلّا في هذا اليوم فخرج من العسكر يتبرز، فسلّط اللّه عليه عقربا فلدغه فمات بادي العورة.
فبلغ العطش من الحسين و أصحابه فدخل عليه رجل من أصحابه يقال له يزيد الهمداني فقال: ائذن لي فأخرج إليهم فأكلّمهم، فأذن له فخرج إليهم و قال: يا معشر الناس إنّ اللّه بعث محمّدا بالحقّ بشيرا و نذيرا و هذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد و كلابها و قد حيل بينه و بين ابنه فقالوا: يا يزيد قد أكثرت الكلام فاكفف فو اللّه ليعطشنّ الحسين كما عطش من كان قبله، فقال الحسين (عليه السّلام): اقعد يا يزيد ثمّ و ثب الحسين (عليه السّلام) متوكيا على سيفه فنادى بأعلى صوته: أنشدكم اللّه هل تعرفوني؟
قالوا: نعم أنت ابن رسول اللّه و سبطه، فقال: أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جدّي رسول اللّه؟
قالوا: اللّهم نعم.
قال: هل تعلمون إنّ امّي فاطمة بنت محمّد؟
قالوا: اللّهم نعم.
قال: أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ أبي عليّ بن أبي طالب؟
قالوا: اللّهم نعم.
قال: أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جدّتي خديجة أوّل نساء هذه الامّة إسلاما؟
قالوا: اللّهم نعم.
قال: أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ سيّد الشهداء حمزة عمّ أبي؟
قالوا: اللّهم نعم.
قال: فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جعفر الطيّار في الجنّة عمّي؟
قالوا: اللّهمّ نعم.
قال: فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول اللّه و أنا متقلّده؟
قالوا: اللّهمّ نعم.
قال: فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول اللّه أنا لابسها؟
قالوا: اللّهم نعم.
قال: فأنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ عليّا كان أوّلهم إسلاما و أعلمهم علما و أعظمهم حلما و أنّه أوّل كلّ مؤمن و مؤمنة؟
قالوا: اللّهم نعم.
قال: فبم تستحلّون دمي و أبي الذائد عن الحوض غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء و لواء الحمد في يد جدّي يوم القيامة؟
قالوا: قد علمنا ذلك كلّه و نحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشا، فأخذ الحسين (عليه السّلام) بطرف لحيته و هو يومئذ ابن سبع و خمسين سنة، ثمّ قال: اشتدّ غضب اللّه على اليهود حين قالوا: عزير ابن اللّه و اشتدّ غضب اللّه على النصارى حين قالوا: المسيح ابن اللّه و اشتدّ غضب اللّه على المجوس حين عبدوا النار من دون اللّه و اشتدّ غضب اللّه على قوم قتلوا نبيّهم و اشتدّ غضب اللّه على هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيّهم.
قال: فضرب الحرّ بن يزيد فرسه إلى عسكر الحسين (عليه السّلام) واضعا يده على رأسه و هو يقول: اللّهم إليك أنيب فتب عليّ فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد نبيّك، يابن رسول اللّه هل من توبة؟
قال: نعم تاب اللّه عليك.
قال: يابن رسول اللّه ائذن لي فأقاتل عنك، فأذن له فبرز و هو يقول شعر:
أضرب في أعناقكم بالسيف عن خير من حلّ بلاد الخيف
فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثمّ قتل فأتاه الحسين (عليه السّلام) و دمه يشخب فقال: بخ بخ يا حرّ أنت حرّ كما سمّيت في الدّنيا و الآخرة ثمّ أنشأ الحسين (عليه السّلام) يقول شعر:
لنعم الحرّ حرّ بني رياح صبور عند مختلف الرّماح
و نعم الحرّ إذا ساوى حسينا فجاد بنفسه عند الصياح
ثمّ برز من بعده زهير بن القين و هو يقول مخاطبا للحسين (عليه السّلام) شعر:
اليوم نلقى جدّك النبيّا و حسنا و المرتضى عليا
فقتل منهم تسعة عشر رجلا ثمّ صرع، و خرج من بعده حبيب بن مظاهر و هو يقول شعر:
أنا حبيب و أبي مظاهر لنحن أزكى منكم و أطهر
فقتل منهم أحد و ثلاثين رجلا ثمّ قتل، و برز وهب بن وهب و كان نصرانيا أسلم على يدي الحسين (عليه السّلام) هو و امّه و ركب فرسا و تناول عمود الفسطاط فقاتل و قتل من القوم سبعة أو ثمانية ثمّ استؤسر، فأمر ابن سعد بقتله فقتل و رمي برأسه إلى عسكر الحسين (عليه السّلام) فأخذت امّه سيفه و برزت فقال لها الحسين (عليه السّلام): يا امّ وهب اجلسي فقد وضع اللّه الجهاد عن النساء إنّك و ابنك مع جدّي محمّد (صلّى اللّه عليه و اله) في الجنّة، و برز إليهم عبد اللّه بن مسلم بن عقيل و أنشد شعر:
أقسمت لا أقتل إلّا حرّا و إن وجدت الموت شيئا مرّا
أكره أن ادّعى جبانا فرّا إنّ الجبان من عصى و فرّا
فقتل ثلاثة و قتل، و برز من بعده عليّ بن الحسين (عليهما السّلام)، فلمّا برز إليهم دمعت عيني الحسين (عليه السّلام) فقال: اللّهم كن أنت الشهيد عليهم، فقد برز إليهم ابن رسولك و أشبه الناس وجها و سمتا به فجعل يقول شعر:
أنا عليّ بن الحسين بن عليّ نحن و بيت اللّه أولى بالنبيّ
فقتل عشرة ثمّ رجع إلى أبيه فقال؛ يا أبه العطش، فقال له الحسين (عليه السّلام): صبرا يا بني يسقيك جدّك بالكأس الأوفى، فرجع و قتل منهم أربعة و أربعين ثمّ قتل (عليه السّلام)، ثمّ برز من بعده القاسم بن الحسن و هو يقول شعر:
لا تجزعي نفسي فكلّ فاني اليوم تلقين ذرى الجنان
فقتل منهم ثلاثة ثمّ رمى عن فرسه فنظر الحسين (عليه السّلام) يمينا و شمالا، فلم ير أحد فقال:
اللّهم إنّك ترى ما يصنع بولد نبيّك و حالوا بينه و بين الماء و رمى بسهم فوقع في نحره و خرّ عن فرسه فأخذ السهم فرمى به و جعل يتلقّى الدم بكفّه، فلمّا امتلأت لطخ بها رأسه و لحيته و هو يقول: ألقى اللّه عزّ و جلّ و أنا مظلوم متلطّخ بدمي، ثمّ خرّ على خدّه الأيسر صريعا و أقبل عدوّ اللّه سنان و شمر بن ذي الجوشن لعنهما اللّه تعالى في رجال من أهل الشام حتّى وقفوا على
رأسه، فقال بعضهم لبعض: ما تنتظرون أريحوا الرجل فنزل سنان و أخذ بلحية الحسين (عليه السّلام) و جعل يضرب بالسيف في حلقه و هو يقول: و اللّه إنّي لأحتزّ رأسك و أنا أعلم أنّك ابن رسول اللّه و خير الناس أمّا و أبا، و أقبل فرس الحسين حتّى لطخ عرفه و ناصيته بدمه و جعل يركض و يصهل و سمعت بنات النبيّ صهيله فخرجن، فإذا الفرس بلا راكب فعرفن أنّ حسينا قد قتل و خرجت امّ كلثوم بنت الحسين واضعة يدها على رأسها تندب: وا محمّداه هذا الحسين بالعرا قد سلب العمامة و الرّداء، و أقبل سنان لعنه اللّه حتّى أدخل رأس الحسين (عليه السّلام) على ابن زياد و هو يقول شعر:
املأ ركابي فضّة و ذهبا إنّي قتلت الملك المحجّبا
قتلت خير الناس امّا و أبا و خيرهم إذ ينسبون نسبا
فقال له ابن زياد: ويحك إذا علمت إنّه خير الناس أبا و امّا لم قتلته؟ فأمر به فضربت عنقه و عجّل اللّه بروحه إلى النار، و أرسل ابن زياد قاصدا إلى امّ كلثوم بنت الحسين يقول لها:
الحمد للّه الذي قتل رجالكم فكيف ترون ما فعل بكم؟
فقالت: يابن زياد لئن قرّت عينك بقتل الحسين فطالما قرّت عين جدّه به و كان يقبّله و يلثم شفتيه يابن زياد أعد لجدّه جوابا فإنّه خصمك غدا .
و قال السيّد علي بن طاووس: إنّ مروان بن الحكم قال للحسين (عليه السّلام): بايع ليزيد يكن خيرا لك في دينك و دنياك، فقال الحسين (عليه السّلام): إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و على الإسلام السلام إذ قد بليت الامّة براع مثل يزيد .
سبب تخلف ابن الحنفية عن أخيه الحسين عليه السلام
و روى الكليني طاب ثراه في كتاب الوسائل مسندا إلى حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: ذكرنا خروج الحسين (عليه السّلام) و تخلّف ابن الحنيفة فقال أبو عبد اللّه (عليه السّلام): يا حمزة إنّي سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا؛ إنّ الحسين (عليه السّلام) لمّا فصل متوجّها دعا بقرطاس و كتب فيه: بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى بني هاشم؛ أمّا بعد فإنّه من لحق بي منكم استشهد و من تخلّف لم يبلغ مبلغ الفتح و السلام .
أقول: روي في الأحاديث لتخلّف محمّد بن عليّ (عليه السّلام) وجوه منها: إنّ الحسين (عليه السّلام) لمّا خرج من المدينة لحقه محمّد و أشار عليه أن يقيم إمّا بمكّة أو يسير إلى اليمن، و أبى (عليه السّلام) إلّا المسير إلى العراق ثمّ قال لمحمّد: و أمّا أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم لا تخفي عنّي شيئا من أمورهم، ثمّ دعا بداوة و بياض و كتب وصيّته و جعل محمّد الوصيّ، فيكون تخلّف محمّد بأمر الحسين (عليه السّلام) على أنّ من جملة المصالح في تخلّفه بالمدينة بأن يكون مرجعا لبني هاشم كيلا يضامون بعد خروج الحسين (عليه السّلام).
و منها: ما روي أنّه لما عوتب محمّد بن عليّ (عليه السّلام) على ترك الخروج ذكر كلاما حاصله: إنّي علمت بعلم عهده إليّ أبي أمير المؤمنين (عليه السّلام) أسماء الذين يستشهدون مع الحسين (عليه السّلام) و أسماء آبائهم و لم أر اسمي بينهم، فعلمت أنّي لست من الشهداء معه و خاف أن يكون في سيره معه مثله مثل خروج عقيل إلى معاوية و تركه أمير المؤمنين (عليه السّلام) و إن كان محمّد أجلّ شأنا و أرفع مكانا من أن تعتريه مثل هذه الهواجس.
و منها؛ ما روي في الأثر أنّ محمّد بن الحنفيّة قد أصابته عين في يده فخرج بها خراج و قد تعطّلت عن حمل السلاح، فيكون معذورا في ترك الخروج مع أنّ الحسين (عليه السّلام) لم يطلب منه الخروج معه و ذاك محلّ الإشكال.
مجيء الملائكة و الجنّ لنصرة الحسين عليه السلام
و روى الشيخ المفيد بإسناده إلى أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: لمّا سار أبو عبد اللّه (عليه السّلام) من المدينه لقيه أفواج من الملائكة المسوّمة في أيديهم الحراب على نوق من نوق الجنّة فسلّموا عليه و قالوا: يا حجّة اللّه إنّ اللّه سبحانه أمدّ جدّك بنا في مواطن كثيرة و أنّ اللّه «أمدّك بنا فقال: إذا وردت كربلاء فأتوني، و أتته أفواج مسلمي الجنّ فقالوا: نحن شيعتك فمرنا بأمرك نقتل عدوّك و أنت بمكانك فجزاهم الحسين خيرا و قال: أما قرأتم {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 78] و إذا أقمت بمكاني فيما إذا يبتلى هذا الخلق المنفوس و من ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء و قد اختارها اللّه يوم دحى الأرض و جعلها مع