قال كمال الدين بن طلحة رحمه الله و هو فضل يسكب مضمونه المدامع من الأجفان و تجلب الفجائع لإثارة الأحزان و يلهب نيران الموجدة في أكباد ذوي الإيمان بما أجرته الأقدار للفجرة من اجترائها و فتكها و اعتدائها على الذرية النبوية لسفح دمائها و سفكها و استبائها مصونات نسائها و هتكها حتى تركوا لمم رجالها بنجيعها مخضوبة و أشلاء جثثها على الثرى مسلوبة و مخدرات حرائر سبايا منهوبة فكم كبيرة من جريمة ارتكبوها واجترموها و كم من نفس معصومة أرهقوها و اخترموها و كم من دماء محرمة أراقوها و ما احترموها و كم من كبد حرى منعوها ورود الماء و حرموها ثم احتزوا رأس سبط رسول الله و حبه الحسين بشبا الحداد و رفعوه كما ترفع رؤوس ذوي الإلحاد على رءوس الصعاد و اخترقوا به أرجاء البلاد بين العباد و استاقوا حرمه وأطفاله أذلاء من الاضطهاد و أركبوهم على أخشاب الأقتاب بغير وطاء و لا مهاد هذا مع علمهم بأنهم الذرية النبوية المسئول لها المودة بصريح القرآن وصحيح الإسناد فلو نطقت السماء و الأرض لرثت لها و رثتها و لو اطلعت عليها مردة الكفار لبكتها و ندبتها و لو حضرت مصرعها عتاة الجاهلية لأنبتها و نعتها و لو شهدت وقعتها بغاة الجبابرة لإعانتها و نصرتها فيا لها مصيبة أنزلت الرزية بقلوب الموحدين و أورثتها و بلية أحلت الكآبة بنفوس المؤمنين سلفا و خلفا فأحزنتها فوا لهفاه لذرية نبوية ظل دمها و عترة محمدية قل مخذمها و عصبة علوية خذلت فقتل مقدمها و زمرة هاشمية استبيح حرمها و استحل محرمها و أنا الآن أفصل هذا الإجمال و أوضحه و أبين تفصيله و أشرحه.
وهو أن الحسين (عليه السلام) سار حتى صار على مرحلتين من الكوفة فوافاه إنسان يقال له الحر بن يزيد الرياحي و معه ألف فارس من أصحاب ابن زياد شاكين في السلاح فقال للحسين (عليه السلام) إن الأمير عبيد الله بن زياد قد أمرني أن لا أفارقك أو أقدم بك عليه و أنا و الله كاره أن يبتليني الله بشي ء من أمرك غير أني قد أخذت بيعة القوم فقال الحسين (عليه السلام) إني لم أقدم هذا البلد حتى أتتني كتب أهله و قدمت على رسلهم يطلبونني و أنتم من أهل الكوفة فإن دمتم على بيعتكم و قولكم في كتبكم دخلت مصركم و إلا انصرفت من حيث أتيت فقال له الحر و الله ما أعلم هذه الكتب و لا الرسل و أنا فما يمكنني الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا فخذ طريقا غير هذه و ارجع فيه حيث شئت لأكتب إلى ابن زياد أن الحسين خالفني الطريق فلم أقدر عليه و أنشدك الله في نفسك. فسلك الحسين طريقا آخر غير الجادة راجعا إلى الحجاز وسار هو و أصحابه طول ليلتهم فلما أصبح الحسين (عليه السلام) و إذا قد ظهر الحر و جيشه فقال الحسين ما وراك يا ابن يزيد فقال وافاني كتاب ابن زياد يؤنبني في أمرك و قد سير من هو معي وهو عين علي و لا سبيل إلى مفارقتك أو أقدم بك عليه و طال الكلام بينهما و رحل الحسين (عليه السلام) و أهله و أصحابه فنزلوا كربلاء يوم الأربعاء أو الخميس على ما قيل الثاني من المحرم.
فقال (عليه السلام) هذه كربلاء موضع كرب و بلاء هنا مناخ ركابنا و محط رحالنا و مقتل رجالنا فنزل القوم و حطوا الأثقال و نزل الحر بنفسه و جيشه قبالة الحسين (عليه السلام) ثم كتب إلى عبيد الله بن زياد وأعلمه بنزول الحسين (عليه السلام) بأرض كربلاء.