حياة الامام الحسين قبل مقتله
مقتل الامام عليه السلام

انّ الحسين (عليه السلام) خرج من المدينة ليلة الأحد ليومين بقيا من شهر رجب، و وصل مكة ليلة الجمعة لثلاثة ايام خلت من شعبان فلمّا دخلها تمثل بهذه الآية المباركة: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ } [القصص: 22].
ولمّا علم الوليد بن عتبة بخروج الحسين (عليه السلام) بعث الى عبد اللّه بن عمر و طلب منه البيعة فقال عبد اللّه: سأبايع بعد أن يبايع غيري و سأتبعهم، و كان الوليد لا يهتم كثيرا ببيعة عبد اللّه لعدم خوفه منه، فتركه لذلك، فذهب ابن عمر الى مكة و لحق بسائر المعارضين.
و لمّا بلغ أهل مكة و الكثير من الناس الذين جاءوا للعمرة قدوم الامام الحسين (عليه السلام) فرحوا كثيرا و جاءوا إليه و كانوا يحضرون مجلسه صباحا و مساء، و قد القى عبد اللّه بن الزبير رحله في مكة و لازم الكعبة و اكثر من الصلاة و العبادة لخداع الناس و كان يذهب كل يوم الى الحسين (عليه السلام) مع انّه يحسّ بالثقل في نفسه من الامام (عليه السلام) و لا يحب بقاءه في مكة لزعمه انّ الامام ينافسه، و كان يعلم عدم بيعة أحد من أهل مكة له ما دام الحسين هناك و بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية، فأرجفوا بيزيد و عرفوا خبر الحسين (عليه السلام) و امتناعه عن بيعته و خروجه الى مكة، فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، فذكروا هلاك معاوية، فحمدوا اللّه و اثنوا عليه و قال سليمان: انّ معاوية قد هلك و انّ حسينا قد تقبض على القوم ببيعته و خرج الى مكة، و انتم شيعته و شيعة ابيه، فان كنتم تعلمون انكم ناصروه و مجاهدو عدّوه، فاكتبوا إليه و أعلموه، و ان خفتم الوهن و الفشل فلا تغروا الرجل في نفسه.
فقالوا بأجمعهم: لا بل نقاتل عدوّه و نقتل أنفسنا دونه ؛ قال: فاكتبوا إليه، فكتبوا كتابا باسم سليمان بن صرد بن نجبة (بالنون و الجيم و الباء المفتوحات، قاله ابن الأثير) و رفاعة بن شداد البجلي (بجيلة كحنيفة و النسبة بجليّ كحنفيّ) و حبيب بن مظاهر رحمه اللّه و سائر الشيعة، الى الحسين (عليه السلام) فقالوا فيها بعد الحمد و الثناء على اللّه و بيان هلاك معاوية:
«يا بن رسول اللّه انّه ليس علينا امام، فأقبل لعلّ اللّه يجمعنا بك على الحق، و النعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة و لا نخرج معه الى عيد، و لو قد بلغنا انّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء اللّه تعالى».
ثم سرحوا بالكتاب مع عبد اللّه بن مسمع الهمداني و عبد اللّه بن وال التميمي و أمروهما بالنجاء، ثم لبث أهل الكوفة بعد تسريحهم بالكتاب يومين و انفذوا قيس بن مسهر الصيداوي و عبد الرحمن بن عبد اللّه بن شداد و عمارة بن عبد اللّه السلولي الى الحسين (عليه السلام) و معهم نحو من مائة و خمسين صحيفة من الرجل و الاثنين و الثلاثة و الاربعة من عظماء الكوفة و كبارها.
ثم لبثوا يومين آخرين و سرحوا هاني بن هاني السبيعي و سعيد بن عبد اللّه الحنفي و كتبوا إليه:
«بسم اللّه الرحمن الرحيم، للحسين بن علي عليهما السّلام من شيعته من المؤمنين و المسلمين، أما بعد فحي هلا فان الناس ينتظرونك لا رأي لهم في غيرك، فالعجل العجل ثم العجل العجل و السلام عليك» .
و كتب شبث بن ربعي و حجار بن أبجر و يزيد بن الحارث بن رويم الشيباني و عروة بن قيس و عمرو بن الحجاج الزبيدي و محمد بن عمرو التيمي:
«اما بعد فقد أخضر الجناب و أينعت الثمار، فاذا شئت فأقبل على جند لك مجندة، و السلام» .
و تلاحقت عليه الرسل و كثرت الكتب حتى اجتمع في يوم واحد عنده نحو من ستمائة كتاب من هؤلاء الغدّارين، فكان (عليه السلام) يتأنى في ارسال الجواب إليهم حتى اجتمع عنده اثنا عشر الف كتاب.