حياة الامام الحسين قبل مقتله
مقتل الامام عليه السلام

جمع الحسين (عليه السلام) أصحابه عند قرب المساء قال على بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وأنا اذ ذاك مريض فسمعت أبى يقول لأصحابه: اثنى على الله أحسن الثناء وأحمده على السراء والضراء، اللهم انى احمدك على أن كرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن، وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وافئدة فاجعلنا من الشاكرين، اما بعد فاني لا أعلم أصحابا أو في ولا
يرامن أصحابى، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتى، فجزاكم الله عنى خيرا،
اوانى لا اظن يوما لنا من هؤلاء، ألا وانى قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم منى ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا.
فقال له اخوته وأبناؤه وبنوا أخيه وأبناء عبدالله بن جعفر: لم نفعل ذلك لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبدا، بدأهم بهذا القول العباس بن على (عليه السلام) واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه، فقال الحسين (عليه السلام):
يا بنى عقيل حسبكم من القتل بمسلم فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم؟ قالوا: سبحان الله فما يقول الناس؟ يقولون انا تركنا شيخنا وسيدنا وبنى عمومتنا خيرا لأعمام، ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندرى ما صنعوا لا والله ما نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك
وقام اليه مسلم بن عوسجة فقال: أنحن نخلى عنك وبما نعتذر إلى الله في أداء حقك؟ أما والله حتى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدى، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، والله لا نخليك حتى يعلم الله انا قد حفظنا غيبة رسوله فيك، أما والله لوقد علمت أنى أقتل ثم أحيى ثم أحرق ثم أحيى ثم أذرى يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامى دونك، وكيف لا أفعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا.

وقام زهير بن القين رحمة الله عليه فقال: والله لوددت انى قتلت ثم نشرت، ثم قتلت حتى اقتل هكذا ألف مرة، وان الله عزوجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك، وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد، فجزاهم الحسين (عليه السلام) خيرا وانصرف إلى مضربه.
قال على بن الحسين (عليهما السلام): انى جالس في تلك العشية التي قتل أبى في صبيحتها وعندي عمتي
زينب تمرضني، إذ اعتزل أبى في خباء له وعنده جوين مولى ابى ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبى يقول:
يا دهر اف لم من خليل * كم لك بالإشراق والاصيل
من صاحب او طالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الامر إلى الجليل * وكل حي سالك سبيلي
فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعرفت ما أراد، فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت ان البلاء قد نزل، واما عمتي فأنها سمعت ما سمعت وهى امرأة ومن شان النساء الرقة الجزع فلم تملك نفسها أن وثبت تجرثوبها، وانها لحاسرة حتى انتهت اليه، فقالت:

واثكلاه ليت الموت أعدمني الحيوة، اليوم ماتت امى فاطمة وأبى علي وأخى الحسن عليهم السلام يا خليفة الماضين وثمال الباقين، فنظر اليها الحسين (عليه السلام) فقال لها:
يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان وتر قرقت عيناه بالدموع، وقال: لو ترك القطا لنام ! فقالت: يا ويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصابا،فذاك أقرح لقلبي وأشد على نفسى، ثم لطمت وجهها وهوت إلى جيبها فشقته، وخرت مغشيا عليها، فقام اليها الحسين (عليه السلام) فصب على وجهها الماء وقال لها:
ايها يااختاه اتقى الله وتعزى بعزاء الله، واعلمى أن أهل الارض يموتون وأهل السماء لا يبقون، وان كل شيء هالك إلا وجه الله الذي خلق الخلق بقدرته، ويبعث الخلق ويعيدهم، وهو فرد وحده، جدى خير منى، وأبى خير منى وامي خيرمنى، وأخى خيرمنى، ولى ولكل مسلم برسول الله (صلى الله عليه واله) أسوة، فعزاها بهذا ونحوه، وقال لها: يااخية انى اقسمت عليك فابرى قسمى، لا تشقى علي جيبا، ولا تخمشى علي وجها، ولاتدعى علي بالويل والثبور اذا أنا هلكت، ثم جاء بها حتى أجلسها عندى، ثم خرج إلى اصحابه فأمر هم أن يقرب بعضهم بيوتهم من بعض، وان يدخلوا الا طناب بعضها في بعض، وان يكونوا بين البيوت، فيستقبلون القوم من وجه واحد، والبيوت من ورائهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم قد حفت بهم إلا الوجه الذي يأتيهم منه عدو هم ورجع (عليه السلام) إيي مكانه، فقال الليل كله يصلى ويستغفر ويدعو ويتضرع، وقام أصحابه كذلك يصلون ويدعون ويستغفرون.
قال الضحاك بن عبدالله: ومربنا خيل لابن سعد تحرسنا، وان حسينا (عليه السلام) ليقرأ: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } [آل عمران: 178، 179] فسمعها من تلك الخيل رجل يقال له عبدالله بن سمير، وكان مضحاكا وشجاعا بطلا فارسا فاتكا شريفا، فقال: نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا منكم ! فقال له برير بن خضير: يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيبين؟ فقال له: من أنت ويلك؟ فقال له: برير بن خضير، فتسابا.