حياة الامام الحسين قبل مقتله
مقتل الامام عليه السلام

إنهم (عليهم السلام) رجال الفصاحة و فرسانها و حماة البلاغة وشجعانها عليهم تهدلت أغصانها و منهم تشعبت أفنانها و لهم انقادت معانيها وهم معانها ولرياضتهم أطاع عاصيها و أصحب جرانها إذا قالوا بذوا الفصحاء و إذا ارتجلوا سبقوا البلغاء وإذا نطقوا أذعن كل قائل و أقر لهم كل حاف و ناعل:
تركت و الحسن تأخذه تنتقي منه و تنتخب
فاصطفت منه محاسنه واستزادت فضل ما تهب
بألفاظ تجاري الهواء رقة و الصخر متانة و حلم يوازي السماء ارتفاعا و الجبال رزانة أذعنت لهم الحكم و أجابت ندائهم الكلم و أطاعهم السيف و القلم وصابوا و أصابوا فما صوب الديم ورثوا البيان كابرا عن كابر و تسنموا قلل الفضائل تسمنهم متون المنابر و تساووا في مضمار المعارف فالآخر يأخذ عن الأول و الأول يملي عن الآخر.
شرف تتابع كابرا عن كابر كالرمح أنبوبا على أنبوب
يفوح أرج النبوة من كلامهم و يعبق نشر الرسالة من نثرهم و نظامهم و تعجز الأوائل و الأواخر عن مقالهم في كل موطن و مقامهم فهم سادات الناس و قادتهم في جاهليتهم و إسلامهم فما ساجلهم في منقبة إلا مغلب و ما شابهم ماجد إلا قيل أطمع من أشعب شنشنة معروفة في السلف و الخلف و عادة شريفة ينكرها من أنكر و يعرفها من عرف.
ومن كلامه (عليه السلام) لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال:
الحمد لله وما شاء الله و لا حول و لا قوة إلا بالله صلى الله على رسوله وسلم خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف و خير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصال يتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلاء فيملأن مني أكراشا جوفا و أجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضي الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه و يوفينا أجور الصابرين لن يشذ عن رسول الله (صلى الله عليه واله) لحمته و هي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه و يتنجز لهم وعده من كان فينا باذلا مهجته و موطنا على لقائنا نفسه فليرحل فإني راحل مصبحا إن شاء الله .
وخطب (عليه السلام) فقال يا أيها الناس نافسوا في المكارم و سارعوا في المغانم و لا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا و كسبوا الحمد بالنجح و لا تكتسبوا بالمطل ذما فمهما يكن لأحد عند أحد صنيعة له رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافاته فإنه أجزل عطاء و أعظم أجرا و اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتحور نقما و اعلموا أن المعروف مكسب حمدا و معقب أجرا فلو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسنا جميلا يسر الناظرين و لو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجا مشوها تنفر منه القلوب و تغض دونه الأبصار أيها الناس من جاد ساد و من بخل رذل و إن أجود الناس من أعطى من لا يرجو و إن أعفى الناس من عفى عن قدرة و إن أوصل الناس من وصل من قطعه و الأصول على مغارسها بفروعها تسموا فمن تعجل لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا و من أراد الله تبارك و تعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقت حاجته و صرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه و من نفس كربة مؤمن فرج الله عنه كرب الدنيا و الآخرة و من أحسن أحسن الله إليه و الله يحب المحسنين.
قلت هذا الفصل من كلامه (عليه السلام) و إن كان دالا على فصاحته و مبينا عن بلاغته فإنه دال على كرمه و سماحته و جوده و هبته مخبر عن شرف أخلاقه و سيرته و حسن نيته و سريرته شاهد بعفوه وحلمه و طريقته فإن هذا الفصل قد جمع مكارم أخلاق لكل صفة من صفات الخير فيها نصيب واشتمل على مناقب عجيبة و ما اجتماعها في مثله بعجيب.
وخطب (عليه السلام) فقال إن الحلم زينة و الوفاء مروءة و الصلة نعمة و الاستكبار صلف و العجلة سفه.
والسفه ضعف و الغلو ورطة و مجالسة أهل الدناءة شر و مجالسة أهل الفسق ريبة .