حياة الامام الحسين قبل مقتله
مقتل الامام عليه السلام

كان سبب خروج ابن سعد الى الحسين (عليه السلام) أن عبيد اللّه بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم الى دستبى‏ ، و كانت الديلم قد خرجوا إليها و غلبوا عليها، فكتب إليه ابن زياد عهده على الري و أمره بالخروج.
فخرج معسكرا بالناس بحمّام أعين‏ ، فلمّا كان من أمر الحسين (عليه السلام) ما كان و أقبل الى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال: سر الى الحسين، فاذا فرغنا مما بيننا و بينه سرت الى عملك، فقال له عمر بن سعد:
إن رأيت- رحمك اللّه- أن تعفيني فافعل، فقال له عبيد اللّه: نعم، على أن تردّ لنا عهدنا، فلمّا قال له ذلك قال عمر بن سعد: أمهلني اليوم حتى أنظر.
فانصرف عمر ابن سعد يستشير نصحاءه، فلم يكن يستشير أحدا إلا نهاه.
و جاء حمزة بن المغيرة بن شعبة - و هو ابن اخته- فقال: انشدك اللّه‏ - يا خال- أن تسير الى الحسين فتأثم- بربّك- و تقطع رحمك! فو اللّه لئن تخرج من دنياك و مالك و سلطان الأرض كلّها- لو كان لك- خير لك من أن تلقى اللّه بدم الحسين! فقال له: عمر بن سعد فانّي أفعل إن شاء اللّه‏ .
و تصاب سلسلة أخبار أبي مخنف هنا في رواية الطبري بالانقطاع و الانتقال الى نزول ابن سعد بكربلاء، و يملأ الطبري هذا الفراغ بخبر عن عوانة بن الحكم، لا بد لنا منه لوصل الحلقات:
قال هشام: حدّثني عوانة بن الحكم، عن عمّار بن عبد اللّه بن يسار الجهني، عن أبيه قال:
دخلت على عمر بن سعد و قد امر بالمسير الى الحسين (عليه السلام) فقال لي: إن الأمير أمرني بالمسير الى الحسين فأبيت ذلك عليه. فقلت له: أصاب اللّه بك، أرشدك اللّه، أحل، فلا تفعل و لا تسر إليه!
قال: فخرجت من عنده فأتاني آت و قال: هذا عمر بن سعد يندب الناس الى الحسين، قال: فأتيته، فاذا هو جالس، فلمّا رآني أعرض بوجهه، فعرفت أنه قد عزم على المسير إليه، فخرجت من عنده.
قال: فأقبل عمر بن سعد الى ابن زياد فقال: أصلحك اللّه إنّك ولّيتني هذا العمل و كتبت لي العهد و سمع الناس به يعني عهد الري‏، فان رأيت أن تنفّذ لي ذلك فافعل، و ابعث الى الحسين في هذا الجيش من أشراف الكوفة من لست بأغنى و لا أجرأ عنك في الحرب منه، فسمّى له اناسا.
فقال له ابن زياد: لا تعلّمني بأشراف أهل الكوفة و لست أستأمرك فيمن اريد أن أبعث، إن سرت بجندنا و إلا فابعث إلينا بعهدنا! فلمّا رآه قد لجّ قال: فاني سائر.
قال: فأقبل في أربعة آلاف‏ حتى نزل بالحسين من الغد من يوم نزل الحسين نينوى.
قال: فبعث عمر بن سعد الى الحسين (عليه السلام) عزرة بن قيس الأحمسي‏ ، فقال: ائته فسله ما الذي جاء به؟ و ما ذا يريد؟ و كان عزرة ممن كتب الى الحسين، فاستحيا منه أن يأتيه.
قال: فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلّهم أبى و كرهه.
قال: و قام إليه كثير بن عبد اللّه الشعبي- و كان فارسا شجاعا لا يردّ وجهه شي‏ء- فقال: أنا أذهب إليه، و اللّه لئن شئت لأفتكنّ به‏ ، فقال عمر بن سعد: ما اريد أن يفتك به، و لكن ائته فسله ما الذي جاء به؟.
قال: فأقبل إليه، فلمّا رآه أبو ثمامة الصائدي‏ قال للحسين (عليه السلام): أصلحك اللّه أبا عبد اللّه! قد جاءك شرّ أهل الأرض و أجرؤه على دم و أفتكه، فقام إليه فقال: ضع سيفك؛ قال: لا و اللّه و لا كرامة، إنّما أنا رسول فان سمعتم منّي أبلغتكم ما ارسلت به إليكم، و إن أبيتم انصرفت عنكم، فقال له: فاني آخذ بقائم سيفك ثم تكلّم بحاجتك، قال: لا و اللّه لا تمسسه!، فقال له: أخبرني ما جئت به و أنا ابلغه عنك و لا أدعك تدنو منه فانك فاجر، فاستبّا، ثم انصرف الى عمر بن سعد فأخبره الخبر.
قال: فدعا عمر قرّة بن قيس الحنظلي، فقال له: و يحك يا قرّة! الق حسينا فسله ما جاء به؟ و ما ذا يريد؟.
قال: فأتاه قرّة بن قيس، فلمّا رآه الحسين مقبلا قال: أ تعرفون هذا؟ فقال حبيب بن مظاهر : نعم، هذا رجل من حنظلة تميمي و هو ابن اختنا و لقد كنت أعرفه بحسن الرأي و ما كنت أراه يشهد هذا المشهد .
قال: فجاء حتى سلّم على الحسين (عليه السلام) و أبلغه رسالة عمر بن سعد إليه، له.
فقال الحسين (عليه السلام): كتب إليّ أهل مصركم هذا: أن أقدم، فأمّا
و قد دعاه حبيب بن مظاهر الى نصرة الإمام عليه السّلام و أن لا يرجع الى الظالمين، فقال له قرّة:
أرجع الى صاحبي بجواب رسالته و أرى رأيي. و لكنّه انصرف الى عمر بن سعد فلم يرجع عنه الى الحسين حتى قتل عليه السّلام .
إذ كرهونى فأنا أنصرف عنهم.
قال: فانصرف الى عمر بن سعد فأخبره الخبر.
فقال له عمر بن سعد: إنّي لأرجو أن يعافيني اللّه من حربه و قتاله و كتب الى ابن زياد بذلك. و هذه نهاية التتمّة من رواية غير أبي مخنف‏.
كتاب عمر بن سعد الى ابن زياد
جاء كتاب عمر بن سعد الى عبيد اللّه بن زياد، فاذا فيه: بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد؛ فانّي حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي، فسألته: عمّا أقدمه، و ما ذا يطلب و يسأل؟ فقال: كتب إليّ أهل هذه البلاد و أتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت، فامّا إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني رسلهم فأنا منصرف عنهم.
فلمّا قرئ الكتاب على ابن زياد قال:
الآن إذ علقت مخالبنا به‏ يرجو النجاة و لات حين مناص!
كتاب ابن زياد الى ابن سعد جوابا
و كتب الى عمر بن سعد:
بسم اللّه الرحمن الرحيم؛ أمّا بعد، فقد بلغني كتابك، و فهمت ما ذكرت، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو و جميع أصحابه، فاذا فعل ذلك رأينا رأينا، و السلام.
فلمّا أتى عمر بن سعد الكتاب قال: قد حسبت أن لا يقبل ابن زياد العافية
و بعث الحسين (عليه السلام) الى عمر بن سعد: عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري‏ أن القني الليل بين عسكري و عسكرك‏ فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارسا، و أقبل حسين (عليه السلام) في مثل ذلك، فلمّا التقوا أمر حسين (عليه السلام) أصحابه: أن يتنحّوا عنه، و أمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك.
فتكلّما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيع، ثم انصرف كلّ واحد منهما الى عسكره بأصحابه.
و تحدّث الناس فيما دار بينهما ظنّا، يظنّون أن حسينا (عليه السلام) قال لعمر بن سعد: اخرج معي الى يزيد بن معاوية و ندع العسكرين؛ قال عمر:
إذن تهدم داري؛ قال: أنا أبنيها لك، قال: إذن تؤخذ ضياعي؛ قال: إذن أعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز، فتكرّه ذلك عمر.
تحدّث الناس بذلك و شاع فيهم، من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئا و لا علموه‏
و قالوا: انه قال: اختاروا منّي خصالا ثلاثا:
1- إمّا أن أرجع الى المكان الذي أقبلت منه.
2- و إمّا أن أضع يدي في يدي يزيد بن معاوية فيرى فيما بيني و بينه رأيه.
3- و إمّا أن تسيّروني الى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئتم، فأكون رجلا من أهله لي ما لهم و عليّ ما عليهم‏
و قال عاقبة بن سمعان: صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة الى مكّة، و من مكّة الى العراق و لم افارقه حتى قتل، و ليس من مخاطبة الناس كلمة بالمدينة و لا بمكّة و لا في الطريق و لا بالعراق و لا في عسكره الى يوم مقتله إلا سمعتها، ألا- و اللّه- ما أعطاهم ما يتذاكر الناس و ما يزعمون: من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، و لا أن يسيّروه الى ثغر من ثغور المسلمين، و لكنه قال:
دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس‏ .
كتاب عمر بن سعد الى ابن زياد ثانيا
فكتب عمر بن سعد الى عبيد اللّه بن زياد:
أمّا بعد؛ فانّ اللّه قد أطفأ النائرة، و جمع الكلمة، و أصالح أمر الامّة؛ هذا حسين قد أعطاني أن يرجع الى المكان الذي منه أتى، أو أن نسيّره الى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئنا، فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده، فيرى فيما بينه و بينه رأيه، و في هذا لكم رضا و للامّة صلاح.
فلمّا قرأ عبيد اللّه الكتاب قال: هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على‏ قومه؛ نعم قد قبلت.
فقام إليه شمر بن ذي الجوشن‏ فقال: أتقبل هذا منه و قد نزل بأرضك الى جنبك! و اللّه لئن رحل من بلدك و لم يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة و العزّة، و لتكوننّ أولى بالضعف و العجز فلا تعط هذه المنزلة فانها من الوهن، و لكن ينزل على حكمك‏ هو و أصحابه، فان عاقبت فأنت وليّ العقوبة، و ان غفرت كان ذلك لك، و اللّه لقد بلغني أن حسينا و عمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدّثان عامّة الليل!
فقال له ابن زياد: نعم ما رأيت! الرأي رأيك‏ كتاب ابن زياد الى ابن سعد و جوابه ثانيا
ثم كتب عبيد اللّه بن زياد الى عمر بن سعد: أما بعد، فاني لم ابعثك الى الحسين (عليه السلام) لتكفّ عنه، و لا لتطاوله، و لا لتمنّيه السلامة و البقاء، و لا لتقعد له عندي شافعا ... انظر فان نزل حسين و اصحابه على الحكم و استسلموا، فابعث بهم إليّ سلما، و ان أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم و تمثّل بهم! فانهم لذلك مستحقون! فان قتل حسين فاوطئ الخيل صدره و ظهره! فانه عاقّ شاقّ، قاطع ظلوم! و ليس دهري في هذا أن يضرّ بعد الموت شيئا، و لكن عليّ قول: لو قد قتلته فعلت هذا به! إن أنت مضيت لامرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، و إن أبيت فاعتزل عملنا و جندنا، و خلّ بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر، فانّا قد أمرناه بأمرنا، و السلام‏
ثم انّ عبيد اللّه بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن فقال له: اخرج بهذا الكتاب الى عمر بن سعد، فليعرض على الحسين و اصحابه النزول على حكمي، فان فعلوا فليعبث بهم إليّ سلما، و ان هم أبوا فليقاتلهم، فان فعل فاسمع له و أطع، و ان هو ابى فقاتلهم، فانت أمير الناس، وثب عليه فاضرب عنقه و ابعث إليّ برأسه‏ يعني ابن سعد.
و لما قبض شمر بن ذي الجوشن الكتاب قام هو و عبد اللّه بن أبي المحل بن حزام (الكلابي) فقال عبد اللّه:
اصالح اللّه الامير! ان بني اختنا أمّ البنين: العبّاس و عبد اللّه و جعفرا و عثمان‏ مع الحسين (عليه السلام) فان رأيت ان تكتب لهم أمانا فعلت.
قال ابن زياد: نعم، و نعمة عين!
فأمر كاتبه فكتب لهم أمانا ...
فبعث به عبد اللّه بن أبي المحل بن حزام الكلابي‏ مع مولى له يقال له:
كزمان.
قدوم شمر بالكتاب الى ابن سعد
و اقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد اللّه بن زياد الى عمر بن سعد، فلما قدم به عليه و قرأه قال له عمر: ويلك ما لك! لا قرّب اللّه دارك، و قبّح اللّه ما قدمت به عليّ!. و اللّه لأظنّك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه، أفسدت علينا أمرا كنّا رجونا أن يصالح، لا يستسلم و اللّه حسين، انّ نفسا أبيّة لبين جنبيه!
فقال له شمر: أخبرني ما أنت صانع! أ تمضي لأمر أميرك و تقتل عدوّه؟! و إلا فخلّ بيني و بين الجند و العسكر.
قال: لا، و لا كرامة لك، و أنا أتولّى ذلك، فدونك و كن أنت على الرّجال.
قال: و جاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين (عليه السلام) فقال:
أين بنو اختنا؟ فخرج إليه العبّاس و جعفر و عثمان بنو علي (عليه السلام) فقالوا: مالك و ما تريد؟
قال: انتم يا بنو اختي- آمنون!
قال له الفتية: لعنك اللّه و لعن أمانك- لئن كنت خالنا- أ تؤمننا و ابن رسول اللّه لا أمان له!
و لما قدم عليهم كزمان مولى عبد اللّه بن ابي المحل بن حزام الكلابي‏ دعاهم فقال: هذا أمان بعث به خالكم!
فقال له الفتية: أقرئ خالنا السلام و قل له: أن لا حاجة لنا في أمانكم امان اللّه خير من أمان ابن سميّة!
و جاء كتاب من عبيد اللّه بن زياد الى عمر بن سعد:
أما بعد، فحل بين الحسين و اصحابه و بين الماء، و لا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقيّ الزكيّ المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان!
قال: فبعث عمر بن سعد: عمرو بن الحجّاج‏ على خمسمائة فارس، فنزلوا على الشريعة و حالوا بين حسين و أصحابه و بين الماء أن يسقوا منه قطرة، و ذلك قبل قتل الحسين (عليه السلام) بثلاث.
قال: و لما اشتدّ على الحسين و أصحابه العطش دعا العبّاس بن علي بن أبي طالب أخاه، فبعثه في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا، و بعث معهم بعشرين قربة. فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلا، و استقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي‏ فقال عمرو بن الحجّاج الزبيديّ: من الرّجل؟ فقال: نافع بن هلال‏.
فقال: ما جاء بك؟ قال: جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه، قال: فاشرب هنيئا: قال: لا و اللّه لا أشرب منه قطرة و حسين عطشان و من ترى من أصحابه و أشار الى اصحابه‏ فطلعوا عليه، فقال: لا سبيل الى سقي هؤلاء، إنمّا وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء.
(و) لما دنا من نافع الرّجّالة من‏ أصحابه قال لهم‏: املئوا قربكم! فشدّ الرّجّالة فملئوا قربهم.
و ثار إليهم عمرو بن الحجّاج و أصحابه، فحمل عليهم العبّاس بن علي و نافع بن هلال فكفّوهم ثم انصرفوا الى رجالهم فقالوا لهم‏: امضوا، و وقفوا دونهم، فعطف عليهم عمرو بن الحجّاج و أصحابه و اطّردوا قليلا، و جاء أصحاب حسين (عليه السلام) بالقرب فأدخلوها عليه.
و طعن نافع بن هلال في تلك الليلة رجلا من أصحاب عمرو بن الحجّاج و انتقضت الطعنة بعد ذلك فمات منها فهو أوّل فتيل من القوم جرح تلك الليلة.
قال: ثم انّ عمر بن سعد نادى بعد صلاة العصر: يا خيل اللّه اركبي و ابشري! فركب الناس، ثم زحف نحو الحسين و اصحابه عليهم السّلام‏.
و كان‏ حسين (عليه السلام) جالسا أمام بيته محتبيا بسيفه، اذ خفق برأسه على ركبته.
و سمعت اخته زينب الصيحة فدنت من أخيها فقالت: يا أخي أ ما تسمع الاصوات قد اقتربت!
فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه فقال: اني رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله‏ و سلّم في المنام فقال لي: انك تروح إلينا! فلطمت اخته وجهها و قالت:
يا ويلتا! فقال: ليس لك الويل يا اخيّة، اسكتي رحمك الرّحمن!
و قال العبّاس بن علي (عليه السلام): يا اخي: أتاك القوم!
فنهض الحسين عليه السّلام‏ ثم قال: يا عبّاس: اركب بنفسي أنت- يا أخي- حتى تلقاهم فتقول لهم: ما لكم؟ و ما بدا لكم؟ و تسألهم عمّا جاء بهم؟
فاستقبلهم العبّاس في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين، و حبيب بن مظاهر فقال لهم العبّاس: ما بدا لكم؟ و ما ذا تريدون؟
قالوا: جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه أو ننازلكم.
قال: فلا تعجلوا حتى ارجع الى أبي عبد اللّه فأعرض عليه ما ذكرتم.
فوقفوا و قالوا: القه فاعلمه ذلك ثم القنا بما يقول.
فانصرف العبّاس راجعا يركض الى الحسين يخبره بالخبر. و وقف أصحابه يخاطبون القوم ... فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين: كلّم القوم ان شئت، و ان شئت كلّمتهم فقال له زهير: أنت بدأت بهذا فكن أنت تكلّمهم.
فقال له حبيب بن مظاهر: أما و اللّه لبئس القوم عند اللّه غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيّه عليه السّلام و عترته و أهل بيته صلّى اللّه عليه و آله‏ و سلّم و عبّاد أهل هذا المصر المجتهدين بالأسحار و الذاكرين اللّه كثيرا قال هذا لزهير بن القين بحيث يسمعه القوم، فسمعه منهم عزرة بن قيس‏.
فقال له عزرة بن القيس‏ : انك لتزكّي نفسك ما استطعت! فقال له زهير: يا عزرة: ان اللّه قد زكّاها و هداها، فاتق اللّه- يا عزرة- فاني لك من الناصحين، انشدك اللّه يا عزرة- أن تكون ممن يعين الضّلال على قتل النفوس الزكية!
قال عزرة بن قيس‏: يا زهير! ما كنت- عندنا- من شيعة أهل هذا البيت، إنّما كنت عثمانيا!
قال: افلست تستدلّ بموقفي هذا أنّي منهم! أما و اللّه ما كتبت إليه كتابا قط، و لا أرسلت إليه رسولا قط، و لا وعدته نصرتي قط، و لكنّ الطريق جمع بيني و بينه، فلما رأيته ذكرت به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله‏ و سلّم و مكانه منه، و عرفت ما يقدم عليه من عدوّه و حزبكم فرأيت أن انصره و أن اكون في حزبه، و ان أجعل نفسي دون نفسه، حفظا لما ضيّعتم من حقّ اللّه و حقّ رسوله عليه السّلام.
و حين أتى العبّاس بن علي حسينا عليهما السّلام‏ بما عرض عليه عمر بن سعد، قال له الحسين عليه السّلام‏: ارجع إليهم فان استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة و تدفعهم عنّا العشيّة، لعلّنا نصلّي لربنا الليلة و ندعوه و نستغفره، فهو يعلم أني كنت احبّ الصلاة له و تلاوة كتابه و كثرة الدعاء و الاستغفار. و انما أراد بذلك أن يردّهم عنه تلك العشيّة حتى يأمر بأمره و يوصي اهله.
و أقبل العبّاس بن علي (عليه السلام) يركض فرسه‏ حتى انتهى إليهم فقال:
يا هؤلاء! ان أبا عبد اللّه يسألكم أن تنصرفوا هذه العشيّة حتى ينظر في هذا الامر، فانّ هذا أمر لم يجر بينكم و بينه فيه منطق، فاذا اصبحنا التقينا ان شاء اللّه، فامّا رضيناه فأتينا بالامر الذي تسألونه و تسومونه، أو كرهنا فرددناه.
و انما أراد بذلك أن يردّهم عنه تلك العشيّة حتى يأمر بأمره و يوصي أهله.
ف قال عمر بن سعد: يا شمر ما ترى؟
قال: ما ترى أنت، أنت الأمير و الرأي رأيك.
قال: أردت ان لا أكون! ثم أقبل على الناس فقال: ما ذا ترون؟
فقال عمرو بن الحجّاج بن سلمة الزبيدي: سبحان اللّه! و اللّه لو كانوا من الدّيلم ثم سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها!
و قال قيس بن الأشعث‏ : أجبهم الى ما سألوك، فلعمري ليصبحنّك.
بالقتال غدوة!
فقال: و اللّه لو أعلم أن يفعلوا ما أخّرتهم العشيّة!.
قال علي بن الحسين (عليه السّلام ف) أتانا رسول من قبل عمر بن سعد فقام حيث يسمع الصوت فقال: إنّا قد اجّلناكم الى غد، فان استسلمتم سرّحنا بكم الى أميرنا عبيد اللّه بن زياد، و إن أبيتم فلسنا بتاركيكم!