ادلة امامته عليه السلام
فضائل الامام عليه السلام و مناقبه

تعد المعجزات من جملة ادلة اثبات النبوات و الارتباط بالسماء و واحدة من اسس صحة الرسالات السماوية.
و تاريخ النبوات، يثبت اصل صدور المعجزات عنهم، كما ان الكتب السماوية و منها القرآن الكريم، يُصرِّح بذكر عدد من معاجز الانبياء الكرام صلوات اللَّه عليهم أجمعين.
و قد جَرَت السنن الاجتماعية على‏ طلب المعجزات من ادعياء النبوة، و من هنا كان الحق تعالى‏ يظهر بعض المعاجز على‏ أيديهم لكي تكون حُجَّة على‏ البشر.
و في زمننا المعاصر قلَّ تصديقُ بعض الناس بمثل تلك المعجزات كشفاء المرضى‏ و احياء الاموات و انقلاب العصا الى‏ ثعبان و نزول مائدة من السماء. و بعض أتباع الديانات السماوية و بعض المؤمنين بالانبياء أخذوا يفلسفون تلك الامور الخارقة للعادة على‏ اساس العلل و الاسباب الظاهرية و يطبقونها على‏ السنن‏ و النواميس و القواعد العلمية الحاكمة على‏ الطبيعة و ازداد ايمانهم بالمعجزات العلمية التي يذكرها القرآن الكريم، و ازداد تقبلهم و يقينهم بتلك المعجزات.
و الحق أنَّه ينبغي التسليم و قبول كل المعجزات و الايمان بها، ذلك لان المعجزة تعبير عن القدرة الغيبية و القوة المطلقة للَّه‏سبحانه و تعالى‏، و المؤمن باللَّه و قدرته و علمه و خلقه و ايجاده لهذا العالم، لا يمكنه ان يُشكك بصدور المعجزة، أوليس هذا العالم الكبير المترامي بكل كراته و مجراته و مخلوقاته الكبيرة و الصغيرة، و كل هذا الروعة في الخلق، معجزة؟
أنَّ المعجزة، هي الامر الذي يعجز البشر عن ايجاده بنفسه بدون الاستعانة بمقدماته و وسائله. و على‏ هذا فنفس العالم، معجزة، و هذه الجبال و البحار و الاشجار و المحيطات و الشموس و المنظومات السماوية، كلها معاجز.
و نزول المائدة من السماء، و احضار الشجرة و احياء الأموات و تكلُّم الحصاء و نظائر ذلك كلها معاجز، فكما إنَّ تلك معجزة فهذه أيضاً معجزة مع فارقٍ و هو أنَّ هذه المنظومات الشمسيه و الجبال و البحار و.. الخ مرئية لنا، و تلك مسموعة فلذا لا نتعجب من الاولى‏ لاننا نزاها يومياً، أمّا معجزات الانبياء و لانها لم تكن مستمرة أبدية- أغلبها و لم نتمكن من لمسها و النظر اليها و انما نسمعها فقط، صارت عجيبةً عندنا و لذا يستبعدها بعض الناس.
اذن، فمن جملة السنن الالهية ان من يُنتخب و يُصطفى‏ من قبل اللَّه للنبوة، لابد ان يكون له معجزة، ليكون ذلك دليلًا على‏ تكذيب أدعياء النبوة المزيفين.
و لقد كان كبار الفلاسفة كابن سينا و الفارابي و ابن مسكويه يؤمنون بمعجزات الأنبياء.
يقول فريد وجدي في دائرة المعارف بعد ان يذكر شرحاً في معجزات الانبياء و خاصة نبينا الاكرم محمد (صلى الله عليه و آله): «لا يوجد اليوم من يستطيع أن ينكر امكان حدوث المعجزات غير جماعة الماديين الذين وقفوا من العلم الطبيعي مع ما وصل اليه منذ مائة سنة و لو كان هؤلاء الماديون يستعرضون أمامهم ما هدي اليه ألوف من العلماء الباحثين في المباحث النفسية في مشارق الارض و مغاربها أمثال الاساتذة «ويليم كروكش» و «روبل ولاس» و «اللورد أفيرى واكسون» و «تندل» و «باركس» و «لودج» و «مورغان» و... من الانجليز و «كاميل فلامريون» و «الدكتر داريكس» و «الدكتورة جيبي» و «الاستاذ شارل ريشه» من الفرنسيين و عدد لا يحصى‏ من العلماء الايطاليين و الالمانيين و الروس و سواهم لرأوا أنّ كل هؤلاء قد هدوا بالتجارب التي أجروها على‏ القوى‏ النفسية الى‏ نواميس ارقى‏ من النواميس الحاكمة على‏ المادة و في استطاعتها في شروط المخصوصة ابطال عمل تلك النواميس و احداث ظواهر جديدة خارقة للنظام الطبيعي المادي فأصبحت المعجزات في نظر العالم من الممكنات و علم أنها تابعة لنواميس خاصة بها. و من البديهي فان من يؤمن بمعاجز الانبياء اليوم، انما يؤمنون بها سماعاً و بالاعتماد فقط على‏ النقولات الموثقة الى‏ درجة كبيرة توجب الاطمئنان القريب من الحس.
قد يظن البعض ان دعوي المعجزة غير مقبول عقلًا و انه مخالفُ للاصول و المقاييس العلمية، أو ان اثبات وقوعها صعب جداً.
لكنَّ هؤلاء على‏ خطأ، ذلك ان المعجزة لا تتنافى ابداً مع العقل، بل إنَّ العقل‏ يؤيد و يُصدِّق وقوعها، عن طريق المشاهدة أو السماع القطعي و النقل اليقيني و المتواتر.
و هؤلاء الذين لا يُخطون خطوة واحدة في طريق قبول و تعقل المعجزة و يعدونها مخالفة للمقاييس العلمية الطبيعية، إن كان مقصودهم من المخالفة، مخالفة العلوم المادية الحديثة التي توصلوا اليها و التي صارت طريقهم الوحيد لمعرفة اسرار الكون، فاننا نقول لهم في معرض الاجابة: إننا لا نحتاج الى‏ هذه الموازين لاثبات صحة دعوى‏ وقوع المعجزات، اذ انَّ تلك القوانين ليست السبيل الوحيد لإدراك كل الحقائق الكونية، إذ إننا اليوم نواجه مجهولات كثيرة جداً تفوق معلوماتنا، و هذه القوانين العلمية لا تهدينا الى‏ تلك المجهولات و اكتشافها فهي قاصرة و لكننا نقبل تلك المجهولات و لا يمكن اثبات امتناعها الا بحكم العقل و البرهان.
اذن، فاذا لم نتعرف على‏ تحقق حادثة خارقة العادة، عن طريق الموازين العلمية الحسيّة و التجريبية، فهذا لا يبيح لنا انكار أصل وجودها، و سيكون مثل هذا الانكار غروراً و تعنتاً و اعتماداً على‏ سلسلة معلومات ناقصة و حفنةٍ من النظريات و الفرضيات غير القطعية.
مَثَلُ هؤلاء الاشخاص‏ مثل الكيميائي الخبير و المطلع المتخصص في التركيبات الكيميائية، الذي يحاول التعرف على‏ كل المسائل الطبيّة من نافذة علم الكيمياء الضيقة، فيرد بعضها و يقبل بعضاً، و يبرم بعضا و ينقُضُ بعضاً، و الحال إنَّ الاطبّاء في العالم و استناداً الى‏ تلك القواعد الطبية التي ينكرها هذا الكيميائى، يقومون بمعالجة و مداواة آلاف البشر يوميّاً.
و عقيدتنا بمعاجز الانبياء و كرامات الاولياء و عللها هو أنها ظواهر كالظواهر الكونية الاخرى‏ الموجودة في هذا العالم الكبير، و سواء سميتموها بأسرار الطبيعة و عالم الخلقة او سمّيتموها خوارق العادات، فأننا نقول إنَّ هذه الامور التي اسمها معجزة قد حصلت و تحققت في هذا العالم و قد ثبت ذلك بأوثق النقولات المتواترة، و امّا تعليلها بالعلل الماديّة فليس بصحيح، و من حاول إضفاء صبغة علمية حسيّة مادية عليها و أنَّها معلولات لعلل مادية طبيعية فهو مشتبه، اذ ان انقلاب العصا الى‏ ثعبان و احياء الموتى‏ على‏ يد عيسى المسيح، لا ارتباط له ابداً بالعلل المادية الطبيعية.
و لو لم تكن تلك الاخبارات الموثقة الّا حول امرٍ عادي بسيط لقبلها الناس ب 1% من تلك الاخبارات و النقولات، و لكن لما كانت تلك الاخبار الموثقة حول امور خارقة للعادة و معجزات غير مأنوسة للبشر فاننا نضطر الى‏ مزيد من التحقق منها و التأمل ثم قبولها.
و في زمننا الحالي، تنقل أحيانا مراكز الانواء الجوّية و بعض الجرائد بعض الظواهر الجوية الغريبة و التي يصعب التصديق بها، و مع ذلك فنحن نصدق تلك المراكز و الجرائد، مع اننا لو سمعنا ذلك الخبر من شخص عادي من افراد المجتمع ممن ليس له خبرة في هذا المجال لاستهزئنا به و اتهمناه بالسطحية و السذاجة، فنحن نقبل من محطات التلفزة و الراديو و وكالات الأنباء العالمية المعتبرة كالاسيوشتيدبرس و غيرها، لان تكذيب هذه المراكز يعني اضطراب النظام الاقتصادي و السياسي العالمي القائم على‏ اساس هذه الاخبارات.
و لكننا نقول إنَّ ذلك خطأ، فان الراي الصادر من انسانٍ عادي محترمٌ أيضاً و لا يمكن ردّه بلا دليل اذ قد يكون مطابقاً للواقع، و انَّ الخبر الذي تنقله وكالة الانباء العالمية الفلانية و الذي لم يقم اي دليل أو قرينة أو شاهد على‏ صحته، لا يمكن قبوله ببساطة كما لا يمكن انكاره و ردّه ببساطة، بل يبقى‏ في حيز الامكان و الرد و القبول.
و اليوم، نجد ان اكثر الناس يقبلون الاخبار التي ينقلها صحفي او مراسل مركز اعلامي، و يرتبون كل الآثار عليها، و كذلك لو سمعوا عن فلكي مجهول الهوية أنَّ النجم المذنب الكذائي سيرتطم بالارض في اليوم الفلاني و ان الارض ستتلاشى‏، فانهم سيقبلون ذلك دون تردد و سيُسيطر عليهم الخوف و الهلع، يقبلون ذلك و ينكرون كل هذه الاخبار التي تدلُّ على‏ حصول المعاجز على‏ يد الانبياء خاصة معاجز نبينا الاكرم محمد (صلى الله عليه و آله) و الائمة الطاهرين من عترته عليهم السلام، و التي نُقلت في اوثق المصادر التاريخية و الكتب الروائية المعتبرة، و التي رواها أوثق الرواة و المتتبعين، ما يجعلنا نقطع بتحقق تلك المعاجز في الزمن السابق.
و اني لا أظن انَّ متتبعاً للكتب تتبُّعَ احاطةٍ بالوثائق و المدارك التاريخية، يقف على‏ تواتر أخبار المعاجز يُمكنه ان ينكرها، و أنَّ اولئك الذين ينكرون المعاجز انما ينكرونهابسبب عدم اطلاعهم و عدم مراجعتهم للكتب التاريخية و الحديثية الروائية، و يندر أن ينكر ذلك احدٌ عن تعصبٍ أو لاغراض اخرى‏، فان وجود قوة التعقل و استقامة الفكر تمنع الإنسان من ردِّ هذه الاخبار، فانَّ إنكارها يحكي عدم اعتدال القوة الفكرية و شذوذ العقل و انحرافه.
و على‏ كل حال، فانّنا نعتقد أن أهم دواعي المنكرين للمعاجز هو الاستبعاد المحض، و مجرد الاستبعاد لم يكن ابداً دليلًا عند العقلاء و لا يُعدَّ دليلًا عقلياً قطعياً للاحكام الجزمية.
و في هذا المبحث- معجزات الإمام الحسين (عليه السلام)- لا اريد الخوض في هذا الموضوع اكثر مما ذكرت، خاصة و إنَّ اكثر قراءنا الكرام هم من المؤمنين و المعتقدين بالمعاجز و خوارق العادة، و بناءً على‏ ذلك لا نحتاج الى‏ ذكر مقدمات و توضيحات اكثر في مقام ذكر بعض معجزات الإمام الحسين (عليه السلام).
و صدور المعجزات عن الإمام الحسين (عليه السلام) سواءٌ في حال حياته أو بعد شهادته (عليه السلام) من المسلمات و المتواترات، و انَّ صدور تلك المعجزات عن الشُعاع الحق لنور النبوة و الامتداد الطبيعي لوجود شخص الرسول محمد (صلى الله عليه و آله)، و من صاحب مقام الولاية و الإمامة، غيرُ مستبعدٍ و لا منكر من ايِّ مسلم، فانه اذا لم يكن الحسين (عليه السلام) له مثل هذه المعجزات، فلمن يكون أذن؟
و اذا لم يكن الحسين (عليه السلام) مشمولًا للرعاية الالهية الخاصة، فمن ذا الذي يكون كذلك إذَنْ؟
و لما كان غرضنا في هذا المبحث هو إظهار سعة دائرة فضائل و مناقب و مقام الإمام الحسين (عليه السلام) بين عامة المسلمين و في كل نواحي شخصيته العظيمة فاننا لن ننقل ذلك من كتب الشيعة مع قوة اسانيدها و اعتبارها و صحتها، بل سَنقتصر على‏ ذكر نماذج مما ورد في كتب كبار علماء اهل السنة و محدثيهم و بعبارة اخرى‏ سنكتفي بغيضٍ من فيضِ ما جاء عنهم في هذا المضمار.
1- نقل الطبري: بعد ان كتب عبيد اللَّه ابن زياد الى‏ عمر ابن سعد: أما بعد فحل بين الحسين و أصحابه و بين الماء، و لا يذوقوا منه قطرة، كما صُنع بالتقيّ الزّكيّ المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان. فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجَّاج على‏ خمسمائة فارس، فنزلوا على‏ الشريعة، و حالوا بين حسين و أصحابه و بين الماء أن يُسقوا منه قطرة، و ذلك قبل قتل الحسين بثلاث. قال: و نازَلَه عبد اللَّه بن أبي حُصين الأزديّ فقال: يا حسين، ألا تنظرالماء كأنه كبد السماء! و اللَّه لا تذوق منه قطرة حتى‏ تموت عَطَشاً، فقال حسين: اللهم اقتله عطشاً، و لا تغفر له أبداً.
قال حميد بن مسلم: و اللَّه لعُدتُه بعد ذلك في مرضه، فواللَّه الذي لا إله إلّا هو لقد رأيتُه يشرب حتى‏ يبغر، ثم يقئ، ثم يعود فيَشرَب حتى‏ يبغر فما يَروى‏، فمازال ذلك دأبه حتى‏ لَفَظ عصبه. 2- و كذلك نقل الطبري: روى‏ هشام عن أبيه محمد بن سائب عن القاسم بن اصبغ بن نباته قال: حدّثني من شهد الحسين (عليه السلام) في عسكره، أنّ حسيناً حين غُلبَ على‏ عسكره ركب المسنّاة يريد الفرات، قال: فقال رجل من بني أبان بن درام، وَيْلَكم! حولوا بينه و بين الفرات، فقال الحسين: اللهم أظْمِهِ، قال: و انتزع الأباني بسهم، فأثبته في حنك الحسين، قال: فانتزع الحسين السهمَ، ثم بسط كفَّيه فامتلأتْ دماً، ثم قال الحسين: اللهمّ إنّي أشكو إليك ما يُفعل بابن بنتِ نبيك‏؛ قال: فواللَّه إنْ مكث الرجل إلّا يسيراً حتى‏ صبّ اللَّه عليه الظمأ، فجعل لا يَروَى‏. قال القاسم بن الأصبغ: لقد رأيتني فيمن يروّح عنه و الماء يبرَّد له في السّكَر و عِساس فيها اللبن، و قِلال فيها الماء، و إنه يقول: وَيْلَكم! اسقُوني قتلني الظمأ، فيعطى‏ القُلّة أو العُسَّ فيشربه، فإذا نزعه من فيه اضطجع الهُنيهة ثم يقول: وَيلَكُم! اسقوني قتلني الظمأ؛ قال: فواللَّه ما لبث إلّا يسيراً حتى‏ انقدّ بطنُه انقداد بطن البعير.
3- روى‏ الامام أحمد بن حنبل في مناقبه عن ابي رجاء انه كان يقول: «لا تسبّوا عليّاً و لا أهْلَ هذا البيت» إنَّ جاراً لنا من بني الهجيم قدم من الكوفة فقال: ألمْ تروا هذا الفاسق ابن الفاسق ان اللَّه قتله (يعني الحسين (عليه السلام)). فرماه اللَّه بكوكبين في عينيه و طمس اللَّه بصره.
4- روى‏ ابن الجراح عن السدّي قال: أتيت كربلاء لأبيع التمر بها فعمل لنا شيخ من طي طعاماً فتعشينا عنده فذكرنا قتل الحسين (عليه السلام) فقلت: ما شرك احد في قتل الحسين إلّا ماتَ بأسوأ موته و آيات ظهرت لمقتله. قال: ما اكذبكم يا اهل العراق انا ممن شرك في ذلك. فلم يبرح حتى‏ دنا من المصباح و هو متقد بنفط فذهب يخرج الفتيلة باصبعه فاخذت النار فيها فذهب يُطفئها بريقة فأخذت النار في لحيته فغدا فالقى‏ نفسه في الماء فرأيتهُ كأنه جمجمة. و ذكره في «كفاية الطالب» و «المحاسن و المساوى» و البيهقي و الصواعق، و ورد فيها حممة بدلًا عن جمجمة، يعنى مثل الفحم. 5- روى‏ السبط بن الجوزي عن الواقدي أن شيخا حضر قتله فقط «أي الحسين» فعمى‏، فسئل عن سببه فقال: إنه رأى‏ النبي (صلى الله عليه و آله) حاسراً عن ذراعيه و بيده سيف و بين يديه نطع، و رأى عشرة قاتلي الحسين مذبوحين بين يديه، ثم لعنه و سبّه لتكثير سوادهم ثم أكحله بمرود من دم الحسين فأصبح أعمى‏. 6- روى‏ ابن الاثير في ضمن وقائع كربلاء: و تقدم رجل اسمه عبد اللَّه ابن حوزه و وقف أمام الحسين فقال: يا حسين، يا حسين، فقال الحسين (عليه السلام): ما تشاء فقال: أبشر بالنار. قال (عليه السلام): كلّا إني أقدم على‏ ربٍ رحيم و شفيعٍ مطاع. من هذا؟
قال له اصحابه هذا ابن حوزه قال: ربّ حزهُ الى‏ النار. فاضطرب به فرسه في جدول و وقع فيه و تعلّقت رجله بالركاب و وقع رأسه في الارض و نفر الفرس‏ فأخذ يمرّ به فيضرب برأسه كلّ حجر و كلّ شجرة حتى‏ مات. و روى‏ نظير هذه المعجزة عن ابن بنت منيع عن علقمة بن وائل و وائل بن علقمة في رجب لاسم: جريره. 7- روى‏ الطبري قال: و لما بقي الحسين في ثلاثة رهط أو اربعة دعا بسراويل مُحقَّقة يلمع فيها البصر يمانيّ محقق ففزره و نكثه لكيلا يُسلَبْه، فقال له بعض أصحابه: لو لَبسْتَ تَحتَه تُبّاناً (سراويل قصير) قال: ذلك ثوب مذلّة و لا ينبغي لي أن البسه.
قال: فلما قُتِل اقبل بحر بن كعب فَسَلَبَهُ إيّاه فتركه مجرّدا. 8- روى‏ الشبراوي شيخ الازهر الاسبق: و اشتد عطشه فدنا ليشرب فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه فتلقى الدم في يده و قال اللهم اقتل حصيناً عطشاً.
قال العلامة الاجهوري فابتلي بالحر في بطنه و البرد في ظهره و صار يوضع بين يديه الثلج و المراوح و يوضع خلفه الكانون و هو يصيح من الحر و العطش و صار يؤتى بسويق و ماء و لبن لو شربه خمسة لكفاهم فيشرب فلا يرتوى ثم يصيح فيسقى‏ كذلك الى‏ ان قُدَّ بطنُه و مات بعد موت الحسين‏بايام.
9- روى‏ الطبري عن ملاكه و هو من كبار علماء السنة عن رجل من كليب قال: صاح الحسين بن علي: «إسقونا ماءً» فرمى‏ رجلٌ بسهمٍ فشقَّ شدقه فقال: لا ارواك اللَّه‏. فعَطِش الرجل الى‏ ان رمى‏ بنفسه في الفرات فشرب حتى‏ مات.
10- روى‏ الترمذي حديثاً صحيحاً عن عمارة بن عُمير قال: لما جى‏ء برأس ابن زياد و وضع في القصر رأيت الناس مجتمعين حوله و إذا بحية تأتي تدخل الى‏ منخره و تخرج من فمه تفعل ذلك ثلاثاً.
11- روى‏ ابن بنت منيع عن ابي معشر عن بعض مشيخته: ان قاتل الحسين (عليه السلام) لمّا جاء الى‏ ابن زياد و حكى‏ عليه كيفية قتله و ما قال له الحُسَين، إسْودَّ وجهُه.
12- روى‏ الطبري عن ابي مخنف قال: حدثني سليمان بن ابي راشد عن حُميد بن مسلم، قال:... و مكث الحسين طويلًا من النهار كلما انتهى‏ اليه رجل من الناس انصرف عنه و كره ان يتولى قتله و عظيم إثمه عليه، قال: و ان رجلًا من كندة يقال له مالك بن النُسير من بني بَداء، أتاهُ فضربه على‏ رأسه بالسيف و عليه بُرنُس له، فقطع البرنس و اصاب السيف رأسه، فادمى‏ رأسه، فامتلأ البرنس دماً، فقال له الحسين (عليه السلام): «لا أكَلْتَ بِها و لا شَرِبت و حَشَرك اللَّه مع الظالمين» قال: فالقى‏ ذلك البرنس ثمَّ دعا بقلنسوة فلبسَها، و اعتمَّ و قد أعيا و بَلَّدْ. و جاء الكندي حتى‏ أخذ البُرنس- و كان من خز.- فلما قدم بعد ذلك على‏ امراته ام عبد اللَّه ابنة الحر اخت الحسين بن الحرّ البدّي، اقبل يغسل البُرنس من الدم، فقالت له إمرأته: أسَلبَ ابن بنت رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) تدخِلُ بيتي؟ أخرجه عنّي. فذكر اصحابُه انه لم يزل فقيرا بشرٍّ حتى‏ مات.
13- نُقل عن اليسار بن الحكم قال: إنتهب عسكر الحسين فوجد فيه طيب فما تطيبت به إمرأة الّا برصت.
14- روى‏ السيوطي: ان ما نُهبَ من مخيم الحسين (عليه السلام) من الورس قد تحول الى‏ الرماد.
15- يقول العالم المصرى محمد رضا: و من اعجب كرامات الحسين (عليه السلام) هو حديث الزهري في قتل الحسين و هذا هو سأل عبد الملك ابن مروان و هو قاعد في ايوانه، من كان مجتمعاً بحضرته فقال: ما أصبح ببيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي ابن ابي طالب. فلم يجبه أحد، فقال الزهري: إنه لم يرفع تلك الليلة التي قتل صبيحتها علي ابن أبي طالب و الحسين بن علي حجرٌ في بيت المقدس الّا وجد تحته دمٌ عبيط.
قال عبد الملك: صدقت، حدّثني الذي حدثك و إني و إيّاك في هذا الحديث لغريبان. ثم أعطاه مالًا كثيراً.
و روى‏ المحب الطبري عن ابن السرّي عن الزهري انه لمّا قُتل الحسين (عليه السلام) لم يُرفع أو لم يُقلع حجر بالشام الّا عن دم.
16- روى‏ المحب الطبري عن ابن لهيعة عن ابي قبيل قال: لمّا قتل الحسين ابن‏ علي بعث برأسه الى‏ يزيد فنزلوا اوّل مرحلة فجعلوا يشربون و يتحيّون بالرأس، فبينما هم كذلك اذ خرجت عليهم من الحائط يد معها قلم حديد فكتبت سطراً بدم: أترجو أُمّةٌ قتلت حسيناً شفاعة جدِّه يوم الحِساب.
فهربوا و تركوا الرأس و لا يخفى‏ ان أخباراً كثيرة وردت في هذا الشعر، منها ما رواه السبط ابن الجوزي و ابن حجر و في درر السمطين و الشبراوي و الدميري و آخرون.
17- و رويت عنه روايات حول بعض الآيات السماوية و خوارق العادات حين استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) مثل مطر السماء دماً و غيرها، نقلها كبار علماء القوم مثل الحافظ ابي نعيم في دلائل النبوة، و ابن بنت منيع و المحب الطبري و الشبراوي و الشبلنجي و ابن الجوزي و الصبّان.
18- روى‏ السبط بن الجوزي أنَّ شخصاً علَّق رأس الحسين (عليه السلام) في لَبَب فرسه فرؤيَ بعد أيّام وجهُه أشدُّ سواداً من القارّ و مات على‏ أقبح حالة.
19- روى‏ ابن خالويه عن الاعمش عن المنهال الاسدي قال: و اللَّه لقد رأيت رأس الحسين (عليه السلام) حين حُمل و أنا بدمشق و بين يديه رجل يقرأ سورة الكهف حتى‏ بلغ‏ «أم حَسِبتَ أنَّ أصحابَ الكَهفِ و الرَّقيمَ كانوا من‏ آياتِنا عَجَبا» فنطق الرأس و قال: «قتلي أعجب من ذلك» و قد روى‏ الصبّان هذه الكرامة الباهرة بهذه العبارة: «فنطق الرأس الشريف بلسانٍ عربىٍّ فصيح فقال جهاراً: أعجب من أصحاب الكهف قتلي و حملي»
و قال الدميري، و تكلم بعد الموت اربعة، يحيى‏ ابن زكريا حين ذبح، و حبيب النجار حيث قال: «يا ليتَ قَومي يعلَمون...» و جعفر الطيار حيث قال: «و لا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتلوا في سبيل اللَّه...» و الحسين بن علي (عليه السلام) حيث قال: «وَ سَيَعلم الذينَ ظَلموا أيَّ منقَلَبٍ يَنقَلِبون»
20- يذكر صاحب كتاب «البدء و التاريخ»: في الليلة التي قتل الحسين (عليه السلام) في صبيحتها سمع اهل مدينة هاتفا يقول و لا يرون شخصه:
مَسَحَ الرَسولُ جَبينَهُ‏ فَلَهُ بَريقٌ في الخدودِ
أبواهُ من عَلياً قريشٍ‏ وَ جَدُّه خيرُ الجُدودُ
21- روى‏ السبط ابن الجوزي عن عبد الملك ابن هشام في كتاب «السيرة» قال: لما أنفذ ابن زياد رأس الحسين (عليه السلام) إلى يزيد بن معاوية مع الأسارى‏ موثقين في الحبال موثقين مكشفات الوجوه و الرؤوس و كلما نزلوا منزلا أخرجوا الرأس من صندوق أعدوه له فوضعوه على‏ رمح و حرسوه طول الليل إلى‏ وقت الرحيل، ثم يعيدوه إلى‏ الصندوق و يرحلوا فنزلوا بعض المنازل و في ذلك المنزل دير فيه راهب فأخرجوا الرأس على‏ عادتهم و وضعوه على‏ الرمح و حرسه الحرس على‏ عادتهم و أسندوا الرمح إلى‏ الدير فلما كان في نصف الليل رأى‏ الراهب نوراً من مكان الرأس‏ إلى عنان السماء فأشرف على‏ القوم و قال من أنتم؟ قالوا نحن أصحاب ابن زياد.
قال و هذا رأس من؟ قالوا رأس الحسين بن علي ابن أبي طالب بن فاطمة بنت رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله). قال نبيكم. قالوا نعم. قال بئس القوم أنتم لو كان للمسيح ولد لأسكنّاه أحداقنا ثم قال هل لكم في شئ قالوا و ما هو . قال عندي عشرة آلاف دينار، تأخذوها و تعطوني الرأس يكون عندي تمام الليلة و إذا رحلتم تأخذوه قالوا و ما يضرنا فناولوه الرأس و ناولهم الدنانير فأخذه الراهب فغسله و طيبه و تركه على‏ فخذه و قعد يبكي الليل كله فلما أسفر الصبح قال يا رأس لا أملك الا نفسي و أنا أشهد ان لا إله الّا اللَّه و ان جدك محمداً رسول اللَّه و أشهد اللَّه أنني مولاك و عبدك. ثم خرج عن الدير و ما فيه و صار يخدم أهل البيت. قال ابن هشام في السيرة ثم أنهم أخذوا الرأس و ساروا فلما قربوا من دمشق قال بعضهم لبعض تعالوا حتى‏ نقسم الدنانير لا يراها يزيد فيأخذها منا فأخذوا الأكياس و فتحوها و إذا الدنانير قد تحوّلت خزفاً و على‏ أحد جانب الدينار مكتوب «و لا تحسبنّ اللَّه غافلًا عما يعمل الظالمون» و على‏ الجانب الآخر «و سيعلم الذين ظلموا ايّ منقلبٍ ينقلبون» فرموها في نهر «بَرَدا» و روى‏ هذه المعجزة ابن حجر ايضاً
22- و من جملة معاجز الحسين (عليه السلام) ما نقله العلامة التلمساني في شرح الشفاء،
و لعدم الاطالة نحيل القارئ المحترم الى‏ الكتاب المذكور و كتاب‏ نور الأبصار للشبلنجي. 23- روى‏ ابو الفرج الاصفهاني ان رجلًا قال للحسين (عليه السلام)‏ «ألا تَرى‏ إلى‏ الفُراتِ يا حُسينُ كأنَّهُ بُطونَ الحَيّات و اللَّه لا تذوقَه أو تموتَ عَطَشاً.» قال: فواللَّه لقد كان هذا الرجل يطلب الماء فيسقى‏ فيخرج الماء من فيه ثم يطلب فيُسقى‏ فيخرج الماء من فيه حتى‏ مات عطشاً.
24- نُقل عن سلمان بن يسار قال: وجدوا حجراً كتب عليه:
لابُدَّ أنْ تَردَ القيامَةَ فاطمٌ‏ و قَميصُها بُدَمِ الحُسين مُلَطَّخُ‏
وَيْلٌ لِمَنْ شفعاؤهُ خصماؤه‏ و الصُّور في يَومِ القيامَةُ يُنفَخُ‏
25- روى‏ الشبراوي و الشبلنجي بجزم ان الحسين (عليه السلام) يردُّ سلام بعض العلماء في كل وقت في المشهد الحسيني في مصر.
و حكى‏ الشبراوي أيضاً ان السلطان صلاح الدين يوسف وشي له مرة بخادم من خدمة القصر المذكور كان بيده زمام القصور و قيل له انه يعرف موضع الاموال و الدفائن التي بالقصر فاخذ و سئل فلم يذكر شيأً و تجاهل فامر صلاح الدين بتعذيبه فاخذه متولى العقوبة و جعل على‏ رأسه خنافس و شد عليها قرمزية و يقال‏ ان هذا أشد العقوبات لانها تثقب بالرأس فلا يطيق الإنسان الصبر عليها فعل به ذلك مرارا و الخنافس توجد ميتة و لا تؤذيه فاخبروا به صلاح الدين فاحضروه و قال له عرفني ما سبب هذا فقال ليس له سبب أعرفه غير أنه لما وصل الرأس الشريف الى‏ هنا حملته بالديباج و الطيب على‏ رأسى حتى‏ وضعته داخل الضريح فقال صلاح الدين و أى سبب أشرف من هذا و عفى‏ عنه.
27- و من جملة كراماته (عليه السلام) ان رجلًا يقال له شمس الدين القعويني كان ساكنا بالقرب من المشهد و كان معلم الكسوة الشريفة، حصل له ضرر في عينيه فكف بصره و كان كل يوم اذا صلّى الصبح في مشهد الإمام الحسين (عليه السلام) يقف على‏ باب الضريح الشريف و يقول يا سيدى أنا جارك قد كف بصري و أطلب من اللَّه بواسطتك أن يرد علىّ و لو عينا واحدة. فبينما هو نائم ذات ليلة اذرأى جماعة أتو الى‏ المشهد الشريف فسأل عنهم فقيل له هذا النبي (صلى الله عليه و آله) و الصحابة معه جاؤوا لزيارة السيد الحسين (عليه السلام) فدخل معهم ثم قال ما كان يقوله في اليقظة فالتفت السيد الحسين الى‏ جده (صلى الله عليه و آله) و ذكر له ذلك على‏ سبيل الشفاعة عنده في الرجل فقال النبي (صلى الله عليه و آله) للامام علي (عليه السلام)‏ «يا عليّ كَحِّلهُ» فقال سمعا و طاعة و أبرز من يده مكحلة و مرودا و قال له تقدم حتى‏ أكحلك فتقدم فلوث المرود و وضعه في عينه اليمنى فاحس بحرقان عظيم فصرخ صرخة عظيمة فاستيقظ منها و هو يجد حرارة الكحل في عينه ففتحت عينه اليمنى فصار ينظر بها الى‏ ان مات و هذا الذي كان يطلبه فاصطنع هذه البسط التي تفرش في مشهد الإمام الحسين (عليه السلام) و كتب عليها وقفا.
28- و نقل الشبراوي كرامة اخرى‏ للحسين (عليه السلام) عن الشيخ ابي الفضل نقيب الخلوتية، ملخصها ان اللَّه تعالى‏ عافاه ببركة التوسل و زيارة المشهد الحسينى من مرض عضال اعيى‏ الاطباء علاجه.
29- روى‏ ابو الفرج الاصفهاني عن القاسم بن الاصبغ بن نباته قال: رأيت رجلًا من بني أبان بن دارم أسود الوجه، و كنت أعرفه جميلًا، شديد البياض، فقلت له: ما كدت أعرفتك، قال: إني قتلت شاباً أمرد مع الحسين، بين عينيه أثر السجود، فما نمت ليلة منذ قتلتة إلَّا أتاني فيأخذ بتلابيبي حتى‏ يأتي جهنم فيدفعني فيها، فأصيح، فما يبقى أحد في الحي إلّا سمع صياحي.
قال: و المقتول العباس بن علي (عليه السلام).
و لا يخفى‏ على‏ القارئ العزيز ان كرامات و معجزات سيد الشهداء (عليه السلام) في كتب الفريقين كثيرة جداٍ، و من اراد المزيد عمّا ذكرناه فليراجع كتاب المناقب لابن شهر آشوب و البحار للمجلسي و العوالم للبحراني و كتب اخرى‏.