ادلة امامته عليه السلام
فضائل الامام عليه السلام و مناقبه

في كتاب الخرائج: عن يحيى ابن أمّ الطويل قال: كنّا عند الحسين (عليه السّلام) إذ دخل عليه شاب يبكي قال: إنّ والدتي توفّيت هذه الساعة و لم توص لها مال و قد كانت أمرتني ألّا أحدث في أمرها شيئا حتّى أعلمك خبرها.
فقال الحسين (عليه السّلام): قوموا حتّى نصير إلى هذه الحرّة فأتيناها فإذا هي مسجّاة فأشرف على البيت و دعى اللّه تعالى ليحييها حتّى توصي بما تحبّ من وصيّتها، فأحياها اللّه تعالى فجلست و هي تتشهّد، ثمّ نظرت إلى الحسين (عليه السّلام) فقالت: ادخل يا مولاي و مرني بأمرك فدخل و جلس على فخذه ثمّ قال لها: وصي يرحمك اللّه.
فقالت: يابن رسول اللّه لي من المال كذا و كذا في مكان كذا و كذا فقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك و الثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من أوليائك و إن كان مخالفا لك فلا حقّ للمخالفين في أموال المسلمين.
ثمّ سألته أن يصلّي عليها و أن يتولّى أمرها ثمّ صارت المرأة ميّتة كما ماتت‏ .
و فيه أيضا عن الصادق (عليه السّلام) قال: إذا أراد أن ينفذ غلمانه في بعض اموره قال لهم: لا تخرجوا يوم كذا اخرجوا يوم كذا فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم، فخالفوه مرّة و خرجوا فقتلهم اللصوص و أخذوا ما معهم و اتّصل الخبر إلى الحسين (عليه السّلام) فدخل على الوالي فقال:
بلغني قتل غلمانك؟
قال الحسين (عليه السّلام): أنا أدلّك على من قتلهم و هذا منهم أشار إلى رجل واقف بين يدي الوالي فقال الرجل: و من أين تعرف إنّي منهم؟
فقال: إن أنا صدقتك تصدقني؟
قال: نعم و اللّه قال: خرجت و معك فلان و فلان فمنهم أربعة من موالي المدينة و الباقي من حبشانها فقال الرجل: و اللّه ما كذب الحسين و كأنّه كان معنا، فجمعهم الوالي فأقرّوا فضرب أعناقهم‏ .
و فيه أيضا: أنّه لمّا ولد الحسين (عليه السّلام) أمر اللّه تعالى جبرئيل أن يهبط في ملأ من الملائكة يهنى‏ء محمّدا، فمرّ بجزيرة فيها ملك يقال له قطرس بعثه اللّه في شي‏ء فأبطأ فكسر جناحه فألقاه في تلك الجزيرة فعبد اللّه سبعمائة عام:
فقال: فطرس لجبرئيل: احملني معك لعلّه يدعو لي فأخبر جبرئيل محمّدا بحال فطرس فقال: تمسّح بمهد الحسين (عليه السّلام) فأعاد اللّه عليه جناحه ثمّ ارتفع مع جبرئيل (عليه السّلام) إلى السماء .
هرب الحمى و كلامه مع الحسين (عليه السّلام)‏
و في كتاب المناقب: عن زرارة بن أعين و رواه الكشي عن حمران بن أعين قال: سمعت أبا عبد اللّه يحدث عن أبائه أن رجلا كان من شيعة أمير المؤمنين مريضا شديد الحمى فعاده الحسين (عليه السّلام) فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمى من الرجل فقال له: الحمى تهرب منكم.
فقال له الحسين (عليه السّلام): و اللّه ما خلق شيئا إلّا و قد أمره بالطّاعة لنا.
قال: فناداها يا حمى فإذا نحن نسمع الصوت و لا نرى الشخص يقول: لبّيك قال: أليس أمير المؤمنين أمرك أن لا تقربي إلّا عدوّا أو مذنبا لكي تكون كفّارة لذنوبه فما بال هذا، و كان المريض عبد اللّه بن شدّاد بن الهادي؟
و في التهذيب مسندا إلى الصادق (عليه السّلام) أنّ امرأة كانت تطوف و خلفها رجل فأخرجت ذراعها فوضع يده على ذراعها فأثبت اللّه يد الرجل في ذراعها حتّى قطع الطواف، و أرسل إلى الأمير فاجتمع الناس و أرسلوا إلى الفقهاء فقالوا: اقطع يده فأرسل إلى الحسين (عليه السّلام) فدعى اللّه تعالى و خلّص يده من يدها فقال الأمير: ألا نعاقبه بما صنع؟
قال: لا .
و في الخرائج: إنّ قوما أتوا إلى الحسين (عليه السّلام) فقالوا: حدّثنا بفضائلكم قال: لا تطيقون و انحازوا عنّي لأشير إلى بعضكم فإن أطاق سأحدّثكم فتباعدوا عنه، فكان يتكلّم مع أحدهم حتّى دهش و وله و جعل يهيم و لا يجيب أحدا و انصرفوا عنه‏ .
[عن‏] صفوان بن مهران قال: سمعت الصادق (عليه السّلام) يقول: رجلان اختصما في زمن الحسين (عليه السّلام) في امرأة و ولدها فقال: هذا لي و قال: هذا لي فأمر بهما الحسين (عليه السّلام) فقال‏ :
أحدهما: إنّ الامرأة لي، و قال الآخر: إن الولد لي، فقال للمدّعي الأوّل: اقعد فقعد و كان الغلام رضيعا فقال الحسين: يا هذه اصدقي من قبل أن يهتك اللّه سترك فقالت: هذا زوجي و الولد له و لا أعرف هذا، فقال (عليه السّلام): يا غلام ما تقول هذه؟ انطق بإذن اللّه تعالى، فقال له: ما أنا لهذا و لا لهذا و ما أبي إلّا راعي لآل فلان، فأمر (عليه السّلام) برجمها و لم يسمع أحد نطق هذا الغلام بعدها .
و عن الأصبغ بن نباتة قال: سألت الحسين (عليه السّلام) سيّدي أسألك عن شي‏ء أنا به موقن و أنّه من سرّ اللّه فقال: يا أصبغ أتريد أن ترى مخاطبة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) لأبي دون يعني أبا بكر يوم مسجد قبا؟
قال: هذا الذي أردت، قال: قم، فإذا أنا و هو بالكوفة فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتدّ إلي بصري فتبسّم في وجهي ثمّ قال: يا أصبغ إنّ سليمان بن داود أعطي الريح غدوّها شهر و رواحها شهر و أنا قد أعطيت أكثر ممّا أعطي سليمان.
فقلت: صدقت يا ابن رسول اللّه فقال لي: ادخل، فدخلت فإذا أنا بأمير المؤمنين (عليه السّلام) قابض على تلابيب الأعسر- يعني أبا بكر- فرأيت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) يعضّ على الأنامل و هو يقول: بئس الخلف خلفتني أنت و أصحابك عليكم لعنة اللّه و لعنتي‏ .
و عن ابن الزبير قال: قلت للحسين (عليه السّلام): إنّك تذهب إلى قوم قتلوا أباك و خذلوا أخاك فقال: لأن أقتل بمكان كذا و كذا أحبّ إليّ من أن يستحلّ بي مكّة .
و في كتاب التخريج عن ابن عبّاس قال: رأيت الحسين (عليه السّلام) قبل أن يتوجّه إلى العراق على باب الكعبة و كفّ جبرئيل في كفّه و جبرئيل ينادي هلمّوا إلى بيعة اللّه عزّ و جلّ.
و عنّف ابن عبّاس على تركه الحسين (عليه السّلام) فقال: إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا و لا يزيدوا رجلا نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم.
و قال محمّد بن الحنفيّة: و أنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم و أسماء آبائهم‏ .
و في كتاب دلائل الإمامة عن حذيفة قال: سمعت الحسين (عليه السّلام) يقول: و اللّه ليجتمعن على قتلي طغاة بني اميّة يقدمهم عمر بن سعد و ذلك في حياة النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) فقلت له: أنبأك بهذا رسول اللّه؟
فقال: لا، فأتيت النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) فأخبرته فقال: علمي علمه و علمه علمي لأنّنا نعلم بالكائن قبل كينونته.
و عن طاووس اليماني: إنّ الحسين (عليه السّلام) كان إذا جلس في مكان مظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه و نحره، فإنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) كان كثيرا ما يقبّلهما.
و روى العيّاشي قال: مرّ الحسين (عليه السّلام) بمساكين قد بسطوا كساء لهم و ألقوا إليه كسرا، فقالوا: هلمّ يابن رسول اللّه فثنى و ركه و أكل معهم ثمّ تلى: إنّ اللّه لا يحبّ المستكبرين، ثمّ قال: أجبتكم فأجيبوني فقاموا معه حتّى أتوا منزله فقال للجارية: اخرجي ما كنت تدّخرين.
و في كتاب أنس المجالس: أنّ الفرزدق أتى الحسين (عليه السّلام) لمّا أخرجه مروان من المدينة فأعطاه أربعمائة دينار فقيل له شاعر فاسق فقال (عليه السّلام): خير مالك ما وقيت به عرضك، و قال (صلّى اللّه عليه و اله) في عبّاس بن مرداس: اقطعوا لسانه عنّي.
وفد أعرابي المدينة فسأل عن أكرم الناس فدلّ على الحسين (عليه السّلام) فدخل المسجد فوجده مصلّيا فوقف بإزائه و أنشأ شعر:
لا يخب الآن من رجاك‏ و من حرّك من بابك الحلقة
أنت جواد و أنت معتمد أبوك قد كان قاتل الفسقة
لولا الذي كان من أوايلكم‏ كانت علينا الجحيم منطبقة
فسلّم الحسين (عليه السّلام) و قال: يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شي‏ء؟
قال: أربعة آلاف دينار قال: هاتها قد جاء من هو أحقّ بها منّا، ثمّ نزع برديه و لفّ الدنانير فيها و أخرج يده من شقّ الباب حياء من الأعرابي و أنشأ شعر:
خذها و إنّي إليك معتذر و اعلم بأنّي عليك ذو شفقة
لو كان في سيرنا الغداة عصا أمست سمانا عليك مندفقة
لكن ريب الزمان ذو غبرة و الكفّ منّي قليلة النفقة
فأخذها الأعرابي و بكى فقال له: لعلّك استقللت ما أعطيناك؟
قال: لا، ولكن كيف يأكل التراب جودك.
أقول: العصا كناية عن الملك و بسط العيد فإنّ الوالي راع على الامّة، و المراد من السّما هنا كثرة الجود و الكرم.
و عن شعيب الخزاعي قال: [كان‏] على ظهر الحسين (عليه السّلام) يوم الطفّ أثر، فسألوا زين العابدين (عليه السّلام) فقال: هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل و الأيتام و المساكين‏ .
و قيل: إنّ عبد الرحمن السلمي علم ولد الحسين (عليه السّلام) الحمد، فلمّا قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار و ألف حلّة و حشا فاه درّا، فقيل له في ذلك، فقال: و أين يقع هذا من تعليمه، و أنشد (عليه السّلام) شعر:
إذا جادت الدّنيا عليك فجد بها على الناس طرّا قبل أن تتفلّت‏
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت‏ و لا البخل يبقيها إذا ما تولت‏


و حدّث الصولي عن الصادق (عليه السّلام) إنّه جرى بين الحسين (عليه السّلام) و بين محمّد بن الحنفية كلام فكتب إلى الحسين (عليه السّلام): أمّا بعد فإنّ أبي و أباك عليّ لا تفضلني و لا أفضلك فيه و امّك فاطمة بنت رسول اللّه و لو كان ملأ الأرض ذهبا ملك امّي ما وفت بامّك، فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتّى تترضاني فإنّك أحقّ بالفضل منّي و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته، ففعل الحسين (عليه السّلام) ذلك فلم يجر بعد ذلك بينهما شي‏ء .
و في عيون المحاسن: أنّه (عليه السّلام) ساير أنس بن مالك فأتى قبر خديجة فبكى ثمّ قال:
اذهب عنّي فاستخفيت عنه، فلمّا طال وقوفه في الصلاة سمعته يقول شعر:
يا ربّ يا ربّ أنت مولاه‏ فارحم عبيدا أنت ملجاه‏
يا ذا المعالي عليك معتمدي‏ طوبى لمن كنت أنت مولاه‏
طوبى لمن كان خادما ارقا يشكو إلى ذي الجلال بلواه‏
و ما به علّة و لا سقم‏ أكثر من حبّه لمولاه‏
إذا اشتكى بثّه و غصّته‏ أجابه اللّه ثمّ لبّاه‏
فنودي شعر:
لبّيك لبّيك أنت في كنفي‏ و كلّما قلت قد علمناه‏
صوتك تشتاقه ملائكتي‏ فحسبك الصوت قد سمعناه‏
دعاك منّي يحول في حجب‏ فحسبك الستر قد سفرناه‏
لو هبّت الريح من جوانبه‏ خرّ صريعا لما تغشاه‏
سلني بلا رغبة و لا رهب‏ و لا حساب إنّي أنا اللّه‏
و روي عن الحسين (عليه السّلام) إنّه قال: صحّ عندي قول النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله): أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المؤمن بما لا إثم فيه، فإنّي رأيت غلاما يؤاكل كلبا فقلت له في ذلك فقال: يابن رسول اللّه إنّي مغموم أطلب سرورا بسروره لأنّ صاحبي يهوديّ اريد افارقه فأتى الحسين (عليه السّلام) إلى صاحبه بمأتي دينار ثمنا له.
فقال اليهودي: الغلام فداء لخطاك، و هذا البستان له ورددت عليك المال قال: قبلت المال و وهبته للغلام فقال الحسين (عليه السّلام): أعتقت الغلام و وهبته له جميعا، فقالت امرأته: قد أسلمت و وهبت زوجي مهري فقال اليهودي: و أنا أيضا أسلمت و أعطيتها هذه الدار .
و روي أنّ عبد اللّه بن الزبير و أصحابه دعوا الحسين (عليه السّلام) فأكلوا و لم يأكل فقيل له: ألا تأكل؟
قال: إنّي صائم ولكن تحفة الصائم الدهن و المجمر.
و قال يوما لأخيه الحسن (عليه السّلام): يا حسن وددت أنّ لسانك لي و قلبي لك.
و كتب إليه الحسن يلومه على إعطاء الشعراء فكتب إليه: أنت أعلم منّي بأنّ خير المال ما وقى العرض‏ .
حديث الأعرابي‏
و روى أخطب خوارزم: أنّ أعرابيا جاء إلى الحسين (عليه السّلام) فقال: يابن رسول اللّه قد ضمنت دية كاملة و عجزت عن أدائه فقلت: أسأل أكرم الناس، و ما رأيت أكرم من أهل بيت رسول اللّه، فقال الحسين (عليه السّلام): يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال و إن أجبت الاثنتين أعطيتك ثلثي المال و إن أجبت عن الكلّ أعطيتك الكلّ، فقال الأعرابي: يابن رسول اللّه أمثلك يسأل من مثلي و أنت من أهل العلم و الشرف.
فقال الحسين (عليه السّلام): بلى، سمعت جدّي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) يقول: المعروف بقدر المعرفة.
فقال الأعرابي: سل عمّا بدا لك فإن أجبت و إلّا تعلّمت منك و لا قوّة إلّا باللّه، فقال الحسين (عليه السّلام): أي الأعمال أفضل؟
فقال الأعرابي: الإيمان باللّه، فقال الحسين (عليه السّلام): فما النجاة من المهلكة؟
فقال الأعرابي: الثقة باللّه، فقال الحسين (عليه السّلام): فما يزيّن الرّجل؟
فقال الأعرابي: علم معه حلم.
فقال: فإن أخطأه ذلك؟
فقال: مال معه مروة فقال: فإن أخطأه ذلك؟
فقال: فقر معه صبر فقال: فإن أخطأه ذلك؟
فقال الأعرابي: فصاعقة من السماء تنزل و تحرقه فإنّه أهل لذلك. فضحك الحسين (عليه السّلام) و رمى إليه بصرّة فيها ألف دينار و أعطاه خاتمه و فيه فصّ قيمته مائتا درهم، و قال: يا أعرابي اعط الذهب لغرمائك و اصرف الخاتم في نفقتك، فأخذ الأعرابي و قال: اللّه‏ أعلم حيث يجعل رسالته‏ .
و في كتاب الكنز أنّه قال رجل للحسين (عليه السّلام): إنّ فيك كبرا فقال: كلّ الكبر للّه وحده و لا يكون في غيره، قال اللّه تعالى: وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ .
و في الكافي عن الصادق (عليه السّلام) قال: لم يرضع الحسين (عليه السّلام) من فاطمة (عليها السّلام) و لا من انثى كان يؤتي به النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين و الثلاث، فنبت لحم الحسين (عليه السّلام) من لحم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) و دمه و لم يولد لستّة أشهر إلّا عيسى ابن مريم و الحسين بن عليّ (عليهم السّلام)‏ .
و في رواية اخرى عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام): أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) كان يؤتى به الحسين (عليه السّلام) فيلقمه لسانه فيمصّه فيجتزي به و لم يرضع من أنثى‏ .
مولد الحسين عليه السلام و مدّة عمره‏
و في كتاب المناقب: ولد الحسين (عليه السّلام) عام الخندق بالمدينة يوم الخميس أو يوم الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة بعد أخيه بعشرة أشهر و عشرين يوما.
و روي أنّه لم يكن بينهما إلّا الحمل و هو ستّة أشهر عاش مع جدّه ستّ سنين و أشهر و كمل عمره خمسين سنة و خمسة أشهر و قيل: ستّ و خمسون سنة و خمسة أشهر، و يقال:
ثماني و خمسون.
و مدّة خلافته خمس سنين و أشهر في آخر ملك معاوية و أوّل ملك يزيد، قتله عمر بن سعد بن أبي وقّاص و خولي بن يزيد الأصبحي، و احتزّ رأسه سنان بن أنس النخعي و شمر بن ذي الجوشن و سلب جميع ما كان عليه إسحاق الحضرمي و مضى قتيلا يوم عاشوراء و هو يوم السبت قبل الزوال، و يقال: يوم الجمعة بعد صلاة الظهر و قيل يوم الاثنين سنة ستّين من الهجرة و يقال سنة إحدى و ستّين‏ .
قال الشيخ المفيد رحمه اللّه: فأمّا أصحاب الحسين (عليه السّلام) فإنّهم مدفونون حوله و لسنا نحصل لهم أجداثا و الحائر محيط بهم‏ .
و ذكر المرتضى رحمه اللّه في بعض مسائله: إنّ رأس الحسين (عليه السّلام) ردّ إلى بدنه بكربلاء من الشام و ضمّ إليه‏ .
و قال الطوسي: و منه زيارة الأربعين‏ .
و روى الكليني في ذلك روايتين إحداهما عن أبان بن تغلب عن الصادق (عليه السّلام) أنّه‏ مدفون بجنب أمير المؤمنين (عليه السّلام)، و الاخرى عن يزيد بن عمرو بن طلحة عن الصادق (عليه السّلام) إنّه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين‏ .
و قال أبو الفرج في كتاب المقاتل: قتل يوم الجمعة سنة إحدى و ستّين و له ستّ و خمسون سنة و شهور .
و قيل: قتل يوم السبت و الأوّل أصحّ.
فأمّا ما يقوله العامّة أنّه قتل يوم الاثنين فباطل و هو شي‏ء قالوه بلا رواية و كان أوّل المحرّم الذي قتل فيه يوم الأربعاء أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات، و إذا كان ذلك كذلك فليس يجوز أن يكون اليوم العاشر من المحرّم يوم الاثنين و هذا دليل واضح تنضاف إليه الرواية.
و في كتاب كشف اليقين عن الصادق (عليه السّلام) قال: مضى الحسين (عليه السّلام) و هو ابن سبع و خمسين سنة في عام الستّين من الهجرة و كان مقامه مع جدّه (صلّى اللّه عليه و اله) سبع سنين إلّا ما كان بينه و بين أخيه و هو سبعة أشهر و عشرة أيّام و أقام مع أبيه (عليه السّلام) ثلاثين سنة و أقام مع أبي محمّد عشر سنين و بعده عشر سنين فكان عمره سبعا و خمسين سنة و قبض يوم عاشوراء يوم الجمعة و يقال يوم الاثنين‏ .
أقول: قال في بحار الأنوار: الأشهر في ولادته (عليه السّلام) إنّه ولد لثلاث خلون من شعبان لما رواه الشيخ في المصباح و قيل: ولد لخمس ليال خلون من شعبان و رواه الشيخ أيضا.
و قال في التهذيب: ولد آخر شهر ربيع الأوّل و قيل فيه غير هذا .
و عن الصادق (عليه السّلام) قال: خضب الحسين (عليه السّلام) بالحناء و الكتم و قتل و هو مختضب بالوسمة.
و في محاسن البرقي: أنّه قال عمرو بن العاص للحسين (عليه السّلام): ما بال أولادنا أكثر من‏
أولادكم؟
فقال (عليه السّلام) شعر:
بغات الطير أكثرها فراخا و امّ الصقر مقلاة نزور
فقال: ما بال الشيب إلى شواربنا أسرع منه إلى شواربكم؟
فقال (عليه السّلام): إنّ نساءكم نساء بخره فإذا دنى أحدكم من امرأته نهكته في وجهه فشاب منه شاربه.
فقال: ما بال لحاؤكم أوفر من لحائنا؟
فقال (عليه السّلام): وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً، فقال معاوية: بحقّي عليك إلّا عليك إلّا تسكت فإنّه ابن عليّ بن أبي طالب، فقال (عليه السّلام) شعر:
إن عادت العقرب عدنا لها و كانت النعل لها حاضرة
قد علم العقرب و استيقنت‏ ليس لها دنيا و لا آخرة


أقول: بغات الطير شرارها و المقلاة من القلى بمعنى البغض أي لا تحبّ الأولاد أو لا تحبّ الزوج لكثرة الأولاد و النزور المرأة القليلة الأولاد. و قوله: نهكته قيل لعلّها كانت بتقديم (الكاف) أي شمّته.
و في تفسير العيّاشي عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) في تفسير هذه الآية: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ‏ مع الحسن‏ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ... فلمّا كتب عليهم القتال مع الحسين ... قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ‏ إلى خروج القائم (عليه السّلام) فإنّ معه النصر و الظفر، قال اللّه: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} [النساء: 77].
سورة الفجر للحسين عليه السلام‏
و في كنز الفوائد مسندا إلى الصادق (عليه السّلام) قال: اقرؤا سورة الفجر في نوافلكم و فرايضكم فإنّها سورة الحسين بن عليّ لقوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إنّما يعني الحسين بن علي فهو ذو النفس المطمئنّة الراضية المرضية و أصحابه من آل محمّد هم الراضون عن اللّه يوم القيامة و هو عنهم راض، و هذه السورة في الحسين بن عليّ و شيعته، من أدمن قراءة و الفجر كان مع الحسين بن عليّ في درجته في الجنّة إنّ اللّه عزيز حكيم‏ .
و في الكافي عن مسندا إلى أبي عبد اللّه (عليه السّلام) في قول اللّه عزّ و جلّ: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 88، 89] قال: حسب فرأى ما يحلّ بالحسين (عليه السّلام) فقال: إنّي سقيم لما يحلّ به‏ .
و في الأمالي عن الباقر و الصادق (عليهما السّلام): إنّ اللّه تعالى عوّض الحسين (عليه السّلام) من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيته و إجابة الدّعاء عند قبره و لا تعد أيّام زائريه جائيا و راجعا من عمره‏ .
تأويل كهيعص‏
في الاحتجاج عن سعد بن عبد اللّه قال: سألت القائم (عليه السّلام) عن تأويل كهيعص فقال: هذه الحروف من أنباء الغيب اطلع اللّه عليها عبده زكريا ثمّ قصّها على محمّد (صلّى اللّه عليه و اله) و ذلك أنّ زكريا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة فعلّمه إيّاها، فكان زكريا إذا ذكر محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن تجلى عنه همّه، و إذا ذكر الحسين خنقته العبرة فقال يوما: إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة تسلّيت بأسمائهم من همومي و إذا ذكرت الحسين تدمع عيني؟ فأنبأه اللّه تعالى عن قصّته.
فقال: (كهيعص) ف (الكاف) اسم كربلاء و (الهاء) هلاك العترة و (الياء) يزيد و هو ظالم الحسين، و (العين) عطشه و (الصاد) صبره.
فلمّا سمع زكريا (عليه السّلام) لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام و منع فيهنّ الناس من الدخول عليه و أقبل على البكاء و النحيب و كان يرثيه: إلهي أتفجّع خيرة جميع خلقك بولده إلهي أتنزل بلوى هذه الرزيّة بفنائه، إلهي أتلبس عليّا و فاطمة ثياب هذه المصيبة بساحتهما، ثمّ كان يقول:
إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ثمّ افجعني به كما تفجع محمّدا حبيبك بولده فرزقه اللّه يحيى و فجعه به، و كان حمل يحيى ستّة أشهر و حمل الحسين (عليه السّلام) كذلك، الحديث‏ .
و في الأمالي عن كعب الأخبار قال في كتابنا يعني التوراة: إنّ رجلا من ولد محمّد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) يقتل و لا يحف عرق دواب أصحابه حتّى يدخلوا الجنّة فيعانقوا الحور العين فمرّ بنا الحسين (عليه السّلام) فقلنا: هو هذا؟
قال: لا، فمرّ بنا الحسن (عليه السّلام) فقلنا: هو هذا؟
قال: نعم.
و فيه أيضا عن أشياخ بني سليم قالوا: غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنائسهم فوجدنا فيها مكتوبا شعرا:
أيرجو معشر قتلوا حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب‏
فسألنا منذكم هذا في كنيستكم؟
قالوا: قبل أن يبعث نبيّكم بثلاثمائة عام.
و عن الأعمش قال: بينا أنا في الطواف إذا رجل يقول: اللّهم اغفر لي و أنا أعلم أنّك لا تغفر فسألته عن السبب فقال: كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين (عليه السّلام) إلى يزيد على طريق الشام فنزلنا أوّل مرحلة رحلنا من كربلاء على دير النصارى و الرأس مركوز على رمح فوضعنا الطعام و نحن نأكل إذا كفّ على حائط الدير مكتوب عليه بقلم حديد سطرا بدم:
أترجو امّة قتلت حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب‏
فجزعنا جزعا شديدا و أهوى بعضنا إلى الكفّ ليأخذه فغاب‏ .
و فيه أيضا عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: كان النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) في بيت امّ سلمة (رض) فقال لها: لا يدخل عليّ أحد فجاء الحسين (عليه السّلام) و هو طفل فما ملكت منه شيئا حتّى دخل على النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) فدخلت امّ سلمة (رض) على اثره فإذا الحسين على صدره و إذا النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) يبكي و إذا في يده شي‏ء يقلّبه، فقال النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله): يا امّ سلمة إنّ هذا جبرئيل يخبرني أنّ هذا مقتول و هذه التربة التي يقتل عليها فضعيها عندك، فإذا صارت دما فقد قتل حبيبي فقالت امّ سلمة: يا رسول اللّه سل اللّه أن يدفع ذلك عنه.
قال: قد فعلت، فأوحى إليّ أنّ له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين و أنّ له شيعة يشفعون فيشفعون و أنّ المهدي من ولده، فطوبى لمن كان من أولياء الحسين (عليه السّلام) و شيعته هم و اللّه الفائزون يوم القيامة .
و في عيون الأخبار عن الرضا (عليه السّلام) قال: لمّا أمر اللّه عزّ و جلّ إبراهيم أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنّى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده و إنّه لم‏
يؤمر بذبح الكبش مكانه ليوجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده عليه بيده فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب، فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: يا إبراهيم من أحبّ خلقي إليك؟
فقال: يا ربّ ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ من حبيبك محمّد، فأوحى اللّه إليه أفهو أحبّ إليك أو نفسك؟
قال: بل هو أحبّ إليّ من نفسي قال: فولده أحبّ إليك أم ولدك؟
قال: بل ولده، قال: فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟
قال: يا ربّ بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي، قال: يا إبراهيم فإنّ طائفة تزعم أنّها من امّة محمّد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما و عدوانا كما يذبح الكبش و يستوجبون بذلك سخطي، فجزع إبراهيم لذلك و توجّه قلبه و أقبل يبكي، فأوحى اللّه عزّ و جلّ: يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين و قتله و أوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ‏ .
أقول: هذا الحديث يدفع الإشكال الوارد على ظاهر الآية و هو أنّ الفداء يكون أقلّ رتبة و أحطّ درجة من المفدى و لا ريب في أفضلية الحسين (عليه السّلام) على أولي العزم فضلا عن غيرهم، و احتاجوا إلى الجواب بأنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) و أهل بيته من ذرّية إسماعيل فلو ذبح (عليه السّلام) لم توجد هذه السلسلة العلية و الكلّ أشرف من الجزء فيكون الحسين (عليه السّلام) قد وقع فداء للجميع، و أمّا على هذا الحديث فالمعنى أنّ الفداء في الآية بمعنى العوض أي عوّضناه عن مصابه بابنه ما هو أعظم من ذلك المصاب و هو مصابه ممّن هو أعزّ عليه من ولده، فليس في الآية إلّا حذف المضاف أو أنّ (الباء) للسببيّة.
و روى الصدوق طاب ثراه عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: إنّ إسماعيل الذي قال اللّه في‏
كتابه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم: 54] لم يكن إسماعيل بن إبراهيم بل كان نبيّا من الأنبياء بعثه اللّه عزّ و جلّ إلى قومه، فأخذوه و سلخوا فروة وجهه و رأسه فأتاه ملك فقال: إنّ اللّه جلّ جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال لي: اسوة بما يصنع بالحسين (عليه السّلام)‏ .
اقول: جاء في الحديث إنّ هذا النبيّ (عليه السّلام) يظهره اللّه تعالى زمن خروج صاحب الأمر (عليه السّلام) ليقتصّ من قاتليه.
و في كتاب الأمالي عن الصادق (عليه السّلام) قال: بينا الحسين (عليه السّلام) عند رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) إذا أتاه جبرئيل (عليه السّلام) فقال: يا محمّد أتحبّه؟
قال: نعم، قال: أما إنّ امّتك ستقتله، فحزن لذلك حزنا شديدا فقال جبرئيل (عليه السّلام):
أيسرّك أن أريك التربة التي يقتل فيها؟
قال: نعم، قال: فخسف جبرئيل (عليه السّلام) ما بين مجلس رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) إلى كربلاء حتّى التقت القطعتان هكذا، و جمع بين السبابتين فتناول بجناحه من التربة فناولها الرسول (صلّى اللّه عليه و اله) ثمّ دحيت الأرض أسرع من طرف العين، فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله): طوبى لك من تربة و طوبى لمن يقتل فيك‏ .
و عن أنس بن مالك عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) إنّه قال: لمّا أراد اللّه سبحانه أن يهلك قوم نوح أوحى إليه أن شق ألواح الساج، فلمّا شقّها لم يدر ما يصنع بها فهبط جبرئيل (عليه السّلام) و أراه هيئة السفينة و معه تابوت بها مائة ألف مسمار و تسع و عشرون ألف مسمار فسمّر السفينة بالمسامير كلّها إلى أن بقيت خمسة مسامير فضرب بيده إلى مسمار فأضاء كالكوكب الدرّي فتحيّر نوح فأنطق اللّه المسمار فقال: أنا على اسم خير الأنبياء محمّد بن عبد اللّه فقال له جبرئيل: اسمره على جانب السفينة الأيمن ثمّ ضرب يده على مسمار ثان فأضاء و أنار فقال نوح: ما هذا المسمار؟
فقال: هذا مسمار أخيه عليّ بن أبي طالب، فأسمره على جانب السفينة الأيسر في أوّلها ثمّ ضرب يده إلى مسمار ثالث فأشرق، فقال: هذا مسمار فاطمة فأسمره على جانب مسمار أبيها ثمّ ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر و أنار، فقال: هذا مسمار الحسن فأسمره إلى جانب مسمار أبيه ثمّ ضرب بيده إلى مسمار خامس فزهر و أنار و أظهر النداوة، فقال جبرئيل:
هذا مسمار الحسين فأسمره إلى جانب مسمار أبيه؟
فقال نوح: يا جبرئيل ما هذه النداوة؟
فقال: هذا الدم فذكر قصّة الحسين (عليه السّلام) و ما تعمل الامّة فلعن قاتله و ظالمه و خاذله‏ .
و روى الصدوق بإسناده إلى أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: لمّا حملت فاطمة بالحسين جاء جبرئيل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال: إن فاطمة ستلد ولدا تقتله أمتك من بعدك، فلمّا حملت فاطمة (عليها السّلام) بالحسين كرهت حمله و حين وضعته كرهت وضعه، ثمّ قال أبو عبد اللّه (عليه السّلام): هل رأيتم [في الدنيا] امّا تلد غلاما فتكرهه ولكنّها كرهته لأنّها علمت أنّه سيقتل قال: و فيه نزلت هذه الآية: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] .
و في الأمالي بإسناده إلى عليّ (عليه السّلام) قال: زارنا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) ذات يوم فقدّمنا إليه طعاما فأكل منه، فلمّا غسل يديه مسح وجهه و لحيته ببلّة يديه ثمّ قام إلى مسجد في جانب البيت فخرّ ساجدا فبكى فأطال البكاء، ثمّ رفع رأسه فما اجتري‏ء منّا أهل البيت أحد يسأله عن شي‏ء، فقام الحسين يدرج حتّى صعد على فخذي رسول اللّه فأخذ برأسه إلى صدره و قال: يا أبه ما يبكيك؟
فقال: يا بنيّ إنّي نظرت إليكم اليوم فسررت بكم سرورا لم أسر بكم قبله مثله، فهبط إليّ جبرئيل فأخبرني إنّكم قتلى و أنّ مصارعكم شتّى فقال: يا أبه ما لمن يزور قبورنا و يتعاهدها على تشتّتها؟
قال: طوائف من امّتي يريدون بذلك برّي و صلتي أتعاهدهم في الموقف و يأخذ بأعضادهم فأنجيهم من أهواله و شدائده‏ .
و عن عبد الرحمن الغنوي عن سلمان قال: و هل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول اللّه يعزّيه في ولده الحسين و يحمل إليه تربته مصروعا عليها مذبوحا مقتولا طريحا مخذولا فقال رسول اللّه: اللّهمّ اخذل من خذله و اقتل من قتله و لا تمتّعه بما طلب.
قال عبد الرحمن: فو اللّه لقد عوجل الملعون يزيد و لم يتمتّع بعد قتله و لقد بات سكرانا و أصبح ميّتا متغيّرا كأنّه مطلي بقار، و ما بقي أحد ممّن تابعه على قتله أو كان في محاربته إلّا أصابه جنون أو جذام أو برص و صار ذلك وراثة في نسلهم‏ .
و عن ابن عبّاس قال: إنّ جبرئيل (عليه السّلام) جاء إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) يخبره بقتل الحسين و هو منشور الأجنحة باكيا صارخا قد حمل من تربته و هو يفوح كالمسك.
و في كتاب بشائر المصطفى عن امّ سلمة أنّها قالت: خرج رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) من عندنا ذات ليلة فغاب عنّا طويلا ثمّ جاءنا و هو أشعث أغبر، ثمّ جاءنا و يده مضمومة فقلت: يا رسول اللّه ما لي أراك شعثا مغبرا؟
فقال: اسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له كربلاء فأريت فيه مصرع الحسين ابني و جماعة من ولدي و أهل بيتي، فلم أزل ألقط دماءهم فها هي في يدي و بسطها إليّ فقال: خذيه فاحفظي به فأخذته فإذا هو شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة و شددت رأسها و احتفظت به، فلمّا خرج الحسين (عليه السّلام) من مكة متوجّها إلى العراق كنت أخرج تلك القارورة في كلّ يوم و ليلة و أشمّها و أنظر إليها ثمّ أبكي لمصابه، فلمّا كان اليوم العاشر من المحرّم أخرجتها في أوّل النهار و هي بحالها ثمّ عدت عليها آخر النهار فإذا هو دم عبيط فصحت في بيتي و بكيت و كظمت غيظي مخافة أن تسمع أعداؤهم بالمدينة فيتسرّعوا بالشماتة، فلم أزل حافظة الوقت حتّى جاء الناعي ينعاه فحقّق ما رأيت‏ .
و في بحار الأنوار: روي أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) كان يوما مع جماعة من أصحابه مارّا في بعض الطرق و إذا هم بصبيان يلعبون فجلس النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) عند صبيّ منهم و جعل يقبّل ما بين عينيه و يلاطفه، ثمّ أقعده في حجره فسأل عن ذلك فقال: إنّي رأيت هذا الصبي يوما يلعب مع الحسين و رأيته يرفع التراب من تحت قدميه و يمسح وجهه و عينيه فأنا أحبّه لحبّه ولدي، و أخبرني جبرئيل أنّه يكون من أنصاره في وقعة كربلاء.
و روي أنّ آدم (عليه السّلام) لمّا هبط إلى الأرض لم ير حوّاء فصار يطوف الأرض في طلبها فمرّ بكربلاء فاغتمّ و ضاق صدره من غير سبب و عثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين حتّى سال الدم من رجله، فقال: إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فعاقبتني به، فأوحى إليه: يا آدم يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلما فسال دمك موافقة لدمه و هو سبط النبيّ و قاتله يزيد فقال:
أيّ شي‏ء أصنع؟
قال: العنه أربع مرّات، فلعنه و مشى إلى جبل عرفات فوجد حوّاء هناك.
و أنّ نوحا لمّا ركب في السفينة طافت به جميع الدّنيا، فلمّا مرّت بكربلاء أخذته الأرض و خاف نوح الغرق فقال: إلهي أصابني فزع في هذه الأرض فقال جبرئيل (عليه السّلام): يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمّد خاتم الأنبياء قاتله لعين أهل السماوات فلعنه نوح أربع مرّات، و سارت السفينة حتّى استقرّت على الجودي.
و أنّ إبراهيم (عليه السّلام) مرّ بأرض كربلاء و هو راكب فرسا فعثرت به و سقط إبراهيم و شجّ رأسه و سال دمه فأخذ في الاستغفار، فقال: إلهي أيّ شي‏ء حدث منّي؟
فقال: يا إبراهيم ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يقتل سبط الأنبياء فسال دمك موافقة لدمه و قاتله لعين أهل السماوات و الأرضين و القلم جرى على اللّوح بلعنه بغير إذن ربّه، فأوحى اللّه تعالى إلى القلم إنّك استحققت الثناء بهذا اللّعن فلعن إبراهيم (عليه السّلام) يزيد لعنا كثيرا و قال فرسه: آمين. فقال إبراهيم لفرسه: أيّ شي‏ء عرفت حتّى تؤمّن على دعائي؟
فقال: يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك عليّ، فلمّا عثرت و سقطت عن ظهري خجلت، و كان سبب ذلك يزيد لعنه اللّه‏ .
و إنّ إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات فأخبره الراعي أنّها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوما، فسأل ربّه عن ذلك، فقال جبرئيل (عليه السّلام): سل غنمك فإنّها تجيبك عن سبب ذلك، فقال لها: لم لا تشربين من هذا الماء؟
فقالت بلسان فصيح: قد بلغنا أنّ ولدك الحسين يقتل هنا عطشانا فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزنا عليه فسألها عن قاتله فقالت: يقتله لعين أهل السماوات و الأرض فلعنه إسماعيل.
و أنّ موسى (عليه السّلام) كان ذات يوم سائرا و معه يوشع بن نون، فلمّا جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعله و انقطع شراكه و دخل الحسك في رجله و سال دمه فقال: إلهي أيّ شي‏ء حدث منّي؟
فأوحى اللّه إليه أنّ هنا يقتل الحسين فسال دمك موافقة لدمه و قاتله لعين السمك في البحار و الوحوش في القفار و الطير في الهواء، فلعن موسى يزيد و أمّن يوشع على دعائه‏ .
و أنّ سليمان (عليه السّلام) كان يجلس على بساطه و يسير في الهوى فمرّ بأرض كربلاء فأدارت الريح بساطه ثلاثة دورات حتّى خافوا السقوط، فسكنت الريح و نزل البساط، فقال سليمان للريح: لم سكنتي؟
فقالت: إنّ هنا يقتل الحسين (عليه السّلام) و هو سبط محمّد المختار و قاتله يزيد، فلعنه سليمان و أمّن على دعائه الإنس و الجنّ فهبّت الريح و سار البساط .
و أنّ عيسى (عليه السّلام) كان سائحا في البراري و معه الحواريّون فمرّوا بكربلاء فرأوا أسدا قد أخذ الطريق، فقال عيسى للأسد: لم جلست في هذا الطريق لا تدعنا نمرّ فيه؟
فقال بلسان فصيح: إنّي لم أدعكم تمرّوا حتّى تلعنوا يزيد قاتل الحسين سبط محمّد و قاتله لعين الوحوش و الذئاب و السباع خصوصا أيّام عاشوراء، فلعنه و أمّن الحواريّون فتنحّى الأسد عن الطريق‏ .
تفسير {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] ، و روى صاحب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] إنّه رأى على ساق العرش أسماء النبيّ و الأئمّة (عليهم السّلام) فلقّنه جبرئيل: قل يا حميد بحقّ محمّد يا عالي بحقّ علي يا فاطر بحقّ فاطمة يا محسن بحقّ الحسن و الحسين و منك الإحسان، فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه و قال: يا جبرئيل في ذكر الخامس تسيل عبرتي و ينكسر قلبي قال:
هذا ولدك يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب؛ يقتل عطشانا غريبا وحيدا ليس له ناصر و لا معين و لو تراه يا آدم و هو يقول: و اعطشاه وا قلّة ناصراه حتّى يحول العطش بينه و بين السماء كالدّخان فلم يجبه أحد إلّا بالسيوف فيذبح ذبح الشاة من قفاه و ينهب رحله أعداؤه و تشهر رؤسهم هو و أنصاره في البلدان و معهم النسوان فبكى آدم بكاء الثكلى‏ .
و روي عن بعض الثقاة: أنّ الحسن و الحسين (عليهما السّلام) دخلا يوم العيد إلى جدّهما (صلّى اللّه عليه و اله) فقالا: يا جدّاه اليوم يوم العيد و قد تزيّن أولاد العرب بألوان اللباس و ليس لنا ثوب جديد فبكى النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) و لم يكن عنده ثياب لهما فقال: إلهي اجبر قلبهما و قلب امّهما فأتى جبرئيل (عليه السّلام) معه حلّتان بيضاوان من حلل الجنّة ففرح النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) فقال: يا سيّديّ شباب أهل الجنّة خذا أثوابا خاطها خيّاط القدرة، فلمّا رأيا الخلع بيضاء قالا: يا جدّاه جميع صبيان العرب لابسون ألوان الثياب، فأطرق النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) متفكّرا فقال جبرائيل: إنّ اللّه يفرح قلوبهما بأيّ لون شاء فأمر يا محمّد بإحضار الطشت و الإبريق و قال: يا رسول اللّه أنا أصبّ الماء و أنت تفركهما بيدك فوضع النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) حلّة الحسن في الطشت، و قال للحسن: بأيّ لون تريد حلّتك؟
فقال: أريدها خضراء ففركها النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) فاخضرّت كالزبرجد الأخضر فلبسها ثمّ‏ وضع حلّة الحسين (عليه السّلام) في الطشت و كان له من العمر [خمس سنين‏] فقال له: أيّ لون تريد حلتك؟
فقال الحسين (عليه السّلام): يا جدّاه أريدها حمراء ففركها النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) في ذلك الماء فصارت حمراء كالياقوت الأحمر فلبسها الحسين (عليه السّلام) ففرح النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) بذلك و توجّها إلى أمّهما فرحين، فبكى جبرئيل (عليه السّلام) لمّا شاهد تلك الحال، فقال النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله): يا أخي في مثل هذا اليوم الذي فرح فيه ولداي تبكي فباللّه عليك إلّا ما أخبرتني، فقال: اعلم يا رسول اللّه أنّ اختيار ابنيك على اختلاف اللون فلا بدّ للحسن أن يسقوه السمّ و يخضرّ لون جسده من عظم السمّ و لا بدّ للحسين أن يقتلوه و يذبحوه و يخضب بدنه من دمه، فبكى النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) و زاد حزنه لذلك‏ .
و روي أنّه لمّا أتى الحسين (عليه السّلام) سنتان خرج النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) إلى سفر فوقف في الطريق و دمعت عيناه فسئل عن ذلك فقال: هذا جبرئيل يخبرني عن أرض بشطّ الفرات يقال لها كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين و كأنّي أنظر إليه و إلى مصرعه و مدفنه بها و كأنّي أنظر إلى السبايا على أقتاب المطايا و قد أهدى رأس ولدي الحسين إلى يزيد لعنه اللّه، فرجع من سفره مغموما مهموما فصعد المنبر و أصعد معه الحسن و الحسين، فلمّا فرغ من خطبه وضع يده اليمنى على رأس الحسن و يده اليسرى على رأس الحسين و قال: اللّهمّ هذان أطايب عترتي و قد أخبرني جبرئيل أنّ ولدي هذا مقتول بالسمّ و الآخر شهيد مضرّج بالدّم، اللّهم فبارك له في قتله و اجعله من سادات الشهداء فضجّ الناس بالبكاء و العويل فقال النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله): أيّها الناس تبكونه و لا تنصرونه اللّهم فكن أنت له وليّا و ناصرا ألا انّه سيرد عليّ يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الامّة؛ الاولى: راية سوداء مظلمة و فرغت منها الملائكة فتقف عليّ فأقول لهم من أنتم؟
فينسون ذكري و يقولون: نحن أهل التوحيد من العرب فأقول لهم: أنا أحمد نبيّ العرب و العجم، فيقولون: نحن من امّتك فأقول: كيف خلّفتموني من بعدي في أهل بيتي و كتاب‏ ربّي؟
فيقولون: أمّا الكتاب فضيّعناه و أمّا عترتك فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض، فأعرض عنهم فيصدرون عطاشا مسودّة وجوههم، ثمّ ترد عليّ راية اخرى أشدّ سوادا من الأولى فأقول لهم: كيف خلفتموني في كتاب اللّه و عترتي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فخالفناه و الآخر فمزقّنا كلّ ممزّق، فأقول: إليكم عنّي فيصدرون عطاشا مسودّة وجوههم، ثمّ ترد عليّ راية تلمع وجوههم نورا فأقول لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل التوحيد و نحن بقيّة أهل الحقّ حملنا كتاب ربّنا و حلّلنا حلاله و حرّمنا حرامه و أجبنا ذرّية نبيّنا و نصرناهم و قاتلنا معهم، فأقول لهم: ابشروا فأنا نبيّكم محمّد ثمّ أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويّين مستبشرين يدخلون الجنّة خالدين فيها أبد الآبدين‏ .
و في الأمالي عن ابن عبّاس قال: كنت مع أمير المؤمنين (عليه السّلام) في خروجه إلى صفّين، فلمّا نزل بنينوى و هو شط الفرات قال: يا ابن عبّاس أتعرف هذا الموضع؟ قلت له: ما أعرفه يا أمير المؤمنين، فقال له: لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي، فبكى طويلا حتّى سالت الدموع على صدره و بكينا معا و يقول: أواه أواه مالي و آل أبو سفيان حزب الشيطان، صبرا يا أبا عبد اللّه فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم فتوضّأ و صلّى ثمّ رقد، فلمّا انتبه قال: يابن عبّاس رأيت في منامي كأنّي برجال نزلوا من السماء معهم أعلام بيض قد تقلّدوا سيوفهم و هي بيض تلمع و قد خطوا حول هذه الأرض.
ثمّ رأيت كأنّ هذا النخل قد ضربت بأغصانها إلى الأرض تضطرب بدم عبيط و كأنّي بالحسين فرخي قد غرق فيه يستغيث فيه فلا يغاث و كان الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه و يقولون صبرا آل الرسول، فإنّكم ستقتلون على يدي شرار الناس و هذه الجنّة مشتاقة إليكم ثمّ يعزّونني و يقولون: يا أبا الحسن ابشر فقد أقرّ اللّه عينك يوم يقوم الناس لربّ العالمين ثمّ انتبهت و الذي نفس عليّ بيده لقد حدّثني أبو القاسم (صلّى اللّه عليه و اله) إنّي سأراها في خروجي إلى أهل البغي و هذه أرض كرب و بلاء يدفن فيها الحسين و سبعة عشر رجلا من ولدي و ولد فاطمة و انّها في السماوات معروفة تذكر أرض كرب و بلاء، يابن عبّاس اطلب في حولها بعر
الظباء و هي مصفرّة لونها لون الزعفران فطلبتها فوجدتها مجتمعة فناديته قد أصبتها فقام إليها فشمّها و قال: هي هي بعينها هذه الأبعار قد شمّها عيسى، و ذلك إنّه مرّ بها و معه الحواريّون فرأى هاهنا الظبا مجتمعة و هي تبكي فجلس و بكى مع الحواريّين فقالوا؛ يا روح اللّه ما يبكيك؟
قال: هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول و فرخ الحرّة الطاهرة شبيهة أمّي و هذه الظبا تكلّمني و تقول: إنّها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك و زعمت أنّها آمنة في هذه الأرض ثمّ ضرب بيده إلى هذه البعر فشمّها و قال: هذه بعر الظبا على هذا الطيب لمكان حشيشها، اللّهمّ فابقها حتّى يشمّها أبوه فيكون له عزاء و سلوة، قال: فبقيت إلى يوم الناس هذا و قد اصفرّت لطول زمنها و هذه أرض كرب و بلاء، ثمّ قال: يا ربّ عيسى لا تبارك في قتله ثمّ بكى بكاء طويلا حتّى سقط لوجهه و غشى عليه، ثمّ أفاق فأخذ البعر فصره في ردائه و أمرني أن أصرّها كذلك ثمّ قال: يابن عبّاس رأيتها ينفجر دما عبيطا و يسيل منها دم عبيط، فاعلم أنّ أبا عبد اللّه قد قتل بها و دفن.
قال ابن عبّاس: فكنت احافظ عليها و لا أحلّها من طرف كمي فبينما أنا نائم في البيت إذ انتبهت فإذا هي تسيل دما عبيطا فجلست و أنا باك و قلت: قد قتل و اللّه الحسين فخرجت عند الفجر فرأيت المدينة كأنّها ضباب لا يستبين منها أثر عين ثمّ طلعت الشمس كأنّها منكسفة و كأنّ حيطان المدينة عليها دم عبيط، فبكيت و سمعت صوتا من ناحية البيت و هو يقول:
اصبروا آل الرسول‏ قتل الفرخ الفحول‏
نزل الروح الأمين‏ ببكاء و عويل‏
فأثبت عندي تلك الساعة و كان شهر المحرّم يوم عاشوراء فوجدته قبل ذلك اليوم، فحدّثت بهذا الحديث أولئك الذين كانوا معه فقالوا: و اللّه لقد سمعنا ما سمعت و نحن في المعركة و لا ندري ما هو فكنّا نرى أنّه الخضر (عليه السّلام)‏ .
و في بشائر المصطفى: روي أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان يخطب فقال: سلوني قبل أن‏
تفقدوني، فو اللّه لا تسألوني عن شي‏ء مضى و لا عن شي‏ء يكون إلّا نبأتكم به فقام إليه سعد بن أبي وقّاص فقال: اخبرني كم في رأسي و لحيتي من شعرة فقال: أما و اللّه لقد سألتني عن مسألة حدّثني رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) إنّك تسألني عنها و ما في رأسك و لحيتك من شعرة إلّا و في أصلها شيطان جالس يلعنك، و إنّ في بيتك لسخلا يقتل ابن بنت رسول اللّه و آية ذلك مصداق ما خبّرتك به، و لولا أنّ الذي سألت يعسر برهانه لأخبرتك به ولكن آية ذلك ما أخبرتك به من لعنتك و سخلك الملعون، و كان ابنه عمر بن سعد في ذلك الوقت صبيّا يحبو، فلمّا كان من أمر الحسين (عليه السّلام) ما كان تولّى قتله‏ .
ثواب زيارة الحسين عليه السلام‏
و عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال؛ مرّ عليّ (عليه السّلام) بكربلاء في اثنين من أصحابه فترقرقت عيناه بالبكاء ثمّ قال: هذا و اللّه مناخ ركابهم و هذا ملقى رحالهم و هاهنا تهراق دماءهم طوبى لك من تربة عليك تهراق دماء الأحبّة .
و عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: كان الحسين بن علي ذات يوم في حجر النبيّ (عليه السّلام) يلاعبه و يضاحكه فقالت عايشة: ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي، فقال لها: ويلك هو ثمرة فؤادي أمّا أنّ امّتي ستقتله فمن زاره بعد وفاته كتب اللّه له حجّة من حججي قالت: يا رسول اللّه حجّة من حججك؟
قال: و حجّتين من حججي، قالت: حجّتين من حججك؟
قال: نعم و أربعة، فلم تزل تزايده و يزيد و يضعف حتّى بلغ تسعين حجّة من حجج رسول اللّه باعمارها .
و عن أبي جعفر (عليه السّلام): كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) إذا دخل الحسين (عليه السّلام) يقبّله و يبكي فيقول: يا أبه لم تبكي؟ فيقول: يا بنيّ أقبّل موضع السيوف منك و أبكي قال: يا أبه و اقتل؟
قال: اي و اللّه و أبوك و أخوك و أنت، قال: يا أبه فقبورنا شتّى؟
قال: نعم