الشعائر الحسينيه
الزيارة و فضلها

حكى الشيخ المرحوم المحدث النوري‏ طاب ثراه بسند صحيح عن العالم الجليل ذي الكرامات الباهرة و المقامات العالية الآخوند ملا زين العابدين السلماسي رحمه اللّه انّه قال: لما رجعت من سفر زيارة الرضا (عليه السلام) مررنا بجبل ألوند قريب همدان، فنزلنا فيه و اشتغل أصحابي بنصب الخيام و نظرت في سفح الجبل فرأيت شيئا أبيضا، فتأمّلت فاذا بشيخ أبيض اللحية عليه عمامة صغيرة بيضاء على مكان مرتفع بمقدار أربعة أذرع و قد نضد حوله أحجارا كبارا بحيث لا يرى منه الّا رأسه، فدنوت منه و سلّمت عليه و ألطفت به فآنس بي و نزل عن مكانه، و حدّثني بما جرى عليه و انّه ليس من سلك الفرق البطالين و انّه كان له أهلا و ولدا و بعد قضاء وطره منهم اختار العزلة لمجرد العبادة و عنده الرسائل العلمية من علماء عصره.
و ذكر من جملة ما رآه في هذا المكان انّه كان أوّل نزوله فيه في شهر رجب، قال: فلما مضى منه خمسة أشهر و كنت مشغولا بالصلاة في وقت المغرب فاذا بولولة عظيمة و أصوات عجيبة، ففزعت و خفّفت الصلاة، فنظرت في هذه البرية و اذا هي غاصة بالحيوانات متوجّه إليّ، فزاد اضطرابي و خوفي و تعجبت من هذا الاجتماع، فتأمّلت فاذا فيها من الحيوانات المتضادة كالغزال و الاسد و الأيّل‏ و النمر و الذئب مختلطات صائحات بأصوات غريبة، فاجتمعن عند محلي هذا رافعات رؤوسهن إليّ و صائحات في وجهي، فقلت: من البعيد أن يكون سبب اجتماع هذه الوحوش و السباع المتضادة افتراسي و لا يفترس بعضهم بعضا، ما هذا الّا لحادث عظيم و أمر جسيم، فتفكرت في ذلك فوقع في خاطري انّ هذه عشية عاشوراء و هذا الاجتماع و الغوغاء و النياح لمصيبة أبي عبد اللّه (عليه السلام)، فلما اطمأننت بذلك طرحت عمامتي و ضربت رأسي و ألقيت نفسي من مكاني و جعلت أقول حسين حسين شهيد حسين مظلوم حسين عطشان حسين و أمثال ذلك.
فانفرجن و جعلن لي مكانا كالحلقة بينهنّ و جعل بعضهنّ يضربن رؤوسهن على الارض و بعضهنّ يطرحن نفسهنّ عليها الى أن طلع الفجر، فتفرّقن مترتبا الأوحش منهنّ فلأوحش، ثم كان ذلك عادتهنّ في كل سنة الى الآن، و قد مضى ثمانية عشر سنة من ذلك الوقت حتى قد يشتبه عليّ الشهر فنعرف يوم العاشوراء من اجتماعهنّ‏ .
و في السيرة الحلبية انّ زاهدا كان يضع قطعات الخبز للنمل و لم تأكل النمل منه يوم عاشوراء، و من قبيل هذه الحكاية كثيرة و يكفينا ما ذكرناه، فنذكر حديثا لتصديق ما نقله شيخنا المرحوم، روى الشيخ الاجل الاقدم أبو القاسم جعفر بن قولويه القمي رضى اللّه عنه عن الحارث الاعور عن امير المؤمنين (عليه السلام) انّه قال: بأبي و أمي الحسين المقتول بظهر الكوفة و اللّه كأنّي انظر الى الوحش مادة أعناقها على قبره من انواع الوحش يبكونه و يرثونه ليلا حتى الصباح، فاذا كان كذلك فاياكم و الجفاء .