الشعائر الحسينيه
الزيارة و فضلها

يستحب زيارة أبي عبد اللّه الحسين المظلوم عليه السلام بل تأكد استحبابها من ضروريات المذهب و الدين حتى ورد أن زيارته فرض على كل مؤمن‏ و واجبة على الرجال و النساء و من تركها ترك حق اللّه تعالى و رسوله بل تركها عقوق رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و انتقاص في الايمان و الدين و إن من تركها من غير علة فهو من أهل النار.
و قال أبو جعفر (عليه السلام) لمحمد بن مسلم: مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين ابن علي فإن إتيانه مفترض على كل مؤمن يقر للحسين بالإمامة من اللّه جل و عز .
و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لو أن أحدكم حج دهره ثم لم يزر الحسين (عليه السلام) لكان تاركا حقا من حقوق رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لأن حق الحسين (عليه السلام) فريضة من اللّه واجبة على كل مسلم‏ .
و قال: من لم يأت قبر الحسين (عليه السلام) و هو يزعم أنه لنا شيعة حتى يموت فليس هو لنا بشيعة و إن كان من أهل الجنة فهو من ضيفان أهل الجنة .
و قال (عليه السلام) لأبان بن تغلب: يا أبان متى عهدك بقبر الحسين عليه السلام؟ قلت: لا و اللّه يا بن رسول اللّه ما لي به عهد منذ حين. قال: سبحان ربي العظيم و بحمده و أنت من رؤساء الشيعة تترك الحسين (عليه السلام) لا تزوره من زار الحسين (عليه السلام) كتب اللّه له بكل خطوة حسنة و محى عنه بكل خطوة سيئة و غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر .
و في روايات كثيرة: و لا تدع زيارة قبر الحسين (عليه السلام) لخوف و إن من زاره على خوف يؤمنه اللّه يوم الفزع الأكبر و إن الثواب فيه على قدر الخوف و إن من خاف لخوفهم أظله اللّه في ظل عرشه و كان محدثه الحسين (عليه السلام) تحت العرش و آمنه اللّه من أفزاع يوم القيامة .
و ورد في جملة من الروايات عن الصادق عليه السلام: حق على الغني أن يأتي قبر الحسين (عليه السلام) في السنة مرتين و حق على الفقير أن يأتيه في السنة مرة .
و قال: أما القريب فلا أقل من شهر و أما البعيد الدار ففي كل ثلاث سنين‏ .
و في حديث: لا ينبغي التخلف عنه أكثر من أربع سنين‏ .
و عن أبي الحسن عليه السلام: من أتى قبر الحسين (عليه السلام) في السنة ثلاث مرات أمن من الفقر .
و يتأكد الاخلاص في زيارته و الشوق إليها فمن أتى قبره (عليه السلام) شوقا إليه كان من عباده المكرمين و كان تحت لواء الحسين بن علي عليهما السلام و من زاره يريد به وجه اللّه تعالى أخرجه اللّه من ذنوبه كمولود ولدته أمه و شيعته الملائكة في مسيره‏ .
و في حديث آخر: شيعه جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل حتى يرد إلى منزله‏ .
و عن حمران قال: زرت قبر الحسين عليه السلام فلما قدمت جاءني أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام و عمر بن علي بن عبد اللّه بن علي فقال أبو جعفر عليه السلام أبشر يا حمران فمن زار قبور شهداء آل محمد عليهم السلام يريد اللّه بذلك و صلة نبيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه‏ .
و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين زوار الحسين بن علي فيقوم عنق من الناس لا يحصيهم الا اللّه عز و جل فيقول لهم:
ما ذا أردتم بزيارة قبر الحسين عليه السلام. فيقولون: يا رب حبا لرسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و حبا لعلي و فاطمة و رحمة له مما ارتكب منه. فيقال لهم: هذا محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام فالحقوا بهم فأنتم معهم في درجتهم الحقوا بلواء رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله). فيكونون في ظله و هو في يد علي (عليه السلام) حتى يدخلون الجنة جميعا فيكونون أمام اللواء و عن يمينه و عن يساره‏ .
و في أحاديث كثيرة: إن زيارته صلوات اللّه عليه توجب غفران الذنوب و دخول الجنة و العتق من النار و حط السيئات و رفع الدرجات و اجابة الدعوات‏ .
فمن أتى قبر الحسين (عليه السلام) عارفا بحقه غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر .
و في رواية أخرى: و قبل شفاعته في سبعين مذنبا و لم يسأل عز و جل عند قبره حاجة الا قضاها له‏ .
و قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) لعبد اللّه بن النجار: تزورون الحسين و تركبون السفن؟ قال: فقلت نعم. فقال: أ ما علمت أنه إذا انكفت بكم نوديتم ألا طبتم و طابت لكم الجنة .
و قال فائد الحناط له عليه السلام: إنهم يأتون قبر الحسين (عليه السلام) بالنوائح و الطعام. قال: قد سمعت. قال: فقال يا فائد من أتى قبر الحسين عارفا بحقه غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر.
و ورد أن زوار الحسين (عليه السلام) يدخلون الجنة قبل الناس بأربعين عاما و سائر الناس في الحساب و الموقف‏ .
و إن زائره جعل ذنوبه جسرا على باب داره ثم عبرها كما يخلف أحدكم الجسر وراءه إذا عبر.
و في حديث: يقال لهم يوم القيامة خذوا بيد من أحببتم انطلقوا به إلى الجنة فيأخذ الرجل (بيد ظ) من أحبه حتى أن الرجل من الناس يقول لرجل يا فلان أ ما تعرفني أنا الذي قمت لك يوم كذا و كذا فيدخله الجنة لا يدفع و لا يمنع‏ .
و عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سمعت يقول: إن لله في كل يوم و ليلة مائة ألف لحظة الى الأرض يغفر لمن يشاء منه و يعذب من يشاء منه و يغفر لزائري قبر الحسين بن علي (عليه السلام) خاصة و لأهل بيتهم و لمن يشفع له يوم القيامة كائنا من كان و إن كان رجلا قد استوجب النار. قال: و إن كان ما لم يكن ناصبا .
و في روايات كثيرة: إن زيارته (عليه السلام) تعدل الحج و العمرة و الجهاد و الاعتاق بل تعدل عشرين حجة و أفضل من عشرين حجة بل كتب اللّه له ثمانين حجة مبرورة و أنها تعدل حجة مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) بل من أتاه عارفا بحقه كان كمن حج مائة حجة مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و من أتاه ماشيا كتب اللّه له بكل قدم يرفعها و يضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل (عليه السلام) .
و قال الصادق عليه السلام: لو أني حدثتكم بفضل زيارته و بفضل قبره لتركتم الحج رأسا و ما حج منكم أحد و يحك أ ما علمت أن اللّه اتخذ كربلاء حرما آمنا مباركا قبل أن يتخذ مكة حرما .
و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: كان الحسين (عليه السلام) ذات يوم في حجر النبي (صلى اللّه عليه و آله) يلاعبه و يضاحكه فقالت عائشة: يا رسول اللّه ما أشد إعجابك بهذا الصبي؟ فقال لها: ويلك و كيف لا أحبه و لا أعجب به و هو ثمرة فؤادي و قرة عيني أما ان أمتي ستقتله فمن زاره بعد وفاته كتب اللّه له حجة من حججي. قالت: يا رسول اللّه حجة من حججك؟ قال: نعم و حجتين من حججي. قالت: يا رسول اللّه حجتين من حججك؟ قال: نعم فلم تزل تزاده و يزيد و يضعف حتى بلغ تسعين حجة من حجج رسول اللّه بأعمارها .
و عن القداح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت له: ما لمن أتى قبر الحسين زائرا عارفا بحقه غير مستكبر و لا مستنكف؟ قال: يكتب له ألف حجة مقبولة و ألف عمرة مبرورة و إن كان شقيا كتب سعيدا و لم يزل يخوض في رحمة اللّه عز و جل‏ .
و في أحاديث كثيرة: أن زيارته (عليه السلام) توجب طول العمر و حفظ النفس و المال و زيادة الرزق و تنفس الكرب و قضاء الحوائج بل أدنى ما يكون له أن يحفظه اللّه في نفسه و ماله حتى يرده إلى أهله فإذا كان يوم القيامة كان اللّه أحفظ له‏ .
و حكي: أنه لما بلغ أهل البلدان شهادته (عليه السلام) حضرت عنده مائة ألف امرأة ممن كانت لا تلد فولدن كلهن و كانت العرب تقول للمرأة لا تلد أبدا إلا أن تحضر قبر رجل كريم.
و روي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الحسين (عليه السلام) صاحب كربلاء قتل مظلوما مكروبا عطشانا لهفانا فآلى اللّه عز و جل على نفسه أن لا يأتيه لهفان و لا مكروب و لا مذنب و لا مغموم و لا عطشان و لا من به عاهة ثم دعا عنده و تقرب بالحسين بن علي (عليه السلام) الى اللّه عز و جل الا نفس اللّه كربته و أعطاه مسألته و غفر ذنبه و مد في عمره و بسط في رزقه فاعتبروا يا أولي الأبصار .
و عن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: دعاني الشوق إليك أن تجشمت إليك على مشقة. فقال لي: لا تشك ربك فهلا أتيت من كان أعظم حقا عليك مني. فكان من قوله فهلا أتيت من كان أعظم حقا عليك مني أشد علي من قوله لا تشك ربك. قلت: و من أعظم علي حقا منك؟ قال: الحسين عليه السلام أ لا أتيت الحير (الحسين خ ل) فدعوت اللّه عنده و شكوت إليه حوائجك‏ .
و عنه (عليه السلام) قال: من لم يزر قبر الحسين (عليه السلام) فقد حرم خيرا كثيرا و نقص من عمره سنة .
و في جملة من الروايات: أن زيارته (عليه السلام) من أفضل الأعمال و له بكل درهم أنفقه ألف درهم‏ .
بل قال الصادق (عليه السلام) في حديث ابن سنان: يحسب له بالدرهم ألف و ألف حتى عد عشرة .
و أن الأنبياء و الرسل و الأئمة و الملائكة عليهم السلام يأتونه لزيارته و يدعون لزواره في السماء أكثر و يبشرونهم بالخير و يستبشرون لهم. الى غير ذلك مما ورد في فضل زيارته‏ .
و لنتبرك بذكر أحاديث:
روي عن الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي بسنده عن معاوية بن وهب قال: استأذنت على أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقيل لي: أدخل فدخلت فوجدته في مصلاه في بيته فجلست حتى قضى صلاته و سمعته و هو يناجي ربه و هو يقول: اللهم يا من خصنا بالكرامة و وعدنا بالشفاعة و خصنا بالوصية و أعطانا علم ما مضى و ما بقي و جعل أفئدة من الناس تهوي إلينا اغفر لي و لإخواني و زوار قبر أبي الحسين الذين أنفقوا أموالهم و أشخصوا أبدانهم رغبة في برنا و رجاء لما عندك في صلتنا و سرورا أدخلوه على نبيك و إجابة منهم لأمرنا و غيظا أدخلوه على عدونا أرادوا بذلك رضاك فكافهم عنا بالرضوان و اكلأهم بالليل و النهار و اخلف على أهاليهم و أولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف و أصحبهم و اكفهم شر كل جبار عنيد و كل ضعيف من خلقك و شديد و شر شياطين الجن و الإنس و اعطهم أعظم ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم و ما آثرونا به على أبنائهم و أهاليهم و قراباتهم. اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم على خروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافا منهم على من خالفنا فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس و ارحم تلك الوجوه التي تتقلب على حفرة أبي عبد اللّه عليه السلام و ارحم تلك الأعين التي خرجت دموعها رحمة لنا و ارحم تلك القلوب التي جزعت و احترقت لنا و ارحم تلك الصرخة التي كانت لنا اللهم اني أستودعك تلك الأنفس و تلك الأبدان حتى توافيهم على الحوض يوم العطش. فما يزال يدعو و هو ساجد بهذا الدعاء فلما انصرف قلت: جعلت فداك لو أن هذا الذي سمعت منك كان لمن لا يعرف اللّه عز و جل لظننت أن النار لا تطعم منه شيئا أبدا و اللّه لقد تمنيت أني كنت زرته و لم أحج. فقال لي: ما أقربك منه فما الذي يمنعك من زيارته. ثم قال: يا معاوية لا تدع ذلك فقلت جعلت فداك لم أر أن الأمر يبلغ هذا كله فقال يا معاوية من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض‏ .
و في البحار: روى مؤلف المزار الكبير باسناده الى الأعمش قال: كنت نازلا بالكوفة و كان لي جار كثيرا ما كنت أقعد إليه و كان ليلة الجمعة فقلت له: ما تقول في زيارة الحسين عليه السلام. فقال لي: بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار. فقمت من بين يديه و أنا ممتلئ غضبا و قلت: إذا كان السحر أتيته و حدثته من فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) ما يسخن اللّه به عينيه. قال: فأتيته و قرعت عليه الباب فإذا أنا بصوت من وراء الباب أنه قصد الزيارة في أول الليل فخرجت مسرعا فأتيت الحير فإذا أنا بالشيخ ساجد لا يمل من السجود و الركوع فقلت له:
بالأمس تقول لي بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار و اليوم تزوره. فقال لي: يا سليمان لا تلمني فإني ما كنت أثبت لأهل هذا البيت إمامة حتى كانت ليلتي هذه فرأيت رؤيا أرعبتني. فقلت: ما رأيت أيها الشيخ؟ قال: رأيت رجلا لا بالطويل الشاهق و لا بالقصير اللاصق لا أحسن أصفه من حسنه و بهائه و معه أقوام يحفون به حفيفا و يزفونه زفا بين يديه فارس على فرس له ذنوب على رأسه تاج للتاج أربعة أركان في كل ركن جوهرة تضي‏ء مسيرة ثلاثة أيام فقلت: من هذا؟
فقالوا: محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب (صلى اللّه عليه و آله). فقلت: و الآخر؟
فقالوا: وصيه علي بن أبي طالب عليه السلام. ثم مددت عيني فإذا بناقة من نور عليها هودج من نور تطير بين السماء و الأرض فقلت: لمن الناقة؟ قالوا: لخديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد. قلت: و الغلام؟ قالوا: الحسن بن علي. قلت:
فأين يريدون؟ قال: يمضون بأجمعهم إلى زيارة المقتول ظلما الشهيد بكربلاء الحسين بن علي ثم قصدت الهودج و إذا أنا برقاع تساقط من السماء: أمانا من اللّه جل ذكره لزوار الحسين بن علي ليلة الجمعة. ثم هتف بنا هاتف: ألا إنّا و شيعتنا في الدرجة العليا من الجنة و اللّه يا سليمان لا أفارق هذا المكان حتى تفارق روحي جسدي‏ .
و روي عن الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن ابن محبوب عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي قال: خرجت آخر زمان بني مروان‏ الى قبر الحسين بن علي عليهما السلام مستخفيا من أهل الشام حتى انتهيت إلى كربلاء فاختفيت في ناحية القرية حتى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر فلما دنوت منه أقبل نحوي رجل فقال لي: انصرف مأجورا فإنك لا تصل إليه.
فرجعت فزعا حتى إذا كاد يطلع الفجر أقبلت نحوه حتى إذا دنوت منه خرج إلي الرجل فقال لي: يا هذا إنك لا تصل إليه. فقلت له: عافاك اللّه و لم لا أصل إليه و قد أقبلت من الكوفة أريد زيارته فلا تحل بيني و بينه و إني أخاف أن أصبح فيقتلوني أهل الشام إن أدركوني هاهنا. قال: فقال لي: اصبر قليلا فإن موسى بن عمران سأل اللّه أن يأذن له في زيارة قبر الحسين بن علي (عليه السلام) فأذن له فهبط من السماء في سبعين ألف ملك فهم بحضرته من أول الليل ينتظرون طلوع الفجر ثم يعرجون الى السماء. قال: فقلت: فمن أنت عافاك اللّه؟ قال: أنا من الملائكة الذين أمروا بحرس قبر الحسين و الاستغفار لزواره فانصرفت و قد كاد يطير عقلي لما سمعت منه. قال: فأقبلت لمّا طلع الفجر نحوه فلم يحل بيني و بينه أحد فدنوت منه (عليه السلام) فسلمت عليه فدعوت اللّه على قتلته و صليت الصبح و أقبلت مسرعا مخافة أهل الشام‏ .
و عنه بسنده عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:
جعلت فداك يا بن رسول اللّه كنت في الحير ليلة عرفة فرأيت نحوا من ثلاثة آلاف رجل جميلة وجوههم طيبة ريحهم شديد بياض ثيابهم يصلون الليل أجمع فلقد كنت أريد أن آتي القبر و أقبله و أدعو بدعوات فما كنت أصل إليه من كثرة الخلق فلما طلع الفجر سجدت سجدة فرفعت رأسي فلم أر منهم أحدا. فقال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: أ تدري من هؤلاء؟ قلت: لا. فقال: اخبرني أبي عن أبيه قال: مر بالحسين أربعة آلاف ملك و هو يقتل فعرجوا إلى السماء فأوحى اللّه تعالى إليهم:
يا معشر الملائكة مررتم بابن حبيبي و صفيي محمد و هو يقتل و يضطهد مظلوما فلم تنصروه فانزلوا إلى الأرض الى قبره فابكوا شعثا غبرا إلى يوم القيامة فهم عنده إلى أن تقوم الساعة .
و عنه مسندا عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: كأني و اللّه بالملائكة قد زاحموا المؤمنين على قبر الحسين عليه السلام. قال: قلت:
فيتراءون له. قال: هيهات هيهات قد لزموا و اللّه المؤمنين حتى أنهم يمسحون وجوههم بأيديهم. قال: و ينزل اللّه على زوار الحسين (عليه السلام) غدوة و عشية من طعام الجنة و خدامهم الملائكة لا يسأل اللّه عبد حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة الا أعطاها إياه. قال: قلت: هذه و اللّه الكرامة. قال: يا مفضل أزيدك؟ قلت:
نعم يا سيدي. قال: كأني بسرير من نور قد وضع و قد ضربت عليه قبة من ياقوتة حمراء مكللة بالجوهر و كأني بالحسين بن علي (عليه السلام) جالس على ذلك السرير و حوله تسعون ألف قبة خضراء و كأني بالمؤمنين يزورونه و يسلمون عليه فيقول اللّه عز و جل لهم: أوليائي سلوني فطالما أوذيتم و ذللتم و اضطهدتم فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة الا قضيتها لكم فيكون أكلهم و شربهم من الجنة فهذه و اللّه الكرامة التي لا يشبهها شي‏ء .
قال العلامة المجلسي (رحمه الله): نزول الطعام في البرزخ و ضرب القبة في الرجعة بقرينة قوله (عليه السلام) من حوائج الدنيا و الآخرة .
و عنه بسنده عن عبد اللّه بن حماد البصري عن أبي عبد اللّه قال: قال لي: إن عندكم- أو قال في قربكم- لفضيلة ما أوتي أحد مثلها و ما أحسبكم تعرفونها كنه معرفتها و لا تحافظون عليها و لا على القيام بها و إن لها لأهلا خاصة قد سموا لها و أعطوها بلا حول منهم و لا قوة الا ما كان من صنع اللّه لهم و سعادة حباهم بها و رحمة و رأفة و تقدم. قلت: جعلت فداك و ما هذا الذي و صفت و لم تسمه؟ قال:
زيارة جدي الحسين عليه السلام فإنه غريب بأرض غربة يبكيه من زاره و يحزن له من لم يزره و يحترق له من لم يشهده و يرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجليه في أرض فلاة و لا حميم قربه و لا قريب ثم منع الحق و توازر عليه أهل الردة حتى قتلوه و ضيعوه و عرضوه للسباع و منعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب‏ و ضيعوا حق رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و وصيته به و بأهل بيته فأمسى مجفوا في حفرته صريعا بين قرابته و شيعته بين أطباق التراب قد أوحش قربه في الوحدة و البعد عن جده و المنزل الذي لا يأتيه الا من امتحن اللّه قلبه للايمان و عرفه حقنا.
فقلت: جعلت فداك قد كنت آتيه حتى بليت بالسلطان و في حفظ أموالهم و أنا عندهم مشهور فتركت للتقية إتيانه و أنا أعرف ما في إتيانه من الخير. فقال: هل تدري ما فضل من أتاه و ما له عندنا من جزيل الخير؟ فقلت: لا. فقال: أما الفضل فيباهيه ملائكة السماء و أما ما له عندنا فالترحم عليه كل صباح و مساء و لقد حدثني أبي أنه لم يخل مكانه منذ قتل من مصل يصلي عليه من الملائكة أو من الجن أو من الإنس أو من الوحش و ما من شي‏ء إلا و هو يغبط زائره و يتمسح به و يرجو في النظر إليه الخير لنظره إلى قبره. ثم قال: بلغني أن قوما يأتونه من نواحي الكوفة و ناسا من غيرهم و نساء يندبنه و ذلك في النصف من شعبان فمن بين قارى‏ء يقرأ و قاص يقص و نادب يندب و قائل يقول المراثي. فقلت له: نعم جعلت فداك قد شهدت بعض ما تصف. فقال: الحمد للّه الذي جعل في الناس من يفد إلينا و يمدحنا و يرثي لنا و جعل عدونا من يطعن عليهم من قرابتنا أو غيرهم يهدون‏ بهم و يقبحون ما يصنعون‏ .
و عن بشارة المصطفى عن الأعمش عن عطية العوفي قال: خرجت مع جابر ابن عبد اللّه الأنصاري (رحمه الله) زائرين قبر الحسين عليه السلام فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم اتزر بإزار و ارتدى بآخر ثم فتح صرة فيها سعد و نثرها على بدنه ثم لم يخط خطوة الا ذكر اللّه حتى إذا دنا من القبر قال:
ألمسنيه فألمسته فخر على القبر مغشيا عليه فرششت عليه شيئا من الماء فأفاق و قال: يا حسين ثلاثا ثم قال: حبيب لا يجيب حبيبه. ثم قال: و أنى لك بالجواب و قد شحطت أوداجك على أثباجك و فرق بين بدنك و رأسك فاشهد أنك ابن خير النبيين و ابن سيد المؤمنين و ابن حليف التقوى و سليل الهدى و خامس أصحاب‏ الكساء و ابن سيد النقباء و ابن فاطمة سيدة النساء ما لك لا تكون هكذا و قد غذتك كف سيد المرسلين و ربيت في حجر المتقين و رضعت من ثدي الايمان و فطمت بالإسلام طبت حيا و طبت ميتا غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة لفراقك و لا شاكة في الخيرة لك فعليك سلام اللّه و رضوانه و أشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا.
ثم جال ببصره حول القبر و قال: السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلت بفناء قبر الحسين (عليه السلام) و أناخت برحله أشهد أنكم أقمتم الصلاة و آتيتم الزكاة و أمرتم بالمعروف و نهيتم عن المنكر و جاهدتم الملحدين و عبدتم اللّه حتى أتاكم اليقين و الذي بعث محمدا (صلى اللّه عليه و آله) بالحق لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.
قال عطية: فقلت: كيف و لم نهبط واديا و لم نعل جبلا و لم نضرب بسيف و القوم قد فرق بين رءوسهم و أبدانهم و أولادهم و أرملت الأزواج؟ فقال لي: يا عطية سمعت حبيبي رسول اللّه «ص» يقول: من أحب قوما حشر معهم و من أحب عمل قوم أشرك في عملهم و الذي بعث محمدا بالحق نيتي و نية أصحابي على ما مضى عليه الحسين و أصحابه خذوني نحو أبيات كوفان. فلما صرنا في بعض الطريق فقال: يا عطية هل أوصيك و ما أظن أنني بعد هذه السفرة ملاقيك أحبب محب آل محمد ما أحبهم و أبغض مبغض آل محمد ما أبغضهم و إن كان صواما و قواما و ارفق بمحب آل محمد فإنه إن تزل (لهم ظ) قدم بكثرة ذنوبهم ثبتت لهم أخرى بمحبتهم فإن محبهم يعود إلى الجنة و مبغضهم يعود إلى النار.