الشعائر الحسينيه
الزيارة و فضلها

من النواميس المطردة الاعتناء بالفقيد بعد أربعين يوما مضين من وفاته بإسداء البر إليه و تأبينه و عدّ مزاياه في حفلات تعقد و ذكريات تدوّن تخليدا لذكره على حين أن الخواطر تكاد تنساه و الأفئدة أوشكت أن تهمله فبذلك تعاد إلى ذكره البائد صورة خالدة بشعر رائق تتناقله الألسن و يسطع في القلوب فتمر الحقب و الأعوام و هو على جدته! أو خطاب بليغ تتضمنه الكتب و المدونات حتى يعود من أجزاء التاريخ التي لا يبليها الملوان، فالفقيد يكون حيا كلما تليت هاتيك النتف من الشعر أو وقف الباحث على ما ألقيت فيه من كلمات تأبينية بين طيات الكتب فيقتص أثره في فضائله و فواضله و هذه السنّة الحسنة تزداد أهمية كلما ازداد الفقيد عظمة و كثرت فضائله، و إنها في رجالات الاصلاح و المقتدى بهم من الشرائع أهم و آكد لأن نشر مزاياهم و تعاليمهم يحدو إلى اتباعهم و احتذاء مثالهم في الاصلاح و تهذيب النفوس.
و ما ورد عن أبي ذر الغفاري و ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أن الأرض لتبكي على المؤمن أربعين صباحا «1» و عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن السماء بكت على الحسين عليه السّلام أربعين صباحا بالدم و الأرض بكت عليه أربعين صباحا بالسواد و الشمس بكت عليه أربعين صباحا بالكسوف و الحمرة و الملائكة بكت عليه أربعين صباحا و ما اختضبت امرأة منا و لا ادهنت و لا اكتحلت و لا رجلت حتى أتانا رأس عبيد اللّه بن زياد و ما زلنا في عبرة من بعده‏ «2».
يؤكد هذه الطريقة المألوفة و العادة المستمرة بين الناس من الحداد على الميت أربعين يوما فإذا كان يوم الأربعين أقيم على قبره الاحتفال بتأبينه يحضره‏ أقاربه و خاصته و أصدقاؤه، و هذه العادة لم يختص بها المسلمون، فإن النصارى يقيمون حفلة تأبينية يوم الأربعين من وفاة فقيدهم يجتمعون في الكنيسة و يعيدون الصلاة عليه المسماة عندهم بصلاة الجنازة و يفعلون ذلك في نصف السنة و عند تمامها و اليهود يعيدون الحداد على فقيدهم بعد مرور ثلاثين يوما و بمرور تسعة أشهر و عند تمام السنة «3» كل ذلك إعادة لذكراه و تنويها به و بآثاره و اعماله إن كان من العظماء ذوي الآثار و المآثر.
و على كل حال فإن المنقب لا يجد في الفئة الموصوفة بالإصلاح رجلا اكتنفته المآثر بكل معانيها و كانت حياته و حديث نهضته و كارثة قتله دعوة إلهية و دروسا اصلاحية و انظمة اجتماعية و تعاليم أخلاقية و مواعظ دينية إلا سيد شباب أهل الجنة شهيد الدين شهيد السلام و الوئام شهيد الأخلاق و التهذيب «الحسين» عليه السّلام فهو أولى من كل أحد بأن تقام له الذكريات في كل مكان و تشد الرحال للمثول حول مرقده الأقدس في يوم الأربعين من قتله حصولا على تلكم الغايات الكريمة.
و إنما قصروا الحفلات الأربعينية بالأربعين الأول في سائر الناس من جهة كون مزايا أولئك الرجال محدودة منقطعة الآخر بخلاف سيد الشهداء فإن مزاياه لا تحد و فواضله لا تعد و درس أحواله جديد كلما ذكر و اقتصاص أثره يحتاجه كل جيل، فإقامة المآتم عند قبره في الأربعين من كل سنة احياء لنهضته و تعريف بالقساوة التي ارتكبها الأمويون و لفيفهم، و مهما أمعن الخطيب أو الشاعر في قضيته تفتح له أبواب من الفضيلة كانت موصدة عليه قبل ذلك.
و لهذا اطردت عادة الشيعة على تجديد العهد بتلكم الأحوال يوم الأربعين من كل سنة و لعل رواية أبي جعفر الباقر عليه السّلام أن السماء بكت على الحسين أربعين صباحا تطلع حمراء و تغرب حمراء «4» تلميح إلى هذه العادة المألوفة بين الناس.
و حديث الإمام الحسن العسكري علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى و خمسين و زيارة الأربعين و الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم و التختم في اليمين‏ و تعفير الجبين‏ «5».
يرشدنا إلى تلك العادة المطردة المألوفة للناس فإن تأبين سيد الشهداء و عقد الاحتفالات لذكره في هذا اليوم إنما يكون ممن يمت به بالولاء و المشايعة و لا ريب في أن الذين يمتون به بالمشايعة هم المؤمنون المعترفون بإمامته، إذا فمن علامة إيمانهم و ولائهم لسيد شباب أهل الجنة المنحور في سبيل الدعوة الالهية المثول في يوم الأربعين من شهادته عند قبره الأطهر لإقامة المأتم و تجديد العهد بما جرى عليه و على صحبه و أهل بيته من الفوادح.
و التصرف في هذه الجملة «زيارة الأربعين» بالحمل على زيارة أربعين مؤمنا التواء في فهم الحديث و تمحل في الاستنتاج يأباه الذوق السليم مع خلوه عن القرينة الدالة عليه و لو كان الغرض هو الارشاد إلى زيارة أربعين مؤمنا لقال عليه السّلام: «و زيارة أربعين» فالاتيان بالألف و اللام العهدية للتنبيه على أن زيارة الأربعين من سنخ الأمثلة التي نص عليها الحديث بأنها من علائم الإيمان و الموالاة للأئمة الاثني عشر.
ثم إن الأئمة من آل الرسول عليهم السّلام و إن كانوا كلهم أبواب النجاة و سفن الرحمة و بولائهم يعرف المؤمن من غيره و قد خرجوا من الدنيا مقتولين في سبيل الدعوة الالهية موطنين أنفسهم على القتل امتثالا لأمر بارئهم جل شأنه الموحى به إلى جدهم الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم و قد أشار إليه أبو محمد الحسن ابن أمير المؤمنين عليه السّلام بقوله أن هذا الأمر يملكه منا اثنا عشر إماما ما منهم إلا مقتول أو مسموم.
فالواجب اقامة المأتم في يوم الأربعين من شهادة كل واحد منهم و حديث الإمام العسكري لم يشتمل على قرينة لفظية تصرف هذه الجملة (زيارة الأربعين) إلى خصوص الحسين عليه السّلام إلا أن القرينة الحالية أوجبت فهم العلماء الاعلام من هذه الجملة خصوص زيارة الحسين لأن قضية سيد الشهداء هي التي ميزت بين دعوة الحق و الباطل و لذا قيل الإسلام بدؤه محمدي و بقاؤه حسيني و حديث‏ الرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلم) حسين مني و أنا من حسين يشير إليه لأن ما قاساه سيد الشهداء إنما هو لتوطيد أسس الإسلام و اكتساح أشواك الباطل عن صراط الشريعة و تنبيه الأجيال على جرائم أهل الضلال هو عين ما نهض به نبي الإسلام لنشر الدعوة الإلهية.
فمن أجل هذا كله لم يجد أئمة الدين من آل الرسول ندحة إلا لفت الأنظار إلى هذه النهضة الكريمة لأنها اشتملت على فجائع تفطر الصخر الأصم و علموا أن المواظبة على اظهار مظلومية الحسين تستفز العواطف و توجب استمالة الأفئدة نحوهم فالسامع لتلكم الفظائع يعلم أن الحسين إمام عدل لم يرضخ للدنايا و أن إمامته موروثة له من جده و أبيه الوصي و من ناوأه خارج عن العدل، و إذا عرف السامع أن الحق في جانب الحسين و أبنائه المعصومين كان معتنقا طريقتهم و سالكا سبيلهم.
و من هنا لم يرد التحريض من الأئمة على اقامة المأتم في يوم الأربعين من شهادة كل واحد منهم، حتى نبي الإسلام لكون تذكار كارثته عاملا قويا في ابقاء الرابطة الدينية و أن لفت الأنظار نحوها أمس في احياء أمر المعصومين المحبوب لديهم التحدث به (أحيوا أمرنا و تذاكروا في أمرنا).
و على كل فالقارى‏ء الكريم يتجلى له اختصاص زيارة الأربعين بالمؤمنين حينما يعرف نظائرها التي نص عليها الحديث.
فإن الأول منها: و هو صلاة إحدى و خمسين ركعة التي شرعت ليلة المعراج و بشفاعة النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم اقتصر فيها على خمس فرائض في اليوم و الليلة عبارة عن سبع عشرة ركعة للصبح و الظهرين و العشاءين و النوافل الموقتة لها مع نافلة الليل أربع و ثلاثون ثمان للظهر قبلها و ثمان للعصر قبلها و أربع بعد المغرب و اثنان بعد العشاء تعدان بواحدة و اثنان قبل الصبح و إحدى عشرة ركعة نافلة الليل مع الشفع و الوتر و بإضافتها إلى الفرائض يكون المجموع إحدى و خمسين ركعة و هذا مما اختص به الإمامية فإن أهل السنة و إن وافقوهم على عدد الفرائض إلا أنهم افترقوا في النوافل ففي فتح القدير لابن همام الحنفي ج 1 ص 314 أنها ركعتان قبل الفجر و أربع قبل الظهر و اثنتان بعدها و أربع قبل العصر و إن شاء ركعتين و ركعتان بعد المغرب و أربع بعدها و إن شاء ركعتين فهذه ثلاث و عشرون ركعة و اختلفوا في نافلة الليل أنها ثمان ركعات أو ركعتان أو ثلاث عشر أو أكثر و حينئذ فالمجموع من نوافل الليل و النهار مع الفرائض لا يكون إحدى و خمسين فإذا تكون إحدى و خمسون من مختصات الإمامية.
الثاني: مما تعرض له الحديث الجهر بالبسملة فإن الإمامية تديّنوا إلى اللّه تعالى به وجوبا في الصلاة الجهرية و استحبابا في الصلاة الاخفاتية تمسكا بأحاديث أئمتهم عليهم السّلام و في ذلك يقول الفخر الرازي: ذهبت الشيعة إلى أن من السنة الجهر بالتسمية في الصلاة الجهرية و الاخفاتية و جمهور الفقهاء يخالفونهم و قد ثبت بالتواتر أن علي بن أبي طالب عليه السّلام كان يجهر بالتسمية و من اقتدى في دينه «بعلي» فقد اهتدى و التدليل عليه قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: اللهم أدر الحق مع علي حيث دار «6» و كلمة الرازي لم يهضمها أبو الثناء الآلوسي فتعقبها بقوله: لو عمل أحد بجميع ما يزعمون تواتره عن الأمير كفر فليس إلا الإيمان ببعض و الكفر ببعض و ما ذكره من أن من اقتدى في دينه (بعلي) فقد اهتدى مسلم لكن إن سلم لنا خبر ما كان عليه علي عليه السّلام و دونه مهامه فيح‏ «7».
و لا يضر الشيعة تهجم الآلوسي و غيره بعد أن رسخت اقدامهم على الولاء لسيد الأوصياء عليه السّلام الذي يقول له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: يا علي ما عرف اللّه تعالى إلا أنا و أنت و ما عرفني إلا اللّه و أنت و ما عرفك إلا اللّه و أنا «8».
إن كنت ويحك لم تسمع مناقبه‏ فاسمعه من هل أتى يا ذا الغبا و كفى‏ «9»

و خالف أهل السنة في مسألة الجهر، ففي المغني لابن قدامة ج 1 ص 478 و بدائع الصنائع للكاساني ص 204 و شرح الزرقاني على مختصر أبي الضياء في فقه مالك ج 1 ص 216 أن الجهر غير مسنون في الصلاة.
الثالث: مما تعرض له الحديث التختم باليمين و قد التزم به الإمامية تدينا بروايات أئمتهم عليهم السّلام و خالفهم جماعة من السنة قال ابن الحجاج المالكي: إن السنة أوردت كل مستقذر يتناول بالشمال و كل طاهر يتناول باليمين و لأجل هذا المعنى كان المستحب في التختم أن يكون التختم بالشمال فإنه يأخذ الخاتم بيمينه و يجعله في شماله‏ «10» و يحكي ابن حجر أن مالكا يكره التختم باليمين و إنما يكون باليسار و بالغ الباجي من المالكية بترجيح ما عليه مالك من التختم باليسار «11» و قال الشيخ إسماعيل البروسوي ذكر في عقد الدرر أن السنة في الأصل التختم في اليمين و لما كان ذلك شعار أهل البدعة و الظلمة صارت السنة أن يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا «12».
الرابع: مما ذكره الحديث «التعفير» و التعفير في اللغة وضع الشي‏ء على العفر و هو التراب و الجبين في هذا الحديث الشريف إن أريد منه الجبهة كما استظهره الشيخ يوسف البحراني في الحدائق مدعيا كثرة الاستعمال بذلك في لسان أهل البيت عليهم السّلام و قد ورد في التيمم فيكون الغرض بيان أن الجبهة في السجود لا بد أن تكون على الأرض لأن أهل السنة لم يلتزموا بوضعها على الأرض فإن أبا حنيفة و مالكا و أحمد في إحدى الروايتين عنه جوزوا السجود على كور العمامة «13» و فاضل الثوب‏ «14» و الملبوس و جوز الحنفية وضعها على الكف مع الكراهة «15» و جوزوا السجود على الحنطة و الشعير و السرير و ظهر مصل أمامه يصلي بمثل صلاته‏ «16» و إن أريد نفسه فيكون الغرض من ذكره الارشاد إلى أن الراجح في سجدة الشكر تعفير الجبين و أنه للتذليل و البعد عن الكبرياء و من هذه الجملة في الحديث استظهر صاحب المدارك رجحان تعفير الجبينين أيضا و إليه أشار السيد بحر العلوم قدس سره في المنظومة قال في سجدة الشكر:
و الخد أولى و به النص جلا و في الجبين قد أتى محتملا

و قد ورد تعفير الخدين في سجدة الشكر «17» و به استحق موسى بن عمران عليه السّلام الزلفى من المناجاة «18» و لم يخالف الإمامية في التعفير سواء أريد من الجبين الجبهة أو نفسه و أهل السنة لم يلتزموا بالتعفير في الصلاة أو سجدة الشكر مع أن النخعي و مالكا و أبا حنيفة كرهوا سجدة الشكر و إن التزم بها الحنابلة «19» و الشافعي‏ «20» عند حلول كل نعمة أو زوال نقمة.
الخلاصة في علائم المؤمن‏
لقد تجلى مما ذكرناه في هذه الأمور التي نص عليها الحديث بأنها من علائم الإيمان أن المراد من (زيارة الأربعين) فيه ارشاد الموالين لأهل البيت إلى الحضور في مشهد الغريب المظلوم سيد الشهداء عليه السّلام لاقامة العزاء و تجديد العهد بذكر ما جرى عليه من القساوة التي لم يرتكبها أي أحد يحمل شيئا من الإنسانية فضلا عن الدين و الحضور عند قبر الحسين عليه السّلام يوم الأربعين من مقتله من أظهر علائم الإيمان.
و لا ينقضي العجب ممن يتصرف في هذه الجملة بالحمل على زيارة أربعين مؤمنا مع عدم تقدم إشارة إليه و لا قرينة تساعد عليه ليصح الاتيان بالألف و اللام للعهد مع أن زيارة أربعين مؤمنا مما حث عليها الإسلام فهي من علائمه عند الشيعة و السنة و لم يخص بها المؤمنون ليمتازوا عن غيرهم، نعم زيارة الحسين عليه السّلام يوم الأربعين من قتله مما يدعو إليها الإيمان الخالص لأهل البيت عليهم السّلام و يؤكدها الشوق الحسيني و معلوم أن الذين يحضرون في الحائر الأطهر (بعد مرور أربعين) يوما من مقتل سيد شباب أهل الجنة خصوص المشايعين له السائرين على أثره.
و يشهد له عدم تباعد العلماء الاعلام عن فهم زيارة الحسين في الأربعين من صفر من هذا الحديث المبارك منهم أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في التهذيب ج 2 ص 17 باب فضل زيارة الحسين عليه السّلام فإنه بعد أن روى الأحاديث في فضل زيارته المطلقة ذكر المقيد بأوقات خاصة و منها يوم عاشوراء و بعده روى هذا الحديث و في مصباح المتهجد ص 551 طبع بمبئي ذكر شهر صفر و ما فيه من الحوادث ثم قال و في يوم العشرين منه رجوع حرم أبي عبد اللّه عليه السّلام من الشام إلى مدينة الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم و ورود جابر بن عبد اللّه الأنصاري إلى كربلاء لزيارة أبي عبد اللّه عليه السّلام فكان أول من زاره من الناس و هي زيارة الأربعين فروي عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السّلام أنه قال علامات المؤمن خمس الخ. و قال أبو الريحان البيروني في العشرين من صفر رد الرأس إلى جثته فدفن معها. و فيه زيارة الأربعين و مجي‏ء حرمه بعد انصرافهم من الشام‏ «21».
و قال العلامة الحلي في المنتهى كتاب الزيارات بعد الحج: يستحب زيارة الحسين عليه السّلام في العشرين من صفر و روى الشيخ عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السّلام أنه قال : علامات المؤمن خمس إلى آخر الحديث و في الاقبال للسيد رضي الدين علي بن طاووس عند ذكر زيارة الحسين عليه السّلام في العشرين من صفر قال: روينا بالإسناد إلى جدي أبي جعفر فيما رواه بالإسناد إلى مولانا الحسن بن علي العسكري أنه قال: علامات المؤمن خمس الخ.
و نقل المجلسي اعلى اللّه مقامه في مزار البحار هذا الحديث في باب فضل زيارة الحسين يوم الأربعين و في الحدائق للشيخ يوسف البحراني في الزيارات بعد الحج قال و زيارة الحسين في العشرين من صفر من علامات المؤمن. و حكى الشيخ عباس القمي في المفاتيح هذه الرواية عن التهذيب و مصباح المتهجد في الدليل على رجحان الزيارة في الأربعين من دون تعقيب باحتمال إرادة أربعين مؤمنا.
و استبعاد بعضهم ارادة زيارة الأربعين من جهة عدم تعرض الإمام عليه السّلام للآثار الأخروية المترتبة على الزيارة مع أن أهل البيت عليهم السّلام عند الحث على زيارة المظلوم و غيره من أئمة الهدى عليهم السّلام يذكرون ما يترتب عليها من الثواب «لا يصغى إليه» فإن الإمام في هذا الحديث إنما هو بصدد بيان علائم المؤمن التي يمتاز بها عن غيره و جعل منها زيارة الأربعين على ما اوضحنا بيانه و لم يكن بصدد بيان ما يترتب على الزيارة من الأثر.
و استحباب زيارته عليه السّلام في العشرين من صفر نص عليه الشيخ المفيد في مسار الشيعة و العلامة الحلي في التذكرة و التحرير و ملا محسن الفيض في تقويم المحسنين و تفسير الشيخ البهائي في توضيح المقاصد الأربعين بالتاسع عشر من صفر مبني على حساب يوم العاشر من الأربعين و هو خلاف المتعارف.
و افتك جندا يستثير و يزأر فقد المواكب إنها لك عسكر
لا تسلمن إلى الدنية راحة ما كان أسلمها لذل (حيدر)
و ابعث حياة الناهضين جديدة فيها الاباء مؤيد و مظفر
و ارسم لسير الفاتحين مناهجا فيها عروش الطائشين تدمر
إن لم تلبك ساعة محمومة ذمت فقد لبت نداءك أعصر


قم و انظر (البيت الحرام) و نظرة أخرى لقبرك فهو (حج أكبر)
أصبحت مفخرة الحياة و حق لو فخرت به فدم الشهادة مفخر
قدست ما أعلى مقامك رفعة أخفيه خوف الظالمين فيظهر
شكت الامارة حظها و استوحشت‏ أعوادها من عابثين تأمروا
و تنكرت للمسلمين خلافة فيها يصول على الصلاح المنكر
سوداء فاحمة الجبين ترعرعت‏ فيها القرود و لوثتها الأنمر
سكبت على نغم الاذان كؤوسها و على الصلاة تديرهن و تعصر
تلك المهازل يشتكيها مسجد ذهبت بروعته و يبكي منبر
فشكت إليك و ما شكت إلا إلى‏ بطل يغار على الصلاح و يثأر
تطوى الفضائل ما عظمن و هذه‏ أم الفضائل كل عام تنشر
جرداء ذابلة الغصون سقيتها بدم الوريد فطاب غرس مثمر
و على الكريهة تستفزك نخوة حمراء دامية و يوم أحمر
شكت الشريعة من حدود بدلت‏ فيها و احكام هناك تغير
سلبت محاسنها (أمية) فاغتدت‏ صورا كما شاء الضلال تصور
عصفت بها الأهواء فهي أسيرة تشكو و هل غير (الحسين) محرر؟
وافى بفتيته الصباح فساقهم‏ للدين قربان الإله فجزروا
أدى الرسالة ما استطاع و إنما تبليغها بدم يطل و يهدر
فبذمة الاصلاح جبهة ماجد تدمى و وضاح الجبين يعفر
لبيك منفردا أحيط بعالم تحصي‏ الحصى عددا و ما إن يحصر
لبيك ظام حلأوه عن الروى‏ و براحتيه من المكارم أبحر
هذي دموع المخلصين فروّ من‏ عبراتها كبدا تكاد تفطر
و اعطف على هذاي القلوب فإنها ودت لو انك في الأضالع تقبر
يتزاحمون على استلام (مشاعر) من دون روعتها الصفا و المشعر
ركبوا لها الأخطار حتى لو غدت‏ تبرى الأكف أو الجماجم تنثر
وافوك (يوم الأربعين) و ليتهم‏ حضروك يوم الطف إذ تستنصر
وجدوا سبيلكم النجاة و إنما نصبوا لها جسر الولاء ليعبروا


و تأملوك لساعة مرهوبة إما الحميم بها و إما الكوثر
و سيعلم الخصمان إن وافوك من‏ يرد المعين و من يذاد و يصدر «22»

______________
(1) مجموعة الشيخ ورام ج 2 ص 276 و البحار ج 2 ص 679 باب شهادة عليّ عن مناقب ابن شهر اشوب.
(2) مستدرك الوسائل للنوري ص 215 باب 94.
(3) نهر الذهب في تاريخ حلب ج 1 ص 63: 267.
(4) كامل الزيارات ص 90 باب 28.
(5) رواه الشيخ الطوسي في التهذيب ج 3 ص 17 في باب فضل زيارة الحسين عليه السّلام عن أبي محمد العسكري عليه السّلام و رواه في مصباح المتهجد ص 551 طبع الهند.
(6) مفاتيح الغيب ج 1 ص 107.
(7) روح المعاني ج 1 ص 47.
(8) المحتضر ص 165.
(9) في شذرات الذهب لابن العماد ج 4 ص 140 كان بعض الحنابلة ينشدهما على المنبر ببغداد.
(10) المدخل 1 ص 46 آداب الدخول في المسجد.
(11) الفتاوى الفقهية الكبرى ج 1 ص 264 في اللباس.
(12) حكاه الحجة الأميني في الغدير ج 10 ص 211 عن تفسير روح البيان ج 4 ص 142.
و ليس هذا بأول مخالفة للإمامية ففي المهذب لأبي إسحاق الشيرازي ج 1 ص 137 و الوجيز للغزالي ج 1 ص 47 و المنهاج للنووي ص 25 و شرحه تحفة المحتاج لابن حجر ج 1 ص 560 و عمدة القاري للعيني شرح البخاري ج 4 ص 248 و الفروع لابن مفلح ج 1 ص 681 و المغني لابن قدامة ج 2 ص 505 التسطيح أشبه بشعار أهل البدع و في رحمة الأمة باختلاف الأئمة على هامش الميزان للشعراني ج 1 ص 88 أن السنة تسطيح القبور و لما صار شعار الرافضة كان الأولى مخالفتهم بالتسنيم «و من ذلك» الصلاة على أهل البيت مستقلا ففي الكشاف للزمخشري في الأحزاب 56 إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ‏ أنه مكروه لأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض و قد قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: لا تقفن مواقف التهم «و من ذلك» ما في فتح الباري لابن حجر ج 11 ص 135 كتاب الدعوات باب هل يصلى على غير النبي قال: اختلف في السلام على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي فقيل يشرع مطلقا و قيل تبعا و لا يفرد لواحد لكونه صار شعارا للرافضة اه «و من ذلك» ما في شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج 5 ص 13 كان بعض أهل العلم يرخي العذبة من قدام من الجانب الأيسر و لم أر ما يدل على تعيين الأيمن إلا في حديث ضعيف عند الطبراني و لما صار شعارا للإمامية ينبغي تجنبه لترك التشبه بهم اه.
(13) الميزان للشعراني ج 1 ص 138.
(14) الهداية لشيخ الإسلام المرغيناني ج 1 ص 33.
(15) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 189.
(16) البحر الرائق لابن نجيم ج 1 ص 319.
(17) الكافي على هامش مرآة العقول ج 3 ص 129 و الفقيه للصدوق ص 69 و التهذيب للشيخ الطوسي ج 1 ص 266 في التعقيب.
(18) الفقيه للصدوق ص 69 في التعقيب.
(19) المغني لابن قدامة ج 1 ص 626 و الفروع لابن مفلح ج 1 ص 382.
(20) كتاب الأم ج 1 ص 116 و الوجيز للغزالي ج 1 ص 2.
(21) الآثار الباقية ص 331.
(22) للعلامة الشيخ عبد المهدي مطر النجفي.