دعى الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبدالله السلولى، وعبدالله وعبدالرحمن ابنا شداد الارحبى، وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللطف، فان رأى الناس مجتمعين مستوثقين عجل اليه بذلك، فأقبل مسلم رحمه الله حتى أتى المدينة فصلي في مسجد رسول الله (صلى الله عليه واله) وودع من أحب من أهله واستأجر دليلين من قيس، فاقبلا به ينكبان الطريق فضلا وأصابهما عطش شديد، فعجزا عن السير فأو ماله الي سنن الطريق بعد أن لاح لهما ذلك، فسلك مسلم ذلك السنن ومات الدليلان عطشا. فكتب مسلم بن عقيل رحمة الله عليه من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر: اما بعد فأنى اقبلت من المدينة مع دليلين، فجازا عن الطريق فضلا واشتد عليهما العطش فلم يلبثا أن ماتا وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء، فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت، وقد تطيرت من توجهي هذا، فان رأيت أعفيتني منه وبعثت غيرى ! والسلام.
فكتب اليه الحسين (عليه السلام): اما بعد فقد خشيت أن لا يكون حملك علي الكتاب إلى في الاستعفاء من الوجه الذى وجهتك له إلا الجبن فامض لوجهك الذى وجهتك فيه والسلام، فلما قرأ مسلم الكتاب قال: اما هذا فلست أتخوفه على نفسى، فأقبل حتى مر بماء لطي فنزل ثم ارتحل عنه، فاذا رجل يرمى الصيد فنظر اليه قدرمى ظبيا حين أشرف له فصرعه، فقال مسلم بن عقيل: نقتل عدونا أنشاء الله تعالى، ثم أقبل حتى دخل الكوفة، فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة وهى التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيب وأقبلت الشيعة تختلف اليه، فما اجتمع اليه منهم جماعة قرء عليهم كتاب الحسين (عليه السلام) وهم يبكون، وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا فكتب مسلم إلى الحسين (عليه السلام) يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا ويأمره بالقدوم، وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل (ره) حتى علم بمكانه، فبلغ النعمان بن بشير ذلك وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اما بعد فاتقوا الله عباد الله، ولا تسارعوا إلى الفتنه والفرقة، فان فيها تهلك الرجال وتسفك الدماء، وتغصب الاموال، انى لا اقاتل من لايقا تلنى ولاآتى على من لم يأت علي ولا انبه نائمكم ولا اتحرش بكم ولا آخذ بالقرف ولا لظنة ولا التهمة و لكنكم ان أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم امامكم فوالله الذي لا أله غيره لا ضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدى ولو لم يكن لى منكم ناصر، اما اني ارجو أن كون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل، فقام اليه عبدالله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بنى امية فقال له: انه لا يصلح ما ترى أيها الامير إلا الغشم، وان هذا الذى أنت عليه فيما بينك وبين عدوك رأى المستضعفين فقال له النعمان: لئن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلى من أن أكون من الاعزين في معصية الله ثم نزل. وخرج عبدالله بن مسلم وكتب الي يزيد بن معاوية كتابا: اما بعد فان مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة وبايعته الشيعة للحسين بن علي بن ابي طالب (عليه السلام)، فان يكن لك في الكوفة حاجة فابعث اليها رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك، فان النعمان بن بشير رجل ضعيف أوهو يتضعف ثم كتب اليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه، ثم كتب اليه عمر بن سعد بن ابى وقاص مثل ذلك، فلما وصلت الكتب إلى يزيد داعى سر جون مولى معاوية فقال: ما رأيك؟ ان حسينا قد نفذ إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له، وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيئ، فمن ترى ان استعمل على الكوفة؟ وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد، فقال له سرجون: أرأيت لو يشير لك معاوية حيا ما كنت آخذا برأيه؟ قال: بلى، قال: فأخرج سرجون عهد عبيد الله بن زياد على الكوفة وقال هذا رأى معاوية، مات وقد أمر بهذا الكتاب فضم المصرين إلى عبيد الله فقال له يزيد: أفعل، ابعث بعهد عبيد الله بن زياد إليه، ثم دعى مسلم بن عمرو الباهلي وكتب إلى عبيد الله معه: أما بعد فانه كتب إلى شيعتي من أهل الكوفة يخبر وننى ان ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين فسرحين تقرأ كتابي هذا حتى تأتى الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخزرة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام، وسلم اليه عهده على الكوفة فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله بالبصرة، وأوصل إليه العهد والكتاب فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته والمسير والتهيؤ إلى الكوفة من الغد، ثم خرج من البصرة فاستخلف اخاه عثمان وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمر والباهلي وشريك بن الاعور الحارثي، وحشمه وأهل بيته حتى دخل الكوفة، وعليه عمامة سوداء وهو متلثم والناس قد بلغهم اقبال الحسين (عليه السلام)، فهم ينتظرون قدومه، فظنوا حين رأوا عبيد الله انه الحسين (عليه السلام)، فاخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا: مرحبا بك يا بن رسول الله قدمت خير مقدم، فرأى من تباشرهم بالحسين (عليه السلام) ماسائه فقال مسلم بن عمرو لما اكثروا: تأخروا هذا الاميرعبيد الله بن زياد.
وسار حتى وافي القصر بالليل ومعه جماعة قد إلتفوا به لا يشكون انه الحسين (عليه السلام)، فاغلق النعمان بن بشير عليه وعلى خاصته فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب، فاطلع عليه النعمان وهو يظنه الحسين (عليه السلام) فقال انشدك الله إلا تنحيت، والله ماأنا بمسلم إليك أمانتى ومالى في قتالك من أرب فجعل لا يكلمه، ثم انه دنى وتدلى النعمان من شرف القصر فجعل يكلمه فقال: افتح لا فتحت فقد طال ليلك وسمعها انسان خلفه، فنكص إلى القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة على انه الحسين (عليه السلام) فقال: يا قوم ابن مرجانة والذي لاإله غيره، ففتح له النعمان فدخل وضربوا الباب في وجوه الناس وانفضوا. فاصبح فنادى في الناس الصلوة جامعة، فاجتمع الناس فخرج اليهم فحمدالله واثنى عليه ثم قال: أما بعد فان امير المؤمنين يزيد ولانى مصركم وثغركم وفيئكم وامرنى بانصاف مظلومكم واعطاء محرومكم والاحسان إلى سامعكم ومطيعكم، كالوالد البر وسوطى وسيفى على من ترك أمرى وخالف عهدى، فليتق امرؤ على نفسه " الصدق ينبى عنك لا الوعيد " ثم نزل واخذ العرفآء والناس أخذا شديدا، فقال: اكتبو إلى العرفاء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين، ومن فيكم من أهل الحرورية واهل الريب الذين شأنهم الخلاف والنفاق والشقاق، فمن يجئ لنابهم فبرئ ومن لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف، ولا يبغى علينا منهم باغ، فمن لم يفعل برئت منه الذمة، وحلال لنادمه وماله، وايما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه الينا صلب على باب داره، وألغيت تلك العرافة من العطاء. ولما سمع مسلم بن عقيل مجيء عبيد الله إلى الكوفة ومقالته التي قالها وما اخذ به العرفاء والناس، خرج من دار المختار حتى انتهى إلى دار هانئ بن عروة فدخلها، فأخدت الشيعة تخلف إليه في دار هانئ على تستر واستخفاء من عبيد ألله، وتواصوا بالكتمان فدعى ابن زياد مولى له يقال له معقل، فقال له: خذ ثلاثة آلاف درهم واطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه، فاذا ظفرت بواحد منهم أوجماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم، وقل لهم: استعينوا بها على حرب عدوكم وأعلمهم انك منهم، فانك لوأعطيتهم اياها لقد اطمأنوا اليك ووثقوا، ولم يكتموك شيئا من أخبارهم، ثم اغد عليهم ورح حتى تعرف مستقر مسلم بن عقيل وتدخل عليه، ففعل ذلك وجاء حتى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الاعظم، وهو يصلى فسمع قوما يقولون: هذا يبايع للحسين (عليه السلام)، فجاء وجلس إلى جنبه حتى فرغ من صلاته، ثم قال: يا عبدالله انى امرء من أهل الشام أنعم الله على بحب أهل البيت وحب من أحبهم وتباكى، وقال: معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم، بلغني انه قدم الكوفة رجل يبايع لابن بنت رسول الله (صلى الله عليه واله)، فكنت أريد لقائه فلم أجد أحدا يدلني عليه، ولا أعرف مكانه فاني لجالس في المسجد الآن اذ سمعت نفرا من المؤمنين يقولون: هذا رجل له علم بأهل هذا البيت، وانى أتيتك لتقبض منى هذا المال وتدخلنى على صاحبك فاني أخ من اخوانك وثقة عليك، وان شئت أخذت بيعتى له قبل لقائه، فقال له ابن عوسجة أحمد الله على لقائك إياي فقد سرني ذلك، لتنال الذى تحب ولينصر الله بك أهل بيت نبيه عليه وعليهم السلام، ولقد سائنى معرفة الناس إياي بهذا الامر قبل أن يتم مخافة هذه الطاغية وسطوته، قال له معقل: لا يكون إلا خيرا خذ البيعة على فأخذ بيعته واخذ عليه المواثيق المغلظة لينا صحن وليكتمن، فأعطاه من ذلك ما رضى به، ثم قال: اختلف الي اياما في منزلى فاني طالب لك الاذن على صاحبك، واخذ يختلف مع الناس فطلب له الاذن، فأذن له فأخذ مسلم بن عقيل بيعته وأمر أبا ثمامة الصائدى بقبض المال منه وهو الذي كان يقبض أموالهم وما يعين به بعضهم بعضا، و يشترى لهم السلاح وكان بصيرا وفارسا من فرسان العرب ووجوه الشيعة، وأقبل ذلك الرجل يختلف اليهم فهواول داخل وآخر خارج، حتى فهم ما احتاج اليه ابن زياد من أمرهم فكان يخبره به وقتا فوقتا. وخاف هانئ بن عروة عبيد الله على نفسه فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض، فقال ابن زياد لجلسائه :
مالي لاارى هانئاً؟فقالوا:هو شاك فقال:لوعلمت بمرضه لعدته, ودعا محمد محمد بن الاشعث واسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي وكانت رويحة بنت عمرو تحت هانئ وهي ام يحيى بن هانيء فقال لهم :ما يمنع هانيء بن عروة من اتياننا ؟فقالوا: ماندري وقد قيل انه يشتكي قال: قد بلغني انه قد برئ وهو يجلس على باب داره فالقوه ومروه الا يدع ما عليه من حقنا فاني لا احب ان يفسد عندي مثله من اشراف العرب.
فاتوه حتى وقفوا عليه عشية وهو جالس على بابه فقالوا ما يمنعك عن لقاء الامير ؟فانه قد ذكرك وقال :لو اعلم انه شاك لعدته فقال لهم :الشكوة تمنعني فقالوا له: قد بلغه انك تجلس كل عشيه على باب دارك وقد استبطأك والابطاء والجفاء لا يحتمله السلطان ,اقسمنا عليك لما ركبت معنا ,فدعا بثيابه فلبسها ثم دعا ببغلته فركبها حتى اذا دنا من القصر كان نفسه احست ببعض الذي كان فقال لحسان بن اسماء بن خارجة :يأبن اخي اني والله لهذا الرجل لخائف فما ترى ؟قال :اي عم !والله ما تخوف عليك شيئاً ولم تجعل على نفسك سبيلا ولم يكن حسان يعلم في اي شيء بعث اليه عبيد الله.
فجاء هاني حتى دخل على ابن زياد ومعه القوم فلما طلع قال ابن زياد: اتتك بحائن رجلاه، فلما دنى من ابن زياد وعنده -شريح القاضي- التفت نحوه فقال:
اريد حبائه ويريد قتلى * عذيرك من خليلك من مراد
وقد كان اول ما قدم مكرما له ملطفا فقال له هانئ: وما ذاك ايها الامير؟ قال: ايه يا هانئ بن عروة ما هذه الامور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين وعامة المسلمين؟ جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك، وظننت ان ذلك يخفى على؟ فقال: ما فعلت ذلك وما مسلم عندى، قال: بلى قد فعلت، فلما كثر ذلك بينهما وأبي هانئ إلا مجاحدته ومناكرته، دعى ابن زياد معقلا ذلك العين فجاء حتى وقف بين يديه فقال له: أتعرف هذا؟ قال: نعم وعلم هاني عند ذلك انه كان عينا عليهم، وانه قد أتاه بأخبارهم، فاسقط في يده ساعة ثم راجعه نفسه، فقال اسمع منى وصدق مقالتي فوالله لا كذبت، والله ما دعوته إلى منزلى ولا علمت بشيء من أمره حتى جاءني يسئني النزول فاستحييت من رده ودخلني من ذلك ذمام فضيفته وآويته، وقد كان من أمره ما بلغك، فان شئت ان أعطيك الآن موثقا مغلظا ألا أبغيك سوء ولاغائلة ولآتينك حتى أضع يدى في يدك، وان شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتى آتيك وانطلق اليه فآمره أن يخرج من دارى إلى حيث شاء من الارض فاخرج من ذمامه وجواره؟ فقال له ابن زياد: والله لا تفارقنني أبدا حتى تأتينني به قال: لا والله لا أجيئك به أبدا، أجيئك بضيفي تقتله؟ قال: والله لتأتيني به قال: لا والله لا آتيك به فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي وليس بالكوفة شامي ولا بصرى غيره، فقال: أصلح الله الامير خلني واياه حتى اكلمه، فقام فخلا به ناحية من ابن زياد وهما منه بحيث يراهما، فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان فقال له مسلم: يا هاني انشدك الله أن تقتل نفسك وأن تدخل البلاء في عشيرتك ! فو الله اني لأنفس بك عن القتل ان هذا الرجل ابن عم القوم، وليسوا قاتليه ولا ضائريه، فارفعه اليهم فانه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصته، انما تدفعه إلى السلطان؟ فقال هاني: والله ان علي في ذلك الخزي والعاران أدفع جارى وضيفي وأنحى صحيح أسمع وأرى شديد الساعد كثير الاعوان، والله لولم أكن إلا واحدا ليس لي ناصرلم أدفعه حتى أموت دونه، فأخذ يناشده وهو يقول: والله لا أدفعه اليه أبدا، فسمع ابن زياد ذلك فقال: ادنوه منى فأدنوه منه، فقال والله لتأتيني به اولاضرين عنقك؟ فقال هاني: اذا والله لتكثر البارقة حول دارك، فقال ابن زياد: والهفاه عليك!أبالبارقة تخوفني - وهو يظن أن عشيرته سيمنعونه -؟ ثم قال أدنوه مني فادني منه، فاعترض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخده حتى كسر أنفه وسال الدماء على وجهه ولحيته ونثر لحم جبينه وخده على لحيته حتى كسر القضيب، وضرب هاني يده إلى قائم سيف شرطي وجاذبه الرجل ومنعه، فقال عبيدالله: أحرورى ساير اليوم قد حل لنا دمك، جروه فجروه فالقوه في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه، فقال: اجعلوا عليه حرسا، ففعل ذلك به، فقام اليه حسان بن اسماء، فقال: ارسل غدر سائر اليوم ,امرتنا ان نجيئك بالرجل حتى اذا جئناك به هشمت أنفه ووجهه وسيلت دمائه على لحيته وزعمت انك تقتله. فقال له عبيدالله: وانك لها هنا ! فأمر به فلهز وتعتع واجلس ناحية.
فقال محمد بن الاشعث: قد رضينا بما رأى الامير لنا كان أم علينا، انما الامير مؤدب.
وبلغ عمرو بن الحجاج ان هانئاً قد قتل فأقبل في مذحج حتى حاط بالقصر ومعه جمع عظيم ثم نادى: انا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم نخلع طاعة ولم نفارق جماعة، وقد بلغهم ان صاحبهم قتل، فاعظموا ذلك، فقيل لعبيد الله بن زياد: هذه مذحج بالباب؟ فقال لشريح القاضي: ادخل على صاحبهم فانظر إليه ثم اخرج وأعلمهم انه حي لم يقتل، فدخل شريح فنظر اليه فقال هاني لما رأى شريحا: يالله يا للمسلمين أهلكت عشيرتي اين أهل الدين أين أهل المصر؟ والدماء تسيل على لحيته، اذسمع الرجة على باب القصر فقال: انى لأظنها أصوات مذحج و شيعتي من المسلمين، انه ان دخل علي عشرة نفر أنقذوني، فلما سمع كلامه شريح خرج اليهم فقال لهم: ان الامير لما بلغه مكانكم ومقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول إليه فأتيته فنظرت إليه، فأمرني ان ألقاكم وأعرفكم انه حي، وان الذي بلغكم من قتله باطل، فقال له عمرو بن الحجاج واصحابه: اما اذا لم يقتل فالحمدلله ثم انصرفوا.
وخرج عبيد الله بن زياد فصعد المنبر ومعه اشراف الناس وشرطه وحشمه فقال:
اما بعد ايها الناس فاعتصموا بطاعة الله وطاعة ائمتكم ولا تفرقوا فتهلكوا وتذلوا وتقتلوا وتجفوا و تحرموا أن اخاك من صدقك وقد أعذر من أنذر ثم ذهب لينزل فمانزل عن المنبر حتى دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين يشتدون ويقولون: قدجاء مسلم بن عقيل، فدخل عبيدالله القصر مسرعا وأغلق أبوا به فقال عبدالله بن حازم: انا والله رسول ابن عقيل إلى القصر لأنظر ما فعل هاني، فلما ضرب وحبس ركبت فرسى فكنت أول الداخلين الدار على مسلم بن عقيل بالخبر، فأذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين: يا عبرتاه! ياثكلاه! فدخلت على مسلم فأخبرته الخبر فأمرنى ان انادى في أصحابه وقد ملاء بهم الدور حوله، فكانوا فيها أربعة آلاف رجل فقال لمناديه: ناد يا منصور امت، فناديت يا منصور امت، فتنادى أهل الكوفة فاجتمعوا عليه فعقد مسلم رحمه الله لرؤس الارباع على القبائل كندة ومذحج وتميم واسد ومضر وهمدان وتداعى الناس واجتمعوا فما لبثنا إلا قليلا حتى امتلاء المسجد من الناس والسوق، وما زالوا يتوثبون حتى المساء، فضاق بعبيدالله امره وكان أكثر عمله أن يمسك باب القصر وليس معه في القصر الا ثلاثون رجلا من الشرط وعشرون رجلا من أشراف الناس وأهل بيته وخاصته، وأقبل من نأى عنه من اشراف الناس تأتونه من قبل الباب الذي يلى دار الروميين، وجعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم وهم يرمونهم بالحجارة ويشتمونهم ويفترون على عبيد الله وعلى أبيه، فدعى ابن زياد كثير بن شهاب وأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج فيسير في الكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم الحرب، ويحذرهم عقوبة السلطان، وأمر محمد بن الاشعث ان يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية أمان لمن جائه من الناس، وقال مثل ذلك للقعقاع الذهلي وشبث بن ربعى التميمي، وحجار بن أبجر العجلى، وشمر بن ذي الجوشن العامري، وحبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشاً إليهم لقلة عدد من معه من الناس، فخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن مسلم، وخرج محمد بن الاشعث حتى وقف عند دور بنى عمارة، وبعث ابن عقيل إلى محمد بن الاشعث من المسجد عبدالرحمن بن شريح الشبامى، فلما رأى ابن الاشعث كثرة من اتاه تأخر عن مكانه. وجعل محمد بن الاشعث وكثير بن شهاب والقعقاع بن شور الذهلي وشبث بن ربعى يردون الناس عن اللحوق بمسلم ويخوفونهم السلطان، حتى اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم وغيرهم فصاروا إلى ابن زياد من قبل دار الروميين ودخل القوم معهم فقال له كثير بن شهاب: أصلح الله الامير معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس ومن شرطك واهل بيتك وموالينا فاخرج بنا النيهم، فأبى عبيدالله وعقد لشبث بن ربعى لواء فأخرجه وأقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتى المساء وأمرهم شديد، فبعث عبيدالله إلى الاشراف فجمعهم، ثم اشرفوا على الناس فمنوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة وخوفوا اهل المعصية الحرمان والعقوبة، وأعلموهم وصول الجند من الشام اليهم، وتكلم كثير بن شهاب حتى كادت الشمس أن تجب فقال: ايها الناس ألحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشر، ولا تعرضوا أنفسكم للقتل، فان هذه جنود امير المؤمنين يزيد قد اقبلت وقد اعطى الله الامير عهدا لئن تممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم ليحرمن ذريتكم العطاء، ويفرق مقاتليكم في مغاربي الشام، وأن يأخذ البريء منكم بالسقيم، والشاهد بالغائب حتى لا يبقى له بقية من أهل المعصية إلا اذاقها وبال ما جنت أيديها، وتكلم الاشراف بنحو من ذلك، فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون، وكانت المرأة تأتى ابنها وأخاها فتقول: أنصرف، الناس يكفونك ويجئ الرجل إلى ابنه واخيه فيقول: غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر؟ انصرف فيذهب به فينصرف فما زالوا يتفرقون حتى امسى ابن عقيل وصلى المغرب وما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد، فلما رأى انه قد أمسى وما معه إلا اولئك النفر خرج من المسجد متوجها نحو أبواب كندة، فما بلغ الابواب إلا ومعه منهم عشرة، ثم خرج من الباب فاذا ليس معه انسان يدله فالتفت فاذا هولا يحس أحدا يدله على الطريق ولا يدله على منزله ولا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو فمضى على وجهه متلددا في ازقة الكوفة لا يدرى أين يذهب، حتى خرج إلى دور بنى جبلة من كندة، فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها طوعة ام ولد، كانت للأشعث بن قيس، فاعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا، وكان بلال قد خرج مع الناس وامه قائمة تنتظره ,فسلم عليها ابن عقيل فردت (عليه السلام).
فقال لها: يا امة الله اسقينى ماء فسقته وجلس وادخلت الاناء ثم خرجت، فقالت: يا عبدالله ألم تشرب؟ قال: بلى، قالت: فاذهب إلى أهلك فسكت ثم أعادت عليه مثل ذلك، فسكت، ثم قالت له في الثالثة: سبحان الله يا عبدالله قم عافاك الله إلى أهلك فانه لا يصلح لك الجلوس على بابي، ولا أحله لك.
فقام وقال: يا امة الله مالي في هذا المصر منزل ولا عشيرة، فهل لك في أجر ومعروف ولعلى مكافئك بعد اليوم؟ قالت: يا عبدالله وما ذاك؟ قال: انا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغروني وأخرجوني، قالت: أنت مسلم؟ قال: نعم، قالت: ادخل فدخل بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه، وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعش.
ولم يكن بأسرع من ان جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه فقال لها: والله انه لتريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة وخروجك منه، ان لك لشأناً؟.
قالت: يا بنى اله عن هذا، قال: والله لتخبريني، قالت: اقبل على شأنك ولا تسئلنى عن شيء، فألح عليها فقالت: يا بنى لا تخبرن أحدا من الناس بشيء مما أخبرك به؟ قال: نعم فأخذت عليه الايمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت. ولما تفرق الناس عن مسلم بن عقيل طال على ابن زياد وجعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع قبل ذلك، قال لأصحابه: اشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا؟ فاشرفوا فلم يروا أحدا قال: فأنظروا لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم فنزعوا تخاتج المسجد وجعلوا يحفضون بشعل النار في ايديهم وينظرون فكانت أحيانا تضئ لهم وأحيانا لاتضئ كما يريدون، فدلوا القناديل واطناب القصب تشد بالحبال فيها النيران ثم تدلى حتى ينتهى إلى الارض، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها حتى فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر، فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد بتفرق القوم، ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر وخرج أصحابه معه، فأمرهم فجلسوا قبيل العتمة، وأمر عمرو بن نافع فنادى: الا برئت الذمة من رجل من الشرط والعرفاء والمناكب او المقاتلة صلى العتمة إلا في المسجد، فلم يكن إلا ساعة حتى امتلاء المسجد من الناس، ثم امر مناديه فأقام الصلوة واقام الحرس خلفه وأمرهم بحراسته من أن يدخل عليه أحد فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه: قم فاءتني به الساعة، فقام وبعث معه قومه لأنه قد علم ان كل قوم يكرهون ان يصاب فيهم مسلم بن عقيل، وبعث معه عبيد الله بن عباس السلمى في سبعين رجلا من قيس، حتى أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل، فلما سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم انه قد اتى فخرج إليهم بسيفه، واقتحموا عليه الدار فشد عليهم، فضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار، ثم عادوا اليه فشد عليهم كذلك فاختلف هو وبكربن حمران الاحمرى فضرب بكرفم مسلم فقطع شفته العليا، واسرع السيف في السفلى، وفصلت له ثنيتاه وضرب مسلم في رأسه ضربة منكرة وثناه باخرى على حبل عاتقه كادت تطلع على جوفه، فلما رأوا ذلك اشرفوا عليه من فوق البيت، فأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النارفي أطنان القصب، ثم يلقونها عليه من فوق البيت فلماراى ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة فقال له محمد بن الاشعث: لك الامان لا تقتل نفسك وهو يقائلهم ويقول:
اقسمت لا اقتل إلا حرا * إني رأيت الموت شيئا نكرا
ويجعل البارد سخنا مرا * رد شعاع الشمس فاستقرا
كل امرئ يوما ملاق شرا * أخاف ان اكذب او اغرا
فقال له محمد بن الاشعث: انك لا تكذب ولاتغر فلا تجزع ان القوم بنوعمك وليسوا بقاتليك ولا ضائريك، وكان قد أثخن بالحجارة وعجز عن القتال، فانبهر وأسند ظهره إلى جنب تلك الدار فأعاد ابن الاشعث عليه القول: لك الامان، فقال: ء آمن أنا؟ قال: نعم، فقال للقوم الذين معه: ألي الامان؟ قال القوم له: نعم إلا عبيد الله بن العباس السلمى فانه قال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل وتنحى، فقال مسلم: اما لولم تؤمنوني ما وضعت يدى في أيديكم، واتى ببغلة فحمل عليها فاجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه، فكأنه عند ذلك آيس من نفسه ودمعت عيناه، ثم قال: هذا اول الغدر قال له محمد بن الاشعث: أرجو ان لا يكون عليك بأس، فقال: وما هو إلا الرجاء اين امانكم؟ إنا لله وإنا إليه راجعون، وبكى فقال له عبيدالله بن العباس السلمى: ان من يطلب مثل الذى تطلب اذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك؟
قال: انى والله ما لنفسي بكيت ولا لها من القتل أرثى وأن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا، ولكن أبكى لأهلي المقبلين إلى، أبكى للحسين وآل الحسين عليه وعليهم السلام، ثم أقبل على محمد بن الاشعث فقال: يا عبدالله انى أراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خير؟ تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني أن يبلغ حسينا، فأنى لا اراه إلا قد خرج اليكم مقبلا او هو خارج غدا وأهل بيته ويقول: ان ابن عقيل بعثنني اليك وهو أسير في أيدى القوم لا يرى انه يمسى حتى يقتل وهو يقول: ارجع فداك أبى وأمي بأهل بيتك ولا يغرك أهل الكوفة فانهم أصحاب أبيك الذى كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل، ان اهل الكوفة قد كذبوك وليس لكذوب رأى، فقال له ابن اشعث: والله لا فعلن ولاعلمن ابن زياد انى قد آمنتك، وأقبل ابن الاشعث بابن عقيل (عليه السلام) إلى باب القصر فاستأذن، فأذن له، فدخل على ابن زياد فأخبره خبر ابن عقيل، وضرب بكر اياه وما كان من امانه له فقال له عبيد الله: وما أنت والامان؟ كأنا ارسلناك لتؤمنه انما أرسلناك لتأتينا به، فسكت ابن الاشعث وانتهى بابن عقيل إلى باب القصر وقد اشتد به العطش وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الاذن، فيهم عمارة بن عقبة بن ابى معيط، وعمرو بن حريث، ومسلم بن عمرو، وكثير بن شهاب، واذا قلة باردة موضوعة على الباب، فقال مسلم: أسقوني من هذا الماء، فقال مسلم بن عمرو: أتراها ما أبردها والله لا تذوق منها قطرة أبدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم، فقال له ابن عقيل: ويلك من أنت؟ قال: انا من عرف الحق اذا نكرته، ونصح لإمامه اذ غششته، وأطاعه اذ خالفته، أنا مسلم بن عمرو الباهلي، فقال له ابن عقيل: لأمك الثكل ما أجفاك وأفظك وأقسى قلبك، أنت يأبن باهلة اولى بالحميم والخلود في نار جهنم منى ثم جلس فتساند إلى حائط وبعث عمرو بن حريث غلاما له فجائه بقلة عليها منديل وقدح فصب فيه ماء وقال له: اشرب فاخذ كلما شرب امتلاء القدح دما من فيه، فلا يقدر أن يشرب ففعل ذلك مرة أو مرتين، فلما ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثنيتاه في القدح، فقال: الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته، وخرج رسول ابن زياد فأمر بإدخاله اليه، فلما دخل لم يسلم عليه بالأمرة، فقال له الحرسي: ألا تسلم على الامير؟ فقال: ان كان يريد قتلى فما سلامى عليه، وان كان لا يريد قتلى ليكثرن سلامى عليه، فقال له ابن زياد: لعمرى لتقتلن؟ قال: كذلك؟ قال: نعم، قال: فدعني أوصى إلى بعض قومى ! قال: افعل فنظر مسلم إلى جلساء عبيد الله وفيهم عمربن سعدبن ابى وقاص، فقال: يا عمر إن بينى و بينك قرابة ولى اليك حاجة، وقد يجب لى عليك نجح حاجتى وهى سر فامتنع عمر أن يسمع منه فقال له عبيدالله: لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك؟ فقال معه فجلس حيث ينظر اليهما ابن زياد فقال له: ان على بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم، فبع سيفى ودرعى فاقضها عنى، فاذا قتلت فاستوهب جثتى من ابن زياد فوارها وابعث إلى الحسين (عليه السلام) من يرده، فأنى قد كتبت اليه أعلمه ان الناس معه ولا أراه إلا مقبلا، فقال عمر لابن زياد: أتدرى ايها الامير ما قال لي؟ انه ذكر كذا وكذا، فقال له ابن زياد: انه لا يخونك الامين، ولكن قد يؤتمن الخائن اما ماله فهو لك ولسنا نمنعك أن تصنع به ما أحببت، واما جثته فانا لا نبالى اذا قتلناه ما صنع بها واما حسين فان هو لم يردنا لم نرده.
ثم قال ابن زياد: ايها يا بن عقيل أتيت الناس وهم جميع فشتت بينهم، وفرقت كلمتهم وحملت بعضهم على بعض؟ قال: كلا لست لذلك أتيت ولكن أهل المصر زعموا ان أباك قتل خيار هم وسفك دمائهم وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر، فأتينا هم لنأمر بالعدل وندعوا إلى حكم الكتاب فقال له ابن زياد: وما أنت وذاك يا فاسق لم تعمل فيهم بذاك اذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟ قال: أنا أشرب الخمر ! أما والله ان الله يعلم انك غير صادق، وانك قد قلت بغير علم، وانى لست كما ذكرت، وانك أحق بشرب الخمر منى، واولى بها من يلغ في دماء المسلمين ولغا فيقتل النفس التي حرم الله قتلها، ويسفك الدم الحرام على الغصب والعداوة وسوء الظن، وهو يلهو ويلعب كان لم يصنع شيئا فقال له ابن زياد: يا فاسق ان نفسك تمنيك ما حال الله دونه ولم يرك الله له أهلا فقال مسلم: فمن أهله اذا لم نكن نحن أهله؟ فقال ابن زياد: أمير المؤمنين يزيد فقال مسلم: الحمد لله على كل حال، رضينا بالله حكما بيننا وبينكم فقال له ابن زياد: قتلني الله ان لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الاسلام من الناس، فقال له: اما انك أحق من أحدث في الاسلام مالم يكن، وانك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة ولؤم الغلبة لاحد، فاقبل ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعليا (عليهما السلام) وعقيلا وأخذ مسلم لايكلمه.
ثم قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده، فقال مسلم: والله لو كان بينى وبينك قرابة ما قتلتنى، فقال ابن زياد: اين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف
فدعى بكر بن حمران الاحمرى فقال له: اصعد فلتكن أنت الذي تضرب عنقه، فصعد به وهو يكبر ويستغفر الله ويصلى على رسوله ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا، و اشرفوا على موضع الحذائين اليوم، فضربت عنقه واتبع جسده رأسه.
وقام محمد بن الاشعث إلى عبيدالله بن زياد فكلمه في هاني بن عروة فقال: انك قد عرفت منزلة هاني في المصر وبينه في العشيرة، وقد علم قومه انى أنا وصاحبي سقناه اليك، فأنشدك الله لما وهبته لي، فأنى أكره عداوة المصر وأهله لي، فوعده أن يفعل، ثم بداله، فأمر بهاني في الحال فقال: اخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه، فاخرج هاني حتى انتهى به مكانا من السوق كان يباع فيه الغنم، وهو مكتوف فجعل يقول: وا مذحجاه ولا مذحج لى اليوم، وا مذحجاه وا مذحجاه ! واين مذحج ! فلما رأى ان أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف، ثم قال: اما من عصا أوسكين أو حجر أو عظم يحاجزبه رجل عن نفسه؟ فوثبوا اليه فشدوه وثاقا ثم قيل له: مد عنقك فقال: ما أنا بها بسخى وما أنا بمعينكم على نفسى، فضربه مولى عبيدالله تركى يقال له: رشيد بالسيف فلم يصنع شيئا فقال هاني: إلى الله المعاد، اللهم إلى رحمتك ورضوانك، ثم ضربه اخرى فقتله.
وفي مسلم بن عقيل وهاني بن عروة رحمة الله عليهما يقول عبدالله بن الزبير الأسدي:
فان كنت لا تدرين ما الموت فانظرى * إلى هاني في السوق وابن قيل
إلى بطل قد هشم السيف وجهه * وآخر يهوى من طمار قتيل
اصابهما أمر الامير فاصبحا * احاديث من يسرى بكل سبيل
ترى جسدا قد غير الموت لونه * ونصح دم قد سال كل سبيل
فتى هو أحيا من فتاة حيية * واقطع من ذي شفرتين صقيل
أيركب اسماء الهما ليج آمنا * وقد طلبته مذحج بذحول
يطيف حواليه مراد وكلهم * على رقبة من سائل ومسؤل
فان أنتم لم تثأروا بأخيكم * فكونوا بغايا ارضيت بقليل
"فسلاماً لمسلماً وهاني اللذان حقاً اثبتا الولاء المطلق في حبهم لمولاهم ابي عبدالله
لحسين ونصرتهم للحق".