لما فرغ ابن سعد من قتل الحسين (عليه السلام) سرّح الرأس الشريف أولا مع خولي بن يزيد و حميد بن مسلم، في عصر يوم عاشوراء، و حمل خولي الرأس الشريف و أسرع في المسير حتى دخل الكوفة ليلا، و لأن ملاقات ابن زياد غير ممكنة في الليل اضطر الى المبيت في بيته.
و روى الطبري و الشيخ ابن نما عن النوار زوجة خولي انّها قالت: أقبل خولي برأس الحسين (عليه السلام) فوضعه تحت اجانة في الدار ثم دخل البيت، فآوى الى فراشه، فقلت له: ما الخبر ما عندك؟ قال: جئتك بغنى الدهر، هذا رأس الحسين معك في الدار، قالت: فقلت:
ويلك جاء الناس بالذهب و الفضة و جئت برأس ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لا و اللّه لا يجمع رأسي و رأسك بيت أبدا.
قالت: فقمت من فراشي فخرجت الى الدار، فو اللّه ما زلت أنظر الى نور يسطع مثل العمود من السماء الى الأجانة و رأيت طيرا بيضا ترفرف حولها، فلما أصبح غدا بالرأس الى عبيد اللّه بن زياد .
يقول المؤلف: لم ينقل أحد من أرباب المقاتل المعتبرة شيئا عن أحوال أهل البيت عليهم السّلام في يوم عاشوراء بعد مقتل الحسين (عليه السلام) و ليلة الحادي عشر، حتى نورده هنا.
على أي حال، لما أرسل عمر بن سعد لعنه اللّه رأس الحسين (عليه السلام) أمر برءوس الباقين من أصحابه و أهل بيته و يبلغ عددها اثنين و سبعين رأسا ان تقطع و تنظّف من الدم و التراب و سرّح بها مع شمر بن ذي الجوشن لعنه اللّه و قيس بن الاشعث و عمرو بن الحجاج و عزرة بن قيس لعنهم اللّه و قيل: قسّمت الرءوس بين قبائل كندة و هوازن و بني تميم و بني أسد و بني مذحج و سائر القبائل كي يأتوا بها الى ابن زياد و يتقربوا إليه بها.
ثم انّ عمر بن سعد لعنه اللّه أقام بقية يومه و اليوم الثاني الى زوال الشمس فجمع قتلاه فصلى عليهم و دفنهم و ترك الحسين (عليه السلام) و أصحابه مجرّدين بالعراء.
ثم رحل بمن تخلف من عيال الحسين (عليه السلام) و حمل نساءه صلوات اللّه عليهم على أحلاس اقتاب الجمال بغير وطاء مكشفات الوجوه بين الاعداء و هنّ ودائع الأنبياء، و ساقوهنّ كما يساق الترك و الروم في أشدّ المصائب و الهموم، و قيّدوا زين العابدين (عليه السلام) بالجامعة .
ثم مرّوا بهنّ على القتلى فصحن و لطمن وجوههنّ، و روى الشيخ ابن قولويه القمي بسند معتبر عن عليّ بن الحسين (عليه السلام) انّه قال لزائدة:
لما أصابنا بالطف ما أصابنا و قتل أبي (عليه السلام) و قتل من كان معه من ولده و اخوته و سائر أهله، و حملت حرمه و نساؤه على الأقتاب يراد بنا الكوفة، فجعلت انظر إليهم صرعى و لم يواروا فيعظم ذلك في صدري و يشتدّ لما أرى منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج و تبينت ذلك منّي عمّتي زينب بنت علي الكبرى، فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدي و أبي و إخوتي؟ فقلت: و كيف لا أجزع و أهلع و قد أرى سيدي و إخوتي و عمومتي و ولد عمّي و أهلي مضرجين بدمائهم مرملين بالعراء مسلّبين لا يكفّنون و لا يوارون، و لا يعرج عليهم أحد و لا يقرّبهم بشر كأنهم أهل بيت من الديلم و الخزر.
فقالت: لا يجزعنّك ما ترى فو اللّه انّ ذلك لعهد من رسول اللّه (صلى الله عليه واله)الى جدك و أبيك و عمّك عليهم السّلام و لقد أخذ اللّه ميثاق أناس من هذه الامة لا تعرفهم فراعنة هذه الارض و هم معروفون في أهل السماوات انّهم يجمعون هذه الاعضاء المتفرقة فيوارونها و هذه الجسوم المضرّجة، و ينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء (عليه السلام) لا يدرس أثره و لا يعفو رسمه على كرور الليالي و الأيّام و ليجتهدنّ ائمة الكفر ، و أشياع الضلالة في محوه و تطميسه فلا يزداد أثره الا ظهورا و أمره الّا علوّا .
و قال البعض انّ عبارة السيد في باب حرق الخيام و مجيء اهل البيت عليهم السّلام الى مصرع القتلى الواردة في اليوم العاشر وقعت في اليوم الحادي عشر و لا بأس بذكرها، فحينما أراد ابن سعد التوجه الى الكوفة، قال: أخرج (عمر بن سعد) النساء من الخيمة و اشعلوا فيها النار فخرجن حواسر مسلّبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلة و قلن بحقّ اللّه الّا ما مررتهم بنا على مصرع الحسين (عليه السلام) فلمّا نظر النسوة الى القتلى صحن و ضربن وجوههنّ.
قال الراوي: فو اللّه لا أنسى زينب بنت عليّ تندب الحسين (عليه السلام) و تنادي بصوت حزين و قلب كئيب: يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء هذا حسين مرمل بالدماء، مقطّع الأعضاء و بناتك سبايا، الى اللّه المشتكى و الى محمد المصطفى و الى عليّ المرتضى و الى فاطمة الزهراء و الى حمزة سيد الشهداء، يا محمداه، هذا حسين بالعراء تسفى عليه الصبا، قتيل أولاد البغايا، وا حزناه وا كرباه، اليوم مات جدّي رسول اللّه (صلى الله عليه واله)يا أصحاب محمداه هؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا.
و في رواية: يا محمداه بناتك سبايا و ذريّتك مقتلة تسفى عليهم ريح الصبا، و هذا حسين محزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة و الرداء. بأبي من أضحى عسكره في يوم الاثنين نهبا، بابي من فسطاطه مقطع العرى، بأبي من لا غائب فيرتجى و لا جريح فيداوى، بأبي من نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتى قضى، بأبي العطشان حتى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء، بأبي من جدّه المصطفى، بأبي من جدّه رسول اللّه السماء، بأبي من هو سبط نبي الهدى، بأبي محمد المصطفى بأبي خديجة الكبرى بأبي علي المرتضى، بأبي فاطمة الزهراء سيدة النساء.
فابكت و اللّه كل عدوّ و صديق، ثم انّ سكينة اعتنقت جسد ابيها الحسين (عليه السلام) فاجتمعت عدّة من الاعراب حتى جرّوها عنه .
في المصباح للكفعمي انّه: قالت سكينة: لما قتل الحسين (عليه السلام) اعتنقته فأغمي عليّ فسمعته يقول:
شيعتي ما ان شربتم ريّ عذب فاذكروني أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني
ثم ارتحلوا بأهل البيت عليهم السّلام من كربلاء الى الكوفة و اركبوهم الابل بغير غطاء بتفصيل نذكره فيما بعد.