تقدم برير للقتال، و كان زاهدا عابدا يقال فيه سيد القراء و من اشراف الكوفة و من الهمدانيين، و هو خال ابي اسحاق عمرو بن عبد اللّه السبيعي الكوفي التابعي الذي قيل فيه: قد صلى اربعين سنة صلاة صبحه بوضوء صلاة عشائه و ختم القرآن مدة كل ليلة و لم يكن في زمانه أعبد و لا أزهد و لا أوثق في الحديث منه عند الخاصة و العامة و هو من ثقات عليّ بن الحسين (عليه السلام).
على أي حال، لما خرج برير برز إليه يزيد بن معقل و تباهلا بان يقتل اللّه من كان منهما على الضلالة فبرز كل واحد لصاحبه فاختلفا بضربتين فضرب يزيد بن معقل برير بن خضير ضربة خفيفة لم تضره شيئا و ضربه برير ضربة قدّت المغفر و بلغت الدماغ، فخر اللعين كأنّما هوى من حالق، فلما رأى رضي بن منقذ ذلك حمل على برير، فاعتنقا و اعتركا ساعة ثم انّ بريرا قعد على صدره فاستغاث رضي بأصحابه فجاء كعب بن جابر لنصرته فحمل على برير بالرمح حتى وضعه في ظهره فلما وجد مس الرمح برك عليه فعض وجهه و قطع طرف انفه، فطعنه كعب بن جابر حتى ألقاه عنه و قد غيب السنان في ظهره، ثم أقبل عليه يضربه بالسيف حتى قتله.
قال الراوي: كأنّي أنظر الى العبدي الصريع قام ينفض التراب عن قبائه و يقول: أنعمت عليّ يا أخا الأزد نعمة لا أنساها أبدا، فلما رجع كعب بن جابر قالت له امرأته و أخته النوار بنت جابر: أعنت على ابن فاطمة و قتلت سيد القراء لقد أتيت عظيما من الامر، و اللّه لا أكلّمك من رأسي كلمة أبدا .
[ثم]خرج وهب بن عبد اللّه بن حباب الكلبي- الذي حضر جيش الحسين (عليه السلام) مع أمه
و زوجته- للبراز بتحريض امّه و تشويقها له، مرتجزا:
ان تنكروني فانا ابن الكلب سوف تروني و ترون ضربي
و حملتي و صولتي في الحرب أدرك ثأري بعد ثار صحبي
و ادفع الكرب أمام الكرب ليس جهادي في الوغى باللّعب
فقاتل قتالا شديدا و قتل جمعا ثم رجع الى أمه و زوجته فقال لأمّه: هل رضيت عنّي؟
قالت: لا أرضى عنك حتى تقتل دون الحسين (عليه السلام) فقالت زوجته: أقسمت عليك باللّه أن لا تتركني و لا تفجعني بمصابك، فقالت له امّه: يا بني لا تسمع لقولها اذهب الى القتال و استشهد في نصرة سيد العترة (عليه السلام) كي تشملك شفاعة جدّه يوم القيامة، فرجع الى الميدان مرتجزا:
انّي زعيم لك أمّ وهب بالطعن فيهم تارة و الضرب
ضرب غلام مؤمن بالربّ
فقتل تسعة عشر فارسا و اثني عشر راجلا و قاتل حتى قطعت يداه، فأخذت امّه عمود الخيمة و ذهبت الى الميدان و قالت: يا وهب فداك أبي و أمّي قاتل دون الطيبين ذرية محمد (صلى الله عليه واله)فأقبل إليها يردها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه ثم قالت:
انّي لن أدعك دون أن أموت معك، فناداها الحسين (عليه السلام) فقال: جزيت من أهل البيت خيرا، ارجعي رحمك اللّه الى النساء فاجلسي معهنّ، فانصرفت إليهن، فأخذ يقاتل حتى استشهد.
قال الراوي: فذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر فأمر غلاما له فضربها بعمود كان معه فشدخها و قتلها و هي اوّل امرأة قتلت في عسكر الحسين (عليه السلام) .
ثم خرج بعده عمرو بن خالد الأزدي الأسدي الصيداوي و جاء الى الحسين (عليه السلام) و قال له: بأبي أنت و أمي يا أبا عبد اللّه، اني عزمت اللحوق بركب الشهداء و اكره أن أبقى و أراك وحيدا قتيلا فأذن له و قال له: و نحن لاحقون بك بعد ساعة.
فخرج الى العدو مرتجزا:
إليك يا نفس من الرحمن فابشري بالرّوح و الرّيحان
اليوم تجزين على الاحسان
فقاتل حتى قتل، رحمة اللّه عليه، ثم خرج بعده ابنه خالد بن عمرو مرتجزا:
صبرا على الموت بني قحطان كي ما تكونوا في رضى الرحمن
يا ابتاه قد صرت في الجنان في قصر درّ حسن البنيان
فقاتل حتى قتل