بالنظر إلى الحملة الإعلامية الضخمة المضرة التي شنت ضد أهل البيت أهمية أخذ البقية الباقية من أهل بيت الإمام الحسين إلى الشام بشكل جيد، لأنّهم استطاعوا من خلال ذهابهم إلى هناك أن يمحوا آثار الإعلام الحاقد والمضلّل الذي دام أربعين عاماً، وأن يكشفوا القناع عن وجه الحكم الأموي الكريه بشكل كامل وأن ينبهوا الناس من غفلتهم بحيث يمكن القول بأنّهم كانوا عندما عادوا إلى المدينة بمثابة الجيش الفاتح المنتصر الذي أدّى واجبه بصورة ممتازة ، ولأجل أن تتّضح عظمة المهمة والرسالة التي قام بها حملة لواء الثورة الحسينية بصورة جيدة من المناسب أن نشير إلى نموذجين تاريخيين من ذلك:
بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السَّلام) وتزامناً مع أقطار العالم الإسلامي الأُخرى أخذت المدينة التي كانت مركزاً لعشيرة الرسول (صلى الله عليه واله)تثور شيئاً فشيئاً، وظنّاً منه بحصافته أرسل والي المدينة جماعة من وجهاء المدينة إلى «دمشق» حتى يلتقوا بالخليفة الشاب ويكرمهم كي يحثّوا الناس عند عودتهم على طاعته; غير انّ يزيد الذي لم يتربى تربية صحيحة، ولم يتمتع بأية حيطة وحصافة في الرأي، ولا حتى يراعي الحفاظ على تعاليم الإسلام في الظاهر، راح يشرب الخمر ويلاعب الكلاب و يرتكب المحرمات أمام أعينهم، وما أن عاد مبعوثو المدينة من الشام أطلقوا صيحاتهم و قالوا: يزيد شارب للخمر وملاعب للكلاب وفاسق، ولا يمكن لشخص مثل هذا أن يكون خليفة للمسلمين و إماماً لهم.
و في النهاية عمّت المدينة ثورة عارمة، و طرد الناس عامل المدينة و بني أُمية منها.
وعند وصول أخبار هذه الأحداث إلى الشام أرسل يزيد جيشاً لقمع أهالي المدينة، و قلد «مسلّم بن عُقْبَة» ـ و كان طاعناً في السن ـ قيادة الجيش، وحاصر مسلم المدينة ولم يكن باستطاعتهم الاستمرار في الصمود فاستسلموا، فأخذ جيش الشام يقتل الناس وينكل بهم، ولم يدخر وسعاً في اقتراف أنواع القبائح والجرائم، فلم يسلم من طائلة سيوفهم الرجال الأتقياء والمؤمنون والمتهجدون، ولم يتركوا حرمة لم يهتكوها، ولم تأمن امرأة ولا فتاة من اعتداء هؤلاء الهمج.
وقد أطلق على هذه المأساة اسم واقعة الحرة، هذا وقد ظل بيت الإمام زين العابدين و بيوت بني هاشم مأمونة من الاعتداء، ولهذا لاذ العشرات من عوائل المسلمين ببيته (عليه السَّلام) أبّان الحصار ونجوا.
وكتب الطبري: لما بعث يزيد مسلم بن عقبة إلى المدينة قال له : إنّ علي بن الحسين ليس منهم فأكرمه .
وكتب الشيخ المفيد: إنّ مسلم بن عقبة لما قدم المدينة أرسل إلى علي بن الحسين فأتاه، فلما صار إليه قربه وأكرمه و قال له: أوصاني أمير المؤمنين ببرّك وصلتك وتمييزك عن غيرك، فجزاه خيراً ثمّ قال لمن حوله: أسرجوا له بغلتي، و قال له: انصرف إلى أهلك، فإنّي أرى أن قد أفزعناهم وأتعبناك بمشيك إلينا، ولو كان بأيدينا ما نقوى به على صلتك بقدر حقّك لوصلناك.
وممّا لا شكّ فيه هو انّ أحد الأسباب التي تكمن وراء سلوك مسلم ـ و هذا ما سنتحدث عنه في سيرة الإمام الرابع ـ هو أنّ الإمام السجاد قد عزل نفسه ولم يشارك الثائرين في ثورتهم، ومن المؤكد أيضاً انّ سلطة يزيد دفعت ثمن قتل الحسين باهظاً، وهي لم تزل واقعة تحت ضغوط الرأي العام، وكذلك لم يشأ أن يشوّه سمعته بإيذاء أهل البيت أكثر من ذلك.