لقد أشرق الكون بهذا الميلاد المبارك ، وتأرج فيه بنحره الشّذيّ يوم برز الى عالم الشهود بعد تقلب متطاول ، بين أصلاب طاهرة ، وأرحام زاكية ، غير مدنسة بدرن الكفر ، ولا موصومة بأدناس الجاهلية الأولى في نسب متصل بنسب صاحب الرسالة(صلى الله عليه واله) وحسب موروث من « شيخ الأبطح » الآنف ذكر شرفه وشرف بيته الرفيع وبينهما حلقة الوصل مثل عقيل الذي تقدم وصفه وذكر منزلته من العظمة والإيمان والشرف.
ولقد تلقى عقيل دروسا ضافية من صاحب الدعوة الالهية وأخيه الخليفة على الأمة عند انقضاء أمد الوحي المبين ، وفيها ما يجب على الرجال من اختيار المحل الصالح لحمل تلكم النطف الزاكية وفي جملتها التحذير من منابت السوء المفسر على لسان المشرع الأعظم(صلى الله عليه واله) بالمرأة الدنيئة الأصل (1) لكون الوراثة حاكمة بطبعها الأوليّ على الفضائل المطلوبة من الولد اللهم إلا مع مزاحمة الكسبيات لها وظهورها عليها كما هو المشاهد من الرجال الذي اتصلوا بالذوات المقدسة فحصل لهم بواسطتها اسمى الخصال الطيبة وفازوا بالرضوان الأكبر.
ومن المقطوع به أن عقيلا مع حيطته بأنساب العرب ومواقع المآثر و المحازي وايمانه بتلكم الدروس الراقية لم يختر لنطفته إلا محلا لائقا تتعداه كل غميزة وتقترب منه الفضيلة ولم يستهسل أن ينبز عقبه بما لا يلائم نسبه الوضاح وبيتهم المنيع كما كان يقال في كثيرين من أهل عصره وذرياتهم.
ويشهد له وقفة أولاده بمشهد الطف يوم التطمت أمواج الضلال وتحزّبت عصب الشرك على سيد شباب أهل الجنة وقطعوا عنه خطوط المدد وحالوا دون الوسائل الحيوية حتى الماء المباح لعامة الحيوانات ، يريدون بذلك استئصال شأفة النبوة فكتبوا بدمائهم الزاكية اسطرا نورية على جبهة الدهر تقرؤها الأجيال المتعاقبة ، ويتعرفون منها مناهج موتة العز وأن الحياة مع الظالمين ذميمة.
فظهر مسلم(عليه السلام) بين هذه وتلك ألقا وضاءا للحق وشخصية بارزة للدين والهدى متأهلا لحمل أعباء النيابة الخاصة عن حجة الوقت ولذلك اختاره لها سيد الشهداء(عليه السلام) من بين ذويه وحشده الأطايب.
ومن هذا الإستنباط يعلم طهارة « أمه » عن كل ما تغمز به النساء وأنها متحلية بالمفاخر وإن لم يعطها التأريخ حقها كما لم يعط حق ولدها المعظم الثابت له.
نعم للتأريخ والمؤرخين شغل شاغل بذكر أخبار القيان والمغنين وسرد روايات أهل الخلاعة والمعازف عن إثبات أحاديث سروات المجد وقادة الإصلاح من بني هاشم.
وهل النقمة ههنا على الكتاب أو ظروف التدوين أو السياسات القاسية أنا لا أدري ، ولهذا كله خفى علينا يوم ولادتها وشهرها وسنتها ، وكان من الصعب جدا تحديدها وكلما يقال فهو تقريب واستحسان ولا يغني من الحق شيئا.
وستقف في البحث المتعلق بأم مسلم على شيء ربما يستكشف المتأمل منه مبدأ الولادة.
____________
1) المقنعة للشيخ المفيد ص79 ، والمجازات النبوية للشريف الرضي ص61 طبع مصر.