[ثم إن أعداء الله] لبثوا هنيئة و عادوا إلى الحسين و أحاطوا به و هو جالس على الأرض لا يستطيع النهوض فنظر عبد اللّه بن الحسن السبط عليه السّلام و له إحدى عشرة سنة إلى عمه و قد أحدق به القوم فأقبل يشتد نحو عمه و أرادت زينب حبسه فأفلت منها و جاء إلى عمه و أهوى بحر بن كعب بالسيف ليضرب الحسين فصاح الغلام: يا ابن الخبيثة أتضرب عمي؟ فضربه و اتقاها الغلام بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة فصاح الغلام: يا عماه! و وقع في حجر الحسين فضمه إليه و قال: يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك و احتسب في ذلك الخير فإن اللّه تعالى يلحقك بآبائك الصالحين و رفع يديه قائلا: اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم تفريقا و اجعلهم طرائق قددا و لا ترض الولاة عنهم أبدا فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلونا «1».
و رمى الغلام حرملة بن كاهل بسهم فذبحه و هو في حجر عمه «2». و بقي الحسين مطروحا مليا و لو شاؤوا أن يقتلوه لفعلوا إلا أن كل قبيلة تتكل على غيرها و تكره الإقدام «3».
و اصبح مشتجرا للرماح تحلي الدما منه مرانها
عفيرا متى عاينته الكماة يختطف الرعب ألوانها
فما أجلت الحرب عن مثله صريعا يجبّن شجعانها
تريب المحيا تظن السما بأن على الأرض كيوانها
غريبا أرى يا غريب الطفوف توسد خديك كثبانها
و قتلك صبرا بأيد أبوك ثناها و كسر أوثانها
أتقضي فداك (حشا العالمين) خميص الحشاشة ظمآنها «4»
فصاح الشمر ما وقوفكم و ما تنتظرون بالرجل و قد اثخنته السهام و الرماح احملوا عليه «5».
وا أسفاه حملوا عليه من كل جانب أتوا إليه
قد ضربوا عاتقه المطهرا بضربة كبالها على الثرى «6»
و ضربه زرعة بن شريك على كتفه الأيسر و رماه الحصين في حلقه «7» و ضربه آخر على عاتقه و طعنه سنان بن أنس في ترقوته ثم في بواني صدره ثم رماه بسهم في نحره «8» و طعنه صالح بن وهب في جنبه «9».
قال هلال بن نافع كنت واقفا نحو الحسين و هو يجود بنفسه فو اللّه ما رأيت قتيلا قط مضمخا بدمه أحسن منه وجها و لا أنور! و لقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله! فاستقى في هذه الحال ماء فأبوا أن يسقوه.
و قال له رجل لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها فقال عليه السّلام: أنا أرد الحامية و إنما أرد على جدي رسول اللّه و أسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر و أشكو إليه ما ارتكبتم مني و فعلتم بي فغضبوا بأجمعهم حتى كأن اللّه لم يجعل في قلب أحدهم من الرحمة شيئا «10».
فلو أن أحمد قد رآك على الثرى لفرشن منه لجسمك الاحشاء
أو بالطفوف رأت ظماك سقتك من ماء المدامع أمك الزهراء
يا ليت لا عذب الفرات لوارد و قلوب أبناء النبي ظماء
كم حرة نهب العدى أبياتها و تقاسمت احشاءها الارزاء
تعدو فإن عادت عليها بالعدى عدو العوادي الجرد و الاعداء
هتفت تثير كفيلها و كفيلها قد أرمضته في الثرى الرمضاء «11»
______________
(1) الطبري ج 6 ص 259 و مثير الأحزان ص 38 و اللهوف ص 68.
(2) مثير الأحزان ص 39 و اللهوف ص 68.
(3) الأخبار الطوال ص 255 و الخطط المقريزية ج 2 ص 288.
(4) من قصيدة للسيد حيدر الحلي رحمه اللّه.
(5) مقتل الخوارزمي ج 2 ص 35 و مناقب ابن شهراشوب ج 2 ص 222.
(6) المقبولة الحسينية ص 56 للحجة الشيخ هادي كاشف الغطاء.
(7) الاتحاف بحب الاشراف ص 16.
(8) اللهوف ص 70.
(9) مقتل العوالم ص 110 و الخوارزمي في المقتل ج 2 ص 35.
(10) ابن نما ص 39.
(11) من قصيدة لحجة الإسلام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء.