بعث [الأمام الحسين (عليه السلام)] مع مسلم بن عقيل عليه السّلام قيس بن مسهر الصيداوي و عمارة بن عبد اللّه السلولي و عبد الرحمن بن عبد اللّه الأزدي و أمره بتقوى اللّه و النظر فيما اجتمع عليه أهل الكوفة فإن رأى الناس مجتمعين مستوثقين عجل إليه بكتاب «1».
فخرج مسلم من مكة للنصف من شهر رمضان «2» على طريق المدينة فدخلها و صلى في مسجد النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و ودع أهله «3» ثم استأجر رجلين من قيس ليدلاه على الطريق فضّلا ذات ليلة و أصبحا تائهين و قد اشتد بهما العطش و الحر فقالا لمسلم عليه السّلام و قد بان لهما سنن الطريق عليك بهذا السمت فالزمه لعلك تنجو فتركهما و مضى على الوصف و مات الدليلان عطشا «4» و لم يسعه حملهما لأنهما على وشك الهلاك و غاية ما وضح للدليلين العلائم المفضية إلى الطريق لا الطريق نفسه و لم تكن المسافة بينهم و بين الماء معلومة و ليس لهما طاقة على الركوب بأنفسهما و لا مردفين مع آخر و بقاء مسلم عليه السّلام معهما إلى منتهى الأمر يفضي إلى هلاكه و من معه فكان الواجب الأهم التحفظ على النفوس المحترمة بالمسير لادراك الماء فلذلك تركهما في المكان.
و نجا مسلم و من معه من خدمه بحشاشة الأنفس حتى أفضوا إلى الطريق و وردوا الماء فأقام فيه. و كتب إلى الحسين عليه السّلام مع رسول استأجره من أهل ذلك الماء يخبره بموت الدليلين و ما لاقاه من الجهد و أنه مقيم بمنزله و هو المضيق من بطن الخبت حتى يعرف ما عنده من الرأي، فسار الرسول و وافى الحسين بمكة و اعطاه الكتاب فكتب الحسين عليه السّلام يأمره بالمسير إلى الكوفة و لا يتأخر.
و لما قرأ مسلم الكتاب سار من وقته و مر بماء لطي فنزل عليه ثم ارتحل فإذا رجل يرمي ظبيا حين أشرف له فصرعه فتفأل بقتل عدوه.
___________
(1) ارشاد المفيد.
(2) مروج الذهب ج 2 ص 86.
(3) الطبري ج 6 ص 198.
(4) الأخبار الطوال ص 232.