روى الشيخ ابن نما انّه: رأت سكينة في منامها و هي بدمشق (و في رواية السيد بعد مضي أربعة أيام) كأنّ خمسة نجب من نور قد أقبلت و على كل نجيب شيخ و الملائكة محدقة بهم، و معهم و صيف يمشي، فمضى النجب و أقبل الوصيف إليّ و قرب منّي.
و قال: يا سكينة انّ جدّك يسلّم عليك، فقلت: و على رسول اللّه السلام، يا رسول من أنت؟ قال: وصيف من وصائف الجنة، فقلت: من هؤلاء المشيخة الذين جاءوا على النجب؟
قال: الأوّل آدم صفوة اللّه، و الثاني ابراهيم خليل اللّه، و الثالث موسى كليم اللّه، و الرابع عيسى روح اللّه.
فقلت من هذا القابض على لحيته يسقط مرة و يقوم أخرى؟ قال: جدّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقلت: و أين هم قاصدون؟ قال: الى أبيك الحسين، فأقبلت أسعى في طلبه لأعرّفه ما صنع بنا الظالمون بعده، فبينما أنا كذلك اذ أقبلت خمسة هوادج من نور في كل هودج امرأة، فقلت: من هذه النسوة المقبلات؟
قال: الأولى حواء أم البشر، و الثانية آسية بنت مزاحم، و الثالثة مريم بنت عمران، و الرابعة خديجة بنت خويلد، و الخامسة الواضعة يدها على رأسها تسقط مرة و تقوم أخرى، فقلت: من؟ فقال: جدّتك فاطمة بنت محمد أم أبيك.
فقلت: و اللّه لأخبرنّها ما صنع بنا، فلحقتها و وقفت بين يديها أبكي و أقول: يا أمّتاه جحدوا و اللّه حقنا، يا امتاه بدّدوا و اللّه شملنا، يا أمّتاه استباحوا و اللّه حريمنا، يا أمّتاه قتلوا و اللّه الحسين أبانا، فقالت: كفّي صوتك يا سكينة فقد أقرحت كبدي و قطعت نياط قلبي، هذا قميص ابيك الحسين لا يفارقني حتى ألقى اللّه به .
و حكي منام آخر لسكينة و قد قصته على يزيد لعنه اللّه و قد ذكره العلامة المجلسي في كتابه جلاء العيون ثم قال: «و روى القطب الراوندي عن الأعمش انّه قال: بينا أنا في الطواف بالموسم اذا رأيت رجلا يدعو و هو يقول: اللهم اغفر لي و أنا أعلم انّك لا تغفر، قال:
فارتعدت لذلك و دنوت منه و قلت: يا هذا أنت في حرم اللّه و حرم رسوله و هذه أيام حرم في شهر عظيم، فلم تيأس من المغفرة؟ قال: يا هذا ذنبي عظيم، قلت: أعظم من جبل تهامة؟
قال: نعم، قلت: يوازن الجبال الرواسي؟ قال: نعم، فان شئت اخبرتك، قلت: أخبرني، قال:
أخرج بنا عن الحرم، فخرجنا به، فقال لي: أنا أحد من كان في العسكر المشؤوم عسكر عمر بن سعد عليه اللعنة، حين قتل الحسين (عليه السلام) و كنت أحد الاربعين الذين حملوا الرأس الى يزيد من الكوفة فرأينا في الطريق معاجز كثيرة لرأس الحسين، فلما قدمنا دمشق و دخلنا على يزيد، ابتدر قاتل الحسين الى يزيد فقال:
املأ ركابي فضة أو ذهبا انّي قتلت الملك المحجّبا
قتلت خير الناس امّا و أبا
فأمر يزيد بقتله، و قال: علمت انّ حسينا خير الناس أمّا و أبا، لم قتلته؟ ثم جعل الرأس في طست و هو ينظر إليه و يظهر الفرح و السرور، فلم يفده نصح الناصحين (كما مرّ).
ثم أمر فأدخل الرأس القبة التي بازاء المجلس الذي يشرب فيه، و وكلنا بالرأس و كلّ ذلك كان في قلبي (أي ما رآه في الطريق من المعاجز) فلم يحملني النوم في تلك القبة، فلما دخل الليل وكّلنا أيضا بالرأس، فلما مضى وهن من الليل سمعت دويّا من السماء فاذا مناد ينادي: يا آدم اهبط، فهبط أبو البشر و معه كثير من الملائكة، ثم سمعت مناديا ينادي: يا ابراهيم اهبط، فهبط و معه كثير من الملائكة، ثم سمعت مناديا ينادي: يا موسى اهبط، فهبط و معه كثير من الملائكة، ثم سمعت مناديا ينادي: يا عيسى اهبط، فهبط و معه كثير الملائكة، ثم سمعت دويا عظيما و مناد ينادي: يا محمد اهبط، فهبط و معه خلق كثير من الملائكة فأحدقت الملائكة بالقبة.
ثم انّ النبي دخل القبة و قعد تحت الرأس فانحنى الرمح و وقع الرأس في حجر رسول اللّه، فأخذه و جاء به الى آدم فقال: يا أبي يا آدم! ما ترى ما فعلت امتي بولدي من بعدي؟ فاقشعرّ لذلك جلدي.
ثم قال جبرئيل فقال: يا محمد انا صاحب الزلازل، فأمرني لأزلزل بهم الارض و أصيح بهم صيحة واحدة يهلكون فيها، فقال: لا، قال: يا محمد دعني و هؤلاء الاربعين الموكلين بالرأس، قال: فدونك، فجعل ينفخ بواحد واحد (فيحترقون) فدنا منّي فقال: أ تسمع و ترى؟ قال: (فاستغثت بالنبي صلّى اللّه عليه و آله) فقال النبي: دعوه دعوه لا يغفر اللّه له، فتركني و أخذوا الرأس و ولّوا، فافتقد الرأس من تلك الليلة فما عرف له خبر.
و لحق عمر بن سعد بالريّ فما لحق بسلطانه و محق اللّه عمره و أهلك في الطريق .