[ذكر الشيخ القمي في فصل قتل صحابة الحسين (عليه السلام)انه] في هذا الوقت حمل الحر بن يزيد على اصحاب عمر بن سعد كالليث الغضبان، متمثلا
بشعر عنترة:
ما زلت أرميهم بثغرة نحره و لبانه حتّى تسربل بالدّم
و كان يرتجز أيضا:
انّي أنا الحرّ و مأوى الضّيف أضرب في أعناقكم بالسيف
عن خير من حلّ بأرض الخيف أضربكم و لا أرى من حيف
يقول الراوي: رأيت حرا و انّ فرسه لمضروب على أذنيه و حاجبه، و انّ دماءه لتسيل، فقال الحصين بن تميم ليزيد بن سفيان: هذا الحر بن يزيد الذي كنت تتمنى قتله؟ قال: نعم، فخرج إليه فقال له: هل لك يا حرّ في المبارزة؟ قال: نعم قد شئت، فبرز له، فقال الحصين: و اللّه لبرز (الحر) له فكأنّما كانت نفسه بيده فما لبثه الحرّ حين خرج إليه أن قتله .
و دعا عمر بن سعد، الحصين بن تميم، فبعث معه خمسمائة من المرامية، فاقبلوا حتى اذا دنوا من الحسين (عليه السلام) و أصحابه رشقوهم بالنبل فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم و صاروا رجالة كلّهم.
و روى أبو مخنف عن ايوب بن مشرح الخيواني انّه قال: أنا و اللّه عقرت بالحر بن يزيد فرسه، حشأته سهما فما لبث أن أرعد الفرس و اضطرب و كبا .
يقول المؤلف: كأنّ حسان بن ثابت قال في هذا المقام:
و يقول للطّرف اصطبر لشبا القنا فهدمت ركن المجد إن لم تعقر
و ما أحلى ذكر هذا الحديث المروي عن الصادق (عليه السلام) في هذا المقام حيث قال:
«الحرّ حرّ على جميع أحواله ان نابته نائبة صبر لها و ان تداكت عليه المصائب لم تكسره و ان أسر و قهر و استبدل باليسر عسرا» .
قال الراوي: لما عقر فرسه نزل عنه فجعل يقول:
ان تعقروا بي فانا ابن الحر أشجع من ذي لبد هزبر
فما رأيت احدا مثله يفري فريه ، و نقل أهل السير و التاريخ انّ الحر و زهير تعاهدا بالهجوم على الجيش معا و أن يقاتلا قتالا شديدا و يقتلا نفرا كثيرا و اذا حوصر احدهما جاء الآخر و خلّصه، فقاتلا كذلك ساعة و الحرّ يرتجز و يقول:
آليت لا أقتل حتى أقتلا و لن أصاب اليوم الّا مقبلا
اضربهم بالسيف ضربا مقصلا لا ناكلا منهم و لا مهلّلا
و كان بيده سيف يلوح منه الموت و كأنّ ابن المعتز قال في حقه:
ولي صارم فيه المنايا كوامن فما ينتضى الا لسفك دماء
ترى فوق منبته الفرند كأنّه بقيّة غيم رقّ دون سماء
فهجم عليه جمع من أصحاب عمر بن سعد فقتلوه و قيل: أتى الحسين (عليه السلام) الى الحر و دمه يشخب و فيه رمق من الحياة فقال له: بخ بخ يا حر أنت حر كما سميت في الدنيا و الآخرة، ثم أنشأ (عليه السلام) يقول:
لنعم الحر حر بني رياح و نعم الحرّ عند مختلف الرّماح
و نعم الحرّ اذ نادى حسينا فجاد بنفسه عند الصّباح