لما رأى الحر انّ القوم قد صمّموا على قتال الحسين (عليه السلام) و سمع نداءه يقول: «أ ما من مغيث يغيثنا لوجه اللّه، أ ما من ذاب يذب عن حرم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)»، انتبه من نوم الغفلة و جاء الى عمر بن سعد فقال له: أي عمر أ مقاتل أنت هذا الرجل؟ قال: اي و اللّه قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرءوس و تطيح الايدي، قال: أ فما لكم فيما عرضه إليكم رضى؟ قال عمر: أما لو كان الامر إليّ لفعلت و لكن أميرك قد أبى.
فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا و معه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس فقال له:
يا قرة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا، قال: فما تريد أن تسقيه؟ قال قرة: و ظننت و اللّه انّه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال فكره أن أراه حين يصنع ذلك فقلت له: لم اسقه و أنا منطلق لأسقيه.
فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه، فو اللّه لو انّه اطلعني على الذي يريد لخرجت معه الى الحسين (عليه السلام)، فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا، فقال له مهاجر بن أوس: ما تريد يا بن يزيد؟ تريد أن تحمل؟ فلم يجبه و أخذه مثل الافكل و هي الرعدة.
فقال له مهاجر: انّ أمرك لمريب و اللّه ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا و لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة؟ ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟ فقال له الحر: انّي و اللّه اخير نفسي بين الجنة و النار فو اللّه لا أختار على الجنة شيئا و لو قطعت و حرقت، ثم ضرب فرسه قاصدا الى الحسين (عليه السلام) و يده على رأسه و هو يقول: «اللهم إليك أنبت فتب عليّ فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد بنت نبيك».
قال أبو جعفر الطبري: فلما دنا من الحسين (عليه السلام) و أصحابه قلب ترسه (كي يعلن بانّه لم يأت للقتال) و سلم عليهم.
فلحق بالحسين (عليه السلام) فقال له: جعلت فداك يا ابن رسول اللّه أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع و سايرتك في الطريق و جعجعت بك في هذا المكان و ما ظننت أنّ القوم يردون ما عرضته عليهم و لا يبلغون منك هذه المنزلة و اللّه لو علمت انّهم ينتهون بك الى ما أرى ما ركبت منك الذي ركبت و انّي تائب الى اللّه مما صنعت، فترى لي من ذلك توبة؟
فقال له الحسين (عليه السلام)؟ نعم يتوب اللّه عليك فانزل، قال: فأنا لك فارس خير من راجل أقاتلهم على فرسي ساعة و الى النزول آخر ما يصير أمري، فقال له الحسين (عليه السلام):
فاصنع رحمك اللّه ما بدا لك، فاستقدم امام الحسين (عليه السلام) فقال: يا أهل الكوفة، لأمكم الهبل و العبر ، دعوتم هذا العبد الصالح حتى اذا أتاكم أسلمتموه و زعمتم انكم قاتلوا انفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه و أخذتم بكظمه و أحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد اللّه العريضة فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا و لا يدفع عنها ضرا، و جلأتموه و نساءه و صبيته و أهله عن ماء الفرات الجاري، يشربه اليهود و النصارى و المجوس و تمرغ فيه خنازير السواد و كلابه، و ها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمدا (صلى الله عليه واله)في ذريته لا سقاكم يوم الظماء فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل، فأقبل حتى وقف أمام الحسين (عليه السلام) و نادى عمر بن سعد: يا دريد ادن رايتك، فادناها ثم وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى فقال: اشهدوا انّي أوّل من رمى .