روى السيد بن طاوس انّه: خرج زين العابدين (عليه السلام) يوما يمشي في أسواق دمشق فاستقبله المنهال بن عمرو، فقال له: كيف أمسيت يا ابن رسول اللّه؟ قال: أمسينا كمثل بني اسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم.
يا منهال: أمست العرب تفتخر على العجم بانّ محمدا عربيّ، و أمست قريش تفتخر على سائر العرب بانّ محمدا منها، و أمسينا معشر أهل بيته و نحن مغصوبون مقتولون مشرّدون فانّا للّه و انّا إليه راجعون ممّا أمسينا فيه يا منهال .
و قد ذكر الشيخ الاجل علي بن ابراهيم القمي مكالمة الامام (عليه السلام) مع منهال في سوق دمشق مع اختلاف يسير، ثم قال بعد تشبيه نفسه (عليه السلام) ببني اسرائيل: و أصبح خير البرية بعد محمد (صلى الله عليه واله)يلعن على المنابر ، و أصبح عدونا يعطي المال و الشرف، و أصبح من يحبنا محقورا منقوصا حقه، و كذلك لم يزل المؤمنون.
و أصبحت العجم تعرف العرب حقها بانّ محمدا كان منها، و أصبحت قريش تفتخر على العرب بانّ محمدا كان منها، و أصبحت العرب تعرف لقريش حقها بانّ محمدا كان منها، و أصبحت العرب تفتخر على العجم بانّ محمدا كان منها، و أصبحنا أهل البيت لا يعرف لنا حق، فهكذا أصبحنا يا منهال .
و ذكر هذا الخبر بوجه أبسط في كتاب الأنوار النعمانية للمحدث الجليل السيد نعمة اللّه الجزائري، حيث قال: و روي عن المنهال بن عمر انّه قال: بينما أتمشى في السوق من دمشق و اذا أنا بعليّ بن الحسين (عليه السلام) يتوكّأ على عصى و رجلاه كأنّهما قصبتان و الدم يسيل من ساقيه و الصفرة قد ازدادت عليه، فخنقتني العبرة، فاعترضته و قلت: كيف أصبحت يا ابن رسول اللّه؟ قال: فبكى و قال: كيف حال من أصبح أسيرا ليزيد بن معاوية و نسائي الى الآن ما شبعن ... و لا كسين رؤوسهن، نائحات الليل و النهار (فذكر (عليه السلام) شطرا مما نقلناه عن التفسير، ثم قال:) ما يدعون يزيد إليه مرة الّا نظنّ القتل انّا للّه و انّا إليه راجعون.
قلت: سيدي و الى أين تريد؟ قال: المجلس الذي نحن فيه ليس له سقف و الشمس تصهرنا به و لا نرى الهوى فأفرّ منه لضعف بدني سويعة و أرجع خشية على النساء، فبينما هو يخاطبني و أخاطبه و اذا بامرأة تناديه، فتركني و رجع إليها فحققت النظر إليها و اذا بها زينب بنت عليّ (عليه السلام) تدعوه: الى أين تمضي يا قرة عيني؟ فرجع و انحرفت عنه و لم أزل أذكره و أبكي .
و في مثير الاحزان: و أسكنّ في مساكن لا تقيهنّ من حرّ و لا برد حتى تقشرت الجلود و سال الصديد بعد كن الخدود و ظلّ الستور .
و في كامل البهائي نقلا عن كتاب الحاوية: انّ نساء أهل بيت النبوة أخفين على الاطفال شهادة آبائهم و قلن لهم انّ آباءكم قد سافروا الى كذا و كذا و كان الحال على ذلك المنوال حتى أمر يزيد بان يدخلن داره و كان للحسين (عليه السلام) بنت صغيرة لها اربع سنين قامت ليلة من منامها و قالت: أين أبي الحسين (عليه السلام) فانّي رأيته الساعة في المنام مضطربا اضطرابا شديدا.
فلما سمعت النسوة ذلك بكين و بكى معهن سائر الاطفال و ارتفع العويل، فانتبه يزيد من نومه و قال: ما الخبر؟ ففحصوا عن الواقعة و قصوا عليه، فأمر أن يذهبوا برأس ابيها إليها، فأتوا بالرأس الشريف و جعلوه في حجرها، فقالت: ما هذا؟ قالوا: رأس ابيك، ففزعت الصبية و صاحت فمرضت و توفيت في أيامها بالشام، ألا لعنة اللّه على القوم الظالمين.